تشييع شهداء مجزرة الدالوة بريدة تنتظر تعيين والياً عليها من الخليفة

الرياض تتجرع السمّ الذي طبخته لغيرها

البغدادي: مزّقوا آل سعود وجنودهم!

عمر المالكي

(يا أبناء الحرمين.. يا أهل التوحيد.. يا أهل الولاء والبراء: إنما عندكم رأسُ الأفعى ومعقل الدّاء. ألا فلتسلّوا سيوفكم، ولتُكسروا أغمادكم. ألا فلتُطلّقوا الدّنيا. فلا أمن لآل سلول وجنودهم ولا راحة بعد اليوم؛ ولا مكان للمشركين في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم. سلّوا سيوفكم، وعليكم أولاً بالرافضة حيثما وجدتموهم، ثمّ عليكم بآل سلول وجنودهم قبل الصليبيين وقواعدهم. عليكم بالرافضة وآل سلول وجنودهم، مزّقوهم إربا، وتخطّفوهم زرافات ووحدانا. نغّصوا عليهم عيشهم، وأشغلوهم عنّا بأنفسهم، واصبروا ولا تتعجّلوا، وعمّا قريب إن شاء الله، تصلُكم طلائعُ الدولة الإسلامية).

أبو بكر البغدادي

قد يكون هذا الخطاب التهديدي الذي خصّ به البغدادي السعودية مؤخراً مؤشر يأس بعد الخسائر التي مُني بها تنظيمه في الآونة الأخيرة، فأراد ان يوضح أنه حيّ يرزق أولاً؛ وأن دولته قوية ولاتزال باقية تتمدد ـ كما هو شعارها ـ الى بلدان أخرى حدد أسماءها: مصر، اليمن، ليبيا، والسعودية وغيرها، ثانياً. وثالثاً، رغم انه وعد بأن تصل طلائع الدولة الاسلامية الى السعودية عما قريب، لكنه في نفس الوقت طالب أنصاره في الداخل السعودي بأن يصبروا ولا يتعجّلوا، ما يشير الى أنه في الوقت الحالي قد لا يكون قادراً على ارسال جنده الى الحدود الشمالية السعودية، ولربما أرسلهم من الجنوب اليمني، فقد بايعت قاعدة اليمن ـ أو أكثرها ـ البغدادي، وتركت وراءها الظواهري بلا أنصار تقريباً. لكن حتى دواعش اليمن مشغولين هذا الإيام بحرب (أنصار الله) الحوثيين؛ ولا يعتقد ان لديهم فائض من القوى كبير يمكن ارساله الحدود لاختراقها.

في هذه الحالة، ان صحّ هذا، فإن كل ما يستطيع ان يبعث به الخليفة البغدادي الى الحدود السعودية الشمالية والجنوبية، سيكون مجرد مجموعات صغيرة، تقوم بدور المناوشات مع القوات الحكومية، بهدف الربط على قلوب الأتباع في الداخل من جهة، واختبار تلك القوات الرسمية من جهة ثانية، وتشجيع من يريد القيام بعمل ما من الدواعش داخلياً، من جهة ثالثة.

لا يخفى أن الدعوات من داخل السعودية للبغدادي للقدوم وتحرير (جزيرة العرب) لم تبدأ بسيطرته على الموصل في يونيو الماضي؛ فقد ظهرت نسوة داعشيات من منطقة القصيم، اعتقل أزواجهن أو آباؤهن أو إخوانهن، في شريط فيديو، يدعونه وجنده للقدوم، وفكّ أسر المعتقلين والمعتقلات، وتدمير سجن الحائر، وتأديب آل سعود. هذه الدعوات تصاعدت بعد احتلال الموصل بسبب عاملين أساسيين:

الأول ـ الإنتشاء الذي حدث لدواعش الداخل بفعل الانتصار في الموصل، واعتقادهم بأن هناك من الأنصار في الداخل يمكن أن يرفدوا قوة الخارج التي اقتربت من الحدود الأردنية والسعودية.

الثاني ـ ضغط الأنصار السعوديين، او في الحقيقة المهاجرين، الذين يقاتلون في صفوف داعش. فالبغدادي يعلم بأن معظم انتحارييه هم من السعودية، وهؤلاء يرغبون في القتال في بلدهم، وتشكل رغبتهم الملحّة عنصراً ضاغطاً على التنظيم، فضلاً عن ان السعودية هي الجائزة الكبرى، ففيها الأنصار، وفيها المقدسات الاسلامية، وفيها كنوز الأموال، ومن يأخذها يأخذ معها الكثير من الملحقات وبينها كل دول الخليج، على الأقل!

