السعودية.. عام جديد مأزوم أيضاً!

محمد قستي

مع ان الزمن لا يعني شيئاً كثيراً للعائلة المالكة، فإن الحديث عن المستقبل، عن العام الجديد 2015، لا يعني أيضاً شيئاً كثيراً.

ومع أن الملك فهد، والملك عبدالله، كانا يهتمان بما يقوله المنجّمون من الأعارب والأعاجم من تخاريف بداية كل عام، ويأخذونها على محمل الجد، فيما يتعلق بملكهم وصحتهم وسعادتهم الشخصية، إلا ان هذا يختلف عن اهتمامهما بقيمة الوقت من أساسه. وقد كان لدى الملك فهد منجماً خاصاً مغربياً، وسبق له أن جاء بمنجم عربي من لندن، ثم استعاره منه شيخ البحرين السابق عيسى بن سلمان.

العائلة السعودية المالكة عدوّة أيضاً للأرقام والإحصاءات، ومع الإضطرار صار بين يدينا الكثير من الأرقام الرسمية، ولكن معظمها تلفيق ولا يؤخذ به: ابتداءً من عدد السكان الحقيقي، وحجم الميزانية، وانتهاءً بعدد ضحايا حوادث السيارات، فضلاً عن نسبة الفقر، وعدد العاطلين عن العمل، او عدد معتقلي الرأي، وما أشبه. الأرقام والإحصاءات مفيدة في بعض الأحيان، وكان الملك فهد يتغنّى ببعضها في خطاباته العلنية وأحياناً امام طلبة الجامعة، مثل عدد البيض المُنتج، ونسبة الإكتفاء منه!

من لا يحب الإنضباط لا يحب الأرقام. من لا يريد المراقبة لا يريد إحصاءات. من يعتقد بأن البلاد وما تحتها ملك شخصي، لا يعني له المستقبل شيئاً؛ ومن لا يجد نفسه مسؤولاً أمام شعبه، ولا منتخباً من قبله، لا يهمّه الوقت، فلا استيفاء من أحد تدعو للسرعة، فالعجلة من الشيطان!

لهذا نرى الأمراء يعيشون اللحظة، ينهبون ما وسعهم النهب، ويعيشون الفجور والملذات كمخلّدين في جنان الله على أرضه!

يأتي عام 2015 بحمولة أزماته السابقة، وبلا افق لحلّها. كل شيء في مملكة الإستبداد يورّث، ولكن كل حاجة مجتمعية يمكن أن تُنسى أو تؤجّل ايضاً.

ما أورثه الملك فهد للملك عبدالله من مشاكل وأزمات لازالت على حالها لم تُحل، مثل مشاكل الفقر والبطالة وسوء الخدمات وغيرها، بل أُضيف عليها في مجال القمع والفساد. وسيورّث الملك الحالي كل المصائب لمن يأتي بعده، مع إضفاء بصمته/ إضافته عليها.

عام 2015 لا يبدو أنه سيختلف على المواطنين عن عام 2014 إلا للأسوأ.

لماذا ننتظر الأسوأ؟

التجربة علّمتنا ذلك، فعام 2014، كان أسوأ من العام الذي سبقه، والأخير كان أسوأ مما كان قبله وهكذا.

ومجرى السياسة الرسمية والمؤشرات العامة تدلّ على أنه سيكون الأسوأ.

لنأخذ مثلاً في ميدان الإقتصاد، فالحكومة التي لم تستطع ان تحلّ مشكلات الفقر والبطالة والسكن والصحة وغيرها بما لديها من وفرة مالية بمئات المليات الدولارات، هل يمكنها بعد ان انخفضت أسعار النفط الى أقل من النصف، ان تحلها؟

ربما يقال بأن المشكلة ليست في حجم الإيرادات، بقدر ما هو في إدارتها.

هذا صحيح. فليست المشكلة في الدولة المُسعودة مالية، ولكن إدارية. لهذا فالفساد يلتهم المليارات، والمشاريع الوهمية تأكل ما يقارب ربع الميزانية.

لكن لماذا تكون هناك أزمة إدارة؟ لأن العائلة المالكة غير منضبطة، والإدارة تحتاج الى انضباط، والى علم وإحصاء وأرقام، والى رجال مخلصين غير فاسدين، ولهذا يستحيل ان تجد هذه العوامل متوفرة اليوم لتُنجح خطط الدولة. باختصار فإن الفساد أغرق الدولة، واصبح كالسرطان المتفشي في كل أجهزتها، ومن هو مسؤول عن مكافحة الفساد غير قادر على ذلك، إما لأن جهازه فاسد، أو لأن الفاسدين من الأمراء الكبار بالذات لا يسمحون بمحاربته، أي محاربتهم هم أنفسهم.

في الحريات العامة، شهدنا في عام 2014 قمعاً غير مسبوق في تاريخ المهلكة المُسعودة. نقول غير مسبوق، سواء فيما يتعلق بالإعتقالات لأتفه الأسباب (تغريدة مثلاً في تويتر)؛ وكان القمع شاملاً لكل المناطق ولكل التوجهات، حتى غير المُسيّسة. وهو غير مسبوق لأنه عامٌ شهد عدداً كبيراً من حوادث القتل خارج اطار القانون؛ كان آخرها مقتل خمسة أشخاص في العوامية، بينهم أطفال، وذلك قبيل أن ينتهي العام نفسه. والمحاكمات التي تفصح عن قضاء فاسد غير عادية ايضاً، وكلها تطلق احكاماً أقل ما فيها سبع سنوات بالسجن! وأعلاها ثلاثين عاماً، وفق قانون آل سعود لمكافحة الإرهاب، وهو قانون موسّع شمل حتى لجين الهذلول وميساء العمودي بتهمة محاولة قيادة السيارة!

