سقف مرتفع وأداء دون المستوى

أهداف العدوان السعودي مفتوحة

سامي فطاني

لم تكن أهداف العدوان السعودي جديدة؛ فقد ذكرتها قبل أن تُعلن الحرب، وذلك حينما أرادت تهميش حوار موفمبيك في صنعاء بين القوى السياسية تحت رعاية جمال بن عمر مندوب الأمين العام للأمم المتحدة، ودعت الى حوار في الرياض، بل في مقر مجلس التعاون الخليجي، الذي لم تكن اليمن عضوا فيه، ولا يبدو أنها ستكون في المستقبل، حتى لو انتصرت الرياض في عدوانها، وهو غير متوقع البتة.

ما أرادته الرياض حينها ـ قبل أن تشعل الحرب على اليمن ـ وكما قالت هي: إعادة الأوضاع السياسية الى ما قبل 21 سبتمبر 2014، وهو اليوم الذي دخلت فيه قوات (أنصار الله) الى صنعاء، وتحالفت مع الجيش اليمني، وسيطرت على الأوضاع. إعادة الوضع يشمل: خروج قوات أنصار الله من المدن؛ تسليم السلاح الى الحكومة؛ إعادة القوة السياسية الى رجالها (هادي وجماعته)؛ وإعادة توزيع الحصص السياسية بين اللاعبين حسب مزاج الرياض، فهي من يقرر حصة كل طرف سياسي. وبديهي سيكون (الأقربون للرياض هم الأولى بالمعروف/ السلطة)!

هذه الأهداف يمكن اختصارها في نهاية المطاف في هدف وحيد: إعادة هيمة الرياض على الوضع السياسي اليمني بتفاصيله، كما كانت تفعل لعقود، وقبل أن يختلّ الوضع منذ الثورة اليمنية 2011 فصاعداً.

بدأت الرياض حربها المباشرة بالقصف الجوي، وخرج علينا عادل الجبير، سفير آل سعود في واشنطن ليعلن انطلاقها من هناك، وليذكّر بأهداف الحرب: إعادة الشرعية (أي هادي الى السلطة)؛ وشطب كل ما حدث وما صرف من جهد دولي ومحلي يمني منذ 21 سبتمبر 2014، وكأنّ شيئاً لم يتغير، وما يتبعه من إلزام بالمبادرة الخليجية (دون اشارة الى اتفاق السلم والشراكة الذي أقرّته القوى السياسية اليمنية وصادق عليه هادي بحضور بن عمر، والذي وافقت عليه السعودية وقطر أيضاً)؛ ويضاف الى هذا، قالت الرياض أن من أهداف الحرب على الحوثيين اخراجهم من العاصمة وتسليمهم السلاح، ثم حوار في الرياض تحت رعايتها ووفق شروطها.

بالطبع جاءت تعبيرات كثيرة عن تلك الأهداف في الصحف السعودية، وفي تصريحات السفير عادل الجبير، والمتحدث العسكري باسم العدوان احمد عسيري. مثلاً الجبير قال بان هدف الحرب هو (اعادة الديمقراطية لليمن)! فلتنتخيل بلداً شمولياً كالسعودية تريد أن تعيد الديمقراطية لبلد مجاور! والجبير قال ذات مرّة أن الهدف هو (إنقاذ اليمنيين)؛ وعسيري وآخرون تحدثوا عن هدف (حماية عروبة اليمن)؛ بل أن أهدافاً واسعة وُضعت للحرب: (حماية المستقبل العربي)، (إعادة الروح والعنفوان للمسلمين والعرب)؛ وزاد مشايخ النظام الوهابيون بأن الهدف هو (حماية السنّة)؛ و(مواجهة إيران)؛ والانتهاء من حرب اليمن لتتواصل في سوريا والعراق ولبنان وإيران، بعد تشكيل تحالف سنّي: مرّة يتشكل من تركيا والسعودية ومصر؛ ومرّة أخرى بحضور الباكستان بدون مصر.

في الأيام الأولى للعدوان السعودي، بدت الحرب بأهداف مفتوحة، تقودها أوهام التطرّف، وحماسة لامحدودة لتحقيق نصرٍ لمجتمع مُسعوَد تائق لنصر سياسي لم يطعمه منذ عقود طويلة.

لنقل ـ بغرض الإختصار ـ أن هدف الحرب هو إعادة الهيمنة السعودية على اليمن، تفرضه ضرورات استراتيجية أمنية وسياسية، ومنع تحوّلها الى بلد مستقلّ عن الرياض، كما يطمح كثير من اليمنيين؛ او في أسوأ الظروف: منع اليمن من أن يتحول الى عدو أو على علاقة مع عدو أو خصم سياسي (ايران).

