أزمة (وراثة حكم) والموت (ملكاً)

عبد الوهاب فقي

دخل الملك عبدالله المستشفى مرّة أخرى، وذلك في آخر يوم من السنة الميلادية، فيما كان يقضي وقته في (البرّ) في منطقة (روضة خريم)؛ حيث أخذته طائرة الهيلوكبتر الى مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني. وقال الديوان الملكي ان الملك أُدخل المستشفى (لإجراء بعض الفحوصات الطبية)؛ وهي العبارة التي تتردد دائماً حين يدخل المسؤولون الكبار الى المستشفى، مهما كانت حدّة المرض وطبيعته. وكان الملك عبدالله قد أجرى عملية جراحية في الظهر في نيويورك عام ٢٠١٠، ثم اجرى اخرى بعد نحو عامين. ويبلغ الملك عبدالله ٩١ عاماً (مواليد ١٩٢٤)؛ فيما التقويم الهجري الذي تعتمده المملكة، يشير الى أن عمره (٩٤ عاماً).

وكما في كل مرّة يدخل فيها الملك، أو كبار الأمراء المستشفى، تزداد حدّة الإشاعات، وفي معظم الحالات ايضاً، فإن حساب (مجتهد) على تويتر، هو أكثر من يروج لها؛ إذ أنه سبق له أن أعلن وفاة الملك في المغرب ذات مرة، وغالباً ما يُنظر اليه على انه يمتلك معلومات خاصة، ولكن معظم معلوماته لا تعدو (رغبات) و(تأليفات)؛ وأكثر التحليلات التي يقدمها للجمهور ويتناقلها الإعلام، ساذجة الى حدّ بعيد. ولكن (مجتهد) يظنّ انه مطالب بتقديم معلومة عن كل حدث، ولأنه ليس لديه ذلك، فلهذا يلجأ الى اختراع المعلومة، ووضع تحليلاته مقام المعلومة الصحيحة.

هذه المرّة لم يخيّب الظنّ أيضاً، فتحدث مجتهد عن تسريبات تقضي بأن خالد التويجري ـ مستشار الملك عبدالله ـ سيصدر عدّة قرارات من بينها: (عزل ولي العهد سلمان، وتعيين مقرن مكانه؛ وتنحّي الملك فيصبح مقرن ملكاً؛ ومن ثم تعيين ولي عهد لمقرن وهو ابن الملك متعب ـ وزير الحرس الوطني).

محور روايات بل تغريدات مجتهد عامة، تحوم حول (خالد التويجري) واعتباره ملكاً غير متوّج، وأنه يفعل ما يريد، وكأنه ليس أداة بيد فريق الملك. وهذا يتوافق مع رأي مشايخ الوهابية الذين يلقون أخطاء الحكم على (البطانة) وفي مقدمتها: خالد التويجري؛ لأنهم أجبن من أن يوجهوا مدافعهم الى أمراء العائلة المالكة، وليس أمامهم إلا ضرب واحد من العامة وتحميله كل جرائم الحكم وأخطائه.

لا يهم القول، الآن، بأن الملك مريض، إذ ماذا يتوقع المواطن من حاكم عمره يزيد على التسعين عاماً؟ ما هو الجديد في هذا أصلاً؟ بل ما هو الجديد في القول بأن هناك خلافاً بين الأمراء على الحكم، فالجميع يشهد الصراع على السطح، ويقرأون ويسمعون رأي بعض الأمراء على مواقع التواصل الاجتماعي. الصراع ليس أمراً جديداً لا في التاريخ ولا في الحاضر؛ وبالتالي فنحن بحاجة الى الإجابة على الأسئلة الأكثر تحديداً وليس التلهّي بمعلومات عامة متداولة.

المواطنون بحاجة الى معرفة قضايا وراثة الحكم وتأثيراتها ودورهم المفروض في التغيير، وليس التلذّذ بالأخبار، وانتظار القدر ليحلّ مشاكلهم.

