تفجيرات القديح والدمام.. التأسيس لمرحلة جديدة

محمد شمس

كانت مجزرة غير مسبوقة في تاريخ السعودية؛ ورد الفعل عليها غير مسبوق أيضاً.

فقد قام داعشي بتفجير نفسه في مسجد القديح، في يوم جمعة، وفي وقت الصلاة، وفي قرية شيعية غافية هادئة!

الناشط مخلف الشمري في تشييع شهداء القديح

عشرات الشهداء من المصلين سقطوا (22 شهيداً)، بينهم أطفال، وتأخر الرد الرسمي، كما تأخرّ الإسعاف على الأرض، فقام المواطنون بما يتطلبه الموقف، وأخذوا عشرات الجرحى الى المستشفيات القريبة.

كانت مجزرة القديح ثاني مجزرة، سبقتها في نوفمبر الماضي مجزرة اخرى قام بها داعشي، حيث أطلق الرصاص على مواطنين في عاشوراء وهم خارجون من تجمعهم، وبعد أيام ظهر لنا الداعشي صوتا وصورة بعد ان التحق بداعش في سوريا.

مئات الألوف من المشيّعين خرجوا محتجين ضد آل سعود وضد وهابيتهم وضد تحريضهم المذهبي. لم تكن السلطة حاضرة بأمنها ورجالها، بل المواطنون فقط وفقط. هم من أدار جموعاً لم تشهدها السعودية مطلقاً إلا في مواسم الحج والعمرة. لازالت هذه المناطق تسجل أرقاماً قياسية على المستوى السعودي، فتظاهراتها ومسيراتها وشهداؤها سابقة لكل المناطق.

لم يمض أسبوع الا وحدث تفجير ثان. ففي يوم جمعة أيضاً، وفي حين العنود بالدمام، وفي مسجد الإمام الحسين، وفيما كان خطيب الجمعة يتحدث عن انفجار القديح ويدينه، وقع انفجار خارج المسجد، حيث حاول داعشي يرتدي لباس امرأة، تفجير نفسه في النساء المصليات، ولكن لحسن الحظ، فقد قرّر القائمون على المسجد اغلاق قسم النساء تحرّزاً، فما كان من الداعشي السعودي، إلا أن اتجه بلباسه النسائي الى قسم الرجال، وهناك منعه مجموعة من الشباب، ودفعوا به بعيداً عن المصلين، ففجّر نفسه واستشهد أربعة مواطنين، وأحرقت سيارات عديدة.

ومثلما الحال في القديح، كانت الحكومة غائبة في الدمام، فلا أمنها كان حاضراً ولا رجال عسكرها، وحدهم المواطنون من يضع الحواجز ويفتش عن المفجّرين الداعشيين والقاعديين.

دلالات الحدث

أولاً ـ أن تنظيم داعش فاعل في الأراضي السعودية. وكيف لا يكون ذلك، ومعمل تفريخ القواعد والدواعش يقع في وسط السعودية نفسها. وكيف لا يكون ذلك، وفكر داعش هو فكر وأيديولوجيا النظام السعودي نفسه (الوهابية)؛ ورجال داعش خاصة الإنتحاريين هم من السعودية. ما لدى الآخرين من دواعش هو مجرد فائض مما تلقيه السعودية خارج الحدود، والأصل ان مركز داعش والقاعدة في السعودية نفسها وليس في أي مكان آخر، حتى مع وجود قيادة تنظيم داعش في الخارج.

حين يهدد زعيم داعش المواطنين الشيعة في السعودية بشكل خاص في خطاب مفتوح، ويجعلهم أولوية، فإنها في الحقيقة يؤكد أولوية التيار الوهابي الداعشي الداخلي بالأساس. وعليه، فإن قدرة داعش او القاعدة على ضرب مدنيين داخل الأراضي السعودية، وتحديداً في بيوت الله، أمرٌ غير مسبوق من جهة. ومن جهة ثانية، أثبتت ان الاجراءات الأمنية الرسمية غير قادرة على إيقاف تسرّب العنف تجاه المدنيين والمختلفين مذهبيا عن السلطة، حتى ولو زعم آل سعود بأنهم قضوا على القاعدة. كل ما في الأمر، ان القاعدة تحولت الى داعش بنفس الفكر ونفس الرجال، ولكن بممارسة عنفية اشد قسوة وشراسة.

