السعودية أفسدت المعارضة السورية وتريد التحكم بقرارها

السعودية تحرق ورقة المعارضة السورية

محمد الأنصاري

وقف المراقبون في حيرة امام اقدام السعودية على اعلان نفسها مرجعية سياسية وحيدة للمعارضة السورية، بشقيها العسكري والسياسي، عبر استدعاء مجموعة مختارة من الرموز المستهلكة من هذه المعارضة لعقد اجتماع في الرياض في التاسع من ديسمبر الجاري 2015.

ومصدر الاستغراب ان يد الرياض ليست جديدة على المعارضة السورية، فهي متورطة بالدم السوري منذ بدايات الازمة في ٢٠١١، وقد لعبت دورا رئيسيا في كل مسيرة هذه المعارضة، التي انتهت بها الى الوضع الراهن من تفتت وتمزق وضعف، وعدم تأثير في الاحداث.

ان هامشية المعارضة السورية الخارجية تعود الى مجموعة من الاسباب، بحسب ما يؤكده معارضون سوريون، من ابرزها الولاءات الخارجية لرموز هذه المعارضة، وارتهانها لأجندات سياسية متضاربة لعدد من الدول، التي تسعى لتمرير اهدافها ان لم نقل مطامعها الاقليمية. وفي مقدمة هذه الدول المملكة السعودية التي وضعت لنفسها اهدافا وهمية مستحيلة بالتحول الى لاعب اقليمي مرهوب الجانب، على حساب الدم السوري والعراقي، واليمني بعد ذلك، لاقناع الراعي الاميركي بأنها قادرة على حفظ مصالحها وتولي دور الحليف الاول له في المنطقة.

ولا ننسى أن الرياض كما الدوحة وانقرة عملت على (تطييف) الحراك السوري، وتوجيه المعارضة الى استخدام السلاح، وكان هذان الأمران قد أضرّا المعارضة السورية والنظام السوري والشعب السوري، ولم يجن أحدٌ منه إلا الدمار والتمزيق.

استراتيجية التدخل السعودية

استحوذ على الفكر السياسي السعودي فرضية منذ تسعينات القرن الماضي، هي في اساسها من اساليب الخداع الاميركية، لدفع السعودية للتسليم بالكامل للعبة الدولية التي ترعاها واشنطن. مفاد هذه الفرضية يقول أن المنطقة تعاني من فراغ سياسي، وان هناك حاجة الى لاعب اقليمي يعمل لحساب واشنطن في ادارة شؤون المنطقة وتولي أمنها.

وعلى الرغم من معرفة النظام السعودي بالخلل الذي يعانيه في حفظ أمنه الوطني، تبنى فرضية ان يكون قوة اقليمية تتحكم بلعبة الامن القومي والاقليمي، بالدعم والحماية الاجنبية.

وتبعا لهذه الاسطورة الامنية.. انساقت السعودية بقوة، وخصوصا منذ تولي الملك سلمان السلطة، لتبني استراتيجية العداء مع ايران التي قدمتها الدعاية الاميركية الصهيونية باعتبارها قوة بازغة تتحفز للهيمنة على المنطقة، بدءا من نظرية تصدير الثورة في التسعينات، وانتهاء بالخطر الذي يشكله برنامجها النووي السلمي.

وترجمة لهذا الاعتقاد الخاطئ، تمادت السياسة الخارجية السعودية، في اعتماد الاستراتيجيات الامنية على القوة والعنف التدميري، لفرض نفسها قوة فاعلة في ازمات المنطقة، سواء في دعم الثورة المضادة في الدول التي عصف بأنظمتها هيجان الربيع العربي، وخصوصا في مصر والبحرين واليمن، او في حملة التدمير المنظم لدول راسخة وقوية، كما هي الحال في العراق وسوريا.