الأمير مقرن: هل يصبح ملكاً؟

جوهر مشكلة الوراثة

رغم التكرار، فإن جوهر وراثة الحكم مُشكِلٌ في السعودية. وتنحصر المشكلة في معطيين أساسيين:

الأول ـ أن وراثة الحكم، أو المُلك، أُفُقيّة. أي انها تنتقل من الأخ الى أخيه؛ وليس من الحاكم الى إبنه. ما يجعل فكرة أن (الأكبر سنّاً) من الإخوة ـ أبناء عبدالعزيز المؤسس للدولة ـ هو الأولى بالحكم، عصيّة على التطبيق بحذافيرها من جهة؛ ومن جهة اخرى، تصبح اعمار الإخوة متقاربة، فلا يكاد يصل أحدهم الى كرسي المُلك او ولاية العهد (كما سلطان ونايف) إلا ويتخطفه الموت. هذا يعني ـ خاصة في الفترة القادمة ـ أن الفاصلة بين حكم ملك وآخر، ضئيلة، ما يستتبعها عدم استقرار سياسي. هذه المشكلة لم تُحل بعد؛ رغم انه من الناحية النظرية، فإن (هيئة البيعة) التي شكلها الملك عبدالله في عام ٢٠٠٦ لتختار ولي العهد، والمشكّلة من إخوته الأحياء، أو أحد أبناء الإخوة المتوفين، كان يمكن ان تحل الجزء الأكبر من المشكلة، لكن الملك نفسه قتل الهيئة فلم يطبق نظامها بعد وفاة سلطان، وعيّن هو بنفسه نايف ولياً للعهد، ثم لما توفي نايف، قام بنفسه ايضاً ـ وليس الهيئة ـ بتعيين سلمان ولياً للعهد؛ بل وزاد الطين بلّة، فعين (ولياً لولي العهد) وهو مقرن ـ أصغر ابناء الملك عبدالعزيز. إذن مالحاجة لهيئة البيعة؟ هكذا تساءل الأمير طلال، الذي أعلن رسمياً تجميده لعضويته فيها، احتجاجاً على تصرفات الملك.

ثانياً ـ عدد أفراد الأسرة الحاكمة كبير جداً، يزيد على الثلاثين ألف شخص بين ذكر وأنثى؛ بعضهم أصحاب (سمو ملكي) أي من ذريّة مؤسس الدولة عبدالعزيز آل سعود؛ وبعضهم أصحاب (سمو) فقط؛ وهؤلاء من أبناء العمومة من اجنحة العائلة الأخرى. ومع أن الوراثة تنحصر في ذريّة الملك عبدالعزيز؛ إلا أن العدد يبقى كبيراً وبالآلاف. حسبنا أن نعلم ان الملك المؤسس، عبدالعزيز (ابن سعود) له ٣٦ ابناً غير البنات. ولولي عهده الملك سعود (٦٣) إبناً عدا البنات، وهكذا.

هذا العدد الكبير يضغط على مرافق الدولة، فكل أمير يبحث عن منصب ما؛ ناهيك ان له مخصصات بعشرات أو مئات الملايين من الريالات، أما الكبار فلهم مليارات، عدا الأراضي، وحصّة تصدّر باسمهم من النفط (بعضهم نساء من أخوات الملك) كما كشفت عن ذلك وثائق عديدة.

كثرة العدد، تفيد بكثرة المنافسة، وتؤجج الصراع على الحكم والثروة أكثر وأكثر؛ كما تفيد بصعوبة الضبط لتصرفات أمراء العائلة المالكة، سواء فيما يتعلق بتعدياتهم على المواطنين وأملاكهم وحتى أعراضهم وحياتهم؛ او تصرفاتهم السياسية. انها لمهمة مستحيلة ان تضبط هذا العدد الكبير من الأمراء والأميرات.

هذا هو جوهر المشكلة في أزمة الخلافة، اي وراثة الحكم في السعودية.

