آل سعود وخيارات الحرب

مسارات السياسة السعودية عشيّة إعدام الشيخ النمر

يحي مفتي

فتح تنفيذ حكم الاعدام الصادر بحق رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر في الثاني من يناير الجاري نقاشاً واسعاً على مستقبل السياسة السعودية في أبعادها المحلية والاقليمية والدولية.

وبقدر ما كان قرار الإعدام معدّاً مسبقاً، بحسب معطيات توافرت لدى عائلة النمر ومحاميه قبل شهور قليلة من موعد التنفيذ، فإن السؤال كان يدور حول التوقيت.

سؤال التوقيت يضيء على نوعين من العوامل المؤثّرة في القرار:

الأول: العوامل القريبة زمنياً من موعد الاعدام ومنها:

أ ـ اغتيال زهران علوش، قائد جيش الإسلام، وحليف الرياض الأبرز في سوريا/ الأزمة، والذي راهنت السعودية عليه لتسويقه قائد المعارضة المعتدلة في أي تسوية محتملة. بالنسبة للرياض، كان اغتيال علوش فعلاً إيرانياً سورياً مشتركاً، وأن الهدف من ورائه تقويض أي مكسب سعودي محتمل في المفاوضات الخاصة بالملف السوري.

 
مهاجمة السفارة السعودية بطهران وقطع العلاقات

ب ـ استغلال الأزمة التركية الروسية، واستعداد أنقرة للذهاب في أي تحالف يعين على تجاوزها لتداعيات العقوبات الاقتصادية الروسية. فكانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى الرياض قبل يومين من تنفيذ إعدام الشيخ النمر توقيتاً مثالياً بالنسبة للسعودية كيما تخلق انطباعاً لدى الرأي العام بربط الزيارة بالإعدام. حصد أردوغان صفقة قد تصل الى 10 مليارات دولار، في مؤشر واضح على أن الرياض تقدّم الصفقة في مقابل انحياز تركي كامل في المواجهة مع طهران. قد تكون إدانة أنقره لحكم الإعدام إحباطاً لمثل هذا الإنطباع، وليس لكون الإدانة منسجمة فحسب مع الدستور التركي. حاول أردوغان «تسليف» الرياض مواقف عبر تصريحات مؤيدة لإجراءتها ضد طهران. ولكن السعودية تتطلع الى أبعد من ذلك، لجهة بناء تحالف إسلامي واسع ضد ايران.

ج ـ تنفيذ الإعدام جاء بعد يوم من احتفالات العالم ببداية العام الجديد، وكان ذلك بمثابة رسالة الى أن السعودية أرادت بذلك إغلاق هذا الملف الساخن بعد مراوحة دامت طويلاً، وتالياً بدء عام جديد باستحقاقاته السياسية والاستراتيجية.

الثاني: العوامل البعيدة وعلى رأسها:

أ ـ الاخفاقات المتوالية للنظام السعودي على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية على الصعيد الإقليمي والدولي.

أمنياً، سعت السعودية منذ هجمات باريس الى البحث عن مهارب من تهمة الضلوع في رعاية الارهاب على المستوى الايديولوجي في الحد الأدنى. وكان المخرج دائماً يتمثل في خلط الأوراق: بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 عمدت السلطات السعودية إلى تحميل جماعة (الإخوان المسلمين) في مصر مسؤولية ما أصاب العالم من «ويلات»، حسب وزير الداخلية السعودي الأسبق الأمير نايف، والذي كرّر ذلك في أكثر من مناسبة. وكانت الرياض مصنّفة حينذاك بحسب تسريبات لجلسة استماع سرية في البنتاغون في أغسطس 2002 بأنها «بؤرة الشر» على خلفية ضلوع مواطنين سعوديين في هجمات 9/11.

بعد هجمات باريس في 13 تشرين الثاني 2015 تجدّدت حملة الانتقادات، وهذه المرة وبصوّرة مكثّفة في دول الاتحاد الأوروبي ضد الايديولوجية الوهابية لضلوعها في التحريض على الإرهاب. وكان الخيار السعودي مجدداً يتمثل في: خلط الأوراق. ولكن هذه المرة ليس باستدعاء «الإخوان المسلمين» في ظل التقارب السعودي مع الأخيرة ومع حليفهم التركي في عهد الملك سلمان، فكان الشيعة بديلاً.

