الدولة المفلسة

ما جمعه الملك عبد الله خلال الفترة ما بين 2003 ـ 2014 والذي بلغ نحو 737 مليار دولار قد ينضب خلال ثلاث سنوات. في المعطيات: قررت السعودية سحب ما يربو عن 70 مليار دولار من احتياطيها العالمي بحسب شركة استخبارات سوق الخدمات المالية (انسايت ديسكفري) في 28 سبتمبر الماضي. وقد تمّ سحب هذه المبالغ في غضون ستة شهور، والهدف هو: تغطية العجز المتنامي في موازنة الدولة، وتمويل الحرب في اليمن.

حين قرر آل سعود إشعال حرب نفطية في العالم قبل عام، كانوا كمن يطلق النار على رجله، إذ أن تسعين بالمئة على الأٌقل من مداخيل الدولة تأتي من النفط. وفي النتائج، فإن هبوط سعر النفط الى ما دون الخمسين دولاراً للبرميل يعني خسارة نصف مداخيل الدولة، على أساس السعر المقترح لموازنة عام 2015 وهو 90 دولاراً. خسرت الموازنة 150 مليار دولاراً بسبب غياب عقل استراتيجي يخطط لما بعد إشعال الحرب النفطية ضد روسيا وايران والعراق وغيرها..والآن تحاول وقف تآكل مواردها المالية بعد هبوط أسعار النفط.

وقد هبط احتياط السعودية المالي في الصناديق السيادية الخارجية بنسبة 10٪ خلال أقل من عام أي من 737 مليار دولار في أغسطس 2014 الى 616 مليار دولار في يوليو الماضي. في المقابل تحاول الحكومة تعويض الخسائر بزيادة وتيرة المبيعات من النفط والسندات الحكومية ولو على حساب الاجيال القادمة والتنمية المستدامة. فالطبقة الحاكمة تغامر حالياً بمستقبل الشعب وثرواته ومصيره، من أجل إرضاء وإشباع غرائزها وحب الانتقام لديها من الآخرين، لا على قاعدة اقتصادية، بل سياسية، كما تفعل مع اليمن الذي تخوض ضد شعبه حرباً عبثية، لمجرد أن هذا الشعب يريد العيش بحرية وكرامة، وبلا تدخلات خارجية إقليمية أو دولية..

نضوب الاحتياطي من العملات الأجنبية، بدلاً من المراكمة، بات الحقيقة الجديدة في عهد سلمان، بعد أن كان العكس في عهد عبد الله، بصرف النظر عن طبيعة استغلال الاحتياطي وأوجه صرفها..

وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي لهذا العام، فإن عجز الموازنة سوف يتجاوز 400 مليار ريال (107 مليار دولار)، بينما دولة قطر التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة لا يتوقع أن تواجه عجزاً في موازنتها هذا العام.

في مواجهة العجز وتراجع المداخيل، لجأ النظام السعودي الى تدابير صارمة لتقليص الانفاق في عدد من المشاريع، وتجميد بعض آخر. وكانت وزارة المالية السعودية أبلغت المؤسسات الحكومية بالتوقف عن اعتماد أي مشاريع جديدة، وتجميد التعيينات والترقيات في الربع الأخير من هذا العام. بل بلغ التقشف حداً وصل الى وقف شراء سيارات وتجهيزات المكاتب أو إجراء عقود إجار لعقارات، وأبلغت المؤسسات بتسريع عمليات جمع المداخيل (المبيعات، والضرائب، والزكاة وغيرها).

التوقعات تفيد بأن نسبة الدين العام مقارنة بصافي الدخل سوف ترتفع من 2٪ في العام 2014 لتصل الى 20٪ بحلول عام 2020 بحسب تقدير صندوق النقد الدولي.. كل ذلك في الشق الإقتصادي والمالي.

أما الافلاس السياسي، فله قصة طويلة تبدأ بالفشل على مستوى إدارة الملفات الداخلية (الفقر، والبطالة، وأزمة الخدمات كالإسكان والصحة، والأمن..)، وصراع الأجنحة المتصاعد نتيجة احتكار وتركيز السلطة في يد قلّة قليلة لا يتجاوز عددها أصابع اليد، ويرأسها طفل لا خبرة له في السياسة الا بمقدار نصف عام.. ولا تنتهي بالانغماس في الحروب العبثية في سوريا واليمن والعراق، والتوترات السياسية والامنية على مستوى المنطقة..

ما يزيد الوضع تعقيداً أن الآفاق السياسية الداخلية والخارجية مسدودة، الى حد أن النظام السعودي رهن نفسه للمجهول، وهو ما يدفع به للسير في طريق لا نهاية له. هذا ما يظهر في الحرب على اليمن، حيث لا أفق واضحاً، ولا خيارات محسومة، وبدا المأزق هو السمة البارزة لهذه الحرب: الانتصار مستحيل، والانسحاب خطير، والبديل هو مواصلة الحرب بما فيها من نزيف مالي وبشري ونفسي، الى حد أن مصداقية النظام تآكلت وسط جمهوره ما دفعه الى محاولة إثبات عكس ذلك عن طريق إظهار القوة المفتعلة، بتصعيد وتيرة الاعتقالات للناشطين السياسيين والحقوقيين والاجتماعيين.

النظام السعودي في حال خسارة مستمرة، ولكن إعلامه المفلس، هو الآخر، يصوّره للعالم في هيئة المنتصر، أو على الأقل المتماسك.. ومنذ تولي سلمان الحكم لم يسجّل لا هو ولا إبنه الطفل محمد، ولا وزير الداخلية الثعلب المذعور محمد بن نايف، إنجازاً من أي نوع: لا عسكري ولا اقتصادي ولا أمني، فالفشل حليف الطبقة السياسية الحاكمة.

ولذلك، يبدو أن لصراع المحمدين وجه، من ناحية أن فشل محمد بن سلمان في اليمن، قد جرى تعويضه بفشل محمد بن نايف في إدارة ملف الحج عبر ثلاث كوارث متوالية: سقوط رافعة الحرم، ومقتل أكثر من مائة حاج، ومأساة التدافع في منى، ومقتل ما يربو عن ألفين حاج، وحريق الخيم في منى وفنادق أخرى، أتت على أرواح العديد من الحجاج.

افلاس المملكة السعودية بات شاملاً هذه المرة، وكأن عهد سلمان تطبعه النكبات من أوله، وأن الانجاز المرجو لن يتحقق بالرغم من محاولات سلمان افتعاله لتسويق إبنه ملكاً مقبولاً لدى الحلفاء الغربيين، وخصوصاً الحليف الأميركي.

الصفحة السابقة