متعب بن عبدالله مرشح جناح الملك للعرش

القوى المتصارعة

تغيرت في السنوات الأربع الماضية موازين قوى الصراع بين أجنحة الحكم الأساسية. أصل الموضوع هو أن الجناح السديري كان المهيمن على السياسة العامة في البلاد بكل تفصيلاتها. حتى في عهد الملك فيصل، وهو الملك القوي، فإن السديريين السبعة الأشقاء أبناء حصة السديري (فهد وسلطان ونايف وعبدالرحمن وأحمد وتركي وسلمان) كانوا الركن الأساس للحكم. وفي عهد خالد، كانوا يحكمون بلا منازع، ولم يكن لخالد سوى الإسم. لهذا كانوا لا يتمنون وصول عبدالله الى كرسي المُلك.

الآن وقد وصل في ٢٠٠٥، فقد بقي ضمن المعادلة القديمة، فسلطان الرجل الثاني ونايف الثالث وسلمان الرابع في التراتبية.

ملك الموت أضعف هذا التيار بشدة، حيث توفي سلطان ونايف، وتمت ازاحة عبدالرحمن نائب وزير الدفاع، ثم أُزيح أحمد من وزارة الداخلية، في حين أن تركي ـ نائب وزير الدفاع الأسبق ـ لا طموح لديه.

لذا خلال السنوات الأخيرة بالذات، عاش الجناح السديري محنة حقيقية، لم يكن ملك الموت هو السبب الوحيد فيها، بل أن الملك عبدالله (قصقص) أجنحة بعض أبناء السدارة أنفسهم.

كل أبناء الملك فهد تم التخلص منهم: عبدالعزيز بن فهد، ومحمد بن فهد امير الشرقية، وسلطان بن فهد رئيس رعاية الشباب السابق، ولم يبق الا حفيد فهد، ممسكاً برعاية الشباب ينتظر العزل ايضاً.

ايضاً قام الملك بقصقصة أجنحة أبناء سلطان، وزير الدفاع الأسبق وولي العهد الأسبق، فقد أُزيح خالد بن سلطان من وزارة الدفاع، وهو الرجل الأول فيها؛ وأُزيح أخوه بندر بن سلطان أيضاً من جهاز الإستخبارات، وهكذا.

لم يبق من الجناح السديري فاعلاً سوى أبناء سلمان ولي العهد، وإبني وزير الداخلية نايف: محمد في الداخلية، وسعود أميراً في الشرقية ـ الى حين ربما.

المعادلة اليوم واضحة المعالم: من يُمسك بالقوة، يُمسك بالحكم، أو يضمن له حصّة الأسد فيه. ابناء الملك عبدالله، لديهم الحرس الوطني الذي تحوّل الى وزارة؛ وأبناء سلمان لديهم وزارة الدفاع؛ وأبناء نايف لديهم وزارة الداخلية.

هي ثلاث قوى اذن: إثنتان سديريتان: الداخلية والدفاع؛ مقابل الحرس الوطني. وعلى عكس الوضع السديري في عهد الملك فهد، فإن السديريين منقسمين بل يعيشون صراعاً ايضاً، ما يجعل امكانية تحالف وزير الحرس/ ابن الملك متعب/ مع إبن نايف في الداخلية، او مع من سيمسك بوزارة الدفاع من أبناء سلمان، أمراً ممكناً، لترجيح كفة من سيحكم في المستقبل.

إذن.. فإن أصوات بعض الأمراء من خارج هذا الاطار، ممن لا يمتلكون قوّة في الحكم، لا تعدو تهويشات، حتى الآن، وقد منحهم الاعلام قوّة اكبر من حجمهم، مثل خالد بن طلال وشقيقه الوليد، او مثل سعود سيف النصر آل سعود، وأشباههم. فهؤلاء مجرد أصوات ضعيفة ان لم تكن نشازاً، وليست منافسا حقيقياً على الحكم.

