سلمان: قائد جديد لدولة ظلامية

نشر معهد كاتو، وهو منظمة بحثية امريكية، متخصصة في الترويج لمبادىء الحرية الفردية والحكومة المقيّدة، والسوق الحرة والسلام، مقالة للباحثة الزميلة الزائرة في المعهد إيما اشفورد في 23 يناير الماضي بعنوان (السعودية: قائد جديد، لدولة من العصور الوسطي)، تقول فيه بما نصّه:

بالرغم من أن وفاة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله لم تكن مفاجأة، إلا أنها خلَّفت ارتفاعاً في أسعار النفط من جهة، ومصالح متشابكة اكتنفت عملية خلافة الملك بين حكام المستقبل في المملكة من جهة أخرى.

يرجع ذلك التأثير إلى الدور الفعَّال الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في الأسواق العالمية والشؤون الشرق أوسطية. وفي الوقت الذي لم تشهد فيه عملية الخلافة أي تعقيدات، فإنها كشفت في ذات الوقت عن طبيعة النظام السعودي العقيم في تداول السلطة، وأثارت العديد من التساؤلات بشأن العلاقات السعودية الأمريكية، والأسباب التي تدفع بالمملكة إلى مصاف الحلفاء القريبين لواشنطن، وذلك على الرغم من سياساتها الداخلية الممقوتة.

على صعيد آخر، فقد جرت عملية خلافة الملك الراحل بشكل سلس عبر مبايعة الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكاً للبلاد، ومبايعة الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد، الأمر الذي اعتبره البعض مفتاحاً للاستقرار في المملكة على المدى البعيد. ورغم التقارير الواردة بشأن صحة الملك الجديد وإصابته بمرض الزهايمر، إلا أنه بدا بصحة جيدة في خطابه الأول.

لن يكون هناك تغيرات كبيرة على صعيد السياسات التي تتبناها السعودية. كان هذا هو ما أكد عليه العاهل السعودي في خطابه مؤخراً. وفي الوقت الذي يعتمد فيه النظام السعودي على الملكية المطلقة، فإن آلية صياغة القرارات داخل السلطة الحاكمة تتم بالتوافق بين عدد كبير من الأمراء. فالعاهل السعودي كان عضواً فاعلاً في عملية اتخاذ القرارات السياسية السعودية على نحو متزايد خلال الأشهر الأخيرة، خاصة مع تدهور الحالة الصحية للملك عبد الله، بما في ذلك من قرارات تتعلق بالأوضاع الإقليمية في سوريا وإيران، والإبقاء على مستوى الإنتاج النفطي. ومن المتوقع أن تبقى هذه القرارات كما هي دون أي تغيير في الوقت الراهن.

غير أن التطور الأكثر أهمية هو تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، وهو ما أفسح المجال أمام الجيل الثالث في الأسرة الحاكمة للدخول على خط الخلافة. ومع اقتراب ذلك الجيل من التاج الملكي السعودي، فإن السياسة الداخلية للعائلة الحاكمة تلعب دوراً متزايداً في هذا الإطار.

بمعنى آخر، فإن تعيين محمد بن نايف، نجل الأخ الشقيق للملك سلمان واللذين ينتميان إلى كتلة السديريين السبعة، والتي ينتمي إليها أكبر عدد من الإخوة الأشقاء بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، يأتي في إطار السعي الحثيث للإبقاء على التاج الملكي بين أبناء الكتلة السديرية، وهو ما يعزز من مكانتها داخل الأسرة الحاكمة.

ورغم كل هذه الحقائق الهامة، إلا أنها تحجب حقيقة أخرى أكثر أهمية وهي أن نظام الخلافة في السعودية هو نظام عقيم. حتى إن هيئة البيعة التي تم تشكيلها مؤخراً لا تهدف إلا لتقنين عملية نقل السلطة باعتبارها لا تتعدى مؤتمراً رسمياً للأسرة الحاكمة لاختيار الوريث المقبل.

ما تزال المملكة السعودية ونحن في القرن الحادي والعشرين محكومة بطريقة مماثلة لطريقة الحكم في أوروبا في القرون الوسطى. ولم تكن الإصلاحات التي انتهجها الملك الراحل عبد الله سوى إصلاحات تدريجية في أحسن الأحوال. سياسات داخلية تنتهك حرية التعبير كما هو الحال في قضية المدون رائف بدوي، وتحرم النساء من حقوقهن، وتزيد من تبعيتهن «لولي أمرهن».

صحيح أن السياسة الخارجية الجيدة قد تتطلب العمل مع الحلفاء الذين يتبنون سياسات داخلية بغيضة. وهو ما رأيناه في إشادة الولايات المتحدة بالملك عبد الله والتي أظهرته كحليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فبينما وصفه وزير الخارجية جون كيري بأنه «رجل ذو رؤية وحكمة»، فقد أشار بيان للبيت الأبيض إلى أن «قوة الشراكة والتقارب بين واشنطن والسعودية هي جزء من إرث الملك عبد الله».

ومع ذلك، فإن هذه الإشادات لا تتجاهل فقط سياسات المملكة الداخلية، وإنما العديد من الإجراءات التي اتخذتها السعودية وأفضت إلى زعزعة للاستقرار في السنوات الأخيرة. لم لا وقد لعبت دوراً رئيساً في إجهاض ثورات الربيع العربي، وكذا التدخل العسكري في البحرين، وتغذية الحرب الأهلية في سوريا وتمويل المسلّحين المناهضين للنظام. أضف إلى ذلك أن التدخل السعودي في السياسة القبلية اليمنية ساهم في تصاعد التوترات الحالية في اليمن.

في نهاية المطاف، لن تفضي عملية الخلافة في السعودية إلى إحداث أي تغييرات في السياسة الخارجية للمملكة، أو حتى في المواقف التي تتبناها إزاء عدد من القضايا الرئيسة الأخرى كأزمة النفط. وإذا كانت هناك من أزمات حول عملية الخلافة، فلن تكون حاضرة في الزمن القريب.

وبدلاً من ترحيب الولايات المتحدة بالملك الجديد، فقد يكون من الأجدى لقادتها أن ينظروا عن كثب لعلاقات واشنطن مع السعودية وسياساتها الخارجية في الآونة الأخيرة. حان الوقت لنسأل عمّا إذا كان يتوجب على الولايات المتحدة الاستمرار في وصف النظام السعودي كواحد من أقرب حلفائها.

الصفحة السابقة