في سياق آخر، ضمن الإطار الأمني، يمكن الإشارة الى أن اكتشاف شحنات أسلحة في الكويت والبحرين وتسريب كميات قليلة الى السعودية في الشهور الأخيرة وربطها بإيران بمثابة إنذار مبكّر بأن ايران تستعد لمواجهة عسكرية مفتوحة مع السعودية وحلفائها. هكذا وصلت الرسالة إلى الرياض، ولن ينظر الى تلك المعطيات بكونها معزولة، أو تصرفات من جهات غير مسؤولة، أو عناصر غير منضبطة. في النتائج، تنظر السعودية الى مثل هذه المعطيات على أنها رسالة واضحة على جهوزية ايران للحرب. في المقابل، ألقت إيران القبض مؤخراً على مجموعات إرهابية مدعومة من السعودية، إضافة الى عملية التحريض المتصاعدة والشاملة للسكان في منطقة الأهواز الايرانية التي ينظر اليها كجزء من أساليب الحرب على ايران.

عسكرياً: لم تحقق السعودية أهدافها المرجوة من الحرب على اليمن بعد مرور أكثر من عشرة اشهر. إن غاية ما تحقق حتى الآن هو تدمير شامل للبنية التحتية الهشّة في هذا البلد العربي الفقير. وفي النتائج: تخشى السعودية من الخروج من هذه الحرب بمضاعفة خطر الارهاب على حدودها الممتدة على طول 1200 كم مع اليمن. من جهة ثانية، لم تستطع كسر الجيش واللجان الشعبية التي أظهرت قدرة متميّزة في الآونة الأخيرة على توجيه ضربات موجعة للقوات السعودية واختراق الحدود الجنوبية للسعودية والسيطرة على مدن بكاملها مثل الخوبة وغيرها. في المحصلة النهائية: تعيش السعودية مأزقاً حقيقياً في اليمن، وإن مواصلة الحرب ليس لكونها تحقق مكاسب ميدانية ولكن لأن متطلبات وضع المأزق تملي ذلك.

من جهة ثانية، إن المعارك التي تخوضها الجماعات المتحالفة مع الرياض سواء في سوريا أو العراق تسير نحو إخراج السعودية كعامل فاعل في المعادلة الميدانية. كان قرار دعوة المعارضة السورية بكل أطيافها للاجتماع في الرياض محثوثاً بهاجس الخسارة، برغم من معرفة الأطراف المعنيّة بالملف السوري على المستويين الاقليمي والدولي بأن السعودية تحاول استعادة دور خسرته في سوريا.

اقتصادياً، تمرّ السعودية بأوضاع اقتصادية بالغة التعقيد، وسوف تزداد في المرحلة المقبلة منذ الاعلان عن موازنة 2016 بعجز قياسي بلغ 87 مليار دولار، يجري تعويضه بسياسة ضريبية قاسية برفع أسعار المشتقات النفطية وتخفيض التقديمات الاجتماعية الى أدنى مستوى. وسوف تترك هذه السياسة آثاراً اجتماعية وأمنية بالغة الخطورة في الشهور القادمة.

 
أردوغان في الرياض.. تحالف الخاسرين!

في ضوء المعطيات الواردة في بيان وزارة المالية والتوقعات الاقتصادية بحسب تقارير البنك الدولي وخبراء اقتصاديين محليين ودوليين فإن عام 2016 لن يكون مريحاً على المستوى الاقتصادي والمالي، في ظل اغراق السعودية في أزمات وحروب لا يبدو أنها على المدى القصير تنوي الخروج منها بصورة سريعة، إضافة الى الاعباء المالية التي يفرضها الدين العام محلياً وتمويل المشاريع السياسية والعسكرية إقليمياً وشراء التحالفات دولياً.

مع احتمالات تفجّر الاحتجاجات الشعبية كرد فعل على التدابير الاقتصادية الصارمة، لم يعد بالإمكان السير بسياسة «العصا والجزرة» التي اتبعتها السعودية على مدى عقود، في ظل أخطار متصاعدة تحدق بمصير الكيان السعودي من أساسه. ولذلك، لجأت السعودية الى خيار قهري يقوم على استخدام القمع الأمني والحرمان الاقتصادي معاً، الأمر الذي يعكس أزمة عميقة لدى النظام السعودي، إذ بات قلق المصير موجهاً فعالاً ومطلقاً في صنع القرار.