الأمراء المهمَّشون: مذبحة الأمراء!

قام الملك عبدالله بما يمكن وصفه بـ (مذبحة الأمراء)! أي مذبحة تطلّعات أكثرهم. فقد تخلّص من كبار السنّ جميعاً بالتدريج تارة، الى ان جاءت الضربة القاضية بتعيين أصغر ابناء الملك المؤسس: مقرن، ولياً لولي العهد. أزيح متعب، أو أزاح نفسه، وبدر، وبندر، وعبدالرحمن، وأحمد، وبقيت عُزلة طلال ومشعل وممدوح وغيرهما مؤبّدة.

محمد بن نايف وهولاند: مرشح الغرب للعرش

لذا، فإن الصراع من الناحية العملية، انتقل من الجيل الثاني، جيل أبناء الملك المؤسس، الى حفدته من الجيل الثالث؛ فالإبن الذي كبر في السنّ، خلفه ابناؤه للقتال من أجل حصّة أبيهم في الحكم. كل واحد يستطيع أن يدّعي بأن له حقاً، وقد شُرعنَ هذا الحق من خلال هيئة البيعة، التي أصبحت اليوم سلاحاً بيد (الأمراء المهمّشين) بعد أن كانت سلاحاً بيد الملك عبدالله نفسه!

من هنا نفهم لماذا يعلو صوت الوليد بن طلال مثلاً، فنقده لهذا الوزير او ذاك، ورسائله الأخيرة المصوّرة، او لوزارة المالية والأمراء الكبار بشأن الميزانية والصندوق السيادي وما أشبه، كلّها يراد منها إلفات النظر الى من في سدة الحكم الى حقّه ـ اي الوليد ـ في السلطة.

ومسألة لفت النظر هذه، والقول: نحن هنا!، يقوم بها أمراء عديدون، وبوسائل مختلفة: تغريدات في تويتر كما يفعل سعود سيف النصر ابن الملك سعود؛ احتفالات وبهرجات كما يفعل احياناً خالد بن سلطان؛ أعمال خيرية مفتعلة كما يفعلها هذا الأمير او ذاك.

الساخطون من الأمراء كُثُر. لكن ليس لديهم كلهم طموحات في الزعامة والرئاسة؛ بقدر ما يريدون واحداً من أمرين: موقعاً ادارياً كأمير منطقة او رئيس مصلحة، مثلاً، أو الحصول على تعويض مالي مجزٍ مقابل الإنسحاب من حلبة الصراع والتنافس السياسي: مخصص مالي عال، أراضٍ وعقود وما شابه، على طريقة الأمير مشعل (ملك الشبوك).

أيضاً فإن البعض لا يريد مالاً؛ كما هو حال الوليد بن طلال؛ بل يريد تفعيل المال الذي بين يديه، وتحويله الى قوة سياسية ليكون واحداً من صناع القرار، ان لم يكن صانع القرار الأول! ولقد قال الوليد ذات مرة لمجلة فرنسية: (لا أستطيع الإنتظار لأصبحَ ملكاً).

لا شك أن المهمّشين من الأمراء سيشكلون عبئاً على اي ملك قادم، وعليه ان يرضي قدر ما يستطيع الأمراء بالمناصب والأموال، أو يفتح معركة ـ طال تأجيلها ـ معهم.

الدور الخارجي في ترجيحات الخلافة

في ظاهر الصورة، تبدو قضية الخلافة وكأنها شأنٌ عائلي/ ملكي، بحت. لكننا نعلم يقيناً، أن كل مشايخ الخليج، بمن فيهم آل سعود في اتفاقية دارين/ القطيف، وقعوا على اتفاقيات مبكرة مع بريطانيا، تنص على أمرين أساسيين: ١/ أن لا يتم تعيين ولي عهد معاد لبريطانيا (وهذا يمكن أن يكون ذريعة للتدخل في التعيين)؛ ٢/ أن لا يتخذ الحاكم الخليجي مواقف في السياسة الخارجية تخالف المصالح البريطانية. وقد يكون التعبير عن هذا الشرط الثاني بصور متعددة، كأن ينص على أن لا يتعرض الحاكم الى أصدقاء بريطانيا الآخرين، او ان لا ينحاز الحاكم الى أعداء بريطانيا او غيرها.

