من الثورة الى المبادرة

كيف خسرت الرياض نفوذها؟

الخلفية السياسية للحرب السعودية على اليمن

يحي مفتي

كل المبررات التي يسوقها ال سعود لتبرير العدوان على اليمن تبدو تافهة حين توضع في السياق الحقيقي لتطوّر المشكلة التي بدأت منذ الثورة الشعبية في اليمن في مارس 2011..

السعودية أرادت احتواء الثورة عبر المبادرة الخليجية، وأصرّت على تنفيذها وجعلها واقعاً لا يمكن الفكاك منه. وحتى تحظى بمشروعية وقوة على الأرض، جعلت للمبادرة غطاء دولياً أميركياً وبريطانياً الى جانب تأييد مجلس الأمن الدولي.

المبادرة كانت في جوهرها محاولة لإعادة انتاج سلطة عميلة للخارج الاقليمي (السعودي على وجه الخصوص)، والدولي (الأميركي أولاً).

الاطراف الموقّعة على المبادرة الخليجية هي: حزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم سابقاً) والتي كانت الثورة الشعبية تستهدف إسقاطه، وقد سقط في ثورة 21 سبتمبر 2014 بإسقاط حكومة عبد ربه منصور هادي، وأحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) المؤلف من مجموعة أحزاب صغيرة وذات تمثيل شعبي متواضع، فيما تمّ تفويض كل من مبعوث الامم المتحدة السابق جمال بن عمر، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، لإدارة عملية تنفيذ المبادرة الخليجية.

أول ما تنص عليه المبادرة، هو نقل السلطة من رئيس الجمهورية، أي من علي عبد الله صالح، الى نائبه الفريق عبد ربه منصور هادي، وبسبب هذا سجل الثوار أول اعتراضاتهم، لأن النظام المسؤول عن قتلهم يراد إعادة إحيائه مرة أخرى، بل وشرعنته محلياً وإقليمياً ودولياً.

والأخطر حين يفوّض هادي المرتبط بالنظام الاستبدادي الذي ثار عليه اليمنيون ليتولى الدعوة للحوار وإدارته والاشراف عليه. واللافت أن المبادرة لم تحدد في صيغتها الأولى مدة الحوار بل تركت الباب مفتوحاً بما نصّه :»وبما يفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يتفق على موعدها..».

البند الاول ينص على أن يوقّع هادي على المبادرة بما يجعلها ملزمة للجميع من الموقّعين عليها، بل وحتى غير الموقّعين على أساس أن هادي حصل على تفويض من الموقّعين ومن أطراف إقليمية ودولية.

وينص البند الثاني على تشكيل حكومة وفاق وطني بناء على قرار رئيس الجمهورية بتكليف من ترشحه المعارضة (أي القوى التي وقّعت على المبادرة، وليس بقية القوى السياسية ذات الشعبية الوازنة).

في البند الثالث تكون تسمية أعضاء الحكومة بالمشاركة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وأيضاً «على أن يكون التشكيل في ضوء ما ورد في مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي».

الطريف في الأمر هو البند الرابع من المبادرة والمتعلق بإجراءات انتخابات رئاسية مبكرة، حيث تنص المبادرة على «إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في موعد أقصاه تسعون يوماً من تاريخ حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب بمرشح توافقي هو الأخ نائب رئيس الجمهورية الفريق عبد ربه منصور هادي..». في حقيقة الأمر، أن المبادرة الخليجية نصّت على تعيين هادي رئيساً للجمهورية، ولكن أرادت تسويقه في إطار انتخابي مخادع. وكل ما يتعلق ببنود الانتخاب من قبيل السجل الانتخابي والسن القانونية وغيرها لا قيمة عملية لها في العملية الديمقراطية.

في البند السادس ثمة تشديد على تشكيل هادي للجنة عسكرية برئاسته لإنهاء الانقسام في المؤسسة العسكرية، وهذا بحد ذاته مؤشر على الرغبة السعودية والأميركية في السيطرة على الجيش والمؤسسة العسكرية عموماً، بعد أن بدا واضحاً أن المؤسستين العسكرية والأمنية أقرب الى الثورة والثوّار منهما الى السلطة. في الحقيقة، فوّضت المبادرة هادي وعبر اللجنة العسكرية التي يرأسها بقمع الثورة وإزالة آثارها بحجة «مساعدة الحكومة على إزالة التوتر العسكري والأمني وجميع المظاهر المسلحة والتحصينات والخنادق ونقاط التفتيش المستحدثة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن..».

في المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية والتي تستمر لمدة سنتين وتبدأ فور أداء رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية.. يدعو الرئيس الى حوار وطني شامل تشارك فيه جميع الأحزاب والفعاليات السياسية بما في ذلك: «الحراك والقوى الأخرى في المحافظات الجنوبية والشرقية والحوثيين في صعدة، والفعاليات الشبابية، ومنظمات المجتمع المدني، للحوار على بناء الدولة المدنية الحديثة، وفقا لأسس المبادرة الخليجية..». ويناقش الحوار الموضوعات التالية:

أ‌- شكل النظام السياسي.

صالح يوقع على المبادرة السعودية والتنازل عن السلطة

ب‌- النظام الانتخابي.

ت‌- الحكم المحلي .

ث‌- قضايا المحافظات الجنوبية والشرقية ومحافظة صعدة.

ج‌- ظاهرة الإرهاب.

ح‌- أي قضايا أخرى ذات طابع وطني عام تتفق عليها أطراف الحوار.

وتكون قرارات الحوار توافقية.

وأفضى الحوار الوطني الى تشكيل لجنة دستورية تتولى مهمة إجراء تعديلات دستورية بناء على مقترحات المشاركين في الحوار الوطني، وتقدّم التعديلات للاستفتاء الشعبي.. وعليه يتم إعداد قانون الانتخابات على ضوء الدستور المعدّل بما يضمن انتخابات ديمقراطية نزيهة.

ولكن الذي حصل أنه كلما اقتربت نهاية المرحلة الثانية وبالتالي انتهاء ولاية عبد ربه منصور هادي ازدادات التعقيدات، وبدا واضحاً التدخل الخارجي السعودي والاميركي في عملية الانتقال السياسي باختيار رئيس الحكومة رغماً عن إرادة المشاركين في الحوار الوطني.

المبادرة رسمت مساراً قهرياً على الأطراف المعنية بتنفيذ المبادرة، وجعلت طريقة تنفيذها إلزامية وتتابعية، بحيث يتم تطبيق بنودها بصورة متوالية، بحسب البند الرابع من المرحلة الثانية.

المبادرة سلبت اليمنيين استقلالهم حتى بعد فرض المبادرة. فقد منحت دول مجلس التعاون الخليجي والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية «الرعاية الفعّالة»، ولأن هذه الأطراف لن تكون من الناحية العملية مشاركة، إذ سوف تحتكر السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا هذه «الرعاية» فإن اليمنيين بدوا بلا خيار ولا إرادة في تقرير مصيرهم بأنفسهم.

وهذا ما حصل خصوصاً بعد أن تقرّر جعل الرياض مكاناً لاطلاق المبادرة الخليجية، وإلزام الفصائل اليمنية بها تحت رعاية النظام السعودي.

وفي 3 إبريل 2011 جرت اتصالات مع الحكومة والمعارضة في اليمن للاجتماع في الرياض من أجل التشاور في كيفية تطبيق بنود المبادرة الخليجية، وتجاوز المشكلات التي تحول دون نجاحها في إطار اتصالات قام بها سفراء دول مجلس التعاون في صنعاء مع اطراف الحكومة والمعارضة.

المبادرة الخليجية عدّلت وأقرّت بخمس مبادىء وخطوتين تنفيذيتين، ونصّت على دعوة الحكومة اليمنية وأطراف المعارضة للاجتماع في السعودية تحت مظلة مجلس التعاون.

وافق علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية، وخطة مجلس التعاون بنقل السلطة الى نائبه، وتشكيل حكومة جديدة بقيادة المعارضة، وقال بأن «ليس لديه تحفظات بخصوص نقل السلطة..».

المعارضة اليمنية من جانبها، وبما تمثل من ثقل شعبي في الشارع، أي حركة أنصار الله والحراك الجنوبي وحزب الإصلاح، رفضت المبادرة الخليجية. فيما قبل بها حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وحلفاؤه وكذلك أحزاب اللقاء المشترك.

وفي 23 نوفمبر 2011 وقّع ممثلو المؤتمر الشعبي العام، وأحزاب اللقاء المشترك على الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية في العاصمة السعودية الرياض، بعد أن وقع عليها علي عبدالله صالح الرئيس السابق في اليمن. وكان الاعتراض الوحيد لدى أحزاب اللقاء المشترك هو ما يتضمن عدم ملاحقة صالح على قتل المتظاهرين أو تقديمه للمحاكمة.