لكن البغدادي لم يُستدرج لمعركة لم يكن مستعداً لها، فقد كان بحاجة الى هضم (ممتلكاته الجديدة) وإحكام السيطرة عليها، ولذا لم يكرر تجربة الهجوم بالصواريخ على عرعر، خاصة وان سُحباً سوداء قد بدأت تهطل بأمطارها المسمومة على قواته في العراق، حيث تم استيعاب زخم انتصاراته ثم بدأت بالتقهقر ولاتزال. فضلا عن أن تجربة كوباني تشكل ضربة معنوية لقواته.

ولربما بسبب هذه الخسائر، توجه البغدادي بنفسه الى أتباعه ليطمئنهم على الوضع، وليحضّهم على مواجهة آل سعود ريثما تتأهب قواته لمساندتهم، او تكون حركتهم تمهيداً لاختراق الحدود، او في أضعف الأحوال يكون فعل الأتباع في الداخل السعودي عامل إشغال لآل سعود عن الحرب ضد دولته المزعومة، كما عبر هو بنفسه (اشغلوهم عنّا بأنفسهم).

تجدر الإشارة الى أن دعوات الداعشيين المقاتلين في دولة البغدادي لرفقائهم في الداخل، من أجل القيام بأعمال عنف، لم تثمر كما كان يؤمّل البغدادي، فهل ستنجح هذه المرّة بعد أن توجه الخليفة بنفسه إليهم بالطلب؟

ربما، والسبب أن استراتيجية البغدادي تختلف عن استراتيجية القاعدة وابن لادن. فقد أراد البغدادي تحفيز الحس الطائفي بشكل كبير، وقد قام أتباعه للتوّ بمذبحة في قرية شيعية بالأحساء شرق السعودية، راح ضحيتها اطفال كثيرون، وليس لها ما يبررها إلا الإختلاف المذهبي فحسب. لكن هؤلاء الدواعش، الذين لم يقبض عليهم على الأرجح، وبدلاً من أن يؤخذ على يدهم، جاء البغدادي فأيّد مسعاهم ودعا الى القتل بشكل جمعي لملايين الشيعة في السعودية، بل أنه اعتبر ذلك أولوية لديه.

تحفيز الحسّ الطائفي الذي هو في قمة الهيجان أصلاً، أريد منه أن يكون مدخلاً لتوتير الوضع المحلي، واحداث اصطفاف سياسي عقدي وراء داعش، يثمّر لاحقاً في صراع مع النظام السعودي الذي يأتي في المرتبة الثانية.

هذا الأمر لم يكن في بال ابن لادن والقاعدة التي قامت بموجة العنف الأولى. فنظرية ابن لادن تنصبّ أساساً على ما أسماه بضرب رأس الكفر (ويقصد أمريكا) فإذا ما قُطع الرأس، تهاوت الأطراف، حسب تحليله. ومن هنا كان ابن لادن غير راغب في تفجير المعارك الداخلية حتى مع الأنظمة (وقيل ان ما جرى بفعل الزرقاوي)، وقد تأكد له وجوب ذلك أكثر فأكثر في الفترة الأخيرة من حياته، وهو ما كشفت عنه وثائقه ومراسلاته التي حصل عليها الأميركان أثناء الهجوم عليه ومقتله، وقد تم نشر نسخها الأصلية مع ترجمة بالإنجليزية ايضاً وهي متوفرة على الإنترنت.

اذن كانت القاعدة، وحسب أولوياتها، تبدأ بمواجهة الأمريكان، ثم حلفائهم الغربيين، ثم الأنظمة العربية والإسلامية العميلة، ولربما يأتي الشيعة كأفراد وكمجتمعات محلية في القائمة الدنيا: فإمّا ان يُقسروا على تبنّي النسخة الوهابية للإسلام أو يُقتلوا أو ينفوا من الأرض.

أما في حالة البغدادي، فالمسألة بالنسبة له عكسية تماماً، على الأقل هذا ما قاله بلسانه في خطابه الأخير، حيث تبدأ المسألة بقتل الشيعة (الروافض!) بغض النظر عن موقعهم من الإعراب في معركته السياسية المسلحة، وسواء كان لهم دور ام لا، فالقتل على الهوية هو مطلب البغدادي وهي نصيحته لأتباعه في السعودية، ثم تأتي مواجهة آل سعود ومن معهم، ثم الصليبيين حسب رأيه.