والثابت ايضاً من خلال التجربة، أن الأميركيين ـ كما تدل التجربة العملية ـ لم ولن يقبلوا ملكا سعوديا او ولي عهد له يتخطى هذين الشرطين ايضاً.

لم تصوّت اميركا بالفيتو على ملك سعودي، عدا على الملك سعود، حيث اشترط الرئيس كيندي على ولي العهد فيصل (الملك فيما بعد) أن يدعمه مقابل القيام ببعض الإصلاحات في الحكم بعد إسقاط الملك، وهو ما تم في ١٩٦٤. وفعلاً، وحسب الوثائق، فما كاد الملك فيصل يجلس على كرسي المُلك، حتى جاءته رسالة من الرئيس كيندي تذكّره بتعهداته. وفعلاً قام فيصل بوضع الإصلاحات العشرة الشهيرة التي كان من بينها إلغاء الرق وتحرير جميع الأرقّاء.

نظرياً، فإن الأسرة السعودية الحاكمة، لا تريد للأمريكيين التدخل في تفاصيل وراثة الحكم؛ والأميركيون أنفسهم لا يميلون الى التدخّل أصلاً، إلا في ظروف قاهرة، وذلك خشية أن يؤدي تدخلهم الى تفاقم المشاكل بدلاً من حلّها.

لكن الصراع على الحكم بين أجنحة العائلة المالكة، يستدعي بصورة صريحة للتدخل.

الوليد بن طلال: لا أستطيع الانتظار لأصبح ملكا!

نموذج ذلك، ما قام به الملك فهد ـ حسب وثيقة امريكية ـ باستمزاج رأي الأميركيين في عهد بوش الأب وبداية عهد كلينتون، بشأن تعيين ابنه (الطفل المعجزة) عبدالعزيز، ولياً للعهد. تقول الوثيقة ان المسؤولين الأميركيين رفضوا التدخل او التعليق على الأمر، باعتباره شأناً داخلياً.

هذا بالطبع لا يعني ان الإدارة الأميركية ليست لديها رغبة في وصول هذا الأمير او ذاك لسدة العرش، ولكن دونما ضغط جاد قد يؤدّي الى خلخلة العائلة المالكة.

نقول الصراع بين الأمراء وتنافسهم يستدعي التدخّل الأميركي. كيف يكون ذلك؟ كل أمير يريد أن يبيّض سمعته امام الغربيين عامة والأميركيين خاصة، ليوصل لهم رسالة بأنه (رجلهم) وأنه (حافظ لمصالحهم). هذا ما فعله الملك عبدالله، حين كان ولياً للعهد، بعكس ما كان يروّج له التويجري الأب، من أن عبدالله (عروبي) وأنه ضد الأميركيين وما أشبه!

في الوقت الحالي، فإن الإدارة الأميركية ترى أن أفضل رجل لديها هو محمد بن نايف وزير الداخلية؛ ولكن متعب بن عبدالله نال تسويقاً قبل نحو شهرين حين سافر الى واشنطن، فتبعه بحكم المنافسة محمد بن نايف. عبدالعزيز بن عبدالله وكيل وزارة الخارجية يروّج لأخيه متعب كملك قادم، والأمير مقرن يبلغ الأميركيين بكل تفصيل يصله ليقول لهم انه رجلهم الجدير بالحكم.

حقيقة الأمر، فإن هؤلاء جميعاً من حيث المبدأ ضد أن يتدخل الأميركيون لصالح منافس آخر. بمعنى أنهم قد لا يريدون تدخلاً امريكياً بشأن وراثة الحكم، بقدر ما يريدون ـ كل من موقعه ـ أن لا تدعم واشنطن منافسه!