مؤشر آخر يضاف الى ذلك أن هذا الخيار يعكس نوايا لدى النظام السعودي لناحية الإستمرار في خوض مغامرة الحرب، ولذلك يعمل على وحدة جبهته الداخلية، وإن تطلب الأمر استخدام أقصى درجات القوة والبطش ضد كل المعارضين والناشطين.

على المستوى السياسي، تواجه السعودية تحدّيات جديّة تهدّد موقعها كدولة محورية أو بالأحرى بكونها الدولة ـ المحور على مدى عقود. فـ «الحقبة السعودية» كما أطلق عليها الكاتب المصري محمد حسنين هيكل بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وبدء الطفرة النفطية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، تشارف على النهاية.

كان أخطر وأكبر اختبار لدى السعودية للحفاظ على دورها كدولة محورية هو القدرة على تشكيل تحالفات بصورة خاطفة دون حتى مجرد انتظار موافقة الدول المعنية.

أصيبت الرياض بأول خيبة أمل بعد تشكيل تحالف دولي في الحرب على اليمن بمشاركة عشر دول في 26 آذار 2015، والذي تبيّن لاحقاً أن التحالف لم يكن سوى مبادرة سعودية منفردة. وتكشّفت لاحقاً تباينات بنيوية في التحالف بعد رفض باكستان المشاركة بجنودها في الحرب وكذلك مصر التي عبّر رئيسها عبد الفتاح السيسي صراحة بأن «جيش مصر لمصر»، وأن «مسافة السكّة» لم تكن سوى ترضية معنوية. ولحظنا كيف تفجّر الخلاف بين مصر والسعودية على خلفية ما وصفته الصحافة المصرية «حرب المياه» بين السفير السعودي في مصر أحمد القطان ورئيس مجلس إدارة صحيفة (الأهرام) أحمد السيد نجار في تشرين أول 2015، في قضية تراشق بالمياه بين القطان ونجار في بيت السفير الجزائري، وكان سبب الخلاف موقف نجار الناقد للحرب السعودية على اليمن. وكانت مشادة جرت في إيلول 2015 بين الاعلامي المقرّب من ال سعود جمال خاشقجي والإعلامي المصري الملياردير نجيب ساويرس على خلفية تلكوء مصر في المشاركة بصورة فاعلة في التحالف الدولي بقيادة السعودية ضد اليمن.

مواقف غاضبة صدرت من إعلاميين وسياسيين سعوديين وإماراتيين كرد فعل على تردد الدول المدرجة في التحالف على الذهاب بعيداً في رهان السعودية في حربها على اليمن.

جاءت مبادرة «التحالف الاسلامي العسكري» في منتصف ديسمبر 2015 بديلاً عن «تحالف» افتراضي سابق بقيادة الولايات المتحدة في الحرب على إيران على خلفية مشروعها النووي. خسارة الرهان على حرب أميركية على ايران كانت الدافع الرئيس وراء تشكل تحالف إسلامي (سنّي) تقوده السعودية على وقع خطاب طائفي بلغ ذروته بعد إعلان إعدام الشيخ النمر وردود الفعل الغاضبة الشيعية على المستويين الرسمي والشعبي.

تفاجأت السعودية بردود الفعل أولاً على التحالف العسكري الاسلامي من دول إسلامية كبرى عبّرت عن دهشتها لإدراجها ضمن التحالف دون علمها أو موافقتها، وثانياً لمواقف دول عربية وإسلامية وازنة إزاء الأزمة بين طهران والرياض على خلفية إعدام الشيخ النمر وحرق سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. فبدلاً من الاصطفاف الى جانب الرياض في خلافها مع طهران، عبّرت أنقره وكراتشي وجاكرتا الى جانب بغداد عن استعدادها للعب دور الوسيط بين البلدين لتسوية الأزمة. الرسالة من وراء ذلك كانت واضحة بالنسبة للرياض، أن استعداد الدول لخوض معارك الأخيرة ليس بالقدر الذي يأمله قادة السعودية. وهذا بحد ذاته مؤشّر على أن الرهان السعودي في الذهاب إلى حرب على ايران يضعف بمرور الوقت، لغياب توافق حقيقي وصلب كونه ينطوي على أخطار كبيرة تهدّد استقرار المنطقة وتطيح إقتصاديات كثير من الدول.