مجزرة الأحساء جاءت في الوقت المناسب بنظر البغدادي، فأراد استثمارها للحدّ الأقصى في خطابه. فهل كانت تلك المجزرة مخططاً لها من قبل داعش ابتداءً وبأوامر عليا منه، بحيث يتمّ البناء عليها؟ ربما يكون ذلك ما تم بالفعل.

الثابت أن هناك مواطنين أيّدوا الفعلة النكراء تلك، ومعظمهم من أتباع المذهب الرسمي الوهابي، إن لم يكونوا كلّهم. وبين المؤيدين كتاب ومشايخ ودعاة، بعضهم أفصح عن ذلك بطريقة أو بأخرى، بل ان تنديد البعض جاء خارج نسق دعواته السابقة لقتل المخالف المذهبي. ومن هنا، فلا شك ان الدواعش المحليين استبشروا بقتل الأبرياء في (دالوة) الأحساء؛ كما استبشروا هم أنفسهم بإعلان البغدادي عزمه مهاجمة الأراضي السعودية وقتل المزيد من المخالفين له في المذهب، وهو ما توضح في التعليقات التي غزت هاشتاق الدواعش (الدولة الإسلامية تتأهب لتحرير بلاد الحرمين).

السؤال: هل يمكن أخذ تهديدات البغدادي على محمل الجدّ؟

نعم بالتأكيد!

ستأخذ الحكومة الأمر على محمل الجدّ؛ وقد أخذته من الناحية العسكرية فعلاً، حيث زادت من قواتها على الحدود الشمالية، كما الجنوبية. في الشمالية بالذات ـ حيث تتوقع الرياض الضربة الأقسى ـ قام وزير الحرس الوطني وغيره بزيارات متعددة الى المدن الحدودية والتقى شيوخ القبائل هناك. وحسبما تسرّب من أخبار، فإن أقصى ما كان يتمناه ويطالب به وزير الحرس متعب بن عبدالله، هو أن لا تنضم القبائل الى داعش في حال هاجمت الأراضي السعودية، وليس بالضرورة القتال مع النظام.

اما على الصعيد الأمني المحلي، فإن الرياض تقوم حالياً باعتقالات متتالية استباقية، بحجة أو بأخرى، بما فيها حجّة المشاركة في مذبحة الأحساء، وقد تتصاعد الحملة، التي شملت حتى الان ـ حسب البيانات الرسمية ـ سبع مدن، واعتقلت أثناءها نحو اربعين شخصاً.

لكن هذه الخطوات لا يمكن أن تكون كافية. فالقمع لم يحل دون تصاعد المتعاطفين مع القاعدة وداعش في السنوات الماضية. ولم يقلص عدد المنضمين لهما للقتال في سوريا والعراق واليمن وحتى لبنان. ثم أن مصنع التطرف المحلي بما يتضمنه من مشايخ تكفيريين ودعاة الى جهنم العنف لازال يربي أجيالاً عديدة، هي اليوم مستعدة لتفجير الوضع الداخلي.. فإذا لم يستطع انصار داعش مواجهة النظام وأجهزته الأمنية تحوّلت الى المواطنين الأبرياء العاديين. في هذه الحالة لا يستطيع النظام ولا أي نظام آخر، وبعد أن وصل التلوّث العنفي والطائفي مداه، أن يضمن او تكون لديه القدره في منع الدواعش من القيام باغتيالات وقتل وتفجير، وحسب اولويات البغدادي التي وضعها.

بمعنى آخر، لا يتوقع ـ إنْ تواصل العنف المحلي في موجته الثانية والتي بدأت بالأحساء ـ زكما يعتقد الكثيرون ومن بينهم استاذ العلوم السياسية الدكتور خالد الدخيل، ان تستطيع الرياض السيطرة على الوضع الأمني، وقد تكون الأحوال أكثر سوءً بكثير من الموجة الأولى التي بدأت عام 2003، واستمرت لثلاث سنوات تقريباً. النظام نفسه قد لا يستطيع حماية نفسه، فكيف يحمي المستهدفين من المواطنين الشيعة وغيرهم، والذين تنادى بعضهم لتوفير الحماية الذاتية.

الصفحة السابقة