عهد السمع والطاعة

محمد بن نايف.. رجل أمريكا في الرياض

يحي مفتي

اوباما في الرياض: تعزية ام اضفاء مشروعية؟

لم يكن مجرد صدفة قدوم وفد كبير ومتنوع مرافق للرئيس الأميركي باراك اوباما في زيارته الى الرياض للتعزية بوفاة الملك عبد الله وتهنئة الملك الجديد، سلمان..دلالات ذلك تبدو على درجة كبيرة من الأهمية لجهة مراتب المشاركين وانتمائاتهم الحزبية، فكبار الجمهوريين في ادارتي جورج بوش الاب والابن، خصوصاً الموكلين بملفي الخارجية والأمن كانوا من ضمن الوفد على وجه الخصوص الجمهوريين: جيمس بيكر، برنرت سكوكرفت، كونداليزا رايس، ستيفن هادلي، ومن إدارة أوباما الحالية شارك كل جون كيري، جون برينان، سوزان رايس، ليزا موناكو. ثلاثون شخصية رفيعة المستوى سابقة وحالية هم الوفد غير المسبوق الذي يزور المملكة. أهم دلالة كانت أن الولايات المتحدة بجمهورييها وديمقراطييها هي حليف استراتيجي للمملكة السعودية، وهي الآن على وجه التحديد متطابقة في موقفها من العهد الجديد، أي عهد سلمان.

في دلالة أخرى على درجة كبيرة أيضاً من الأهمية هي مباركة التغييرات التي قام بها الملك الجديد، إذ لم يكن لمثل هذه التغييرات الدراماتيكية والشاملة خصوصاً تلك التي تنطوي على تهميش جناح عبد الله واستبعاد حلفائه السابقين بمن فيهم الأمير بندر بن سلطان الذي قضي عليه تماماً في العهد الجديد بإعفائه من منصب الامين العام لمجلس الأمن الوطني وإلغاء المجلس تماماً، الأمر الذي يعزّز دور محمد بن نايف وزير الداخلية ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ويؤشر ذلك الى أن بن نايف بات الأوفر حظاً للولايات المتحدة وليس بندر بن سلطان، وإذا هناك من رجل أمريكي في العهد الجديد فهو محمد بن نايف..

فهم كثير من المراقبين بأن زيارة أوباما بوفده المتنوع جاءت لتضفي مشروعية على الانقلاب الأبيض الذي قاده سلمان ضد جناح عبد الله وأعاد انتاج الهيمنة السديرية ولكن في شكل جديد يكون أركانها محمد بن سلمان ومحمد بن نايف..الاوامر الملكية التي صدرت خلال اسبوع كانت بمباركة أمريكية، وتأتي تأكيداً لما قاله نائب مستشار الامن القومي الاميركي بن رودز للصحفيين المرافقين للرئيس أوباما على متن طائرته انه سيبحث انتقال القيادة في السعودية مع الملك الجديد. من جانبه، قال بنيامين رودس، مساعد مستشارة الأمن القومي: «أعتقد أنها ستكون فرصة للتيقن من المضي قدماً في المصالح المشتركة بين البلدين..أعتقد أن الملك يرسل إشارة بالتزامه باستمرار النهج السعودي في تلك القضايا».

إذاً نحن أمام عهد جديد في المملكة السعودية، هو عهد السمع والطاعة للولايات المتحدة. ولذلك خلفيات كنا قد ذكرنا في أعداد سابقة من (الحجاز) طرفاً منها ولكن في سياق آخر، وقد حان الوقت الذي يجب أن توضع في سياقها الطبيعي..