في حقيقة الأمر، أن المبادرة الخليجية كانت موجّهة الى طرفين هما الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) وحلفائه والذين أصبحوا ضمن عنوان (التحالف الوطني)، والآخر هو أحزب اللقاء المشترك وشركائه والمنضوين تحت عنوان (المجلس الوطني)، فيما بقية الأطراف جرى إلحاقها فيما بعد ضمن الحوار الوطني.. ووضعت المبادرة الخليجية كمرجعية ملزمة لكل الأطراف بحسب المادة الرابعة من الالية التنفييذية: «يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة، ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة». بل ووضعت المبادرة في إطار دولي بحيث أصبحت المبادرة من متبنيات مجلس الأمن الدولي.

حصل عبد ربه منصور هادي على صلاحيات علي عبد الله صالح كاملة بل وأكثر من ذلك، وصار بمثابة «مندوب» أو «ممثل» للسعودية في النظام اليمني بعد تنحي علي عبد الله صالح. بل ما حدث هو ثورة مضادة بالمعني الحرفي للكلمة، لأن اليمن بات منزوع السيادة بصورة شبه كاملة، فكان الخارج هو من يقرر لليمن شكل الحكم وكيف تدار شؤون الدولة.

سارت الأمور كما أراد لها السعودي والأميركي في اليمن، وكان هادي بمثابة «دمية» سياسية يأتمر بما يطلبه منه السفير السعودي أو الأميركي في صنعاء، وكان يقوم بذلك بصورة علنية.

وما كان بالإمكان الاستمرار بهذه «المهزلة» السياسية حيث عاد اليمن رغم ما قدمه شعبه من شهداء الى ما قبل المربع الأول. وكان لا بد من ثورة تصحيحية لاعادة تصويب الأمور. وفي 21 سبتمبر 2014 أعلن عن المرحلة الثانية من الثورة الشعبية، وكان فيها إسقاط المبادرة الخليجية، بل وتقويض النفوذ السعودي.. خصوصاً بعد أن اجتاحت الجماهير اليمنية العاصمة اليمنية صنعاء بمظاهرات غاضبة قطعت الطريق على عبد ربه منصور هادي وفريقه ووكلاء ال سعود في اليمن بمن فيهم اللواء الفار علي محسن الأحمر.

بدأت تتساقط التحصينات السعودية في اليمن الواحد تلو الآخر، على وقع تقدّم المدّ الثوري، واستبدال المبادرة الخليجية باتفاق السلم والشراكة، والذي فرض على هادي التراجع عن قرارات مصيرية، من بينها تكليفه شخص غير مقبول من قبل الثوار لرئاسة الحكومة، وكذلك تعيين عدد من الوزراء لم يحظوا بقبول الممثلين عن القوى السياسية.

مشروع الأاقاليم

كان رفع الدعم عن الوقود وزيادة الضريبة أو ما يسمى «الجرعة» قد زاد من وتيرة الغضب الثوري في اليمن.. نشير الى أن الحكومة اليمنية التي غلب عليها الإخوان قد طبقت طيلة الاربع سنوات الماضية سياسة البنك الدولي برفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والوقود بوجه خاص، وقد أضاف ذلك عنصراً آخر للثورة والتحريض على النظام. ولكن العنصر التفجيري الأقوى كان طرح مشروع الأقاليم الستّة الذي عمل هادي مع السعودية على إقراره في اليمن، ويعد الأخطر بعد النظام السياسي الاستفرادي.

في 9 فبراير 2014 أقرّت رئاسة الجمهورية اليمنية وبصورة نهائية دولة اتحادية مقسّمة الى ست أقاليم: الأول يضم: المهرة، حضرموت، شبوة، سقطرى، ويسمى إقليم حضرموت وعاصمته المكلا. والإقليم الثاني يضم: الجوف، مأرب، البيضاء، ويسمى إقليم سبأ وعاصمته مأرب. أما الإقليم الثالث فيضم: عدن، أبين، لحج، الضالع، ويسمى إقليم عدن وعاصمته عدن. والإقليم الرابع يضم: تعز، إب، ويسمى الجند وعاصمته تعز. والإقليم الخامس يضم: صعدة، صنعاء، عمران ذمار ويسمى إقليم آزال وعاصمته صنعاء. والإقليم السادس يضم: الحديدة، ريمة، المحويت، حجة ويسمى إقليم تهامة وعاصمته الحديدة.

وكان هذا المشروع بمثابة الصاعق الذي فجّر الغضب لدى حركة «أنصار الله» والمجتمع الزيدي عموماً، ومجتمعات أخرى جرى تهميشها إجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.

