آل سعود يرفضون تجريم الطائفية والتحريض

فائض الكراهية والعنف السعودي يكفي العالم بأسره

ناصر عنقاوي

لاضافة الملح على الجرح، راحت الصحف الرسمية تعزف لحناً وطنياً نشازاً بعد تفجيرات القديح والدالوة، في محاولة لاستدعاء حس وطني لم ترعه يوماً ولم تعتقد به يوماً، وبعد ان كانت قد فجرتها طائفية بالغة الوقاحة ضد المواطنين الضحايا، وكأن الوطنية عمل موسمي، الغرض منه التهدئة ثم يعود التكفير والقتل والتحريض. لا تكون هناك دعوة للمحافظة على اللحمة الوطنية إلا عندما تتناثر أشلاء الشهداء في المساجد.

بعد مجزرة الدالوة في الأحساء تقدمت الناشطة نسيمة السادة بشكوى نظامية لردع أبواق طائفية ولم تسمع جواباً. كانت الدالوة فاتحة، والقديح محطة، مثلها مثل تفجيرات الدمام، فالقادم سيكون أسوأ مما مضى، لهذا دعا البعض الى سن قانون يجرم الكراهية مع أنه لا يحل المشكلة، لأن سموم الطائفية تغلغلت في الجسد، وآل سعود لا يريدون قانوناً يجرّم مشايخهم ويحبس ألسنتهم.

لو كانت الوطنية موجودة ما وقعت المجازر، فلا يجب بيعنا وطنية ثم يبكيها، يقول المعارض الشيعي حمزة الحسن؛ حيث يؤكد على ان الإرهاب ليس سنياً من المذاهب الأربعة ولا شيعيا. ليس اسماعيلياً ولا صوفيا. بل هو إرهاب وهّابي مدعوم رسمياً؛ تربت عليه أجيال منذ ولادتها، فشُحنت تطرفا من مصانع التكفير والتحريض ولازالت، ما يثير مخاوف من الالتحاق بركب العراق وما جرى فيه.

يسأل الإعلامي مالك نَجَر، بألم: (ألم يئن الوقت يا وطني لقانون يجرّم أيّ خطاب يحرّض على كراهية أي فئة من فئات الوطن؟). كلا.. لم يئن الوقت! ففي يوم تفجير مسجد القديح كان خطيب جمعة في الرياض يدعو والمصلون وراءه: (اللهم عليك بالشيعة في كل مكان، اللهم زلزل الأرض من تحت اقدامهم)! وبعد يوم من المجزرة، يوجه الشيخ عبدالعزيز الشريف نداءً للملك: (طهّروا البلاد من الروافض، عبّاد الأوثان والعقيدة الفاسدة، وهم اساس كل بلاء يحصل في بلادنا)! ترى لو كان الشيخ يشك ولو للحظة ان آل سعود ضدّ الفتنة الطائفية، هل كان سيوجه مثل هذا النداء؟!

الاجماع الذي تحقق حول دوافع وأسباب مجازر الدالوة والقديح والعنود، بأن هناك حاجة ماسّة الى وقف التحريض على الطائفية باعتبارها سبباً في مقتل العشرات من المواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية، وذلك من خلال سنّ قانون يجرّم التحريض على الكراهية.. تبدّد، حيث أصرّ أمراء آل سعود على رفض مجرد مناقشة قانون مقترح باسم معدّل ومحبّب لحماية الوحدة الوطنية في مجلس الشورى، ورأوا انه غير ملائم أصلاً، بل أن احد اعضاء الشورى قال بان اقرار قانون بهذا المعنى فيه مخالفة للنظام الأساسي للحكم!

لا آل سعود ولا مشايخهم ولا النخبة النجدية الأقلوية القابضة على السلطة تقبل بمعاملة المواطنين على أساس المساواة والمواطنة، ولا تقبل بمعاقبة مشايخ الوهابية التحريضيين التكفيريين، ولا بتغيير المناهج من أجل تعايش بين المواطنين؛ ولا آل سعود أنفسهم يريدون وحدة وطنية قد تنقلب في غير صالحهم. هم يريدون مجتمعاً ممزقاً كيما تكون السلطة موحدة بيدهم والأقلية النجدية الحليفة لهم.