في وثائق ويكيليكس معطيات مهمة حول علاقة محمد بن نايف مع الأميركيين، وهي علاقة تعود الى والده نايف، ولي العهد ووزير الداخلية سابقاً.. بن نايف في محادثاته مع الأميركيين يشيد بالعلاقة معهم الى حد التماهي والاستعداد لفعل كل ما يمكن لتعزيز هذه العلاقة..وكان قد تحدث كيف أن جدّه عبد العزيز كانت لديه رؤية حول الشراكة الاستراتيجية الدائمة مع الولايات المتحدة، وأنه يحمل الرؤية ذاتها، ويطلب مساعدة الولايات المتحدة لحماية البنية التحتيّة الحساسة في السعودية. ولفت في وثيقة سريّة بأن لا المملكة ولا الولايات المتحدة ستكونا مرتاحتين في أن يتولى الفرنسيون أو الروس حماية المنشآت النفطية السعودية وبحسب عبارة منسوبة له: «لقد بنينا أرامكو معاً، ويجب أن نحميها معاً».

رسالة واضحة يبعث بها بن نايف الى الأميركيين من خلال هذه الرؤية للعلاقة معهم، وقد لحظنا كيف جرت محاولات في عهد عبد الله في السنوات الأخيرة ومن خلال اتصالات قام بها بندر بن سلطان وسعود الفيصل لجهة طلب الدعم الفرنسي على حساب الولايات المتحدة..أمّا وقد جاء عهد سلمان واعتلى محمد بن نايف مكاناً سيادياً وبات أقرب الى العرش فهو يعيد بناء العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة..

بن نايف مع كيث الكساندر رئيس وكالة الامن القومي.. أبعد من تحالف

من منظور جناح سلمان ـ نايف، أن الأميركيين يمكن أن يضطلعوا بمهمة حماية العرش السعودي وحماية المنشآت النفطية..وفي ظل التهديدات الأمنية المتصاعدة وتنامي خطر داعش فإن التعاون الأميركي السعودي يبدو ضرورياً في المرحلة المقبلة..وكانت السفارة الأميركية في وثيقة خاصة قد كشفت في إبريل 2009 عن أن الجهود الأميركية هي التي ساعدت الأمراء على إضعاف القاعدة أو حتى هزيمتها، وأن هناك تنسيقاً أمنياً متصاعداً في كافة المجالات.وبحسب وثيقة سريّة: «بمساعدتنا، هزمت السعودية بصورة كبيرة الإرهاب في الداخل. والأمراء السعوديون الآن هم شريكنا الإستخباري الأشد أهمية في مكافحة الإرهاب. فقد فرضوا سيطرة محكمة على الجمعيات الخيرية، وعلى انتقال المال لقطع قنوات التمويل الإرهابي؛ ووقّعنا اتفاقية تبادل معلومات، وبدأنا بتبادلها حول المسافرين جوّاً للمساعدة في تعقّب المشتبّه فيهم من الإرهابيين، ولتسهيل السفر القانوني. ويمكننا القول بوضوح بأن (السعودية هي جزء من الحل وليست المشكلة).

تمثل هذه الفقرة خلاصة العلاقة بين نايف وإبنه محمد والأميركيين وتفضيلهم التعامل معه باعتباره الأقرب اليهم والأقدر على تسهيل مهماتهم في المملكة والمنطقة بصورة عامة..

وفي تقرير للسفارة الأميركية صدر في إبريل 2009 حول التطوّرات المتعلقة بأمن المنشآت النفطية، وبحسب الوثيقة رقم 09RIYADH496 والمؤرخة في 31/3/2009، وموضوعها: إعداد المشهد قبل زيارة السناتور بوند الى السعودية: «تبقى القيادة السعودية قلقة بدرجة كبيرة حول ضعف المنشآت الخاصة بإنتاج الطاقة. وقد عيّنت محمد بن نايف مسؤولاً عن الجهود لكسب القدرة للدفاع عن هذه البنية التحتية الأساسية؛ وهو ـ أي الأمير محمد بن نايف ـ يتطلّع بصورة أساسية للولايات المتحدة لبناء هذه القدرة عبر مبادرة طرحت بصورة رسمية في مايو 2008، حين وقّعت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس والأمير نايف اتفاقية لإنشاء هيئة مشتركة حول حماية البنية الأساسية الحسّاسة. وقد أنشأنا وكالة مشتركة، ومنظمة استشارات أمنية، ومكتب إدارة البرامج التابعة لوزارة الداخلية لتطبيق الاتفاقية الأمنية الثنائية. وقد جعل الملك عبد الله حماية البنية التحتية الحساسة للسعودية باعتبارها أولوية أمنية عليا، مع منح محمد بن نايف سلطة تحقيق الهدف».