التحالف الايراني الروسي.. اليد العليا في سوريا

والمراقب لا يحتاج الى كثير عناء ليدرك حجم التدخل السافر للنظام السعودي في الازمات الدموية الملتهبة في المنطقة.

وعلى الرغم من ان الدور السعودي الجديد لم يتعد وظيفة الاداة في المشروع الغربي، عموما، كما كانت الحال عليها دائما في العقود الماضية، الا ان النظام السعودي، بدأ يزايد على هذه المهمة بالايغال في تفجير المنطقة دون اي حسابات سياسية او اخلاقية او دينية، وذلك من خلال:

أ ـ اللعب على وتر الفتنة المذهبية بشكل علني وممنهج، والدفع بأدوات الفتنة للظهور في واجهة المشهد الاعلامي والثقافي والمنابر الدينية.

ب ـ اطلاق وحش الارهاب التكفيري من قمقمه النجدي، واستخدامه وسيلة للحرب والتهديد وابتزاز الخصوم السياسيين، والمراهنة عليه لتحقيق الانتصار العسكري الذي عجزت عنه آلة عسكرية ضخمة، وترسانة كلفت الشعب السعودي مئات مليارات الدولارات على مدى السنوات الماضية.

الدور السعودي في سوريا

منذ ان انطلقت شرارة الحرب في سوريا، حرك النظام السعودي أدواته الأمنية والاعلامية والمالية لاقتطاع حصة من كعكة الحراك السوري. فتحرك الامير بندر بن سلطان، مسلحا بصلاحيات غير محدودة، للعمل مع المخابرات الاميركية والفرنسية والبريطانية، لتجميع الاتباع، وحشد الجماعات التكفيرية الارهابية من كل انحاء العالم، وشحنها الى الساحة السورية، دون التدقيق في هويتها، ودون التأكد من قدرتها على تحقيق الاهداف المرسومة. اذ ان الهدف الاساسي كان اسقاط النظام السوري، وابعاد الرئيس الاسد عن السلطة، كما حدث في تونس وليبيا ومصر، ومن ثم يجري اعادة ترتيب البيت السوري وتقاسم النفوذ فيه، تحت الاشراف الاميركي.

وواضح الى اين انتهت تلك المرحلة، التي عجزت فيها القوى الارهابية المسلحة، والمجاميع السورية التي جرى اغراؤها بالمال والسلطة المرتقبة، والقطاعات الشعبية التي امعن السعوديون ـ وغيرهم من داعمي العدوان ـ في تطييفها، وتفجير مشاعر العداء والكراهية عندها لابناء وطنها، عجزت كلها عن اسقاط النظام، الذي لم يسقطه العدوان الاميركي المباشر ايضا، حيث استطاع الحليف الروسي هندسة مخرج مقنع لواشنطن لأزمة الاسلحة الكيماوية المزعومة في صيف عام 2013.

ولعل الغضب السعودي حينها كان بمقدار المراهنة التي وضعتها الرياض على التدخل الاميركي العسكري المباشر، على امل ان يكون مصير بشار الاسد مثل مصير صدام حسين، بعد تدمير الجيش السوري والقضاء على ترسانته العسكرية.

إشكالية المعارضة السورية

لعل احد الاسباب الرئيسية التي جعلت مجلس العموم البريطاني يصوت ضد الغزو العسكري لسوريا، وهيأ الفرصة للادارة الاميركية للقبول بالحل الروسي، هو القناعة المتراكمة بعدم وجود قوة عسكرية بديلة للسيطرة على سوريا.

اذ ان معظم العناصر الاجنبية او المحلية التي جرى زجها في القتال ضد الجيش السوري، تحولت الى تنظيمات ارهابية، كانت اكثر قدرة على الجذب والتأثير، مستفيدة من الخطاب السعودي والقطري والتركي في التحريض المذهبي، والدعوة الى صراع طائفي في المنطقة.