ثانياً ـ أن العنف الداعشي تجاه مواطنين مسالمين، جاء على موجٍ من التحريض على الكراهية، والدعوة الى قتل المخالف بصورة صريحة وليست مبطنة. الأسابيع التي سبقت تفجيرات القديح والدمام، كانت الأعلى وتيرة في التأجيج الطائفي من المنابر الرسمية، في الصحافة المحلية، ومن خلال الفتاوى الرسمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنابر المساجد، والمقالات وغيرها. كانت وتيرة التحريض الطائفي ضد الشيعة والصوفية وكل المخالفين حادّة جامحة، وجاء العدوان على اليمن، ليزيد من زخم وعنفوان التحريض؛ فجاءت داعش فحصدته عنفاً ودماً، والى حدٍ كبير قبولاً بين معتنقي الوهابية.

ثالثاً ـ ان العنف الداعشي جاء متوازياً مع عنف رسمي ضدّ المواطنين الشيعة؛ عنفٌ هو أكبر من مسألة التمييز الطائفي كسلوك رسمي بدأ منذ سيطرة آل سعود على المنطقة الشرقية قبل نحو قرن. لا ننسَ هنا أن تفجيرات داعش في مساجد القطيف والأحساء والدمام، جاءت في سياق مواجهة النظام الأمنية مع النشاطين الشيعة. اكثر من أربع سنوات من المواجهات بينهم وبين النظام، أسفرت عن اكثر من عشرين شخصاً سقطوا برصاص النظام في الشوارع، ومئات المعتقلين، ومحاكمات جائرة، وأحكام بالإعدام للعديدين.

وحين شنّ آل سعود عدوانهم على اليمن، أبوا إلاّ أن يشعلوا حرباً في ذات اللحظة طائفية ضد المواطنين الشيعة، قوامها الفتوى، والمقالة، والمنبر، وغيرها؛ ظنّاً منهم بأن الحرب على اليمن تتطلّب إخراساً للألسن التي قد تعارضها في الداخل، ولا يوجد أحدٌ لديه الجرأة مثل المواطنين الشيعة، ولهذا كانت الحملة الطائفية المسعورة ضدّهم، كي يجفلوا ويصمتوا. أكثر من هذا، فقد قامت السلطات باستباحة مدينة القطيف في وضح النهار، وأخذ الجنود يطلقون الرصاص عشوائياً، إرهاباً للمواطنين، ثم كرروا الأمر في العوامية، في رسالة تقول: حتى وان كنا نخوض الحرب، فنحن نستطيع أن نحارب على جبهتين، واننا لسنا غافلين عنكم!

وحين شنّ آل سعود عدوانهم على اليمن، أبوا إلاّ أن يشعلوا حرباً في ذات اللحظة طائفية ضد المواطنين الشيعة، قوامها الفتوى، والمقالة، والمنبر، وغيرها؛ ظنّاً منهم بأن الحرب على اليمن تتطلّب إخراساً للألسن التي قد تعارضها في الداخل، ولا يوجد أحدٌ لديه الجرأة مثل المواطنين الشيعة، ولهذا كانت الحملة الطائفية المسعورة ضدّهم، كي يجفلوا ويصمتوا. أكثر من هذا، فقد قامت السلطات باستباحة مدينة القطيف في وضح النهار، وأخذ الجنود يطلقون الرصاص عشوائياً، إرهاباً للمواطنين، ثم كرروا الأمر في العوامية، في رسالة تقول: حتى وان كنا نخوض الحرب، فنحن نستطيع أن نحارب على جبهتين، واننا لسنا غافلين عنكم!

بعدها بأسابيع قليلة جاء تفجيرا داعش في القديح والدمام، وكان الشعور الرسمي والنجدي والموالي يقول: ما جرى امرٌ سيء، ولكنه لا يخلو من فائدة، فقد كان المواطنون الشيعة بحاجة الى صفعة قوية وتأديباً، وها قد حدث!