إذاً محمد بن نايف ليس مجرد وزير داخلية بل هو موكل بمهمة أمنية ثنائية، وهذا ما يجعله الرجل الأقرب للولايات المتحدة في العهد الجديد. وهذا ما تكشف عنه وثيقة أخرى برقم 08RIYADH1619 مؤرخة في 29/10/2008 صادرة من السفارة الأميركية بالرياض، لتلقي الضوء على تفاصيل الإتفاقات والنشاطات الأمنية المشتركة بين السعودية وأمريكا من أجل حماية المنشآت النفطية، وتالياً بالحكم السعودي المتّصل بحماية النفط. موضوع الوثيقة هو: (الحكومة السعودية توافق على خطوات الحكومة الاميركية لحماية المنشآت النفطية) وملخصها هو التالي:

حقّقت الهيئة المشتركة الخاصة بمبادرة حماية البنية التحتية الحساسة وأمن الحدود في السعودية تقدماً لافتاً هذا الاسبوع. وفي 27 أكتوبر (2008)، قدّمت إدارة وفد الطاقة بقيادة دو داس وم. برايان، بحضور السكرتير الثاني في السفارة الاميركية في الرياض تقييم قابلية الإختراق للمنشأة النفطية في الجبيل، لفريق عملي رفيع المستوى من وزارة الداخلية السعودية، وشمل 40 دقيقة من النقاش مع مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف. توصيات دو جرى قبولها من قبل محمد بن نايف، مع الموافقة على المزيد من العمل من قبل الهيئة سالفة الذكر. وبالتزامن مع كلمة حول تقييم قابلية الاختراق، قدّم ممثل قوات التدخل السريع لحماية المنشآت النفطية في الرياض، قائمة طلبات الى محمد بن نايف لتأسيس المكتب الخاص بمدير البرنامج ـ قوة أمن المنشآت (OPM-FSF) والتي ستكون مسؤولة عن تدريب وتجهيز قوات الأمن السعودية، والتي ستتشكل لحماية منشآت إنتاج الطاقة في السعودية، ومعامل الفرز، والمعامل النووية المدنية في المستقبل. مازال السعوديون على درجة عالية من القلق حيال إمكانية اختراق منشآت إنتاج الطاقة، وهم يؤكّدون على رغبتهم القوية في التزام أميركي طويل المدى لتطبيق إتفاقية حماية البنية التحتية الحساسة وأمن الحدود.

الوثيقة تضمّنت تفاصيل دقيقة وتقتية لتقييم القدرة الأمنية الخاصة باجراءات السلامة لبعض المنشآت النفطية في بقيق وغيرها..اللافت في الوثيقة هو ما يتعلق بمحمد بن نايف. تقول الوثيقة: «كان محمد بن نايف معجباً بتقييم دو حول ابقيق وعبّر عن تقديره لما قام به، وأمر طاقمه بتنفيذ فوري لتوصيات دو لتحسين أمن ابقيق، كما طلب من دو بأن يواصل تقديم المزيد في تقييم قابلية الاختراق».

الملفت أن محمد بن نايف كان هو الدينامو وقطب الرحي في كل المفاوضات والترتيبات الأمنية مع الأميركيين وكان هو من يقرر تنفيذ التوصيات..وكان الجانب الامني الأميركي جشعاً في استجلاب أكبر قدر من التسهيلات حتى أن دو استغل ثقة محمد بن نايف به فكان يقترح تشكيل فرق أمنية مشتركة لتقييم 100 موقع حساس في البنية التحتية الحساسة في المملكة، على أن يلتحلق بهذه الفرق عناصر من الداخلية من المقرّبين من محمد بن نايف وتدريبهم على المهارات الضرورية لمواجهة خطر الاختراق للمنشآت الحيوية..