فقد فشلت كل المحاولات الاميركية لتسليح ذراع عسكري يدين بالولاء للغرب مباشرة، ولا يرتبط بالفكر السلفي الوهابي التكفيري في المنطقة، وهو ما اقر به كبار القادة العسكريين الاميركيين في تقاريرهم للكونغرس الاميركي.

ومثل ذلك فشلت محاولات السفير الاميركي في سوريا روبرت فورد الذي رعى المعارضة السورية منذ انطلاق الاحداث في سوريا، حتى استقال يائسا من محاولات توحيدها، وخلق جسد سياسي يمكن التعويل عليه لمواجهة النظام السوري.

وقياسا على ذلك ذهبت أدراج الرياح كل المحاولات التركية والقطرية، والمؤتمرات التي سميت اجتماعات أصدقاء الشعب السوري، المتنقلة بين عواصم العالم. والتي انتهت جميعا بانفراط عقد التحالفات الشكلية التي اقيمت على عجل لتلبية حاجات آنية لهذا الطرف او ذاك من تجميع معارضين سوريين.  

فكيف أمكن للرياض ان تنجح في ما فشل فيه الاخرون؟

ما هو المطلوب من المعارضة اليوم؟

وضع التدخل الروسي المباشر في الحرب الدائرة رحاها على الاراضي السورية، الجميع على حافة الاحراج، وكشف جملة من الحيل السياسية والعسكرية التي كان التحالف الاميركي يتلطى خلفها، رغبة في قلب الاوضاع في سوريا ونقلها من معسكر الى معسكر.

فالهدف الحقيقي لهذه الحرب على سوريا هو الامساك بقرار هذا البلد المحوري في المنطقة، بحيث يمكن السيطرة على عدد من اوراق المنطقة من خلاله دفعة واحدة.

روسيا وضعت الجميع امام اسئلة ظلوا طوال السنوات الماضية يخادعون المجتمع الدولي في الاجابة عليها.. فأين هي قوى الثورة السورية المزعومة؟ من هي الجهات السياسية التي يمكن لها ان تواجه النظام، اذا ما قرر المجتمع الدولي او القوى الفاعلة فيه البدء بالحوار، الذي اجمع الجميع على انه السبيل الوحيد لحسم الصراع المستفحل في هذا البلد، والذي بدأ ينذر بتوسيع دائرة الارهاب الى دول اخرى، وصولا الى اوروبا وربما الولايات المتحدة ذاتها؟

كيف يمكن اجراء حوار يتعلق بطبيعة النظام المقبل، وترتيبات المرحلة الانتقالية، في ظل عدم وجود برنامج عمل، ورؤية سياسية واضحة للمعارضة؟

التدخل العسكري الروسي فضح الموقف الأمريكي

ومن هي الجهة التي يمكن لواشنطن وحلفائها المزايدة بها للحلول محل الرئيس الاسد، في ظل الاصرار الغربي على المطالبة برحيله؟ اذ لم يعد ممكنا القبول بإحداث الفراغ السياسي الذي دمر ليبيا، وأورثها الانقسام ووضعها على حافة التمزيق والتقسيم.

من هي القوة العسكرية الميدانية التي يمكن التعويل عليها لمرافقة القصف الجوي اذا ما تقرر فعلا القضاء على داعش والقوى الارهابية الاخرى في سوريا والعراق؟

أسئلة تجنبت واشنطن وادواتها الاقليمية الاجابة عليها في المراحل السابقة، مكتفية بالضجيج الاعلامي والغوغائية السياسية للمطالبة برحيل الاسد، واعتباره العقدة الاساسية التي يبدأ منها حل الازمة السورية.

هذا ما تريده واشنطن في حقيقة الامر، والتي تجد نفسها قد خسرت الكثير امام غريمتيها موسكو وطهران، اللتين بدتا اكثر تماسكا واقناعا بالدعوة الى ترك مصير القيادة السياسية لسوريا.. للشعب السوري، عبر عملية ديمقراطية يضمن شفافيتها المجتمع الدولي، وتتوافق مع المواثيق الدولية، وقوانين المجتمع الدولي.