واضح أن أحداً لا يتوقع إصلاحاً سياسياً، فقد غابت هذه المفردة منذ تولي الملك عبدالله الحكم، بحيث لم ينطق بها ولو لمرة واحدة، بعكس ما كان يفعل هو وبعض الأمراء قبل رحيل الملك فهد عام 2005.

لا أحد يتوقع الاصلاح اليوم، بل أن من يطالبون به، موجودون في أغلبيتهم الساحقة داخل السجون. والباقون يحرصون على ألا يدخلوا المعتقل، حيث أن الأمراء قرّروا استخدام العنف الأعمى مرة والى الأبد ـ بنظرهم طبعاً.

إذن القمع قرار ملكي، وهو سيتواصل معنا لعام 2015، طالما ان الأمراء لا يريدون حلولاً أخرى غير العصا.

هناك سبب آخر لتوقع تصاعد القمع: كلما تصاعد تحدّي الجمهور تصاعد القمع الملكي ايضاً.

حسابات العائلة المالكة تبدو خاطئة، كما هي حسابات الطغاة دائماً.

إن شعور النظام بالضعف، والخسائر الفادحة سياسياً في المحيط الإقليمي، تتم ترجمتها شعبياً في غير صالح النظام، حيث يتم الإستخفاف به، والانتقاص من رموزه، والتجرؤ عليه، فيشعر وكأنه بحاجة الى تقديم دروس عملية متواصلة للشعب عبر القمع، حتى يعتقدوا بما يريده الأمراء من انهم لازالوا أقوياء ومسيطرين على الوضع.

ما جرى في اليمن من سيطرة الحوثيين (انصار الله) وصعود دور (داعش) وتهديداتها للسعودية؛ ووصول المشروع السعودي في سوريا الى طريق مسدود؛ واحتمالات ابرام صفقة النووي الايراني مع الغرب.. وغيره، كله أدّى الى زيادة توتّر النظام السعودي، وانعكس ذلك قمعاً على الداخل.

ونظن أن عام 2015 سيشهد المزيد من الخسائر للنفوذ السعودي، إقليمياً ودولياً.

ايضاً فإن الإضطراب الأمني والاجتماعي والنفسي كان سمة السنين العجاف الماضية، ونلاحظ عدم الاستقرار السياسي والأمني والأجتماعي في حالة تصاعدية، حيث تضج الصحف المحلية يومياً بأخبار القتل والانتحار والاعتداءات والنهب والسرقات والتزوير والمواجهات مع الشرطة أو من في حكمهم (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وشعور المواطنين بالإختناق سياسيا واجتماعياً الى حد فرار مئات الآلاف من المواطنين للسكن في دول اوروبية وامريكية وحتى خليجية.. أوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك مشكلة مزمنة، جذرها سياسي، يريد الأمراء حلّها أمنياً، في ظل تداعي أجهزة الدولة وضعف ادائها بل انحلالها.

هذا الإضطراب متعدد الوجوه سيتواصل في عام 2015، إذ لم يطرأ أي تغيير لا على الأجهزة المعنية ولا على التفكير الرسمي، بل يتوقع حدوث ما يشبه حالة الإنفلات عن سيطرة أجهزة الدولة، بالشكل الذي نشهده بالفعل في بعض أحياء المدن الكبرى كجدة والرياض، لتتمدد الى غيرها.

وهكذا لا أوضاع سوق النفط عام 2015، ولا التغيرات السياسية الإقليمية المتوقعة في ذات العام، ستكون في صالح النظام.

أيضاً لا طموحات المواطنين ستتغير، ولا سياسة العائلة المالكة وحلفائها من مشايخ الوهابية ستتغير، فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية والدينية والاقتصادية والإجتماعية.

طموحات المواطنين في حالة تصاعدية، لم تكسر حدّتها أدوات القمع الرسمي حتى الآن، ولا يعوّل على القمع كثيراً في ضبط الأوضاع إن لم يؤدّ ذلك الى انفجار معاكس.

ذات المشكلة يمكن ان تنسحب على العائلة المالكة؛

فلا شرعية النظام الدينية والسياسية قابلة للترقيع من خلال تحسين الأداء، وتكييف السياسات؛ ولا الصراعات داخل العائلة المالكة يمكن أن تنخفض في ظل استقطابات حادّة كلما اقترب الموت من الملك وولي عهده.

ايضاً لا يمكن ترقيع شعبية المؤسسة الدينية، فهي تسير من انحطاط الى انحطاط أكثر، الى حدّ ان مواقف رجالها أدت الى ردة فعل على الدين نفسه، وأصبح لدينا نسبة من الملحدين لا تجد نظيراً لها في كل بلدان العالم الإسلامي (5% من عدد السكان) عدا غير الملتزمين دينياً من الأساس.

زد على ذلك، فإن مرجحات تصاعد العنف المحلي القاعدي والداعشي كبيرة، سواء هُزمت داعش في العراق؛ او هُزمت القاعدة في اليمن. هناك من يتوقع هجرة معاكسة للعنف الى حيث مصدره الفكري ورجاله وتمويله.

المستقبل للعائلة المالكة سيء، كما هو واضح.

وكذلك مستقبل هذا الشعب المُسعود.

تحتاج الرياض الى معجزات ليكون عام 2015 آمناً سالماً غانماً!

الصفحة السابقة