اللافت أن محمد بن نايف تجاوز إدارة أرامكو ومسؤوليها في ترتيباته الامنية مع الأميركيين، وقدّ عبّرت إدارة أرامكو عن القلق بأن المزيد من الأمن سيجعلنا (أرامكو) في وضع صعب جداً بأن نقوم بأعمالنا في انتاج النفط. الأميركيون تنبّهوا الى طبيعة الخلافات الداخلية في السعودية ولكن محمد بن نايف أوحى الى الأميركيين بأنه رجلهم وأنه القادر على حل المشكلة وقال لهم بأن قلق أرامكو سيتم معالجته، والأهم في ذلك أنه قال لهم بأنه صاحب الكلمة الفصل في حماية البنية التحتية الحساسة في السعودية، ولن يسمح للمنشآت النفطية السعودية أن تترك هشة، بصرف النظر عن شكاوى أرامكو.

بن نايف..مطيع لأميركا وحدها لا شريك لها!

في سياق مواز، أن وزارة الداخلية المعنيّة بملف حماية البنية التحتية الحساسة السعودية قدّرت بأن تستهلك خطة الحماية 25 بالمئة من ميزانية وزارة الداخلية. حيث تتألف قوة أمن المنشآت من نحو 35 ألف عنصر، أي في الحد الأدنى مع إضافة 20 بالمئة من المزيد من القوات لأمن الموانىء والحدود. المشاريع الأمنية لدو وبرامج حماية البنية التحتية الحساسة وأمن الحدود تمّ تنفيذها بمشاركة مؤسسة أميركية..

قائمة طلبات تقدّم بها مكتب مدير البرنامج وقوة أمن المنشآت التي جهّزتها القيادة المركزية، للأمير محمد بن نايف. القائمة وضعت الصيغة المنضبطة للطلب الرسمي السعودي من الحكومة الأميركية لإنشاء مكتب مدير البرنامج ـ قوة أمن المنشآت. وجّه محمد بن نايف طاقمه لإعداد مثل هذه الرسالة لتوقيعه. وقد قبلت القيادة المركزية الأميركية وتم تشييد مكتب مدير البرنامج وقوة أمن المنشآت وبناء المعدات. أشارت وزارة الداخلية الى أنها تخطط لتقديم رسالة الطلبات السعودية للجنرال بترايوس حين يزور المملكة، والتي حدّدت ـ أي الزيارة ـ في 8 نوفمبر 2008، وقد تقدّمت السعودية بالطلب خلال زيارة بترايوس وجرى الحديث حول دور مجموعات العمل المشترك وإعادة الحديث حول تشكيل ثلاث مجموعات: قوة أمن المنشآت، الأمن الصناعي، والأمن الداخلي. وأن من يقرر عمل ووظائف هذه المجموعات هي الحكومتين السعودية والاميركية وليس مؤسسات خاصة. وكان محمد بن نايف هو اللاعب الرئيسي في كل المشاورات الخاصة بتشكيل هذه المجموعات..

وفي أحد لقاءات محمد بن نايف وأحد المسؤولين الأمنيين الأميركيين، عبّر بن نايف عن رغبته الشخصية في الاسراع بالتحرك للأمام في أسرع وقت ممكن من أجل تعزيز حماية البنية التحتية الحساسة في السعودية مع أولوية لمواقع انتاج الطاقة. وأبدى محمد بن نايف استعداد للسفر الى الولايات المتحدة لتوقيع الاتفاق والسير مباشرة نحو تنفيذ الاتفاق. وتبادل الطرفان مواعيد اللقاءات في الرياض وواشنطن..

في ضوء ما سبق، نتوقف عند معطيات جديدة عكستها الصحف الاميركية. فقد نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) تقريراً في 27 يناير 2015 جاء فيه: «بالرغم من أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سبق له لقاء العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، لكن علاقتيهما معاً ليست بارزة، لكنها اعتبرت تعيين وزير الداخلية محمد بن نايف ولياً لولي العهد يمثل علامة مشجعة لواشنطن إذ أنه يرمز لجيل قادم من القيادة، ولتاريخه الطويل في العمل مع الولايات المتحدة في قضايا مكافحة الإرهاب». لم يكن مجرد كلام مقطوع الصلة عما سبق بل هو يندك في مصميم السياق الذي تناولته وثائق ويكيليكس وتحدثنا عنه مراراً في أعداد سابقة..