الدور التركي بات مستبعدا من العملية السورية اثر التطورات الاخيرة، وخصوصا التوتر البالغ في علاقات انقرة بموسكو، والرعونة البالغة التي ابداها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعامله مع الازمة السورية، بحيث كشف الكثير من عورات التحالف الاميركي، وبات يهدد هذا التحالف بشكل جدي.

ومع انحسار الدور القطري لاسباب اخرى، لم يبق الا الرياض ورقة اميركية للسعي لتحقيق هدفين على الاقل:

الأول، ‌المراوغة واستغلال الوقت لاستنفاد زخم الهجوم الروسي، عبر الحديث عن جهد سياسي لحل الازمة في سوريا، وايهام الرأي العام المحلي والعالمي، بأن واشنطن جادة في البحث عن حلول سياسية.

الثاني، ‌الضغط على المعارضة السياسية المنهكة واليائسة، لفرض الاجندة الاميركية عليها عبر التمويل السعودي، والتهديد بالعزلة والتهميش في حال واصل المعارضون التمترس خلف خلافاتهم ونزعاتهم الشخصية ومصالحهم الضيقة.

والهدف هو ان تمتلك واشنطن ورقة حقيقية تواجه بها المنطق الروسي الايراني، الذي بدأ يكسب اصدقاء ومؤيدين جددا في اوروبا وحول العالم، في ان أي حل وأي مواجهة جادة للارهاب، لا بد ان ينطلقا من قاعدة التعاون مع الجيش السوري والنظام السوري بكل آلياته، الذي يملك داتا معلومات وافرة، وقدرات لوجستية حقيقية لمحاربة الارهاب.

الأهداف السعودية

النظام السعودي وجد الفرصة مناسبة لامساك ورقة المعارضة السورية التي سعى اليها بمختلف السبل منذ خمس سنوات.

ومن نافل القول التذكير بأن السعودية لم تكن جادة ولا راغبة في التعاون مع قطر وتركيا، لادارة الازمة السورية في اي وقت، اذا ان الرياض تتخوف من الدور التركي بشكل جدي، وهي لا تتعامل مع انقرة الا باعتبارها منافسا لدودا، وصاحبة مطامع امبراطورية، لا يأمن لها السعوديون منذ ان كانت الدولة السعودية.

كما ان الرياض ترفض الادوار القطرية والمصرية، وتتعامل بفوقية تامة مع هاتين الدولتين، ولا تقبل تقاسم النفوذ معهما لا في سوريا والعراق، ولا في اي مكان آخر.

وبدعوتها لمعارضين سوريين للإجتماع في الرياض، تكون السعودية قد سعت لتحقيق الاهداف التالية:

أ – دعم البروباغندا الاعلامية التابعة لها في انها اصبحت الدولة الاقليمية العربية الوحيدة المعنية بأزمات المنطقة. وانها الطرف المفوض من قبل الغرب لرعاية الازمات السياسية والامنية في المنطقة، وانها الجهة التي لا يمكن تجاوزها.

ب – تكريس السعودية نفسها وصية على المعارضة السورية بكل ما لذلك من رمزية سياسية واعلامية، على المستويين الاقليمي والدولي. وبالتالي سحب البساط من تحت قدمي اردوغان الذي منى النفس طويلا بأن يكون المرجعية السياسية لثورات الربيع العربي، واستعادة المجد العثماني، والهيمنة على المنطقة باسم الولاء السياسي والمذهبي، وهو ما روجت له جماعات سياسية مذهبية معروفة.

