حكم الشعب أم الطبقة الفاسدة؟

تقسيم اليمن مخطط أميركي سعودي

عبد الوهاب فقي

تشكّلت السلطة في اليمن من تحالف عسكري قبلي يتمثل في علي عبد الله صالح بعد مقتل أحمد الغشمي، حيث تولى عبد الكريم العرشي رئاسة الجمهورية لفترة قصيرة من الوقت، ثم نجح علي صالح باقناع القيادات القبلية بأنه جدير بموقع الرئاسة فأصبح رئيساً للجمهورية العربية اليمنية في يوليو 1978، واستمر في منصبه حتى عام 1990 ليصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية اليمنية بما يشمل شطري اليمن الشمالي والجنوبي. وقد رأت قبائل حاشد وبكيل (القبيلتان الكبريان في اليمن الشمالي) يضاف اليهما قبيلة خولان بأن علي عبد الله صالح الذي يتحدر من قبيلة سنحان الفرعية سوف يكون بلا نفوذ وخاضع تحت أمرها ولكنه نجح في بناء تحالفات قبلية معقدة الى جانب تحالفات إقليمية ودولية مكّنته من فرض سيطرته على اليمن..

تقاسم صالح السلطة مع جناح بيت الأحمر ممثلاً في عبد الله بن حسين الأحمر وتيار الإصلاح الممثل في الشيخ عبد المجيد الزنداني.. واستمر هذا التحالف حتى العام 2011.

ولكن علي صالح قام بإجراءات لاحتكار السلطة من خلال تمكين أبنائه من السلطة ومن المواقع الأمنية والاقتصادية والعسكرية الحساسة في الدولة، الأمر الذي أثار حفيظة حليفه من بيت الأحمر خصوصاً مع عبد الله الأحمر والإخوان. برز التباين بين الحليفين في انتخابات 2006، إذ رشّح تيار الاصلاح فيصل بن شملان للرئاسة، فيما راهن التيار على حميد الأحمر في اسقاط علي عبد الله صالح. وحين اندلعت الثورة في فبراير 2011 استفاد بيت الأحمر من الثورة لاسقاط علي صالح، كما لعب العامل الاقليمي (القطري) في انجاح المهمة.. ويمكن القول لولا ولولا انشقاق الأحمر لما سقط علي عبد الله صالح.

في كل ذلك، لم تكن السعودية مطمئنة للوضع فأخترعت المبادرة الخليجية بتمكين الأحمر وتهميش صالح واضعافه. نشير هنا الى حلفاء السعودية البدلاء عن علي عبد الله صالح، فالتجمع اليمني للاصلاح هو أقرب الى الوهابية منه الى الإخوان، وكذلك علي محسن الاحمر وهو من حلفاء السعودية..وإن الاختلاف بين صالح والأحمر يقع داخل المجال السعودي وليس خارجه، وإن بدا صالح اليوم صديق غير مرغوب به، وقد رفضت الرياض تقديم دعوة له لزيارة المملكة لتقديم العزاء بوفاة بوفاة الملك عبد الله.

محلياً، حاولت السعودية مع شركائها في الداخل اليمني العبث بمخرجات الحوار الوطني، أي استعمال السلطة نفسها لإحداث وشرعنة الانقسام الجيوبوليتيكي، أي تقسيم اليمن الى أقاليم من خلال الحوار الوطني وجعله عملية مشروعة وقانونية وشعبية..وكان هناك تسريع للخطى بهدف الوصول الى هذه الخطوة..امريكا والسعودية تؤيدان التقسيم على أساس طائفي (مشروع الاقاليم)..فيما بدأ بتحريك جماعات قاعدية ضد الحراك الشعبي اليمني الحقيقي.. نشير الى أن السعودية اشترت جزءاً من الحراك الجنوبي، فهناك حراك جنوبي مفتعل ولم يكن الحراك الحقيقي مشاركاً في مؤامرات السلطة.