لقد رفض مجلس الشورى المعيّن المشروع، بل عدة مشروعات تجرم الطائفية والحض على الكراهية. رفض مجرد مناقشتها، بعد ستة أعوام من التمطيط، وليس الدراسة.

لماذا؟

يقولون يكفينا مواد النظام الأساسي للحكم؛ وبالتالي لا يوجد فراغ تشريعي؛ فمن واجب الدولة ـ حسب النظام الأساسي ـ تعزيز الوحدة الوطنية ومنع الانقسام؛ في حين ان البلدة مشروخة طائفيا ومناطقيا وقبليا منذ تأسيسها وحتى اليوم. ولو كان نظامهم الأساس يحمل فائدة لمنع تدهور البلاد باتجاه العنف والدم والطائفية، ولما سأل أحدٌ عن وضع قانون بتجريم التحريض على العنف والطائفية.

بعضهم ارتاح للرفض، لأن المشروع باطل، هدفه كما يقول الدكتور الزهراني التمرّد على ما أقره الإسلام. وكأن الإسلام يوجب على الوهابيين تكفير المواطنين والتحريض على قتلهم، وان تعتمد حكومة آل سعود التمييز الطائفي والمناطقي في مسلكها. واعتبر محمد آل دهوي وضع قانون يجرم الكراهية والطائفية وغيرها (هرطقة فاشية) ويحوي اتهاماً للشريعة الاسلامية بالتقصير، بل واتهم احد اعضاء الشورى بدس السمّ وان لديه مشروع طائفي!

الشيخ العجيري اعتبر اي مشروع قانون يحاسب الوهابيين على تحريضهم وتكفيرهم لأكثرية المواطنين (طمساً للهوية الإسلامية) فلا مسلم إلا الأقلوي الوهابي. وتذويباً للتوحيد الذي بُعث به رسول الإسلام. إذ لا موحّد إلاّ هم. وخالد البابطين رأى في مشروع مكافحة التمييز والكراهية الطائفية الوهابية (تمزيقاً للهوية الدينية) وترسيخاً ونشراً للآراء والأفكار الضالّة، وبالتالي فاقرار القانون جريمة!

يستحيل ان يقبل الوهابيون بكف ألسنتهم عن التحريض والتكفير والدعوة على العنف؛ وآل سعود الذين يستقون شرعيتهم من مشايخ التطرف الأقلويين، لا يريدون إزعاجهم من جهة، بل يرون في تطرفهم فائدة بحيث ينشغل المجتمع في مواجهة بعضه البعض.

يسأل الصحفي انس زاهد: (اذا لم تكن هناك حاجة لسن النظام، فبماذا يفسر الأعضاء الرافضون عدم تعرّض ولو محرّض واحد للمساءلة؟). والدكتور توفيق السيف اعتبر موقف الشورى سخيفاً ومسيئاً؛ والمحامي عبدالرحمن اللاحم، كما غيره، شدد النكير على اعضاء الشورى، في حين انهم معيّنون اي مجرد ادوات بيد آل سعود.

وسخرت الصحفية حليمة مظفر من موقف أعضاء الشورى، ورأتهم يعيشون في كوكب غير الأرض؛ وقالت ان مستواهم لا يعدو مناقشة بيض الحبارى. والناشطة امتثال ابو السعود تسأل: ماذا بقي بعد؟ ومثّل لها موقف الشورى صدمة لن تكون أخيرة، واضافت: العار لكم، وكفى، ووصفت معارضي قانون تجريم الطائفية بالجهلة.