ج – الهدف الاكبر للرياض من هذه المبادرة هو صرف الانظار التي بدأت تتجه اليها وتركز عليها من جديد باعتبارها مركزا لتصنيع وتصدير الارهاب. وشهدت الاسابيع الماضية حملة واسعة النطاق، شاركت فيها الصحافة العالمية، ومحللون سياسيون، واعلاميون وشملت مسؤولين حكوميين من دول مؤثرة مثل المانيا وفرنسا، سلطت الضوء على ضرورة محاربة منابع الارهاب الفكرية والعقدية التي يحميها النظام السعودي، وتعتبر جزءا من تركيبته الداخلية.

فقد كان مهما ان يخرج النظام السعودي الى العالم بصفته قوة اقليمية مؤثرة تساعد في الجهود الدولية لحل ازمات المنطقة ومن بينها الازمة التي ارتبطت بالارهاب التكفيري الذي ضرب فرنسا اخيرا.

المعارضة السورية تشرذم على الأرض وفي المفاوضات

د – واخيرا فإن الرياض حاولت ان ترضي انقرة بإشراك جماعة الاخوان المسلمين وذراعهم العسكري، وان تقنع واشنطن ببيان ختامي ينص على علمانية الدولة السورية، توافق عليه جماعات ظلت على مدى السنوات الماضية تطالب بأسلمة الدولة السورية، ونهجت في سلوكها اليومي وخطابها الاعلامي نهجا طائفيا واضحا..   

الا انها من خلال هذه التركيبة العجيبة من القوى والشخصيات المتنافرة، حاولت ان تقدم بعض المجموعات المسلحة المصنفة تحت قائة الإرهاب، بثوب جديد، وان تضفي عليها مسحة الاعتدال، جريا مع الدعاية الاميركية بأن هناك جماعات معتدلة يمكن الاعتماد عليها بدل الجيش السوري لمحاربة الارهاب.

نتائج مؤتمر المعارضة في الرياض

كل هذه الاهداف والرغبات التي حرص السعوديون ومن خلفهم الاميركيون على تمويهها، تهاوت ولم تتعد كونها حدثا اعلاميا وقتيا لن يغير الوقائع على الارض.

فالمعارضة التي اجتمعت في أفخم فنادق الرياض لم تستطع ان تصدر بيانا ختاميا منسجما، ولم تستطع ان تشكل وفدا للتفاوض مع النظام، وكان جل ما تمخض عنه اجتماعها، انها اقرت بمرجعية الرياض لها، واعتمدتها عاصمة خلفية لنشاطها.

ولكن هذه النتائج التي حاولت الخارجية الاميركية تسويقها على عجل، فأصدرت البيانات المشيدة والمؤيدة على لسان المتحدثين باسمها او على لسان بان كي مون، لم تقنع احدا في العالم، فتعامل المعنيون بها ببرود وتجاهل تام، كما تجاهلتها الصحافة العالمية.

فحتى ما قيل ان المؤتمر يعكس مواقف المثلث الإقليمي السعودي ـ القطري ـ التركي لجهة طبيعة الحل السياسي للأزمة السورية، ليس صحيحا بالكامل. اذ انه ليس الا مناورة تركية قطرية، لحرق الدور السعودي، وتركه يواجه ازمة معقدة، وأن يواجه الموقف الايراني الروسي منفردا.

وفي حين شارك نحو 12 فصيلاً مسلحاً في إجتماع المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض، فإن الاجتماع تمت مقاطعته من قبل العديد من فصائل الميليشيات المسلحة الاساسية بالاضافة إلى فصائل سياسية معارضة.

وسارعت جبهة النصرة الارهابية الى وصف مؤتمر الرياض  بالمؤامرة، بما يعكس الامتعاض التركي والقطري. كما رفضتها مختلف الفصائل المسلحة في سوريا، وحتى الاعلام المحسوب على الاخوان المسلمين لم يروج لهذه النتائج، في حين صدرت مواقف متناقضة من مرجعيات هذا الفصيل بشأن التوقيع على البيان الختامي الذي يقر بعلمانية الدولة السورية.