ب : اقتراب موعد تنفيذ الاتفاق النووي بين ايران و5+1 والذي سوف يفتح آفاقاً غير محدودة أمام إيران في علاقاتها مع الغرب، والذي تخشى الرياض بأن يطيح بدورها السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم. في حقيقة الأمر، سعت السعودية منذ دخول المفاوضات بين ايران والولايات المتحدة مرحلة جديّة وعملية والذي جاء بعد الاتفاق الكيماوي بين الدولة السورية والغرب بوساطة روسية ومساندة إيرانية الى القيام بكل ما من شأنه تخريب أي اتفاق بين الطرفين. وبصورة إجمالية، يمكن القول بأن الاداء السعودي منذ أكتوبر 2013 وحتى قبل ساعات من تنفيذ الاتفاق النووي كان مصمّماً لناحية تعطيل الاتفاق وتخريبه.

من المفيد الإشارة الى أن كل الأطراف المشاركة في الاتفاق النووي كانت تدرك تماماً طبيعة المشاغبات السعودية وحتى الاسرائيلية وأهدافها، ولذلك كان هناك ما يشبه إجماع على عدم السماح للرياض بتخريب الاتفاق سواء عبر استدراج الولايات المتحدة نحو مواجهة عسكرية مع ايران أو حتى مع روسيا أو تفجير حرب إقليمية انطلاقاً من اليمن، أو تصعيد العمليات العسكرية في سوريا أو افتعال أزمة مع ايران وتحشيد أكبر عدد ممكن من الدول العربية والاسلامية وراء السعودية في موقفها ضد طهران.

وقد كان حرق سفارة السعودية وقنصليتها في طهران ومشهد على التوالي على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر مناسبة بالنسبة للرياض من أجل افتعال أزمة والنفخ فيها الأمر الذي كان يكشف عن رغبة مبيّتة لدى السعودية في صنع مشكلة من أي نوع تتجاوز حدود حرق سفارة يمكن معالجتها بسهولة وهي بالتأكيد لن تكون بحجم مأساة منى التي تجاوزتها طهران، أو حتى تفجير سفارتها في بيروت بفعل أشخاص ينتمون لتنظيم كتائب عبد الله عزام بقيادة السعودي ماجد الماجد، المقرّب من بندر بن سلطان.

في كل الاحوال، السعودية تبحث عن أي سبب يعيق أو يطيح الاتفاق النووي بين ايران والغرب لأن ما بعده يعني بداية انهيار الحقبة السعودية.

التحالف الثلاثي

 
الإتفاق النووي يقضي على حلم الرياض كدولة محورية

باختصار شديد هو تحالف الخاسرين. تركيا واسرائيل والسعودية ثلاث دول خسرت من الاتفاق النووي الايراني سياسياً واقتصادياً وتالياً استراتيجياً. بالنسبة للغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، فإن هذه الدول مارست دوراً وظيفياً ولا تزال تلعبه نسبياً، ولكن ليس بدون ثمن. فهذه الدول باتت مكلفة سياسياً وأمنياً واستراتيجياً بالنسبة للغرب. الولايات المتحدة في استراتيجيتها البعيدة المدى تنظر الى ايران لاعباً مستقبلياً فاعلاً لابد من التعامل معه، والتعاون معه إن تطلب الأمر. وهذا ما يخيف السعودية التي تتصرف حالياً من وحي فشلها في استدراج حرب على ايران بقيادة الولايات المتحدة وخوفها من التفاهمات السياسية ما بعد اتفاق ايران والولايات المتحدة. لقد عبّر تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة الأسبق والسفير السعودي في لندن وواشنطن سابقاً، عن ذلك بأن أكثر ما كان يخيف بلاده هو المباحثات السرية التي كانت تجري بين طهران وواشنطن بعيداً عن علم الرياض.

ما يجمع الدول الثلاث هو الخسارة والخوف من المستقبل. ولكن ما يفرّقها ليس بالقليل.

اسرائيل تبقى كياناً ناشزاً لا يمكن إدماجه في تحالف واسع، عربي أو إسلامي، وسوف يبقى التعاون معه من جانب السعودية محفوفاً بالحذر خشية الانقسام داخلياً وعربياً وإسلامياً.

على مستوى العلاقة بين تركيا والسعودية، فثمة عوامل تحول دون إيصاله الى مستوى التحالف الاستراتيجي الدائم: عاملا الجغرافيا والتاريخ يجعلان من الرياض وأنقره حليفين مرتابين. ثم ما لم يكن للأخيرة وجود عسكري ضخم بمستوى الوجودات العسكرية الأخرى الأميركية والروسية والصينية وغيرها.. فإن الجغرافيا تبقى عائقاً كبيراً أمام نجاح تحالف استراتيجي. وللتاريخ أيضاً حضوره في الصراع العثماني الوهابي الذي يشتمل على وقائع عاصفة بالذاكرة السعودية من بينها قطع رأس الأمير عبد الله بن سعود بن عبد العزيز آل سعود أحد أمراء الدولة السعودية الثانية وسحله في شوارع استانبول، وهدم معقل آل سعود في الدرعية على يد قوات إبراهيم باشا المصري بأوامر من السلطان العثماني.

