انهيار السعودية المقامرة بالمصير

توفيق العباد

في مقالة للكاتب امبروز إيفانس ـ بريتشارد في صحيفة (ذي تيليغراف) في 5 أغسطس الجاري بعنوان: (السعودية قد تنهار قبل أن تنتكس الصناعة النفطية في الولايات المتحدة)، تنبأ الكاتب بمصاعب اقتصادية قد تودي بانهيار المملكة السعودية، وهذا المقال ليس يتيماً في الصحافة الغربية، ولا النتيجة التي توصل اليها مفاجئة، فكثير من المحللين المحليين والأجانب يتوقعون انهيارات في الدولة السعودية على الصعد السياسية والإقتصادية، قد تصل الى زوالها. فيما يلي ترجمة المقال: 

إذا كانت السوق الآجلة للنفط صحيحة، فإن المملكة السعودية سوف تبدأ الدخول في ورطة في غضون عامين. ستكون أزمة وجودية بحلول نهاية العقد الحالي.

سعر عقد النفط الخام الامريكي للتسليم في ديسمبر 2020 هو حالياً 62.05 دولارا، مما يعني تغييراً جذرياً في المشهد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط ودول البترو-الريعي.

قام السعوديون بمقامرة ضخمة في نوفمبر الماضي عندما أوقفوا دعم الاسعار واختاروا بدلاً من ذلك إغراق السوق وطرد المنافسين، وزيادة الانتاج إلى 10.6 مليون برميل يومياً. 

ويقول بنك أوف أميركا أن “أوبك” هي “منحلة بشكل فعال”. وقد يغلق الكارتل (أي الكارتل النفطي المتمثل في أوبك)  مكاتبه في فيينا لتوفير المال.

إذا كان الهدف هو خنق صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، فإن السعوديين أساءوا كثيراً تقدير الأمور، تماما كما اخطأوا في الحكم على التهديد المتزايد للنفط الصخري في كل مرحلة لمدة ثماني سنوات. “لقد أصبح من الواضح أن المنتجين من خارج أوبك ليسوا متجاوبين مع انخفاض أسعار النفط كما كان يعتقد، على الأقل في المدى القصير”، كما قال البنك المركزي السعودي في أحدث تقرير له عن الاستقرار.

“الأثر الرئيسي كان هو خفض الانفاق على الحفر التطويري لآبار النفط الجديدة، وليس تباطؤ تدفق النفط من الآبار الموجودة، وهذا يتطلب المزيد من الصبر” حسب البنك.

وكان أحد الخبراء السعوديين أشد فظاظة بقوله “هذه السياسة لم تنجح ولن تنجح أبدا”.

التسبب في انهيار أسعار النفط، قضى السعوديون وحلفاؤهم في الخليج بالتأكيد على آفاق التوصل إلى مجموعة من المشاريع ذات الكلفة العالية في القطب الشمالي الروسي، وخليج المكسيك، والمياه العميقة في منتصف المحيط الأطلسي، ورمال التار الكندية.

يقول مستشاريو وود ماكنزي أن شركات النفط والغاز الكبرى وضعت على الرف 46 مشروعا كبيراً، أي ما يعادل 200 مليار دولار من الاستثمارات المؤجلة.

المشكلة بالنسبة للسعوديين هي أن كلفة انتاج النفط الصخري الاميركي ليست عالية. وهي في الغالب نصف الكلفة، وكما يعتقد منتدى الطاقة (CERAWeek) في هيوستن، وخبراء في (IHS) فإن شركات النفط الصخري قد تكون قادرة على تقليص تلك التكاليف بصورة كبيرة بمعدل 45 بالمئة هذا العام - وليس فقط عن طريق التحول من الناحية التكتيكية لآبار ذات العائد المرتفع.