شهداء القديح

رابعاً ـ إن العنف الذي موّلته السعودية ضد خصومها في العراق ولبنان وسوريا، وحتى في اليمن ودول أخرى، من خلال دعم القاعدة وداعش، بدأ يؤتي مفاعيله الحقيقية على الأراضي السعودية نفسها، وهو أمرٌ لا شك أن آل سعود كانوا يتوقعونه، لكنهم ـ ومن خلال تجربتهم السابقة ـ اعتقدوا أن بإمكانهم السيطرة على الحريق كما حدث في مرات عديدة من تاريخ الدولة السعودية الحديثة. لكن فات آل سعود هذه المرة، أن القيادة السياسية ـ وحتى الشرعية الدينية ـ لم تعد كما في الماضي داخل الأراضي السعودية، فيمكن السيطرة عليها بالإعتقال والقتل، بل كانت في أفغانستان تارة، وفي العراق ثانية، وفي كل دولة هناك قيادة بعيدة عن سيطرة آل سعود. لهذا، فإن من المتوقع أن يكون العنف القاعدي الداعشي فاعلاً في الفترة القادمة، داخل الاراضي السعودية، ولا يمكن السيطرة عليه بسهولة، خاصة مع الفشل الذريع لأداء آل سعود السياسي داخليا وخارجياً.

ما أذاقته الرياض لخصومها، سوف تذوق منه، وطبّاخ السمّ سيكون واحداً من آكليه عمّا قريب، ولن يكون في متناول آل سعود أدوات مقاومة السمّ بأكثر مما كان متاحاً لدى الآخرين الذين ابتلوا بالعنف الوهابي المموّل سعودياً.

كان الوهابيون لا يتعرضون للمكونات المجتمعية التي تحت سيطرة آل سعود، فيما يُتاح لهم ضربها ومهاجمتها بدموية إن كانت في الخارج، باعتبارها خارج نطاق ولايتهم (الشرعية ـ بزعمهم). لهذا، نرى مؤيدي داعش والقاعدة من بين النخب الوهابية المحلية، لا يؤيدون تفجير الوضع المحلي ـ على الأقل هذا ما كانوا عليه في السنوات الماضية ـ لأن ذلك يفتّ عضد حكمهم، ويجعلهم خاسرين في بلد يحكمونه، ويسيطرون على ثرواته، ولهم الكلمة العليا فيه. هذه المرّة، ظهر رأي جديد، تمّ تأسيسه على قاعدة ان الحكم في السعودية غير شرعي شأنه شأن الحكومات الأخرى، وبالتالي انتفت المحظورات، ويجوز ليس مواجهة آل سعود فحسب، بل والمكونات المجتمعية التي لا تتوافق مع الرؤية المذهبية الوهابية.

بهذا المعنى يمكن القول بأن تفجيرات القديح والدمام وقبلها تفجير الدالوة في الأحساء، كانت تفجيرات في عمق النظام، في مؤسسته الأمنية، وهي تطعن في شرعيته، وفي مصداقيته، وفي منجزه الأمني المزعوم، وهي فوق هذا تؤجج التباعد بين النظام والمكوّن الشيعي، كما أنها تدفع باستقطاب الرأي العام الوهابي في معركة طائفية لصالح داعش.

رد الفعل.. المفاجأة

كان ردّ فعل المواطنين الشيعة على تفجيرات القديح ثم تفجيرات العنود بالدمام مفاجئاً بنحو يختلف عن المفاجأة في تفجيرات الدالوة في الأحساء في نوفمبر الماضي. يومها، في تفجيرات الدالوة، تجنّب المواطنون مهاجمة النظام ولم يحمّلوه المسؤولية الا لماماً؛ وجعلوا من تشييع ثمانية شهداء في طلق ناري قام به داعشي وصل لاحقاً الى حيث (الدولة الاسلامية) وظهر على المواطنين بالصوت والصورة.. جعلوا من تشييعهم مناسبة وطنية شاملة، حتى أنهم لفّوا شهداءهم ـ ولأول مرّة يحدث في تاريخ السعودية ـ بالعلم السعودي. كل ما طلبه الضحايا يومئذ، اصدار قانون يجرّم التحريض على الطائفية والكراهية والعنف ضدهم. ولكن ذلك لم يحدث مطلقاً، رغم محاولة بعض اعضاء الشورى تبنّي مشروع قرار، تمّ تجميده ورفض آل سعود مجرد مناقشته.

