خسر الآخرون، فماذا ربحت؟

أولويات السعودية في حرب النفط

محمد فلالي

أولوّيات آل سعود

بروس ريدل

بروس ريد، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ومستشار سابق لثلاثة رؤوساء أميركيين، وباحث أعلى، في قسم السياسات الخارجية، مركز سياسات الشرق الأوسط ومدير مشروع الأمن في معهد بروكينز كتب مقالة في (المونيتور) في 28 ديسمبر الماضي حول (أولوليات الأسرة المالكة في السعودية) وهذا نصّها:

تعكس الميزانية السعودية التي أعلن عنها مؤخراً (شهر ديسمبر الماضي) والتي حافظت على معدلات الإنفاق المحلي والأجنبي رغم تراجع عائدات النفط، حالة القلق التي تنتاب العائلة المالكة حول الاضطرابات الداخلية بعد مرور أربع سنوات منذ اندلاع أحداث الربيع العربي. حيث يبدو أنه قد تمّ تأجيل الخيارات الصعبة في الوقت الراهن.

وإذ من المقرر أن يبلغ حجم الإنفاق السعودي على المشاريع للعام المقبل 229 مليار دولار، بينما ستبلغ الإيرادات 190 مليار دولار. لذا فإن العجز يقدّر بحوالي 38.6 مليار دولار. إذ سيرتفع معدل الإنفاق قليلاً عن العام الماضي، في حين ستتراجع قيمة الإيرادات نتيجة لانخفاض أسعار النفط، فيما سيكون العجز هو الأكبر في تاريخ المملكة.

وقال وزير المالية السعودي، إبراهيم العسّاف، إنه سيتم تمويل العجز عن طريق سحب احتياطيات المملكة، والتي تقدر بنحو 750 مليار دولار أو أكثر. كما وافق الملك عبد الله بن عبد العزيز بالفعل على السحب من الاحتياطيات للحفاظ على أعلى مستوى للإنفاق. ووعد أيضا بالحفاظ على معدلات ضخ نحو 9.6 مليون برميل من النفط الخام يومياً.

وكانت المملكة قد خفّضت معدّلات الإنفاق خلال فترات سابقة حدث فيها انخفاض لأسعار النفط. حيث قال عبد الله، إنه في عام 1998 على سبيل المثال اضطر السعوديون إلى تغيير نمط حياتهم والاعتراف بأن «وقت الرخاء قد انتهى». وتكرّر الأمر في عام 2009، في حين واجهت المملكة أسوأ أزمة في الدخل في الثمانينات حينما انخفض نصيب الفرد بنسبة 50٪ تقريباً.

إلا أنه منذ بداية الربيع العربي في عام 2011، زادت الأسرة المالكة بشكل كبير الانفاق على دولة الرفاه في المملكة لدعم العاطلين عن العمل، والطبقة الوسطى وتوفير السكن بأسعار معقولة. كما زادت رواتب الـ 2 مليون موظف في الحكومة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. كما ارتفعت ميزانيات تمويل التعليم والرعاية الصحية. وسعى الملك لشراء ذمم أي معارضة، حتى في المنطقة الشرقية ذات الكثافة الشيعية، زادت ميزانيات الإنفاق على البرامج العامة هناك.

كما زادت العائلة المالكة أيضاً من النفقات العسكرية والأمنية. ففي مارس عام 2011، تمّ خلق 60 ألف وظيفة أمنية جديدة بهدف تعزيز الأمن في المنشآت الحكومية الرئيسية. كما لا يزال الإنفاق على واردات الأسلحة مرتفعاً، خاصة مع مشاركة القوات الجوية الملكية السعودية في الحرب ضد داعش.

ويعكس قرار الملك عبد الله بالحفاظ على معدّلات الإنفاق في أعلى مستوياتها، قناعة الأسرة المالكة بأن أكبر خطر يهدّد بقائها في الداخل هم المواطنون الساخطون. فالسعوديون أكثر قلقاً بشأن الاضطرابات الداخلية من معظم المراقبين الخارجيين. فمع كون الملك وولي العهد الأمير سلمان في حالة صحية سيئة، فليس هذا هو الوقت المناسب لحدوث أي اضطراب اجتماعي أو تجارب محفوفة بالمخاطر خلال الإصلاح السياسي. ويأتي قرار عدم السماح للنساء بقيادة السيارة كانعكاس لتلك العقلية المحافظة.