الخارجية الروسية ردت سريعا بأن محادثات الرياض بشأن الأزمة السورية، كما سمتها، لم تمثل كل أطراف المعارضة، وأكدت  - في بيان - أنها لا تقبل محاولة المجموعة التي التقت في الرياض أن تعطي لنفسها حق الحديث بالنيابة عن كل المعارضة السورية.

اما الموقف الاميركي فبدأ بتقديم وزير الخارجية الأمريكي شكره للمملكة على استضافتها مؤتمر المعارضة السورية وتنظيمه، وجمع المختلفين على طاولة واحدة في سبيل حل الأزمة السورية، مشيدا بالتقدم الذي احرزه المجتمعون. الا ان هذا الموقف لم يدم اربعا وعشرين ساعة اذ تبعه موقف اخر في اليوم التالي قال فيه الوزير جون كيري إن بلاده تواجه  مشاكل مع نتائج اجتماع المعارضة السورية في الرياض، تتلخص بامكانية اتفاق المعارضة على الدخول بمفاوضات مع النظام.

وأشار كيري في مؤتمر صحفي على هامش محادثات المناخ في باريس إلى إنه  لا تزال هناك بعض المسائل التي تحتاج إلى حل بغية التوصل إلى اتفاق بين جماعات المعارضة السورية بشأن الانضمام لمحادثات السلام السورية، ولكنه أعرب عن ثقته بأنها قابلة للحل. الرئيس السورى بشار الأسد  رفض إجراء أي مفاوضات مفترضة مع الوفد الذي يتم تشكيله في الرياض باعتبار أنه يتكون من مجموعات إرهابية على حد تعبيره.

ومثله رفضت طهران نتائج اللقاء واعتبرته خطوة في الفراغ ولا يساهم في تقديم الحلول.

وهكذا فإن المؤتمر الذي انعقد وسط إجراءات أمنية استثنائية، كرس الاهداف الملتبسة لأصحاب الدعوة وللمدعوين على السواء، وابرز التناقضات في الرؤى والبرامج والولاءات السياسية والمالية والايديولوجية، حيث بدا التناقض بين تصريحات المجتمعين وسياساتهم السابقة وما وافقوا عليه في احد الفنادق الفاخرة في العاصمة الرياض، حيث قال احدهم انهم كانوا وسط احتمالين لا ثالث لهما: إما القبول بمواقف حددها المضيف السعودي مسبقا، او الخروج بفشل يكون مدوياً، وقاتلا.

الخلاصة

وهكذا يبدو ان النظام السعودي الذي يعيش مثلث الازمات الضاغطة، بات يسعى للتعلق بأي قشة تعيده الى الاضواء وتبعد عنه شبح الهزيمة المحدق به.

فالرياض التي لم تعد تملك تأثيرا حاسما في الازمة السورية، وهي بالكاد تملك بطاقة لاعب بين مجموعة كبيرة من اللاعبين، خسرت ايضا ورقة اليمن التي سعت الى تحويلها بطاقة دخول الى النادي الاقليمي كطرف قوي وفاعل، الا ان دماء اليمنيين وآلامهم وصبرهم حولت هذا الحلم السعودي الى كابوس، فضح عجز الهمجية العسكرية والارهاب التكفيري في تشكيل رافعة قوية لنظام الامراء. وقد اكتملت دائرة القلق والهواجس مع ارتفاع النبرة العالمية لاجتثاث الارهاب من جذوره.. وجذوره لا تخفى على احد انها في هذه السعودية، بل في دائرة نفوذ النظام القبلية والمذهبية.

وهكذا يكون مؤتمر الرياض قد مثل فشلا جديدا للمعارضة المصطنعة وللمضيف الذي يبحث عن امنه المفقود، بالمزيد من المغامرات والادعاءات الفارغة.

الصفحة السابقة