وحمل الوفد الضخم ومشاركة الامنيين الكبار في الادارة الأميركية رسالة واضحة ليس للملك الجديد بل ولولي ولي العهد أيضاً إذ أن وفداً بهذا الحجم، يوضح الأهمية التي تعول عليها الولايات المتحدة في علاقتها مع المملكة، بدوافع لا تقتصر على إمدادات السعودية الهائلة من النفط، ولكن لكونها دولة قائدة في المنطقة، ومساعدتها للجهود الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب، بحسب الصحيفة.

ولكي تتلاءم الزيارة مع التطورات الجديدة، بحسب الصحيفة، يضم الوفد الأمريكي مسؤولين حاليين وسابقين عملوا مع بن نايف وزملائه في قضايا الإرهاب أمثال برينان، وليزا موناكو، مستشارة مكافحة الإرهاب لأوباما، وجوزيف ويستفال، السفير الأمريكي لدى الرياض، وصامويل بيرجر، المستشار السابق للأمن القومي، وفرانيس فراجو، المستشار السابق لمكافحة الإرهاب للرئيس السابق جورج دبليو بوش.

هناك موضوعات مشتركة بين الرياض وواشنطن سوف يلعب بن نايف دوراً مركزياً فيها الى جانب محمد بن سلمان وزير الدفاع، ومنها اليمن وداعش والنفط وايران وسوريا ..ومهما يقال عن أولويات مختلفة بين الملك عبد الله والملك سلمان فإن صانعي السياسة الخارجية وعلى رأسهم سعود الفيصل يؤكدون ألا تغيير في السياسة الخارجية، قد تزداد حدّة في مكان هناك ومرونة في مكان آخر الا أن الخط العام للسياسة الخارجية يبدو ثابتاً..صحيح أن تبايناً ظهر في الملفين السوري والمصري، حيث كان الملك عبد الله يشجّع على خيار الحرب في سوريا وهو ما رفضه الرئيس الأميركي أوباما، وكذلك في مصر حيث غضبت الرياض من موقف اوباما من حسني مبارك في ثورة 25 يناير ثم حدث تباين بينهما بعد قيام السعودية بإسقاط نظام محمد مرسي، الا أن هذا التباين ما لبث أن توارى تدريجاً بعد اعلان الملك عبد الله في 3 فبراير 2014 عن تجريم المقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين في الخارج وبدء الحرب على الارهاب..واشنطن سعت الى تقديم كل الضمانات والتطمينات الضرورية من أجل ابقاء التحالف الاستراتيجي بين الدولتين قائماً وراسخاً..وكانت زيارة أوباما الى الرياض في مارس 2014 لرأب الصدع وتكللت بعودة العلاقات الى طبيعتها..

ولكن يبقى ان عهد سلمان بمن فيه يعد أميركياً بامتياز..

حين نتوقف عند المهمات المنوطة بوزير الداخلية وولي ولي العهد محمد بن نايف سوف نخرج بخلاصة ان الملف الأمني بكل موضوعاته بات في عهدته، وأنه الرجل الاقوى الذي يمسك بأكثر مفاصل المملكة حساسية، وهو أقرب الأمراء من واشنطن، الى حد لقائه بالرئيس اوباما مرتين في واشنطن رغم انه كان في مرتبة وزير، مع الاشارة الى ان الاشهر القليلة الماضية شهدت سلسلة زيارات لواشنطن من قبل عدد من الأمراء بمن فيهم متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني في سياق تقديم أوراق اعتماد ولكن لم يكن البيت الأبيض ولا الدوائر الامنية والاستخبارية الأميركية تختار رجلاً آخر غير محمد بن نايف..