تقنيات الحفر المتقدمة تسمح للعمال بإنشاء خمسة أو عشرة آبار في اتجاهات مختلفة من نفس الموقع. ويمكن لعمليات الحفر الذكية بالاستعانة برقائق الكمبيوتر البحث عن تشققات في الصخر. المقابس الجديدة القابلة للتحلل تعد بتوفير 300 ألف دولار في البئر. واضاف “لقد قمنا بتخفيض تكاليف الحفر بمعدل 50 بالمئة، ويمكننا أن نرى تخفيضاً إضافياً بمعدل 30 بالمئة أخرى في المستقبل”، حسب قول جون هيس رئيس شركة هيس.

هي نفس القصة التي يرويها سكوت شيفيلد، رئيس بايونير للموارد الطبيعية.  واضاف “لقد حفرنا للتو 18 ألف قدم في 16 يوماً في حوض بيرميان. وقد استغرقت العملية العام الماضي 30 يوماً، حسب قوله..

انخفض مؤشر الحفر  في أمريكا الشمالية من 1608 الى 664 في اكتوبر الماضي ولكن الانتاج ارتفع الى أعلى مستوى في 43 عاماً  بمعدل 9.6 مليون برميل يومياً في يونيو. قد بدأ لتوه بالتدحرج. “وبقي قطار شحن النفط من أمريكا الشمالية يواصل حركته”، حسب ريكس تيلرسون رئيس شركة اكسون موبيل.

وقال انه يجب أن تكون قدرة صناعة شقيقة الغاز الصخري تحذيراً استباقياً لأولئك الذين يقراون كثيراً مؤشر الحفر. انهارت أسعار الغاز من 8 دولار إلى 2.78 دولار منذ عام 2009، وانخفض عدد حفارات الغاز من 1200 إلى 209 حفارة. ومع ذلك فقد ارتفع الإنتاج بنسبة 30 بالمئة خلال تلك الفترة.

حتى الآن، وقد خفّفت حفارات النفط الصخري من خلال عقود التحوط، سيأتي اختبار الإجهاد خلال الأشهر القادمة حيث تنتهي صلاحيتها. ولكن حين تعرضت أعداد من تلك المشاريع الحفرية للإفلاس حيث تجف مصادر التمويل، فإن منظمة أوبك لن تقوم بأي خطوة إيجابية.

سوف تبقى الآبار هناك. وأن التكنولوجيا والبنية التحتية لا تزال هناك. وأن الشركات الأقوى سوف تستحوذ على الأرخص، وسوف تستولي على العمليات. وفي حال صعد سعر النفط الى 60 دولاراً أو حتى 55 دولاراً - حيث تواصل العتبة السقوط - فإنهم سوف يواصلون الحفاظ على الانتاج بصورة دائمة وثابتة.

تواجه أوبك الآن رياحاً عكسية دائمة. فمع كل ارتفاع في الاسعار سيتم تتويجه بزيادة في الإنتاج الأمريكي. القيد الوحيد هو حجم احتياطيات الولايات المتحدة التي يمكن استخلاصها في منتصف التكلفة، وهذه قد تكون أكبر من المفترض أصلاً، ناهيك عن إمكانيات موازية في الأرجنتين وأستراليا، أو إمكانية لـ “تكسير نظيفة” في الصين حيث أن تكنولوجيا البلازما تؤدي الى تخفيض الاحتياجات المائية.

وقال شيفيلد بأن حوض بيرميان في ولاية تكساس وحدها يمكن أن ينتج  بمفرده 5ـ6 مليون برميل في اليوم في المدى الطويل، أي أكثر من حقل الغوار العملاق في المملكة السعودية، الأكبر في العالم.

السعودية متشاطئة بشكل فعّال. وتعتمد على النفط بنسبة 90 بالمئة من إيرادات ميزانيتها. لا توجد أي صناعة أخرى يمكن الحديث عنها ، بعد خمسين عاماً كاملة على الطفرة النفطية.