هل كان صعباً تحقيق مثل هذه الأهداف، او الجزء الأكبر منها، من قبل بلد غني مثل السعودية، كان اليمن مستباحاً لنفوذها لعقود طويلة؟

أبداً، كان من السهل منع تحوّل اليمن الى خصم، وكان من السهل جداً أن تبقى اليمن متشابكة اقتصاديا مع السعودية بحيث لا تستطيع الانفكاك عنها؛ وكان من الممكن أن يبقى النفوذ السعودي في اليمن طاغياً لا ينافسه أحد، لا على مستوى الجزيرة العربية، ولا على مستوى العالم. كان لدى الرياض كل الوقت لتحقيق ذلك، عبر إعمال العقل، وتشابك المصالح، وعبر الإحترام لليمنيين، وليس إهانتهم والإستعلاء عليهم، وممارسة الغطرسة الفجّة بحقهم.

أهداف وصائيّة

إن ما أعلنته الرياض من أهداف لحربها يثبت أولاً فشل سياستها السابقة في التعامل مع الشعب اليمني؛ ويثبت ثانياً نزعة الوصاية السعودية التي تصل الى حدّ إعلان الحرب بلا مبرر منطقي، ومن قبل دولة خارجية على دولة مستقلة، جاءت لتفرض على اليمنيين تفاصيل حياتهم السياسية، كما تحكي ذلك الأهداف السعودية المعلنة. ومن جهة ثالثة، فإن نظرة عامّة الى الأهداف تكشف عن رعونة وصلف سعوديين، وشعور كاذب بالقوة والكبرياء، كون سقف الأهداف مرتفع جداً، بحيث لم يلتفت آل سعود الى أن تحقيقها ليس صعباً فحسب، بل هو مستحيل التحقيق أيضاً (اختار جهاد الخازن المقرب من الأمراء لفظة: ممكناً، من جهة تطبيقها). لقد ظنّ آل سعود أنه من السهل وضع قائمة بالأهداف، وليس أمام الخصم، الواقع تحت قصف الطائرات، سوى التسليم والقبول بها. هكذا ببساطة.

ماذا يعني أن تضع أهدافاً عالية، غير أنك تستصغر الخصم، وتضخم قوتك ـ غروراً ـ بأكثر مما ينبغي؟

قد يعني هذا جهلاً بمجريات السياسة؛ فالعادة أن العشائر والقبائل كما يحدثنا تاريخ الجزيرة العربية، يبدأون بمطالب عالية جداً ثم يتنازلون شيئاً فشيئاً. لكن هذه ليست لعبة سياسية اعتيادية، بل حرب، يؤثر التنازل في أهدافها المعلنة على نتائجها، ونظرة الجمهور وتحديده من الفائز فيها.

بسبب السقف المرتفع من بنك الأهداف، فإن الرياض لن تتراجع بسهولة عنها إلا تحت ضغط الخسائر، اي اضطراراً، ما يعني إطالة عمر الحرب، واستخدام وسائل أكثر شراسة لإقناع الخصم بقبول تلك الأهداف، وهذا له تداعياته على المدنيين اليمنيين من قتل وحصار ظالم، وما يسببه ذلك من توفير الأرض المناسبة لتصاعد الضغوط الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. بل قد تؤدي الشراسة لتحقيق أهداف الحرب سعودياً، الى ارتدادات نفسية على الجمهور عامة والسعودي خاصة، والى تحويل الأغلبية الساحقة من اليمنيين الى أعداء للرياض، وهو ما يحدث فعلاً الآن.

الأهداف السعودية العالية من الحرب، لا تترك للطرف اليمني من خيار إلا مواصلة الحرب أو الإستسلام، ولهذا آثاره على مجمل العملية العسكرية.

أزمة السعودية وهي تشنّ الحرب وتضع سقف الأهداف، تكمن في حقيقة أن كل ما فعلته واقترفته من جرائم حتى الان لم يقرّبها من تحقيق أيّ هدف من أهدافها، فما عساها فاعلة غير زيادة القصف الجوي للبنية التحتية وعدم الإكتراث بالضحايا المدنيين؟ ويبقى السؤال: وماذا بعد ذلك. هناك نقطة ما ستجد الرياض نفسها مضطرة للتوقّف عندها، وأن تنزل بأهدافها.

شرعنة العدوان

لو قامت أية دولة بما قامت به السعودية، لنالها التنديد في اللحظات الأولى لشنّها الحرب، كونها عدوان واضح المعالم، ويفتقد المبررات والمنطق، كما توضح الأهداف المعلنة سعودياً أن لا مبرّر للحرب في اساسها، بل هي تدخّل مباشر في شؤون دولة مجاورة، واعتداء لا تنقصه الصفاقة والإجرام من حيث التوصيف.