كما تزايدت معدلات الإنفاق الخارجي للمملكة منذ عام 2011. حيث تحافظ المملكة على علاقاتها الودية مع الحكومتين البحرينية والأردنية عن طريق الدعم الحكومي الكبير. كما يشكّل النظام العسكري في مصر حليفاً مكلفاً للغاية. كما تعد باكستان مستفيداً رئيساً آخر من السخاء السعودي. أما اليمن فهي الأزمة الأكثر إلحاحاً. فمع سيطرة الحوثيين على صنعاء، تواجه المملكة عدواً عانت منه منذ فترة طويلة على الحدود الجنوبية الغربية للبلاد. لذا ففي حين قطعت المملكة المساعدات عن الحكومة التي يسيطر عليها الزيدية، إلا إنه يجب عليها زيادة الإنفاق على السنّة الذين سيقاومون الحوثيين. كما قد تضطر إلى خوض حرب أخرى على الحدود مع العدو الحوثي. وقال مسؤول كبير بالسعودية: «إن المملكة قد أنفقت 30 مليار دولار في عام 2014 لدعم أصدقائها»، ولا يشمل هذا الرقم تكاليف الحروب في سوريا والعراق حيث موّلت الرياض الجماعات السنيّة هناك.

نظراً لحجم احتياطياتها، فإن المملكة يمكنها أن تتعامل مع العجز بشكل أفضل بكثير من منافستها إيران. كما أن الرياض لديها متسع من الوقت لانتظار تحسن أسعار النفط. لكن أولويتها في الوقت الراهن هي الحفاظ على هدوء الوضع الداخلي، وإبقاء المستبدين في الخارج في السلطة.

هل يملك آل سعود بدائل؟

سعيد الوهابي

من وجهة نظر محلية، كتب سعيد الوهابي مقالة في (المونيتور) نشر في 8 ديسمبر الماضي بعنوان (عندما لا يملك السعوديون سياسة بديلة)، تناول الخلاصة التي خرجت بها تقارير تفيد بأن «هبوط الأسعار هو سياسة سعودية ويتم لصالحها»، وينقل عن تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي يحث دول الخليج وعلى رأسها السعودية بضرورة الإصلاح لإقتصادياتها عبر تخفيض الإنفاق والدعم الحكومي وخلق فرص عمل في القطاع الخاص، ومواجهة الإستهلاك المحلي للطاقة حين توقفت خلال الخمس سنوات الماضية عن تصدير مليون برميل من النفط.

ولكن الوهابي يرد على تلك المقاربة بالقول:

الصندوق يتجاهل «الفيل في الغرفة» الممثل في العقد الاجتماعي السعودي، النفط يقارب 90% من دخل الدولة وبالتالي بنسبة أقل قليلاً من حجم الاقتصاد السعودي، العقد الاجتماعي المتوافق عليه في السعودية أن الدولة الريعية هي ضمان الإستقرار السياسي، مشاريع الحكومة تشكل العمود الفقري للاقتصاد التي تضمن دخل الطبقة الثرية وفوق المتوسطة، والوظائف المريحة لطبقات الدخل المحدود والمتوسط، في المقابل تحصل الدولة على الشرعية والحرية الكاملة في التشريع وتوزيع الثروة.

الأسعار المتدنية للنفط سوف تؤثر في الاقتصاد السعودي، والسعوديون لا يملكون سياسة جديدة للتعامل مع الوضع الحالي، هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها السعودية هبوطاً حاداً للأسعار، وبناء على التجارب السابقة في العقود الأخيرة سيكون هناك ثلاث سياسات عامة مرتقبة.. الأولى تتمثل في استخدام الإحتياطي العام، والمرحلة الثانية عبر تقليص المشاريع الحكومية وتقليل فرص الوظائف الحكومية، وفي حال تدهور الأسعار أكثر ستضطر الحكومية السعودية لتقليص خدمات الدولة الريعية من إسكان وصحة وبنزين رخيص.

في مارس عام 1986 تعرّضت السعودية لأول تجاربها مع أزمات انخفاض الأسعار في تاريخها كدولة حديثة، بلغ سعر برميل النفط آنذاك 10 دولارات، أدنى سعر له بعد تدهور سعره من 32 دولار خلال نوفمبر من العام 1985. مرة أخرى وخلال يناير 2009 وصلت أسعار النفط إلى 40 دولار بعد الرقم التاريخي الذي وصله 147 دولار بنهاية يوم 11 يوليو عام 2008، في كلا الحالتين كان سعر النفط يخسر أكثر من 60% من قيمته في فترة أقل من 6 شهور.

أواخر 1987 وجد الملك فهد أن حربه مع سعر البترول الرخيص ستطول لذا اختار تقليص خدمات الدولة الريعية، ففي بيان الميزانية الذي اعلنه الملك آنذاك أوضح أنه سيحاول حماية المواطنين للحصول على خدمات الدولة بالرغم من عجز المزانية الذي بلغ 10 مليار دولار، لكن ما حدث بعد ذلك أن أسعار البنزين والكهرباء والطيران والتأشيرات ورسوم الخدمات الخدمات الحكومية ارتفعت بشكل تدريجي.