المواطنين لا يدفعون ضريبة على الدخل، أو على الفائدة، أو على الأوراق المالية. تكاليف البنزين المدعم يبلغ اثني عشر سنتا للتر الواحد في محطات البنزين. وتعطى الكهرباء بسعر 1.3 سنتاً للكيلووات في الساعة. انفجر الإنفاق على الرعاية بعد الربيع العربي كما سعت المملكة لخنق المعارضة.

ويقدّر صندوق النقد الدولي بأن عجز الميزانية سيبلغ 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، أو ما يقرب من140 مليار دولار. وسعر التعادل المالي  هو 106 دولار. 

بعيدا عن خفض النفقات، يغدق الملك سلمان المال من حوله، وقد أنفق 32 مليار دولار في مكافأة التتويج لجميع العاملين والمتقاعدين.

وقد أطلق حرباً مكلفة ضد الحوثيين في اليمن ويخوض مشروع تعزيز القدرات العسكرية الضخمة - ويعتمد كلياً على الأسلحة المستوردة - التي من شأنها دفع المملكة السعودية إلى المركز الخامس في الترتيب العالمي للدول التي تنفق على استيراد السلاح.

العائلة المالكة في السعودية تقود القضية السنيّة ضد إيران المتمردة، وتقاتل من أجل الهيمنة في صراع مرير بين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط. “في الوقت الراهن، السعوديون لديهم شيء واحد فقط في أذهانهم وهو الإيرانيين. لديهم مشكلة خطيرة جداً. وكلاء لإيران يديرون اليمن وسوريا والعراق ولبنان”، حسب قول جيم وولسي، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الامريكية. 

المواطنون لا يدفعون ضريبة على الدخل، على الفائدة، أو الأوراق المالية. تكاليف البنزين المدعم اثني عشر سنتا للتر الواحد في محطات البنزين. وتزود الكهرباء بسعر 1.3 سنتاً للكيلووات في الساعة. انفجر الإنفاق على الرعاية بعد الربيع العربي كما سعت المملكة لخنق المعارضة.

ويقدر صندوق النقد الدولي عجز الميزانية سيبلغ 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، أو ما يقرب من140 مليار دولار. وسعر التعادل المالي  هو 106 دولار. 

بعيدا عن خفض النفقات، يغدق الملك سلمان المال من حوله، وقد أنفق 32 مليار دولار في مكافأة التتويج لجميع العاملين والمتقاعدين.

وقد أطلق حربا مكلفة ضد الحوثيين في اليمن ويخوض مشروع تعزيز القدرات العسكرية الضخمة - ويعتمد كليا على الأسلحة المستوردة - التي من شأنها دفع المملكة السعودية إلى المركز الخامس في الترتيب العالمي للدول التي تنفق على استيراد السلاح.

العائلة المالكة في السعودية تقود القضية السنيّة ضد إيران المتمردة، وتقاتل من أجل الهيمنة في صراع مرير بين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط. “في الوقت الراهن، السعوديون لديهم شيء واحد فقط في أذهانهم وهو الإيرانيين. لديهم مشكلة خطيرة جداً. وكلاء لإيران يديرون اليمن وسوريا والعراق ولبنان”، حسب قول جيم وولسي، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الامريكية.

بدأ يتسرب المال من المملكة السعودية بعد الربيع العربي، مع صافي تدفقات رأس المال ليصل 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً حتى قبل انهيار أسعار النفط. البلاد منذ ذلك الحين تقوم بحرق احتياطياتها الأجنبية بوتيرة المذهلة.

بلغت ذروة احتياطيات السعودية 737 مليار دولار في أغسطس من عام 2014. وانخفضت إلى 672 مليار دولار في شهر مايو. وبحسب الاسعار الحالية فإنها تنخفص بمعدل ما لايقل عن 12 مليار دولار شهرياً على الأقل. 