وجرى تحريك النزاعات المتنقلة لمواجهة الحراك الشعبي، انطلاقاً من دمّاج حيث بدأ نزاع دموي ضد الحوثيين مشفوعاً بحملة إعلامية منظمة ثم انتقل النزاع الى منطقة كتاف ولحق ذلك محاصرة محافظة صعدة، وشمل ذلك مناطق حاشد وعمران وصولاً الى صنعاء.

استخدمت أسلحة متعددة من بينها رفع الاسعار (الجرعة) ولكن اللجان الشعبية تدخلت وأسقطت الحكومة وتطوّر الحراك الى إقرار اتفاقية السلم والشراكة، والتأكيد على مبدأ الشراكة من الجميع، وكانت اللجان الشعبية حاضرة وجاهزة لمواجهة أي تلاعب أو التفاف أو تآمر. وتحرّكت اللجان الثورية لمحاربة الفساد وحفظ الأمن بعد أن قررت القوى المضادة للثورة إشاعة الفوضى وتوظيفها لاحقاً لتمرير مشروع التقسيم.. وأسقطت ورقة الاقاليم التي كان يمسك بها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي. كان هادي يحاول تمرير مشروع الاقاليم الستة من وراء القوى الثورية، وتحويل (صعدة وصنعاء وعمران، حجة وذمار) الى إقليم زيدي محاصر ليس له فيه سوى الريح والجبال، ما يؤدي الى خنقه وسط أقاليم أخرى على اساس طائفي.

اعتقال بن مبارك مدير مكتب الرئيس المقال كان بقرار من اللجان الثورية، وقد كشف الكثير من الاسرار عن مخططات تقسيم اليمن الى أقاليم، ويقال بأنه رجل أمريكا القوى وكانت الطائرات الاميركية تقوم بعمليات استطلاع في الجو بحثاً عن مكان اعتقاله، وهناك من توقع قصف المكان لطبيعة الاسرار الخطيرة التي بحوزة بن مبارك.. وفور الافراج عنه غادر بن مبارك البلاد وقيل أنه توجّه الى الامارات.

القوى الثورية نظرت الى مخطط تقسيم اليمن على أنه (سايكس بيكو يمني)، وجاء ضمن خطة متقنة تؤسَّس ثقافياً من خلال تعزيز النزعات المناطقية (تعز للتعزيين، مأرب للمأربيين، ولحج للحجيين.. وهكذا) والترويج للفكر الانفصالي..

هادي ألغى الهدنة مع جماعة أنصار الله لجهة التهرّب، حسب الاخيرة، من استحقاقات السلم والشراكة..ووقع صدام محدود بين الجيش واللجان الثورية ولكن جرى تطويقها وتمّ التفاهم بينهما، وتدخّلت اللجان الثورية لحفظ المؤسسات والعاصمة بما في ذلك قصر الرئيس وتمّت حمايته من قبل اللجان الثورية..

في 21 يناير الماضي، استجاب هادي للنقاط الأربع التي تقدم بها زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي وبعث برسالة بالموافقة وتشمل المطالب: تصحيح وضع الهيئة الوطنية، وتعديل مسودة الدستور، وتنفيذ اتفاق الشراكة والسلم ومخرجات الحوار، ومعالجة الوضع الامني.

اقليمياً بدت موافقة هادي على النقاط الاربع بمثابة استفزاز للدول العربية والاقليمية الخليجية على وجه الخصوص، فطالبت المغرب بعقد جلسة طارئة لمجلس جامعة الدول العربية، فيما سارع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الى عقد اجتماع استثنائي في الرياض لمناقشة الوضع في اليمن، وأميركياً أكّد الرئيس اوباما على مرجعية المبادرة الخليجية.

بعد وصول المبعوث الدولي جمال بن عمر وصل الى العاصمة اليمنية صنعاء في 22 يناير وهنا بدأ انقلاب المواقف. قدمت الحكومة استقالتها وتلاها مباشرة تقديم هادي استقالته من الرئاسة..وكان واضحاً أن أمر عمليات قد صدر من الخارج لهؤلاء جميعاً بالتنحي واطلاق مرحلة الفوضى في اليمن.