في الوقت نفسه تمّ إلغاء الدعم الحكومي لبعض المنتجات الزراعية، ومنذ ذلك العام ارتفعت سنوات الحصول على القروض الحكومية للإسكان وانخفض دخل الفرد إلى النصف تقريباً خلال 4 سنوات من 11 ألف دولار عام 1983 إلى 5.5 ألف عام 1987.

بعد عقد تقريباً واجهت السعودية عام 1998 أزمة هبوط لأسعار النفط جديدة بسبب الأزمة المالية الآسيوية، حينها انحدر سعر برميل النفط دون 10 دولارات، وكانت السعودية غارقة في الدين العام الذي تجاوز 100% من الناتج المحلي بنهاية التسعينات، حاولت السعودية تقليص انفاقها العام بإعلانها استراتيجية الخصخصة، وانعكاساً للأزمة آنذاك واثناء جلسة مجلس الوزراء في ديسمبر عام 1998 نبّه ولي العهد الأمير عبدالله ـ الملك الحالي ـ المواطنين أن «زمن الوفرة انتهى..يجب علينا جميعاً التعود على أسلوب حياة لا يعتمد كلياً على الدولة»، في كل مرة ينخفض سعر البترول يسترجع الرأي العام السعودي سياسة الملك عبدالله الشهيرة بـ «ربط الأحزمة» في عقد التسعينات.

خلال أزمة 2009 خفّضت الدولة السعودية نسبة التوظيف من 9.5% إلى 2.7%، وتقلّصت الزيادات السنوية لموظفي أرامكو على سبيل المثال بقدر كبير، في نفس العام كانت المشاريع الحكومية 26% أقل من العام الذي يليه (2010) والذي شهد ارتفاع لأسعار البترول، تجربة عام 2009 القصيرة أثّرت بشكل مباشر المشاريع والتوظيف ولكنّها لم تمس خدمات الدولة الدولة الريعية مثلما حدث في الثمانينات الميلادية.

من تبعات العقد الإجتماعي السعودي هي السياسة الضبابية في فصل الرأي العام عن أسعار النفط وعوائده، شركة أرامكو صاحبة الإمتياز النفطي الوحيدة في البلاد عملت خلال 80 سنة منذ انشائها بمعزل عن المجتمع المحلي، من تجربة شخصية عملت لسنوات في معمل للغاز تابع للشركة ينتج يومياً 310 ألف برميل يومياً من سوائل الغاز، الشيء الذي أعلمه يقيناً الآن أن لا أحد من العاملين يعرف من هو المستهلك النهائي؟ أو كم قيمة المنتج؟ على مستوى قطاعات الشركة ثم المجتمع السعودي تنتشر ثقافة شح المعلومات وزيادة الغموض حول السياسة، مؤخراً لم يشاهد السعوديون وزيراً واحداً في الحكومة ـ وخصوصاً وزيرا المالية والبترول ـ يتحدّث عن انخفاض أسعار البترول.

ما بعد الربيع العربي وبسبب أخطار انتقال حالة عدم الإستقرار إلى السعودية أنفقت الحكومة 250 مليار دولار سنوياً لدعم دولة الرعاية، 15% من الإنفاق الحكومي يذهب إلى القطاع الخاص عبر مشاريع حكومية والحصة الأكبر من ميزانية الإنفاق يصرف كرواتب لمليوني موظف يعلمون تحت مظلة العمل الحكومي بشكل مباشر أو غير مباشر، برامج دعم العاطلين عن العمل وتوفير الإسكان للمواطنين خصص لها مئات المليارات من ميزانيات السنوات الثلاث الأخيرة.

في نفس الوقت وبسبب الهاجس الأمني الذي سبّبه الربيع العربي ارتفع الإنفاق الحكومي على القطاعين الأمني والعسكري، البيان الملكي الشهير في مارس 2011 تضمن خلق 60000 وظيفة أمنية جديدة، قوات أمن المنشأت ـ المختصة بحماية المنشأت المدنية والصناعية في البلاد ـ تعتبر من أكثر القطاعات نمواً في وزارة الداخلية، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام قفزت السعودية إلى المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا على التوالي من حيث الإنفاق العسكري الذي بلغ 67 بليون خلال عام 2013، أيضاً وبسبب الربيع العربي وسّعت السعودية سلّة الإنفاق من خلال إلتزامها السياسي لدعم الوحدة الخليجية عبر تقديم منح للبحرين وسلطنة عمان ودعم الإستقرار والتنمية في المنطقة عبر المعونات المالية للأنظمة في مصر ولبنان والأردن والمغرب واليمن وباكستان والمعارضة السورية.