كيف تقوم دولة مثل السعودية بشن حرب على أخرى من طرف واحد، على خلفية صراع سياسي يمني داخلي، لا علاقة للسعودية كدولة خارجية فيه؟

كيف تشنّ الرياض عدوانها على اليمن بدون استئذان من أحد، أو قرار من مجلس الأمن؟ أين هي التغطية القانونية الدولية لتكون الحرب عملاً مشروعاً؟

كل ما استندت اليه الرياض هو أن من تعتبره الرئيس الشرعي عبدربه هادي، قد منحها الإذن لكي تشنّ الحرب!

نعم، كانت هناك تغطية للرياض للقيام بعدوانها من قبل الولايات المتحدة، لهذا كان الصمت. ونفهم الآن لماذا أُعلن بدء الحرب من واشنطن على لسان السفير عادل الجبير، وليس من الرياض!

لكن الصمت عن المعتدي لا يعني مشروعية، حاولت الرياض بعد أيام تغطيتها من خلال القول ان من شنّ الحرب هو (تحالف عربي) او تحالف عربي اسلامي، بل ان بعضهم يقول انه تحالف دولي! لكن هذا لا يمنح الشرعية لاعتداء واضح المعالم، سواء قامت به دولة او عدّة دول. بعد أيام زعمت الرياض، أنها نالت مشروعية شنّ الحرب من الدول العربية في اجتماع قادتها في مصر!

حاولت الرياض ان تحصل متأخرة ـ بعد أن شنّت عدوانها بثلاثة اسابيع ـ من مجلس الأمن على (شرعية ملتوية) فتقدمت بمشروع إدانة تحت البند السابع لخصومها في اليمن، خفّف منه الروس قليلا، ولكنه أُمضي، وهو لا يمنح الشرعية المفتوحة للحرب؛ وإن غطّى سوءة الأمراء السعوديين بشكل جزئي؛ بدليل أن بان كي مون دعا مرتين الى وقف اطلاق النار، وبدليل أن المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، بما فيها الصليب الأحمر الدولي، ومنظمات انسانية اغاثية أخرى، كأوكسفام وأطباء بلا حدود وغيرها، نددت بالعدوان ورأته غير شرعي وطالبت بإيقاف الحرب وهدر الأرواح. وكان ثمانية عشر أكاديمياً في جامعات غربية مختصون بالشأن اليمني، وقعوا على رسالة تؤكد لا شرعية الحرب السعودية، وتدعو لوقفها، وقد نشرت الواشنطن بوست الرسالة في 19 ابريل الجاري. فضلاً عن ان العالم كلّه يتحدث اليوم عن حل سلمي تفاوضي للأزمة اليمنية، مفترضين ان الحرب ليست حلاً.

لا توجد حماسة دولية تجاه الحرب السعودية، وإن كان البعض يريدها ليستمر تورّط الرياض في وحلها ويتعمّق.

بمعنى آخر، فإن شرعنة الحرب لا تفيد الرياض في تحقيق النصر، فهناك حدود لما يمكن أن تفعله القوة العسكرية. هذه الماكنة العسكرية سيتوقف هديرها، والذي يهمّ الآن أو في المستقبل هو ما أنجزته على الأرض. فالنصر السياسي لا يأتي بقرار من مجلس الأمن، بل بمنجز عسكري على الأرض يحقق أهداف العدوان، وهذا غير متأتى للرياض حالياً.

زد على ذلك، فإن الرياض بحاجة الى مجلس الأمن لا لشرعنة حربها، بقدر ما هي بحاجة اليه ـ وهذا ما سنراه في مستقبل الحرب ـ في تخليصها من بعض تبعاتها، وإنزالها من علوّها عبر قرار أممي بإيقاف عدوانها ووضع خطوط عامّة لحل سلمي.

وأخيراً، فإن الرياض لا تستطيع أن تسوّق نصراً لجمهورها بالقول ان حربها شرعية، فيما هذا الجمهور يتعرض لسيل من الأخبار التي تتحدث عن كوارث القصف السعودي وقتل الآلاف من المدنيين. والشعوب العربية والإسلامية عامة لا تلقي بالاً لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، التي تشرعن العدوان السعودي كما العدوان الأمريكي والصهيوني.

من أحد الأوجه.. تبدو المحاولات السعودية اليائسة لشرعنة حربها وعدوانها، وكأنها تأكيد على شرعنة هزيمتها في الحرب ذاتها.

الصفحة السابقة