كل ما قيل عن مبادىء تمّ التوافق عليها في وثائق وأدبيات مؤتمر الحوارالوطني لا قيمة لها حين توضع في سياق مشروع الأقلمة الذي جرى اعتماده، من قبيل تمتّع المواطنين اليمنيين بكافة الحقوق والواجبات بما يحقق المواطنة المتساوية، والتنافس الإيجابي بين الأقاليم، التكامل الذي يضمن توظيف متكافىء لموارد كل إقليم والتكامل مع الأقاليم الأخرى، التجانس لضمان الاستقرار الاجتماعي والإقتصادي لتلبية احتياجات الشعب في حياة كريمة، يتمتع كل مستوى من مستويات الحكم في الدولة بصلاحيات تحدد في الدستور في إطار الدولة الإتحادية.

والحال أن محدّدات الأقلمة لم تكن سوى مذهبية، وكان الهدف منها تطويق وعزل وتهمييش الحوثيين، حيث سيكونوا بلا موارد اقتصادية ولا منافذ بحرية، في سياق عملية خنق مقصودة لهم.. اللجنة المعنية بالاقاليم اعتمدت معايير محدّدة وذات دلالة:

القدرة الإقتصادية وإمكانية تحقيق كل إقليم للاستقرار الإقتصادي، بأن يستقل كل إقليم بموارده، بما يؤسس لتقسيم اليمن.

الترابط الجغرافي، أي اعتماد الربط بين مناطق محدد متقاربة.

العوامل الإجتماعية والثقافية والتأريخية (وقد اختارت اللجنة عناوين مواربة لتضييع العنوان الرئيسي وهو المذهبي).

ما يلي ذلك من اتفاقات بدا واضحاً أنها تؤسس لتقسيم اليمن الى أقاليم متباعدة، وإن جرى تجميلها على أساس منح هذه الأقاليم صلاحيات وسلطات مستقلة.. من بين ذلك جعل أمانة العاصمة صنعاء: مدينة اتحادية، غير خاضعة لسلطة أي إقليم، ويتم وضع ترتيبات خاصة بها في الدستور لضمان حياديتها واستقلاليتها. فيما تصبح مدينة عدن: مدينة إدارية واقتصادية ذات وضع خاص في إطار إقليم عدن وتتمتع بسلطات تشريعية وتنفيذية مستقلة تحدد في الدستور الاتحادي. وهذا يستدعي المعادلة الجائرة: ما لكم لكم ولنا، وما لنا لنا وحدنا دون سوانا.

وفق هذا التقسيم والأقلمة، تصبح عملية التمثيل جائرة، لأن الحديث حيئنذ سيكون حول عدد أقاليم وليس عدد سكان ونسبة التمثيل ليس على قاعدة شعبية بل قاعدة مكانية.. بل بات لكل إقليم ولاية مستقلة تكاد تفوق ولاية الدولة من حيث التحكم في عائداته، وتمييز الأقاليم المنتجة عن غيرها، بما يؤسس الى أزمة بين الشعب الواحد، على أساس أن هناك أقاليم لها أفضيلة على غيرها من حيث ما تنتجه أرضها. بل ضَمِنَ مشروع الأقلمة للأقاليم المنتجة سوقاً في الأقاليم المستهلكة عبر «ضمان حرية الإتجار والنشاط الإقتصادي بما يعزز التكامل بين الأقاليم، وتيسير حركة المواطنين والبضائع والسلع والاموال والخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم فرض اي حواجز او عوائق او قيود جمركية او ضريبية او ادارية عند مرورها من إقليم لآخر». وهذا البند يمثّل خدمة مجانية للأقاليم المنتجة، بحيث يفرض على الأقاليم المستهلكة: تسهيل وصول البضائع اليها وشرائها من المنتجين.

تمضي بقية البنود لتعزيز نزعة الأقلمة منها: «لكل إقليم دور قيادي في تنميتة الإقتصادية..». الطريف أن اللجنة بعد الانتهاء من تقسيم اليمن الى أقاليم أوصت «كل اقليم مع مراعاة الواقع الحالي، والتجاور الجغرافي، وعوامل التاريخ والثقافة»، وكأنها توصي دولاً متباعدة وليس شعب واحد لم تفرّقه الجغرافيا ولا عوامل التاريخ والمذهب في يوم ما.