الرجل بات يدير الآن منظومة الاستخبارات الداخلية يما يجعله على علم دائم بأسرار المملكة، كما لعب دوراً أمنياً وسياسياً في الملفات الحساسة، بما في ذلك البحرين وقطر وسوريا والعراق واليمن وفلسطين. وبحسب تقرير لصحيفة (نيويورك تايمز) فإنه يميّز بين مقاربتين: الأولى تركيز الرجل على مكافحة الارهاب الذي يتماشى مع البيت الابيض، والمقاربة الثانية وهي غير مؤكّدة وهيما اذا كان إذا سيكون أقل معاداة لاستمرار المفاوضات بين واشنطن وإيران بشأن برنامجها النووي، أو للإشارات التي يصدرها البيت الأبيض بأنه لم يعد يرغب بالضغط من أجل الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

إسدال الستار على مستقبل بندر السياسي

في محادثات أوباما مع سلمان غابت ملفات وحضرت أخرى، وكان الملف السوري من بين الملفات الغائبة، فلم يتم التطرّق لهذا الملف، وأن الطروحات حول دعم المعارضة وتدريب عناصرها وحتى الحلول السياسية لم تكن مدرجة على قائمة الملفات ولربما أريد تحويلها الى مستويات أدنى. تركز الحديث حول ترتيبات البيت الداخلي وملفات خارجية حسّاسة مثل داعش واليمن، ولمحمد بن نايف كلام سابق حين عدّ اليمن دولة فاشلة بحسب برقية أمريكية مسربة أعلن عنها في بداية ديسمبر 2010 وكشفت عن أن الرئيس علي عبد الله صالح يفقد السيطرة على الوضع في البلاد. وتشعر السعودية بالقلق بخصوص احتمال ان يستغل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدم الاستقرار في اليمن لشن مزيد من الهجمات داخل أراضيها بعد ان تمكنت بمساعدة خبراء أجانب من وقف حملة للمتشددين في عام 2006. ونقلت برقية كتبتها السفارة الامريكية في الرياض في مايو 2009 عن الامير محمد بن نايف قوله «لدينا مشكلة إسمها اليمن». وورد في البرقية التي تسجل اجتماعا للامير مع ريتشارد هولبروك المبعوث الامريكي لافغانستان وباكستان في الرياض في مايو 2008 أن الامير وصف اليمن بأنه دولة فاشلة «وبالغة الخطورة الى أبعد حد».

لاشك أن ازاحة الفريق المسؤول عن الملف السوري بقيادة بندر بن سلطان الذي أزيح بصورة نهائية عن المشهد السياسي ومن معادلة السلطة حتى رئيساً لمجلس الامن الوطني، إذ لم يكتف سلمان باعفائه من جميع هذه المناصب، بل وألغى مجلس الامن الوطني ولم يعد له وجود، ما يحسب انتصاراً ساحقاً لمحمد بن نايف على منافسه الأميركي الهوى بندر بن سلطان، وعليه يكون التعامل مع الازمة السورية بات مختلفاً، وقد يتسم في هذه المرحلة على الأٌقل بالغموض ميدانياً وسياسياً، وان كان وزير الخارجية سعود الفيصل سوف يتكفل بتظهير الموقف السعودي المتشدد من بشار، وإن لم ينعكس ميدانياً بصورة مباشرة. ومن المتوقع ان تلتزم السعودية بالمقاربة الأميركية للملف السوري حرفياً وعدم تبني مقاربة بندر بن سلطان الذي كان يدير الملف بصورة شبه مستقلة وعنادية دون مرعاة للحسابات الاميركية. وعليه، فإن التباين بين القيادة السعودية مع الرئيس اوباما على خلفية عدم شنه حرباً في صيف العام 2013 لاسقاط بشار بل ابرامه اتفاق جنيف الكيميائي سوف يتلاشى تقريباً بصورة نهائية.

الحرب على الارهاب وداعش على وجه الخصوص سوف يكون موضوعاً في تعزيز التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرياض وسوف يلعب محمد بن نايف دوراً محورياً في الحرب، وله في ذلك مقاربة خاصة سوف تحظى برضا الأميركيين وسوف تجعل منه الرجل الأشد قرباً لواشنطن من بندر بن سلطان..

