(2)

السعودية ومرحلة ما بعد الإتفاق النووي

فريد أيهم

التحول الأبرز الذي ينتظر المنطقة والذي سيرسم سياستها لعقود قادمة، هو الاتفاق الغربي الايراني حول الملف النووي الإيراني.

كيري يلتقي الملك ونقاش حول النووي
ويناقش سلمان مع نواز شريف الدعم العسكري والأمني

وكأي اتفاق هناك رابحون، وهناك خاسرون.

الرياض تهيء نفسها للزلزال القادم، بحسب تعبير احد الدبلوماسيين الغربيين في الرياض. فهي تدرك انها واسرائيل بين أكبر الخاسرين.

والرياض تدرك ايضاً بأن ضعف نفوذها الخارجي، سيتمدد الى ضعف داخلي قد يؤثر على استقرار الحكم نفسه، والذي يعاني من الشيخوخة ومن ضغط المجتمع الشاب الباحث عن قدر ولو قليل من الحرية والمشاركة السياسية.

زار وزير الخارجية الأميركي جون كيري الرياض مساء الرابع من مارس الجاري، والتقى بالملك سلمان في اليوم التالي، كما التقى بوزراء خارجية دول مجلس التعاون دفعة واحدة، بمن فيهم وزير الخارجية السعودي الذي قدم للتوّ من امريكا بعد رحلة علاج. الغرض من الزيارة هو اطلاع المسؤولين الخليجيين على بعض تفاصيل الاتفاق المزمع توقيعه بين واشنطن والدول الخمس الاخرى مع ايران. جاء كيري ليقول للخليجيين بأن الإتفاق سيكون لصالحهم من جهة ان ايران ستُحرم من ان تُصنّع قنبلتها النووية، وأن واشنطن ملتزمة بحماية حلفائها؛ وانه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. وكما هو متوقع، فقد عبر وزراء الخارجية الخليجيون عن موافقتهم على حل سلمي للملف النووي الإيراني، وطرحت الرياض بعضاً من مخاوفها التي تتجاوز موضوع النووي الى مواضيع سياسية وأمنية.

كيري الذي التقى بوزير خارجية سلطنة عمان على حدة بعد اللقاء المشترك، عقد مؤتمراً صحفياً مع سعود الفيصل، وقال هذا الأخير كلاماً يؤكد بأن الرياض إنما قبلت بتطمينات كيري مرغمة؛ وأن ما يزعجها هو تداعيات الموضوع النووي على مكانتها الإقليمية. ففي تصعيد سياسي اتهم سعود الفيصل في المؤتمر الصحفي ايران بأنها تحتل العراق؛ ومن جهة أخرى، ابدى انزعاجه بشكل غير مباشر من تصاعد الدور الإيراني في مواجهة داعش على الأراضي العراقية، وانجازها الكثير عسكرياً، في حين ان التحالف الأمريكي الذي تشارك فيه السعودية ونحو ستين دولة لم ينجز ما هو متوقع منه، وقال سعود الفيصل مشخصاً المشكلة في انه لا بدّ ان يكون للتحالف قوات برية على الأرض، وإلا اصبح القصف الجوي لصالح الحكومات التي تعاديها السعودية، ايران والعراق وسوريا.

السؤال الذي يواجه الأمراء السعوديين، هو ذات السؤال الذي يواجه الأميركيين والغربيين، فالقضية مع ايران لم تكن بحال حول مشروع سلاح نووي ايراني، وإنما مشروع ايران السياسي، وما القضية النووية وغيرها إلا ذريعة. تعلم الرياض بأن ما بعد الاتفاق النووي، سيكون هناك نقاش جديد بين ايران وواشنطن حول ملفات المنطقة السياسية (سوريا/ العراق/ البحرين/ لبنان/ أمن الخليج/ اليمن/ افغانستان، الحرب على الإرهاب، وغيرها)، وهي ـ أي الرياض ـ لن يكون لها حضور متميز في تلك المفاوضات، حيث مركز الثقل الإقليمي ما بعد الاتفاق النووي سيكون في طهران وليس في الرياض، خاصة وأن الإتفاق النووي سيطلق سراح ايران (سياسياً) وهو أكثر أهمية من اطلاق سراحها (اقتصادياً) او (نووياً). وهذا بالتحديد ما يخيف الرياض. فاذا كانت طهران قد تمدّدت كل هذا التمدد في فترة الحصار الاقتصادي والسياسي والتهديد العسكري الغربي لها، فكيف سيكون الحال بعد توقيع الاتفاق النووي.

بالنسبة للأميركيين والغربيين، فإن الأمر قد حُسم، الا أن يظهر أمرٌ مفاجئ في اللحظات الأخيرة التي تسبق التوقيع للإتفاق والغاء العقوبات في مجلس الأمن. لقد حُسمت مسألة (تقييد إيران) فمن الصعب تقييد بلد كبير مثلها، وحسمت مسألة انه لا يمكن كسرها عسكريا. ولأن الغرب براغماتي، لم يجد أمامه إلا (التراجع) والتفاوض والبحث عن حلول وسطى مع ايران على اساس الأمر الواقع.

فهل ستفعل الرياض ذات الشيء؟ ان تشارك بفعالية في المفاوضات السياسية القادمة، وأن تصرّ على حصّة لنفوذها، عبر المساومات السياسية، والتفاهم مع القوة الأكبر في منطقة الخليج؟

لا يبدو ذلك، فالرياض تبحث عن تحالفات مع قوى كبيرة في المنطقة (ولا يوجد سوى تركيا والباكستان) لتواصل مسيرتها السابقة. لايزال خطابها السياسي مغموساً في بحر الكراهية الطائفية والتحريض عليها كعنصر اساس (دفاعي وهجومي) في السياسة الخارجية.

ما أكثر الأسئلة المطروحة على الرياض هذه الأيام، حيث تنتظر المنطقة تحوّلاً سياسياً، يغيّر معالمها. ماذا يغيّر رفض الرياض من الواقع اذا ما تفاهم الأميركيون والغربيون والإيرانيون على ملفات المنطقة والملف النووي؟ ماذا لدى الرياض من قوة ولاعبين اضافيين لتزجّهم في معاركها؟ ألا تعزل الرياض نفسها بهذه السياسة لدى حلفائها؟

الباكستان بالتحديد هي الوجهة الأهم للرياض للإتكاء عليها. فهي بلد بلا ماض استعماري، وهي بلد صديق للسعودية؛ كما انها بلد قويّ عسكرياً؛ ولديه سلاح نووي دون بقية دول العالم الاسلامي. والاهم انه بلد مخترق بالأيديولوجيا الوهابية، وساسته مرتبطون في مجملهم بالسعودية وأموالها، وهناك سوابق عديدة في وقوف الباكستان مع الرياض عسكرياً.

تريد الرياض تطميناً من الباكستان بالوقوف معها أمنياً في مواجهة التحديات الداخلية، وقد قرر الطرفان استقدام ثلاثين ألف جندي باكستاني، مثلما حدث أواخر السبعينيات الميلادية الماضية، بحيث تتوزع في قواعد المملكة الشمالية (تبوك) والجنوبية (خميس مشيط) والشرقية (حفر الباطن، والظهران). وكذلك الوقوف معها نوويا ان استدعى الأمر لردع ايران، خاصة وأن الرياض كانت مساهماً اساسياً في تمويل المشروع النووي الباكستاني.

المدهش ان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، قد وصل الرياض في الرابع من مارس الجاري لتأكيد الاتفاقيات القائمة بهذا الشأن، وذلك قبيل ساعات فقط من وصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

الصفحة السابقة