وبالنسبة لواشنطن، فإنها خلال السنوات الثلاث الماضية، بدت أكثر رغبة بالتدخل في شأن الوراثة بعد ان اختطف الموت الملك فهد وأخويه سلطان ونايف. خشية واشنطن على حكم العائلة المالكة وازدياد حدة الصراع بين امرائها، يدفعها ـ من باب الحماية لمصالحها ـ للتدخل.

لذا قيل مثلاً ان تعيين مقرن (ولي ولي العهد) من قبل الملك جاء بعد ان جاء وفد أميركي لمناقشة الملك بشأن وراثة الحكم، وقد رفض فعلاً مقابلة الوفد. وجاء التعيين في يناير ٢٠١٤ قبيل زيارة أوباما الأخيرة للرياض بأيام، في اشارة الى أن ما تريده واشنطن غير مقبول (المقصود نقل السلطة الى الجيل الثالث، وتحديدا الى الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية).

لا تكمن خشية واشنطن من أن يصل أمير الى الحكم يعمل ضد مصالحها، فالمتنافسون من المرشحين يتسابقون في الولاء واعلان حماية تلك المصالح. وبالتالي بإمكان واشنطن ان تقبل بأي ملك قادم دون خوف منه.

إنه (الخوف على العائلة المالكة) حامية المصالح الأمريكية، وليس خوفاً من شخص غير مرغوب فيه.

هذه هي صورة الدور الأميركي في ترجيح المنافسات على العرش.

وماذا بعد؟

مرض الملك بعد أن هرم. والشعب ـ أو بعض ناشطيه ـ يناقشون ما بعد موته. قسمٌ يتمنّى أن تؤدي وفاته الى إصلاح سياسي، وكأن وجوده عقبة أمام الإصلاح. تماماً مثلما تمنّى آخرون وفاة الملك فهد لذات الحجة. ولكن حين توفي فهد، زادت الأحوال سوءً، وابتعدت البلاد عن طريق الاصلاح، وزاد القمع والإرهاب الرسمي.

لا يبدو ان وفاة الملك ستؤدي الى اصلاحات، إذ لا يوجد في العائلة المالكة من يؤمن بالإصلاح، حتى الأصوات الخفيفة من امراء الدرجة العاشرة التي تدعو للإصلاحات، فإنما يذكرونها بغرض المناكفة ليس إلاّ. هناك اجماع على عدم الإصلاح السياسي. نقطة أول السطر!

بعض آخر يتوقع ان تؤدي وفاة الملك عبدالله ـ والأعمار بيد الله، إذ لا شماتة في الموت ـ الى تحفيز الصراعات بين أجنحة الحكم، الى حد الإقتتال، ومن ثمّ قد نكون اقتربنا من الإصلاح السياسي. هذه ايضاً مجرد أمنيات العاجزين غير الفاعلين، فرغم وجود منافسات ورغم ارتفاع وتيرة الصراع السياسي داخل الأمراء، إلا انهم عادة ما يتكاتفون وقت الأزمة، خاصة اذا ما كانت القوة العسكرية متكافئة ويستطيع كل جناح الإضرار بالآخر. ومن ثمّ فإن الرهان على صراع داخل العائلة يؤدي الى تقويض الحكم او الى الإصلاح، أمرٌ غير متوقع نسبياً.

الشيء المؤكد، هو أن عصر التمنيات انتهى.

ولا يمكن للمواطنين ان يعوّلوا إلا على جهدهم في تحصيل حقوقهم. اما الجلوس والإنتظار، وعدم الفاعلية، فلن تؤدي الا الى تكرار الحدث: ملك يموت، آخر يرث المُلك والشعب والثروة!

للإصلاح ثمن يجب دفعه، وهذا لا يتحقق بالأماني ولا بالإنتظار.

الصفحة السابقة