حجم الإنفاق الضخم الذي جاء نتيجة لتداعيات الربيع العربي وعزّزه استقرار أسعار النفط فوق سعر 100 دولار لم يعد متاحاً هذه الأيام، تقليص النفقات سيكون بلا محالة ضرورة، ومالم تُدار الأزمة بشكل صحيح لتجنب سخط المواطنين في منطقة مشبعة بالصراعات التي تهدد الأمن الوطني للسعودية، فإن هبوط الأسعار قد يجلب نتائج عكسية للقيادة في البلاد.

اقتصاديون محليون: البنية الاقتصادية أمام تحديات خطيرة

في نهاية العام المنصرم تقدّم مجموعة من الاقتصاديين في المملكة السعودية برسالة الى الحكومة عبر موقع الكتروني مختص برفع العرائض تشرح أبعاد التقلبات الناتجة عن المتغيرات السياسية والاقتصادية، وفيما يلي أهم ما جاء في الرسالة:

إن اقتصاد المملكة يعتبر من اقوي الاقتصادات في العالم من ناحية الايرادات وذلك يعتبر من الأعمدة الأساسية لكل إقتصاد في العالم للإستمرار والوقوف ومواجهة التقلبات الناتجة عن المتغيرات السياسية والاقتصادية. إن المملكة تمتلك مخزوناً كبيراً من النفط التي تعتبر مادة استراتيجية يمكن استثمارها في تعزيز قدرات اقتصادنا الوطني من خلال توظيف الايرادات في مجالات الصناعة والتنمية البشرية التي تعتبر الثروة الوطنية التي لا تنتهي.

لا شك أن الحكومة السعودية تعلم جيداً بنسبة التضخم في البلد وهي 2.6% و في نسبة متقاربة ارتفعت الاسعار هذا العام بنسبة 2.8%..

العلاقة بين أرقام موازنة 2015 وأرقام موازنة 2014 تشكّل أهمية كبيرة على الاقتصاد، حيث إن المصروفات المتوقعة لعام 2015 ستكون أقل بحوالي 240 مليار ريال - أي بانخفاض نسبته أكثر من 20% مقارنة بعام 2014، وبالنسبة لإقتصاد مثل الاقتصاد السعودي الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الإنفاق الحكومي، فإن هذا الانخفاض سيكون له أثر سلبي واضح على الناتج المحلي وعلى القطاع الخاص وبالتالي المواطن والمجتمع بشكل كلي سيتأثر من ذلك.

السادة الكرام في مجلس الوزراء السعودي الموقّر إن الاقتصاد السعودي على مر السنوات الماضية تعرّض الى وخزات إختلفت بشدتها وكان لابد أن تعتبر تحذيراً لصانعي القرار تحسّباً لاية مشاكل قد تطرأ في المستقبل لكن كما لاحظنا أن الامر لم يؤخذ بالحسبان من قبل الحكومة وإن الانخفاضة الأخيرة في أسعار البترول جعلت البنية الاقتصادية أمام تحديات توجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات حقيقية وجدّية لتجاوز الاسباب التي أدت الى العجز في ميزانية عام 2015.

إن إستمرار الوضع في الاسواق النفطية على هذا الشكل والعجز الذي مرشح للإستمرار وبالتالي سدّه من خلال السحب المستمر من الصندوق الاحتياطي سيرغمنا على رفع الدعم عن السلع والإتجاه نحو التقشف الذي لا المواطن السعودي تعود على ذلك ولا الحكومة السعودية فعلى هذا نحن كاقتصاديين متابعين للوضع عن كثب نرى بأن الوضع يتطلب إعادة النظر في طريقة الإنفاق من جانب ومن جانب ثان إعتماد سياسة مدروسة ومحسوبة في الإتجاه الحكومي نحو الاستقراض من الصندوق الاحتياطي واللجوء اليه للتعويض عن عدم التخطيط الاقتصادي الدقيق المتراكم عبر السنوات الماضية.

ومجلس الوزراء الموقّر على إطلاع كامل بأن هذه الارقام تلزم الحكومة أن تعمل ضعف ما كانت تقوم به في السنوات الماضية لقيامها في تنفيذ مشاريعها العمرانية والخدمية والإنمائية والانفاق بما يتوافق مع حجم الايرادات وإعمال الرقابة الدائمة والدقيقة على كل مفردات الموازنة لتحقيق ما خطط لها من اهداف.

الصفحة السابقة