في الوقت نفسه، خرجت تظاهرات موجّهة ومنظّمة سلفاً لمواجهة القوى الثورية الشعبية ورفعت شعارات طائفية كتلك التي خرجت في تعز وكانت تنادي بـ (لا وحدة مع الزيود).. وجرت محاولات لاشاعة الفوضى ولكن اللجان الثورية بالتعاون مع الجيش نجحت في احتواء الموقف والظواهر السلبية.

المطلوب من القوى السياسية التعاون ولكن قسماً كبيراً منها مرتهن للخارج، والتأكيد على الشرعية الثورية والشعب مع الثورة.

وكانت هناك ثلاث سيناريوهات للحل:

الأول: مجلس رئاسي بقيادة عبد ربه منصور هادي، وهذا ما يطرحه تيار الاصلاح.

الثاني: مجلس رئاسي بقيادة رئيس مجلس النواب ويحظى هذا الطرح بتأييد حزب المؤتمر برئاسة علي عبد الله صالح.

الثالث: مجلس رئاسي ثوري، وهو ما تطالب به اللجان الثورية وعلى رأسها حركة أنصار الله والحراك الجنوبي. وقد اشتغل الثوار على أن يكون علي ناصر محمد، رئيس اليمن الاسبق والشخصية الجنوبية الا أنه اشترط عليهم قبول العرض بعد زيارة السعودية، ولم يكتمل الاتفاق فسقط الخيار، وأعلن عن الاعلان الدستوري ومتوالياته بما في ذلك مجلس رئاسي من خمسة أشخاص، وبرلمان بـ 551 عضو..الخ.

بالنسبة للقوى الثورية فإن العودة للوراء مستحيلة، فلا هادي ولا علي عبد الله صالح يمكن الرهان عليهما في المرحلة المقبلة، خصوصاً وقد دفعت الثورة أثماناً باهظة من أجل الخروج باليمن من هذا النفق المظلم الذي دام عقوداً طويلة..

عقدت القوى الثورية لقاءً وطنياً موسعاً وأمهلت الجميع ثلاثة أيام من أجل حسم خياراتها قبل أن تقرر نقل السلطة في اليمن الى مجلس ثوري يدير البلاد ويمهد لانتقال ديمقراطي سلمي للسلطة..

الكلام حول تحالف علي صالح مع الحوثيين يخلو من الدقة، وإن علي صالح يحاول الترويج لذلك لاكتساب شرعية ثورية، والتشكيك في صدقية الحوثيين، والحال أن بعض القيادات المحسوبة على حزب المؤتمر والمقرّبة من علي صالح هم من الشرفاء وقد شاركوا في الثورة عن قناعة.

تعرّضت قيادات الجيش اليمني الى تصفيات ممنهجة من قبل أطراف قاعدية أو إقليمية محسوبة على السعودية وهو ما دفع بالجيش الى التفاهم مع أنصار الله بعد أن وجدوا فيهم داعمين حقيقيين ومأموني الجانب، وأن الحوثيين هم من حموا الجيش أمام الاغتيالات والتصفيات والمعارك الجانبية. أما حزب التجمع اليمني للاصلاح فبقي معارضاً لأي اتفاق على ادارة المرحلة الانتقالية في اليمن رغم موافقة قوى سياسية اخرى على المقترحات المتداولة بهذا الشأن. ورغم تمديد اللجان الثورية المهلة قبل اللجوء الى الخيارات الشعبية الثورية من أجل منح فرصة اضافية للمتفاوضين فقد أظهر وفد الاصلاح تعنتا في الجلسات الحوارية التي حضرها المبعوث الاممي جمال بن عمر. وهذا ما دفع القوى السياسية الثورية التي تتقارب مواقفها تجاه تشكيل مجلس رئاسي من دون حزب الاصلاح متكئة على التفويض الشعبي الكبير الذي حصلت عليها من المؤتمر الوطني الموسع الذي انعقد في صنعاء. وسيترك المتفقون الباب مفتوحا لكي يلتحق بالصيغة المعلنة اي جهة لا تزال تمانع حتى الان وعلى راسها الاصلاح لكن لن يحصل اي تمديد للمفاوضات بعدما تبين ان حزب الاصلاح يحاول ان يشتري الوقت لا اكثر ولا اقل ولا يظهر اي جدية في التفاوض بل كان لافتا انه تراجع في اللحظات الاخيرة عما تمّ التوصل اليه وكاد يتم اعلانه كاتفاق سياسي جديد قبل ان ينقلب الاصلاح عليها.