الحقوقية هالة الدوسرية تسأل: (هل يمكن لوم الناس ـ وتقصد المواطنين الشيعة ـ ان قرروا ان يحموا انفسهم خارج مؤسسات الدولة الرسمية؟)؛ والكاتبة شادية خزندار اصيبت بخيبة امل من المجلس، فقد انتظرت قانوناً يحمي العيش المشترك وتطهير الوطن من الحقد والكراهية. فيما علق حسن النمر: (هل نحتاج لمزيد من التفجيرات والدماء لكي يتعطّف الممتنعون غير المنتخبين ويقرّوا المشروع). ومثل ذلك للكاتبة أمل زاهد: (كم جسداً طاهراً يتمزّق، وكم روحاً بريئة تُنتهك، لندرك حجم الخطر)؛ وصرخ أحد المغردين: (يا للهول! أبعد فاجعة الدالوة والقديح والعنود يصدر أمر بالرفض؟).

وكانت الحكومة السعودية تروج بأن ايران هي وراء تمزيق الوحدة الوطنية، والآن يثبت أن من يزرع الفرقة بين الشعب، هم أدوات النظام ومشايخه، وأن النظام نفسه لا يجد نفسه راضيا بإقرار تشريع يكافح تغوّل الطائفية وتمزيقها للمجتمع. فهل نتهم مجلس الشورى السعودي بأنه مجلس إيراني؟!

الكاتبة رائدة السبع تقدمت بعزائها للمواطنين شيعة وسنة واضافت: (تُقبل التعازي في مجلس الشورى). والشيخ ناجي آل زايد يرى ان قتل الشيعة في الدالوة والقديح والعنود حرّك لسان الاستنكار فقط، ولكن الإحساس بقانون يعزز الوحدة الوطنية فينتظر دماء ألف شهيد. والاعلامي فاضل الشعلة فإنه يعلم بأن اعضاء الشورى (ليسوا بأصحاب قرار) ولكنه ظنّ انهم (أصحاب ضمير)، وقد كان مخطئاً.

السؤال: اذا كان اعضاء مجلس الشورى ومن وراءهم لا يريدون اقرار مشروع باسم (حماية الوحدة الوطنية)، الذي يعني مكافحة التحريض القبلي والمناطقي والطائفي، ويحافظ على السلم الأهلي ويعزز الاندماج الاجتماعي.. فهل يعني هذا قبولهم بالعنف والانقسام؟ هل يعني هذا ان يتدبر المواطنون الشيعة مثلا امر حمايتهم بأنفسهم، والانفصال عن الدولة، وحسب احدى المغردات: (أفهم ان الوحدة عكس الانفصال؟ يعني يطالبون بالإنفصال؟ أفيدونا).

والسؤال الآخر، ما هي الرسالة التي يريد آل سعود ايصالها لمواطنيهم، وضحايا طائفيتهم وتمييزهم، من رفض أعضاء الشورى الذين عيّنوهم مجرد مناقشة قانون يجرم الطائفية؟

المسألة واضحة. هم يريدون القول: أن سلوك الحكومة القائم على التمييز الطائفي، والمناطقي والقبلي باق. فلا يوجد سوى المواطن النجدي مواطناً درجة أولى!

ويريد آل سعود أن يقولوا بأن باب الطائفية لن يسدّ، وأن مهاجمة الشيعة والصوفية وبقية المذاهب غير الوهابية، سيستمر سواء في مناهج التعليم أو على المنابر.

واذا كان التحريض والتمييز باقيين، فمن البديهي أن العنف والدم باقيان أيضاً. ولنا أن نرسم صورة لمستقبل الدولة السعودية التي تسير حثيثاً باتجاه الإنهيار من الداخل. فالدولة التي لا تعالج امراضها رغم التشخيص ستنهار؛ حسب رأي الدكتور حمزة الحسن، الذي يطالب المواطنين بأن يحموا انفسهم وأن يستعدوا للأسوأ، فالسعودية تمتلك فائضاً من الكراهية والعنف والتدمير يكفي العالم بأسره.

الصفحة السابقة