بالأمس مع النرويج واليوم مع السويد

الرياض تستقطب المزيد من الأعداء!

يحي مفتي

في سياق أزمة النظام السعودي، وفقدانه البوصلة، سحب الأمراء السعوديون سفيرهم من العاصمة السويدية ستوكهولم، على اثر انتقادات مسؤولين سويديين لملف ال سعود الأسود في مجال حقوق الانسان؛ ما أشعل أزمة قد تؤدي الى قطع العلاقة بين البلدين، فيما يتم تجييش الاتحاد الاوروبي لمواجهة محتملة قادمة مع الرياض.

وزيرة خارجية السويد: استفزاز الرياض له ثمن!

منذ جلد رائف بدوي، الناشط المعتقل، والرياض تعاني من ردود فعل حلفائها وأصدقائها. وزير خارجية السويد انتقدت في تغريدات لها السعودية، اتساقاً مع النقد الاوروبي والغربي عامة لسجل الرياض الحقوقي، وثار جدل بين النخبة السياسية الحاكمة حول صفقات اسلحة سويدية، شارك فيها الاعلام السويدي والمنظمات الحقوقية؛ لكن قراراً لم يُتخذ بتجميد صفقات السلاح رغم أنها ليست كبيرة الحجم.

السويد التي اعترفت بالدولة الفلسطينية كان مقرراً لها أن تشارك في اجتماعات وزراء خارجية دول الجامعة العربية لكي تتحدث عن الأمر وتطالب الدول العربية بدعم القضية الفلسطينية والتنسيق معها بشأن قيام الدولة المنتظرة. لكن وقبل ساعات من بدء المؤتمر في القاهرة، أبلغ الامين العام للجامعة العربية (وهو يأتمر بأمر آل سعود)، ابلغ وزيرة خارجية السويد التي كانت في فندقها بالقاهرة، بأنه قد تمّ الغاء كلمتها، في إهانة واضحة للوزيرة وبلدها، رغم ان القرار اتخذته السعودية وحدها.

عادت وزيرة الخارجية مارغوت فالستروم الى بلدها، وصرحت بأن (التفسير الذي تلقيناه هو ان السويد سلطت الضوء على وضع الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة، ولهذا السبب لا يريدونني أن اتكلم). وهو ما أكده المتحدث باسم الحكومة إريك بومان، الذي أشار الى ان القرار كان سعودياً: (أبلغنا أن السعودية منعت مشاركة وزيرة الخارجية.. بسبب بيانات أصدرتها الحكومة السويدية بشأن وضع حقوق الإنسان في السعودية)؛ فيما اشار آخرون الى أن الغضب السعودي تصاعد بسبب تغريدات للوزيرة على حسابها في تويتر في يناير الماضي ضد جلد الناشط والمدون السعودي رائف بدوي، حيث وصفت جلده بأنه (محاولة وحشية لإسكات الأشكال الحديثة للتعبير).

كرد فعل على ما قمت به الرياض، أوقفت السويد صفقات اسلحة وتدريب مع السعودية، فما كان من الأخيرة الا ان سحبت سفيرها احتجاجاً.

في العام الماضي، اشعلت الرياض أزمة مع النرويج بسب الموقف من حقوق الانسان في السعودية؛ في وقت تزداد فيه الانتقادات للدول الأوروبية التي تبيع سلاحاً وادوات قمع الى الرياض.

في المانيا حدث تصدّع في التحالف الحاكم الذي تقوده ميركل بسبب مطالبة بعض المسؤولين الألمان بايقاف مبيعات دبابات ليوبارد 2 الى الرياض التي ينظر اليها كداعم رئيس للإرهاب القاعدي والداعشي. وكانت ميركل قد حسمت الجدل بأنها ستواصل مبيعات السلاح رغم وجود الانتهاكات. وتتويجاً لتغلّب قرار ميركل، زار 120 رجل اعمال ودبلوماسي الرياض بمعية وزير الاقتصاد والطاقة، ونائب ميركل، زعيم حزب الديمقراطيين الاشتراكيين سيجمار غابرييل، في ظل استياء شعبي وحقوقي كبير بين الألمان، ما دعا غابرييل الى التحدث لمواطنيه واعداً اياهم بالسعي لدى الحكومة السعودية للإفراج عن رائف بدوي، وان كان لا يتوقع ان ينجح مسعاه: (لن يمكننا أن نخرجه معنا فى نفس الوقت).

لكن الرياض استبقت الأمر، فأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً قالت فيه انها تأسف لقيام وسائل الإعلام بالتهجّم عليها وعلى قضائها، مؤكّداً أن المملكة لا تقبل بأي من حال من الأحوال أن يتعدى عليها أحد باسم حقوق الإنسان، وزعمَ البيان بأن دستور المملكة قائمٌ على الشريعة الإسلامية التي كفلت للإنسان حقوقه.

لم تكن السويد الدولة الوحيدة التي تورد السلاح الى الرياض، ولم تكن الوحيدة التي انتقدت سجل آل سعود الحقوقي، ولم تكن الدولة الوحيدة التي تتعرض للضغط من قبل شعبها ومن المجتمع الحقوقي الدولي من اجل مواجهة الرياض وإيقاف تسليحها.. لكنها الدولة الوحيدة التي ارادت الرياض تأديبها لتكون عبرة للآخرين! او هكذا تتوقع الرياض.

يمكن تحمّل غضب السويد، ورد فعلها محدود، هكذا حسبها الأمراء. ما لم يحسبوا حسابه، هو ان السويد وبقية الدول الأوروبية تنسق عملها حقوقياً، وهي تختار الدولة او الدول التي تنتقد ملف هذه الدولة او تلك. ينسى آل سعود أن هناك تضامناً في هذا الشأن، ولا يمكن النظر الى موقف الرياض من السويد كقضية معزولة لا تؤثر في علاقتها مع الاتحاد الاوروبي بمجمله.

كندا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا وأسبانيا وغيرها، تتعرض لضغوط لوقف مبيعات اسلحة للرياض.

بريطانيا بالذات لا تهتم بهذا الأمر ولا تدير له بالاً. أكثر من هذا، فهي أكثر الدول ليس فقط دعماً للرياض بالسلاح، بل ودعماً لها بأدوات القمع والتجسس. فقد صادقت بريطانيا مؤخراً على صفقة صغيرة مالياً ولكنها خطيرة حقوقياً (16 مليون جنيه استرليني) لتوريد معدات مكافحة الشغب للرياض، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وعرضت بريطانيا خدماتها للدول القمعية في (معرض الأمن والشرطة)، حيث تم عرض بيع بنادق قناصة، وأجهزة لمهاجمة الهواتف النقالة، وأجهزة الحاسوب، ودروع واقية، وأجهزة تحكم بالجماهير، التي وصفت بأنها «مزعجة وتستخدم من مسافة 20 مترا».

مدير منظمة (الحملة ضد بيع السلاح) أندرو سميث، علّق على ما تقوم به حكومته: (إن هذه إشارة إلى نظام يغلب أرباح شركات الأسلحة على حقوق الإنسان).

لقد فُتح ملف حقوق الانسان الأسود في السعودية، ولم تعد الرياض محصّنة من النقد من حلفائها فضلاً عن خصومها. عليها ان تتعايش مع ذلك او تغير سلوكها القمعي والدموي.

الصفحة السابقة