أما بالنسبة للحراك الجنوبي وأنصار الله فالتحالف بينهما هو تحالف المظلومية فكلاهما تعرض لمظلومية تاريخية من قبل الدولة التي حكمت اليمن على مدى عقود متوالية.. الحراك يثق في أنصار الله كونهم لم تتلطخ أيديهم بدماء الجنوبيين ولم يناصروا الحكم الشمالي ضدهم..ولكن الحراك الجنوبي يطلب أكثر من ذلك بأن يساعد الحوثيون أهل الجنوب على الانفصال وهذا ما لا يقدروا عليه لأن ذلك خلاف ثقافة الوحدة وتعريض بتاريخهم، وقد يسجل عليه أنه شارك في تقسيم اليمن!

نشير الى أن عدد سكان اليمن هو 30 مليون نسمة منهم 5 ملايين في الشمال و25 مليون في الجنوب.

الحوثيون يؤيدون فكرة انصاف الجنوبيين وليس انفصالهم، وأن ثورة 21 سبتمبر قد أتاحت فرصة لأهل الجنوب من أجل تحسين أوضاهم ولكن ليس على قاعدة انفصالية.. وهناك من الجنوبيين في صنعاء من يعزّزوا فكرة الانفصال في الجنوب في حال عدم نجاح طرح الاقاليم الستة. هادي نفسه الجنوبي بالإسم يبعث عناصره في الجنوب للعبث بالوعي الجنوبي وتعزيز النزعة الانفصالية. والجنوب بدأ منذ 2007 انتفاضة شعبية على قاعدة مطلبية، وفي 2011 كان هناك انسجام بين الجنوب والشمال في الثورة حتى أن من الجنوبيين من جاء الى صنعاء وشارك في الاعتصامات الشعبية وبقي فيها شهوراً طويلة. وبعد 2011 بدأ الجنوبيون بالإنسحاب من الثورة بسبب الحوار وتجاهل حقوق الجنوبيين.. والرئيسس المقال هادي يخطط لاعلان عدن عاصمة دولة الجنوب وهو يقودها ولكن قوى الحراك لا تثق به.

هناك من الجنوبيين حلفاء لآل سعود مثل عبد الله الناخبي فيما يعتبر طارق الفضلي السلفي الوهابي المقرب من القاعدة أحد اركان الفوضى الجنوبية وهناك محمد علي أحمد وباعون من شاركوا في الحوار ثم انفصلوا عنه وباتوا الآن محرّضين فاعلين ومقرّبين من السعودية وهناك من حلفاء الأخيرة ويقيم على أراضيها مثل عبد الرحمن الجفري وهو ايضاً جنوبي.

في ردود الفعل، بدا بيان سفراء الدول الأربع عشر، أي امريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي والمانيا واليابان وهولندا تركيا منحازاً وغير متوازن، حيث أكّد على مرجعية المبادرة الخليجية التي أسقطتها ثورة 21 سبتمبر، الى جانب مرجعية مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية. ودعم البيان الرئيس المخلوع هادي والحكومة المستقيلة.

دول مجلس التعاون قامت بخطوات متوالية بدأت برفض الاعلان الدستوري ثم سحب السفراء ثم العقوبات الاقتصادية وتالياً سحب رخص العمل من العمال اليمنيين في سياق تدخل متدحرج في الملف اليمني. اما الولايات المتحدة كما عبّرت على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض فتبنت رفض الاعلان الدستوري والتمسّك بهادي رئيساً، والبرلمان السابق كسلطة تشريعية وحيدة.

الصفحة السابقة