في الملف النووي الايراني، عبر سلمان عن موقف واضح بأن ما يخيف نظامه هو السلاح النووي، وعليه سوف يواصل الأميركيون في توفير كل التطمينات والضمانات لحليفهم المدلل إزاء الاتفاق النووي مع ايران..

وكما يبدو، فإن الرياض تتجه نحو القبول بالأمر الواقع واحترام إرادة الحليف الأميركي ورغبته في إغلاق هذا الملف قبل انتهاء ولايته الثانية، إذ يسعى أوباما الى أن يتوّج عهده باتفاق نووي مع الخصم العنيد في المنطقة. صحيح أن هناك مواقف معلنة وسرية للملك ولمحمد بن نايف تشي بسياسة خارجية أشدّ وأكثر حزماً تجاه ايران وقضايا اخرى، إلا أن الكلمة الفصل في نهاية المطاف تبقى في واشنطن، وأن رهان فريق سلمان على الدعم الاميركي يجعل منه مرناً ومطواعاً الى حد كبير إزاء ملفات خلافية..

ورغم قلق الرياض من التقارب الاميركي ـ الايراني الذي سيعزز نفوذ طهران إقليمياً، فإن الملك سلمان لم يبد تحفظات على المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة بهدف «كبح» البرنامج النووي الإيراني، وهو قال إنه لا ينبغي السماح لطهران بصنع سلاح نووي. اوباما ليس في وارد المساومة على الاتفاق النووي الايراني، وهو على استعداد لأن يواجه كل الأطراف التي تحول دون المضي في تنفيذ الاتفاق وهدّد باستعمال الفيتو في حال سنّ الكونغرس قانون عقوبات جديدة على طهران، وحذّر من أنه مثل هذا التدبير سوف يدفع ايران للانسحاب من المفاوضات، وتحميل واشنطن مسؤولية فشل الاتفاق، وقد تتدحرج الأمور نحو مواجهة عسكرية، وان وجهة نظر ايران ستلقى قدراً من التعاطف على مستوى العالم مما ينطوي على احتمال تداعي العقوبات المفرضة حالياً.

ولكن في موضوع الاتفاق النووي هناك ما يمكن أن يقال عن أداة تفاوضية غير مباشرة تسمح للرياض بتعديل شروط الاتفاق وذلك عن طريق الملف النفطي. حيث تلعب السعودية دوراً محورياً في الحرب النفطية ضد ايران وروسيا، بسبب رفضها خفض انتاج اوبك لوقف الانخفاض الكبير في الاسعار. والخلاصة التي اذاعها مسؤول اميركي رافق اوباما في زيارته ان العاهل السعودي عبر عن رسالة مفادها استمرارية سياسة الطاقة التي تنتهجها بلاده، وقال ان السعودية ستواصل لعب دورها في إطار سوق الطاقة العالمية، وانه ينبغي ألا يتوقع أحد تغييراً في موقف بلاده. واعتبرت أسواق الطاقة قرار الملك إبقاء وزير النفط علي النعيمي في منصبه إشارة إلى أن المملكة لن تتخلى عن سياستها الرافضة لخفض الانتاج مع دفاعها القوي عن حصتها بالسوق، وعدم التخلي عن حصة لصالح منتجين من خارج المنظمة مثل روسيا ومنتجي النفط الصخري بالولايات المتحدة. ويوضح النعيمي موقف المملكة السعودية في ما قاله لنشرة «ميدل ايست ايكونوميك سرفي» (ميس) في ديسمبر الماضي: «هل من المعقول أن يخفض منتج للنفط ذو كفاءة عالية الإنتاج ويستمر المنتج ذو الكفاءة الرديئة في الإنتاج؟ هذا منطق غير سليم».

وإذا كانت حاجة الولايات المتحدة لنفط السعودية منخفضة بسبب الطفرة النفطية الأميركية، فإن سلاح النفط لايزال فاعلاً في الأسواق العالمية على الأقل في مواجهة ايران، وهذا ما يراد له التأثير على مواقفها المتشدّدة في الملف النووي.

الصفحة السابقة