التعجيل في خسارة نفوذ أكبر

السعودية تعاقب اليمن (الشقيق)!

هيثم الخياط

ليس لدى آل سعود ما يحاربون به خصومهم سوى المال، هكذا حاربوا في العراق وسوريا ولبنان، وهكذا يحاربون الآن روسيا وايران، وبالمال قادوا الثورة المضادة في مصر وتونس والبحرين وغيرها.. وهاهم الآن وبالمال يتربّصون بالثورة اليمنية الدوائر.

اعتاد آل سعود على شراء كل شيء بالمال: ولاءات القادة السياسيين وزعماء العشائر، واشعال الفتن والحروب بين اليمنيين وتقسيم اليمن الى شطرين واربعة، كلها تتم بالمال السعودي. ومن أجل فرض أجندة سعودية على اليمن، اختار الأمراء له «مبادرة خليجية» للقضاء على ثورة شعبه، وحين اطمأنوا الى أنهم أوقفوا الثورة، راحوا يملون عليها ـ كما في السابق ـ من يحكم، ومن يتوزّر، ومن يدخل البرلمان، ومن يخرج منه.

ولكن وعي الشعب اليمني كان أكبر من مؤامرة ممالك النفط، فقد خرج في 21 سبتمبر الماضي ليطيح بالمؤامرة ويجدّد حيوية ثورته الشعبية، ويعلنها مدوّية أنه يريد حكومة تصنع في اليمن، لا في الرياض ولا واشنطن، وإن عهد السفارات قد ولّى.

انهار النفوذ السعودي في اليمن في الحادي والعشرين من سبتمبر، وإن لا تزال الرياض تواصل محاولاتها لإجهاض المشروع الثوري اليمني، الذي أنتج اتفاقية السلم والشراكة بين القوى السياسية والشعبية اليمنية.

في العلن ورسمياً: مباركة سعودية للانجاز الثوري اليمني. وفي الاعلام: تشويه لصورة الثورة، عبر توجيه الاتهام الى الثوّار بتهديد الأمن، ونهب الممتلكات العامة والخاصة. وفي السر: حياكة لمؤامرات جديدة للإطاحة بالثورة اليمنية.

في واحدة من فصول المعركة، وكما اعلنت عنها وكالة أنباء (رويترز) في 4 ديسمبر الجاري، أن السعودية قرّرت تعليق حصة كبيرة من مساعداتها الى اليمن «بعد أن وسع الحوثيون نفوذهم السياسي في العاصمة صنعاء». ونقلت عن مسؤول حكومي يمني لم يكشف عن هويته قوله: «قبل سقوط العاصمة صنعاء في يد الحوثيين، دفعت السعودية 450 مليون دولار، لسداد مدفوعات الضمان الاجتماعي، إضافة إلى تقديم منتجات وقود قيمتها 950 مليون دولار، مشيراً إلى رفض الرياض دفع 500 مليون دولار لأغراض عسكرية».

من الواضح أن المصدر الحكومي مقرّب من السعودية، ويهدف إلى إيصال رسالة بأن المساعدات السعودية متوقّفة على تراجع الثوّار، والذي يتم تشويه حراكهم بنسبتهم الى الحوثيين، والحال أنها ثورة شعبية تشارك فيها كل القوى الإجتماعية والسياسية من أرجاء اليمن، وهم أولئك الذين تضرّروا بفعل الهيمنة السعودية على القرار اليمني.

السعودية التي تخوض صراع نفوذ مفتوح مع ايران، تجد في معاقبة الحوثيين أحد عناوين المواجهة، وهذا ما يؤكّده مصدر دبلوماسي غربي في اليمن في تعليقه على خبر تعليق المساعدات السعودية لليمن، إذ قال: «السعوديون يرون كل شيء من منظور ايران».

من وجهة النظر السعودية، فإن اعتماد اليمن على تمويلات الرياض لدفع رواتب الموظفين، ودعم استحقاقات الرعاية الاجتماعية، يجعلها صاحبة اليد العليا في تقرير مصير اليمنيين، ولذلك عاقبتهم على شأن داخلي خاص بهم. وحتى على فرضية سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبرالماضي، فما دخل الرياض في ذلك، وهذا شأن يمني داخلي يقرّره الشعب اليمني، ولا يشكّل تهديداً مباشراً لأمن واستقرار المملكة.

حقيقة الأمر أن الموقف السعودي يعتمد على حسابات النفوذ الايراني، ولذلك تلجأ السعودية الى الضغط الاقتصادي (إو بالأحرى العقوبات الاقتصادية) من أجل إرغام الثوّار اليمنيين لوقف تهديد النفوذ السعودي. نشير الى أن آل سعود لطالما اطمأنوا الى التزام الحوثيين تجنيب العاصمة أي مواجهات سياسية لما تمثّله من رمزية وطنية، وما تنطوي عليه المواجهة من حساسية لكل الأطراف، ولكن التنسيق والتعاون بين القوى الثورية قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، طمأن هذه القوى وأقنعها بأن من غير الممكن ضمان نجاح الثورة، ما لم تكن العاصمة بيد الثوّار وقد فعلوا، الأمر الذي أغضب السعودية التي وجدت نفوذها يتبخّر.

وبخلاف ما يقال عن اضطراب الأمن والاستقرار في اليمن، كما يروّج الاعلام السعودي، فإن زائري اليمن وسكّانه وقفوا على الحالة الأمنية المستقرة في العاصمة وفي محافظات أخرى، وإن من يريد تخريب الأمن هم الذين تقدّم السعودية الدعم لهم، ومجموعات «القاعدة» التي تتلقى التمويل من السعودية، وعلي محسن الأحمر وعلي عبد الله صالح ومشايخ الوهابية، وهي المجموعات التي فجّرت وسط الحشود الغاضبة في العاصمة وفي محافظات أخرى من أجل منع الثورة من الوصول الى أهدافها النهائية.

صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية لفتت الى أن تعاظم نفوذ الحوثيين داخل الحكومة اليمنية، من شأنه أن يغضب السعودية، وهذا ليس كشفاً، فالسعودية طالما كانت تنظر الى اليمن بوصفه جزءاً من مجالها السيادي، وأن اليمنيين لا يحق لهم التصرّف فيه. الصحيفة توقّعت قطع المساعدات السعودية عن اليمن، كما فعلت مع لبنان سنة 2008 عندما فاز حزب الله بمقاعد كثيرة في البرلمان.

بقي ان نشير الى ان قمة التعاون الخليجي التي انعقدت في قطر نددت بالحوثيين، ووصمتهم بالمليشيات، ما دفع بـ (انصار الله) الى الرد على قطر والسعودية بالذات، بأن لا يتدخلوا في الشأن اليمني الداخلي، وأن يكفوا عن التآمر، وأن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء.

الصفحة السابقة