في تفجيرات القديح، كانت الصورة مختلفة تماماً، ففي اللحظة الأولى انبرى المواطنون الى اجراءات أمنية لحماية تجمعاتهم الدينية ومدنهم وقراهم، وكأن الدولة لا وجود لها. منذ اللحظة الأولى تمّ توجيه الاتهام الى السلطات السعودية واعلامها المحلي والى مشايخها الرسميين، والى اساتذة جامعاتها الدينية، والى تغطيتها للتحريض والعنف. لم يُرفع علم الدولة مطلقاً، ولم يقبل المواطنون اعتذاراً او تسويفاً او مداهنة. النظام هو المسؤول، والقاعدة وداعش منتجه، وما جرى كان بسبب سياساته.

شيء شبيه من هذا في ردة الفعل على تفجيرات الدمام التي أعقبت تفجير القديح بأسبوع واحد فقط.

لكن ردة الفعل للمواطنين الشيعة اذهلت النظام، وأذهلت النخب السعودية بشكل عام، كما أذهلت الرأي العام المسعود.

فمن جهة، أتت ردّة الفعل على كامل الصورة النمطية التي رسمها النظام وأقليته الوهابية النجدية تجاه المواطنين الشيعة.

كانوا يقولون بأن المواطنين الشيعة لا يشكلون سوى 3% من السكان، وإذا بمئات الألوف منهم يخرجون في التشييع، قيل ان العدد قارب المليون نسمة!

وكانوا يقولون، بأن المواطنين الشيعة يدّعون المظلومية، ويزعمون ان الحكومة لا تمارس الطائفية كسلوك، واذا بالتحريض العلني الذي شهدوه في الإعلام ومنابر المساجد، يؤدي الى مقتلة عظيمة فيهم في يوم جمعة، وفي وقت صلاة الجمعة، وفي مساجد يذكر فيها اسمه، ينعتها الوهابيون بأنها (معابد)، أي معابد كفرية يجوز تدميرها. لقد ظهرت مظلومية المواطنين الشيعة بشكل خاص في التفجيرات، بالأدلة الدامغة، صوتاً وصورة، ودماً وألماً.

وكان النظام وأتباعه يستصغرون مواطنيهم الشيعة، بأنهم مجرد فئة قليلة لا قدرة لها على المواجهة، مجرد فلاحين جهلة! وإذا بهم يجدون تحدياً غير مسبوق للنظام، فيخرج جمعٌ بكامل تحدّيه وعنفوانه، وشجاعته. جمعٌ منظّم خلال 48 ساعة فقط، يتولى الأمن، وينظّم المرور، ويشيع الشهداء، مع طواقم إعلامية، وصحية، وبلدية، وكأن الدولة صارت بيدهم.

تفجير داعش في مسجد الدمام

والنظام الذي يريد معاقبة الشيعة على جرائم لم يقترفوها، وجدوا جماعة متطورة متحضّرة، ينبئ خطابها الديني والسياسي عنها، بحيث ذهل الكثيرون من ذلك. لم يخرج احدٌ من المواطنين فيدعو للإنتقام، ولم يوجهوا بوصلتهم الى خصم وهمي، ولم يطالبوا بشيء خارج العقل والمنطق، ولم تستفزهم الهجمة الاعلامية الوهابية الطائفية فيردوا عليها بخطاب طائفي مقابل. كلا.. كان خطابهم في غاية العقلانية والوطنية والشجاعة، ما حيّر النظام، وأعجب المواطنين.

توقع النظام ان تفجيرات داعش ستجعل المواطنين الشيعة ينكفؤون على أنفسهم خوفاً وخشية، واذا بهم يردون التحدّي بأقوى منه، استعدادا للمواجهة، والتضحية.

وتفاجأ آل سعود بردود الفعل العربية والدولية المنددة، بما فيها تنديد حلفاء النظام الأميركيين، الذين خافوا من توتر منطقة النفط، واحتمال تطور الأوضاع بشكل يعيق إمداداته لمستهلكيه ما يؤثر على الإقتصاد العالمي.

الأمم المتحدة، والمانيا، والجامعة العربية، والأزهر، ومنظمة التعاون الاسلامي، ودول اوروبية، ومنظمات حقوقية دولية، تضامنت مع الضحايا، وبعضها أدان النظام وطالبه بتوفير الحماية والأمن لمواطنيه. الأمن الذي يعتبره آل سعود أحد أكبر انجازات حكمهم منذ قامت دولتهم، بدأ بالتذرّر، وجاء من يطعن فيه ويبيّن انهم غير قادرين على توفيره.