وفيما كان هادي والأطراف الإقليمية السعودية بدرجة أساسية، والدولية الأميركية والبريطانية بوجه خاص، يتجهون الى إقرار مشروع الأقاليم الستة في الدستور اليمني الذي كان على وشك إقراره نهائياً، أعلن زعيم حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، رفض مشروع الأقاليم، وعدّ ذلك «محاولة لتفتيت اليمن» معتبراً «تضمين الدستور تقسيم البلد إلى 6 أقاليم مسعى لتدمير اليمن»، مضيفاً إن مشروع الأقاليم الستة، «محاولة لتفتيت البلد وتجزئته إلى كانتونات صغيرة وضعيفة يسهل التحكم فيها». وفي خطابٍ متلفز بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي، أكد الحوثي ضرورة أن تتعامل القوى الدولية مع بلاده على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية، مشيراً إلى «ضرورة الحفاظ على مكاسب ثورة 21 سبتمبر (أيلول)، في إشارة إلى تاريخ سيطرة الثوار على العاصمة صنعاء. ودعا إلى «عدم الانجرار وراء المخططات الخارجية الرامية إلى تفتيت اليمن» في إشارة الى السعودية والولايات المتحدة، مؤكداً أن «التحرك الثوري متواصل في اتجاهاته الثلاثة: مكافحة الفساد، فرض الشراكة لإنهاء الاستبداد، والتعاون بين اللجان الشعبية والجيش والأمن» لمواجهة ما سماها «القوى الإجرامية». واتهم الحوثي الولايات المتحدة الأميركية، وقوى إقليمية يقصد بها السعودية وقطر بتسليط هذه القوى على أبناء الشعب اليمني. كما تطرّق الحوثي إلى الجنوب اليمني، مطالباً بـ»حلّ القضية الجنوبية حلاً عادلاً، وألا تبقى ورقة خاضعة للتلاعب والمزايدات، لأنها تعبّر عن قضية وطنية ومظلومية حقيقية لأهل الجنوب».

سقوط صنعاء فرض معادلة جديدة تجسّدت في اتفاق السلم والشراكة، وألزمت هادي بالاتفاق وكلما كان يخرق الاتفاق كان عبد الملك الحوثي يقرر خطوة جديدة تصعيدية الى أن شعر «أنصار الله» أنهم وحلفاؤهم يتعرضون لمؤامرة خارجية سعودية وأميركية يقودها هادي في الداخل.

حاول «أنصار الله» طمأنة الجانب السعودي الى تحركهم في الداخل اليمني، وأنهم لا يستهدفون أمن المملكة السعودية ويؤكدون على حسن الجوار، لكن الأخيرة استسخفت قوة المعارضة، وأصرت على أبوّة اليمن والتحكم فيه، ووضعت شروطاً يستحيل أن يقبل بها الحوثي، وانتهى الأمر الى تخريب الحوار الجاري في موفمبيك بين القوى اليمنية، والى الطلب من هادي ونائبه بحاح الى الاستقالة، ثم طلبت من هادي ان ينتقل الى عدن، ونقلت سفارتها الى هناك لتقسيم اليمن الى اثنين والى عاصمتين، تلاها رسالة سعودية من خلال تفجيرين انتحاريين في مسجدي بدر والحشحوش والذي أودى بأكثر من مائة وعشرين شخصاً من بين المصلّين وأكثر من مائتين وخمسين جريحاً.

هنا بدت المعركة واسعة وتمتد على مساحة اليمن، فقرر «أنصار الله» والجيش اليمني وحلفاؤهم أن يخوضوا معركة من نوع آخر. فبدت فكرة تحصين الداخل أساسية عبر ملاحقة عناصر القاعدة وبسط سيطرة الجيش على كامل التراب اليمني، وسقطت البياضة التي كانت معقلاً للقاعدة لتمهد لدخول الجيش لبقية المحافظات، ومن بينها محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز الطبيعي لتجنيب سقوطها بيد التكفيريين، وحيث تغذي مأرب اليمن بنصف الطاقة الكهربائية المستهلكة. وكان عبد الملك الحوثي قد حذّر في خطاباته بأن «الشعب لن يقف مكتوف الأيدي إلى ما لا نهاية»، مضيفاً إنه في حال عدم قيام الجهات الرسمية بواجباتها، «سيقف الشعب إلى جانب الشرفاء من أبناء مأرب»، ووقع العدوان السعودي على اليمن بلا أهداف واضحة كما مبرراته القانونية.

تحركت القوات النظامية اليمنية معزّزة بقوات أنصار الله الى المحافظات الأخرى حتى اقتربت من عدن، وهنا جمعت السفارات الخليجية أمتعتها ورحلت، وتبعها سفارة الباكستان ومصر اللتان انضمتا باكراً الى الصدام السياسي الى جانب السعودية.. وأخيراً لحق بهم الرئيس المستقيل عبد ربه هادي، ليصل الى الرياض ويوقّع على قرار الحرب السعودي كذريعة بحجة الشرعية، ومنذئذ أخذت الأحداث مساراً آخر، نستكشفه في المقالات التالية.



الصفحة السابقة