يقول خالد السويلم، وهو مسؤول سابق في البنك المركزي السعودي، والآن في جامعة هارفارد يجب تغطية العجز المالي الدولار مقابل الدولار تقريباً من خلال السحب من الاحتياطيات.

المخزون الاحتياطي السعودي ليس كبيراً ولا سيما في ضوء نظام الصرف الثابت في البلاد. الكويت وقطر وأبوظبي جميعاً لديها احتياطيات بمعدل ثلاثة أضعاف نصيب الفرد. وحسب السويلم “نحن أكثر عرضة للخطر. وهذا هو السبب في أننا الرابع من حيث الصناديق السيادية في الخليج في  تصنيف AA، ونحن لا يمكننا تحمل خسارة وسادتنا على مدى العامين القادمين”. 

خفّض ستاندرد اند بورز من توقعاته الى “سلبية” في فبراير الماضي، وذكر”نحن ننظر إلى اقتصاد المملكة السعودية باعتباره غير متنوع وعرضة لتراجع حاد ومستمر في أسعار النفط” .

وكتب السيد السويلم في تقرير هارفارد أن المملكة السعودية سوف يكون لديها تريليون إضافي في الأصول الآن فيما لو اعتمدت النموذج النرويجي لصندوق الثروة السيادية بإعادة تدوير المال بدلاً من التعامل معه باعتباره بنك أصبع  لوزارة المالية. وقد تسبب التقرير عاصفة في الرياض. 

يقول السويلم: “كنا محظوظين من قبل لأن سعر النفط تعافى في الوقت المناسب. ولكن لا يمكننا الاعتماد على ذلك مرة اخرى”.

وقد أبقت أوبك الأمور على حالها حتى وقت متأخر جداً، على الرغم ربما هناك القليل الذي يمكن القيام به لمواجهة التقدم في التكنولوجيا الأمريكية.

في العمق، كان خطأ استراتيجياً الإبقاء على الأسعار مرتفعة جداً لفترة طويلة، مما يسمح لعمّال النفط الصخري - وصناعة الطاقة الشمسية - بلوغ سن الرشد. لا يمكن وضع الجني في الزجاجة مرة أخرى.

السعوديون محاصرون الآن. حتى لو كان بإمكانهم ابرام صفقة مع روسيا والانسجام في خفض الانتاج لدعم الاسعار - من الواضح - فأنهم قد يحصلون على بضع سنوات أخرى من الدخل المرتفع على حساب تقديم موعد زيادة إنتاج النفط الصخري في وقت لاحق.

يبقى، بشأن المسار الحالي قد يكون احتياطيات السعودية قد تنخفض الى 200 مليار دولار بحلول نهاية عام 2018. وستتخذ الأسواق ردود فعل إزاء ذلك بفترة طويلة، ويمكن النظر من الآن الى ما يكتبه المستقبل. هروب رؤوس الأموال سوف يتسارع.

يمكن للحكومة خفض الإنفاق الاستثماري لفترة من الوقت - كما فعلت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي- ولكن في النهاية يجب أن تواجه التقشف القاسي. لا يمكنها تحمل دعم مصر والحفاظ على آلة المحسوبية السياسية الباهظة في جميع أنحاء العالم السني.

الإنفاق الاجتماعي هو الغراء الذي يمسك نظاماً وهابياً قروسطياً في وقت تخمر الاضطرابات وسط الأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية، والهجمات الارهابية من قبل داعش، وتداعيات غزو اليمن.

الإنفاق الدبلوماسي هو ما يجعل مجال النفوذ السعودي في الشرق الأوسط  يعاني من ذات النسخة الأوروبية من الحروب التي استمرت ثلاثين سنة، والتي لا تزال تعاني من صدمات ما بعد ثورة ديمقراطية مسحوقة.

ونحن قد نجد حتى الآن أن صناعة النفط الامريكية لديها قدر أكبر من سلطة البقاء أكثر من الصرح السياسي المتهالك الذي يقف وراء أوبك.

الصفحة السابقة