إلقاء المسؤولية على الآخر

لم يحدث في تاريخ آل سعود ان اعترفوا بمسؤوليتهم او تحملهم مسؤولية حدث يقع في دولتهم، ويقوم به أحد مواطنيهم. دائماً هناك متهمون آخرون، ومخطئون آخرون غيرهم يتحملون المسؤولية. ها قد وقعت تفجيرات ضحاياها مواطنون، فهل المسؤولية تقع على اجهزة الأمن الفاشلة، ام على اجهزة الإعلام المحرّضة، ام على القيادة السياسية الطائفية، ام على التعليم ومناهجه، ام على المؤسسة الدينية الوهابية التحريضية التكفيرية؟

لا أحد من هؤلاء يتحمّل المسؤولية، وإنما إيران وداعش! باعتبار ان الأخيرة ـ من وجهة نظر آل سعود ـ تحركها طهران!

النظام السعودي وكعادته أعلن براءته مما جرى، وانه لا يتحمل أية مسؤولية، وصوّر نفسه ضحية لما حدث، وأن هناك تآمراً خارجيا عليه، وشرعت صحافته ومغردوه للحديث عن حلف داعشي ـ ايراني ـ حزب اللهي يريد إثارة الفتنة في المملكة.

عبدالرحمن الراشد، كتب في الشرق الأوسط، بأن داعش تخدم ايران وسوريا والحوثيين وان ايران تريد الفتنة! وجريدة الوطن السعودية كتبت بدون حياء: (تفجير القديح يرسم ملامح تحالف الدواعش مع حزب الله وايران)؛ وعادت فقالت بأن تفجير القديح تنفيذٌ داعشي بإشراف إيراني! وطارق الحميد كتب في الشرق الأوسط عما أسماه تحالف الطائفة مع الإرهاب، اي تحالف ايران ومع داعش!

ولأن الموجّه واحد، كتب ابن بجاد العتيبي في ذات الإتجاه؛ ومثله الطريري في الشرق الأوسط، قال بان جريمة القديح إيرانية معروفة لزعزعة أمن المملكة وإحداث فتنة طائفية! وواصل حمد الماجد فكتب عن القديح بين داعش وإيران! كل هذا لتبرئة آل سعود ومشايخهم من عظيم الجرم الذي ارتكبوه. حتى قناة الجزيرة، الداعشية، وجّهت سهامها الى إيران بأنها وراء التفجير، لتبرئ حلفاءها الدواعش والقواعد. والمحرض على التكفير والقتل محمد البراك وجه ذات السهم الى نفس الجهة: (لو حلفتُ ما حنثت، أن إيران وعملاءها هم من نفّذ تفجير القديح)!

وكما في تفجير القديح وقبله تفجير الدالوه، فإن النظام واعلامه ومشايخه وطائفييه، نسبوا جريمة تفجير مسجد العنود في الدمام الى ايران، وفي هذه المرة بالذات كان همهم القول ان ايران مستفيدة كدليل على انها وراء التفجير، ولم يسألوا عن هوية المفجر وفكره ودوافعه. كل ذلك ليبعدوا عن انفسهم التهمة، كحكام وكمشايخ وكفكر تكفيري متطرّف.

الشيخ المقحم يحوّل اتهامه شعراً:

من فجّروا في بلاد الطهر قنبلةً

لا يخدمون سوى أذنابِ ايرانِ

ذاقوا من الحزم نيراناً مدمرةً

فوظّفوا بعض أوباشٍ وفئران!

وعلى نزف دم المصلين في مسجد الدمام، يكتب الشيخ سعد البريك متهما، انه تمنّى صوتاً يهتف ضد ايران؛ ويضيف: لن نستدرج ونحرق وطننا لأجلها! ومثل البريك حمد الماجد الصحفي الذي يتهم ايران بالتفجير وزعزعة الأمن وكرد على عاصفة الحزم حسب زعمه. وكرر الاتهام بالقول ان التفجير غرضه احداث ثغرة لإيران! والصحفي الجذلاني يكتب مقالة بأن ايران واذنابها يريدون تفجير الفتنة في الوطن؛ وموظف العربية خالد المطرفي يقول بأن إيران بدأت بتوجيه عملائها لتشويه صورة السنّة، وان داعش احدى ادواتها؛ والطائفي محمد البشر يتهم المفجر الداعشي الوهابي التكفيري بأنه قتل أبرياء قرابين للمجوس والصهاينة. أيضاً فإن الشيخ الفراج يتهم ايران (الجبانة) التي لجأت لداعش لكي تفجر في السعودية وتقتل المواطنين الشيعة! والشيخ العمري ينسب كل قتل وتفجير وعبث لإيران وأنه يستهدف عاصفة الحزم.

