الدولة السلمانيّة

كي نصل الى النتيجة التي يلخّصها العنوان، من الضروري تقديم مطالعة مكثّفة حول آل سعود الذين حكموا المساحة الأكبر من الجزيرة العربية منذ سنّة 1932 بعد تجربتين فاشلتين أطلق عليهما مؤرخو النظام بالدولة السعودية الأولى والثانية، بدأتا منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.

أول ما يلزم ذكره في المطالعة هو أن عائلة آل سعود التي يزعم مؤّرخوها بأنها تتحدّر من فرع المساليخ من قبيلة عِنَزَة، مؤلّفة من نحو 20 ألف أمير وأميرة، بحسب التقديرات المعتدلة. ويتمركز هؤلاء في منطقة نجد، وفي العاصمة الرياض بدرجة أساسية.. ولهم حياتهم الخاصة المحفوفة بكل أشكال التكتّم والسريّة.

وبرغم أن آل سعود هم فروع متعدّدة، إلا أن فرعاً واحداً فرض نفسه عليهم وهو الذي يرأسه عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة، وبقي الحكم في أبنائه وأحفاده، فيما تولّى أبناء الفروع الأخرى مناصب ثانوية وفي حالات نادرة تولى واحداً أو أكثر مناصب مهمة كما في حالة بن جلوي، حاكم المنطقة الشرقية سابقاً، والذي خلفه ابنه سعود في المنصب.

تزوج عبد العزيز من 38 إمرأة من مختلف القبائل والبلدان (اليمن، بلاد الشام، تركيا، أرمينيا)، وخلّف 70 ما بين ولد وبنت، من بينهم 36 ولداً، وقد توارث بعضهم الملك بعد موته مثل سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، ويحكم اليوم أحد أبنائه سلمان وهو من بين 13 إبناً لعبد العزيز لا يزالون على قيد الحياة.

وإذا ما أردنا تصنيف الأبناء من ناحية العمر، سوف نجد أن هناك تسعينياً واحداً وهو الأمير بندر بن عبد العزيز (92 عاماً)، وهناك سبعة أمراء ثمانينيون وهم مشعل (89عاماً)، عبد الرحمن (84 عاماً)، متعب (84 عاماً)، طلال (84 عاماً)، تركي الثاني (83 عاماً)، نواف (82 عاماً)، سلمان (80 عاماً)، وهناك خمسة أمراء سبعينيون: ممدوح (76 عاماً)، عبدالإله (76 عاماً)، أحمد (73 عاماً)، مشهور (73 عاماً)، مقرن ـ ولي العهد (70 عاماً).

ومن بين هؤلاء ليس هناك سوى الملك سلمان وولي العهد مقرن من يتولى مناصب سيادية وحساسة، فيما البقية في مناصب هامشية أو خارج المعادلة. مشعل هو رئيس هيئة البيعة التي تشكّلت بأمر ملكي في 2006 للهروب من استحقاق النائب الثاني، وقد جرى تجاوزها بعد اتفاق الملك عبد الله والامير نايف وتقرر تعيين الاخير نائب ثان.. كما تجاوزها سلمان بتعيين ولي العهد وولي ولي العهد، واضاف الى ذلك منصب النائب الاول والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء.

ومن المعلوم، وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة، انه كان هناك جناحان يتقاسمان ويتنافسان على السلطة، الاقوى فيهما هو الجناح السديري المؤلّف من: فهد، سلطان، نايف، سلمان، أحمد، تركي الثاني، عبد الرحمن. بقي من هذا الجناح: سلمان وأحمد وتركي الثاني وعبد الرحمن. ويقود الجناح حالياً سلمان الذي يتولى منصب الملك، أما البقية فلا مناصب لهم حالياً. فقد أزيح أحمد عن منصبه كوزير للداخلية في عهد الملك عبد الله وقام بتعيين إبن شقيقه محمد بن نايف الذي تتحدث تقارير عديدة عن خصومة عميقة بينهما، وكان أحمد على غير وفاق أيضاً مع نايف، أما تركي وعبد الرحمن فكانا في منصب نائب وزير الدفاع وأعفيا من منصبيهما الاول منذ عام 1979 وعاش في مصر حتى وفاة زوجته هند الفاسي. والثاني ـ عبدالرحمن ـ أعفي في عهد الملك عبد الله.

الجناح الآخر يقوده الملك عبد الله، ويستمد قوّته من كونه يرأس الحرس الوطني وهو القوة العسكرية المكافئة للجيش.. وقد تأسس الحرس الوطني سنة 1954 حيث جمع فلول مقاتلي عبد العزيز الذين كانوا ينتظمون في مكاتب المجاهدين قبل أن ينتقلوا الى مؤسسة بهدف مواجهة الأخطار الداخلية، وقد تولّى عدد من أمراء آل سعود رئاسة الحرس الوطني إلى أن أصدر الملك سعود قراراً سنة 1962 بتعيين عبد الله، الملك السابق، رئيساً للحرس الوطني، وكان ذلك المكافأة التي حصل عليها لتأمين قوّة تمكّنه من الوصول الى العرش بتخطيط وحنكة الشيخ عبد العزيز التويجري والد مستشار الملك عبد الله خالد التويجري الذي أعفي من منصبه فور تولي سلمان العرش.

أحدث سلمان في أقل من إسبوع ما لم يحدثه عبد الله في عشر سنوات، فقد هدم كل ما بناه عبد الله لناحية تمهيد السبيل لوصول إبنه متعب الى العرش، بدءاً من تعيينه وزيراً للحرس الوطني، وأخيه الأصغر غير الشقيق مقرن في منصب ولي ولي العهد، ليكون قناة عبور متعب الى العرش، ولكن سلمان قطع الطريق بتعيين محمد بن نايف ولي ولي عهد، وأزاح نجلي عبد الله من إمارتي مكة والرياض، وعيّن إبنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومحمد بن نايف رئيساً لمجلس الشؤون السياسية والامنية. واستكمل سلمان الخطوة بتشكيل حكومة مؤلفة من وزراء الغالبية الساحقة منهم مقرّبة من بيت سلمان وإبنه محمد بن سلمان.. هي حكومة اللون الواحد، والبيت الواحد.

يقال بأن استياءً شديداً من قرارات سلمان ظهر حتى في البيئة الحاضنة للنظام السعودي، وهناك من راح يهمس في البيوت والمجالس المغلقة بل وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي، بأن ما يفعله سلمان يدفعنا للترحّم على عهد عبد الله الذي استغرقت التغييرات معه عشر سنوات، بينما سلمان ـ وخلال اسبوع واحد ـ أقام مملكة تحمل الصفات الوراثية لشخصه، هذا ولا زلنا في بداية الطريق، وإن كانت المؤشرات تفيد بأن سلمان يتجه نحو المزيد من الإقصاء والاحتكار، وعليه فإن من هذه بدايته لا تؤمن عاقبته.. ومرحباً بكم في الدولة السلمانية!

الصفحة السابقة