في ظل عودة العثمانية الجديدة بقيادة أردوغان، تشعر السعودية بتهديد من نوع آخر، يمسّ مشروعيتها الدينية التي نجحت على مدى عقود في الحفاظ عليها نتيجة غياب منافس لها في المجال السنّي.

النموذج التركي ينطوي على خطر قد يطيح نموذج الإسلام الوهابي الذي يواجه تحدّيات حقيقية على المستوى العالمي نتيجة ضلوع اتباعه في الارهاب والبحث عن نموذج إسلامي معتدل مقبول، قد يراهن أردوغان على تسويقه لاستيفاء شروط الانضمام للإتحاد الأوروبي.

بالنسبة لأردوغان يمثل التحالف الاستراتيجي مع السعودية مجرد صفقة، في ظل حاجته للتعويض عن خسائر اقتصادية فادحة بعد العقوبات الروسية. ولكن لن يغامر أردوغان بعلاقاته التجارية الراسخة والمستقرة مع طهران، وإن اختلف معها في السياسة، ولأنه يراهن على عودة العلاقات مع موسكو.

بالنسبة للسعودية، فإن كل المؤشرات تفيد بأنها ذاهبة الى أقصى ما يمكن الوصول إليه من خيار التصعيد وإن أفضى الى حرب. أولى المؤشرات هي رد الفعل على حرق القنصلية والسفارة، إذ كان عدم التكافؤ بين الفعل ورد الفعل المبالغ فيه من قبل الرياض دليلاً على أن الأخيرة كانت تتصيّد «ذريعة» من أي نوع للقيام بهذه الخطوات التصعيدية المتوالية.

من جهة ثانية، نقلت مصادر خليجية قبل نحو عام عن مسؤول أميركي الى طهران بأن الرياض على استعداد لخوض حرب ضد إيران حتى لو لم يقف معها أحد. وحين علّق المسؤول الأميركي بأن ذلك سوف يؤدي الى تدمير المدن السعودية.. أبدى المسؤولون في الأخيرة استعدادهم لدفع الثمن مهما بلغ.

من جهة ثالثة، فشل محاولات السعودية في استدراج حرب تقودها الولايات المتحدة بالتعاون مع اسرائيل عبر السماح لطائراتها الحربية باستخدام الأجواء السعودية لقصف المفاعلات النووية الايرانية، يدفع بها للذهاب الى الحرب منفردة على أمل لحاق دول أخرى بها عبر إيصال التجاذب المذهبي السني الشيعي الى أقصى طاقته لتهيئة مناخ الحرب. كانت التصريحات الإيرانية على مختلف المستويات حول اعدام الشيخ النمر مساعدة بالنسبة للرياض في هذا الصدد.

حتى الآن لايزال الفشل حليف محاولات السعودية لبناء تحالف عسكري عربي أو إسلامي لخوض حرب ضد إيران، بصرف النظر عن قبول أوروبا والولايات المتحدة بانزلاق المنطقة نحو الحرب. ولكن سوف تواصل الرياض محاولاتها في إقناع شركائها العرب والمسلمين بذلك. يمكن المجادلة بأن التحالف الثلاثي في حال نجح قد يقوم بهذه المهمة، ولكن لا يبدو الأمر سهلاً، على الأقل من الجانب التركي الذي يتطلب دخوله الحرب موافقة حلف الناتو، وعليه فليس من السهل ارتكاب أنقره حماقة أخرى بعد حماقة إسقاط طائرة سوخوي الروسية.

يضاف الى ما سبق، جاءت إجابات ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمجلة الايكونوميست في 7 كانون الثاني 2016 لتؤكد حقيقة الفشل السعودي في بناء تحالف. بدا التراجع واضحاً في مواقف محمد بن سلمان إزاء موضوع الحرب مع ايران. ويعود ذلك ليس لعدم وجود نيّة مبيّتة وإنما لعدم استعداد الدول التي تراهن عليها السعودية لخوض مثل هذه المغامرة.

الصفحة السابقة