مفجر القديح الداعشي عبدالرحمن القشعمي

هذا التضليل يكشف أن آل سعود ليسوا في وارد مراجعة لسياساتهم، ولا في وارد الاعتراف بمسؤولية. لازالوا يلعبون السياسة على مذابح الدم، والإستمرار في السياسة الطائفية.

التفت الكاتب محمد الحمزة الى معنى ابعاد المسؤولية عن الذات فقال بأن (اتهام الخارج بتفجير القديح، هروبٌ من الاعتراف بوجود مشكلة، وخلل في الخطاب الديني، وخلل في مفهوم المواطن، وخلل في عدم وجود قانون يجرّم الطائفية)؛ واضاف محملا آل سعود المسؤولية بالقول: (المحرضون على الفتن ومزعزعو وحدة البلاد، هم شخصيات ورموز ظاهرة، وتعمل في الضوء، فهل من حراك رسمي لكبح جماحهم، ولجم أفواههم)؛ وأكمل بأن السلطات لم تستفذ من حادثة الدالوة في علاج التطرف، والحدّ من تمدد دواعش الداخل، فكان تفجير القطيف.

الحقوقي يحي عسيري دعا الى الصدق (فالمسؤول عن هذا الإجرام، هي السلطة التي تغذّي الفتنة الطائفية، وتقمع دعاة التغيير السلمي، وترفض وجود انظمة وقوانين، الفوضى مسؤوليتها). والصحفي انس زاهد، القى بتبعية الجريمة على الصحافة الرسمية: (الجريمة الأولى تتمثل في تداول مفردات مثل صفويين ومجوس في الصحافة، وليس على المنابر فقط. اما ممارسة القتل، فهي الجريمة الثانية). واضاف: (البعض يروج لفكرة ان داعش شيعية في السعودية، سنيّة في العراق، بعثيّة في سوريا. مو ناقص غير يقولوا برشلونية في كأس اوروبا. مشايخ الطائفية يصرّون على استحمارنا). وخاطب الوصيبعي وزير التعليم الذي اعلن تبرعه بالدم تضامناً: (أوقف كتب مدارسك التي سببت نزف الدماء، بدل التبرع بدمك بعدما تسببت كتبك بما جرى).

اما سلطان العتيبي فيسخر: (المفجّر سعودي، والمستهدف سعوديين، والجريمة وقعت في السعودية، ولكن المخطط إيران، فتأمّل!). وتعجب مغرد من عدم تحمل ابن نايف والحكومة أية مسؤولية فقال:(من السهولة استحمار الشعب السعودي. وِشْ دَخْلْ أم إيران في وِرْعان الدواعش ببريدة والزِّلْفِي؟). وحمّل الدكتور فؤاد ابراهيم حمّل آل سعود المسؤولية من جهة تبنيهم أيديولوجية دم وقتل. قال: (العقدية الدينية التي أسسها محمد بن عبدالوهاب تُنزل الشيعة الى ما دون البشر، فكيف يمكن استخدامها لبناء وحدة وطنية؟). واضاف بان عقيدة الدولة تكفر ثلاثة ارباع السكان، وتخوّنهم، وتسمح بإطلاق أقبح النعوت ضدهم، مؤكدا ان عقيدة الدولة الدينية والسياسية نقيض لوحدة وطنية مزعومة. وتساءل: اذا كان رجال المذهب الرسمي يرون في مساجد الشيعة (معابد كفار) وانهم مرتدون، وان قتلهم أفضل القُرُبات، فلا تسأل اذن عن منشأ داعش. ويختم: (الخطاب التحريضي سعودي، والقاتل داعشي وهابي، والمكان تحت سيطرة آل سعود، والضحايا شيعة) ثم (ايران هي السبب.. هذا لغز غير قابل للحل).

رسالة آل سعود بإلقاء التبعة على غيرهم، والتي تحمل نكران المسؤولية عن التطرف والخطاب الديني الدموي، تفيدنا بأن الإنكار قد يكون أشد من الجرم نفسه أحياناً، وان علينا انتظار مجازر أخرى في مناطق مختلفة.

الصفحة السابقة