الإعدامات: نمر قتلته الكلاب!

عبدالحميد قدس

وأخيراً.. أقدمت السلطات السعودية على جريمتها النكراء بإعدام الشيخ النمر. وأعدمت معه ثلاثة آخرين مراهقين من المواطنين الشيعة، الذين تظاهروا في السنوات الأخيرة سلمياً ضد الحكم السعودي وسياسته التمييزية الطائفية.

كان تنفيذ الإعدام متوقعاً.. فالنظام يهرب من مشكلة الى أخرى، ويشغل الناس بها.

فقد هرب من فشله في السياسة الخارجية وأشعل حرباً في اليمن خسرها حتى الآن.

ثم أشعل حرباً نفطية ارتدّت عليه، وأثرت على المواطنين على شكل ضرائب وتضخم غير مسبوق. ولكن قبل ان يتجمع الضغط، قام بإعدام ٤٧ مواطناً بينهم عشرات من أتباع القاعدة كما يقول النظام.

وهكذا، فجّر النظام أزمة أخرى فوق أزمة اعدام الشيخ النمر، وقطع علاقاته مع ايران.

انها مشكلة تجرّ أخرى. و(من حفرة الى دحديرة) كما يقول المثل الشعبي.

اراد النظام بإعدام الشيخ النمر أموراً عديدة، من بينها: قتل الحراك المطلبي السلمي في المنطقة الشرقية والذي استمر نحو خمسة أعوام. 

وأراد آل سعود أن يظهروا بمظهر القوة والحزم، بعد أن فقدوا الجزرة التي تخرس الأفواه، ولم يبق سوى العصا، وكأنهم يقولون: من يعارض سيتم اعدامه.

وأراد النظام تحويل معاركه الداخلية الى الخارج، وتسليط الضوء ليس على فشله السياسي والتنموي، وإنما على الحرب المذهبية التي يريد افتعالها، لعلها تأتي له بزعامة على العالم الاسلامي انتهى زمنها، ولم يبق شيءٌ منها إلا في مخيلة الأمراء.

في كل الأحوال، فإن تداعيات إعدام الشيخ النمر ـ المعارض الذي يرفض استخدام حتى الحجارة ضد قوات الشغب ـ بتهمة الإرهاب، أمرٌ مستفزّ، خاصة وان كل خطابات الشيخ النمر الشهيد، تشير الى سلميته.

ما أزعجهم هو تطاوله على ذوات الأمراء المنتفخة، الذين يرون أنفسهم آلهة تُعبد من دون الله. وحتى الآن، فالنظام يهمّه (وحدة الحاضنة النجدية)، ولا يهمه (وحدة المجتمع)، الذي يريد ابقاء تمزيقه بالطائفية والمناطقية والقبلية، حتى تتمكن الأقلية النجدية من حُكمه.

النظام القوي لا يتصرف بالجنون الذي يتصرفه آل سعود اليوم. وإن كانت هناك من خشية، فإنها تعود الى حقيقة ان النظام غير الواثق من نفسه، والذي يستشعر الخطر الوجودي، يتصرف بلا عقل ولا اعتبار لحرمة أحد المعنوية والمادية.

النظام السعودي في مرحلة اقرب ما تكون الى الجنون، وتصرفاته لم تعد محسوبة وصحيحة على الصعيد الاستراتيجي. ولذا يتوقع منه الأسوأ: قتل واعدامات وقمع أمني شديد. وكلما فشل في ادارة الدولة، وزاد سخط الناس، سيزداد عدوانية ودموية. فالراحل لا يفكر في النتائج!

اصدرت عائلة الشيخ الشهيد النمر بياناً للجمهور تفيد فيه بإعدام السلطات السعودية له، مذكرة بحركته المطلبية السلمية، ورفضه للطائفية؛ واستنكرت عائلة الشهيد القتل الظالم، واعتبرته قتلاً للإعتدال، واغتيالاً غادرا؛ داعية المواطنين في الأحساء والقطيف وغيرها الى ضبط النفس، والاقتداء بالشيخ الشهيد في نهجه السلمي. 

محمد باقر النمر، اخ الشيخ الشهيد، ووالد الشاب علي النمر المحكوم ايضاً بالإعدام، أبلغ المتابعين بأن الحكومة أعدمت الشيخ الشهيد، وأن جثته وجثث باقي الشهداء قد تمّ دفنها في مقابر المسلمين؛ ولن تسلّم لذويهم. وكأن مقابر الشيعة ليست مقابر مسلمين. فلا مسلم سوى الوهابيين الأقلويين؛ ثم إذا كان الشيخ غير مسلم، فلماذا يدفن في مقابر الوهابيين المسلمين؟

واضاف اخ الشهيد: (فخورون به، ولسنا منكسرين. سنوزّع الحلوى في مراسم عزاء الشيخ الشهيد النمر فداءً لحقوقنا المشروعة. ذاك هو جوابي على الرسالة الغاشمة). وتابع: (اللهم إنْ كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى. اللهم رضاً برضاك، وتسليماً كاملاً بحكمكَ وقضاك؛ ولا اعتراض، فأنت الذي وهبتَ، وأعطيتَ وأخذتْ). وأشار محمد النمر، الى تسعير النظام لروح الطائفية بين جمهوره، وقال ان إعدام الشيخ الشهيد لا يخلو من هدف سياسي، وأوضح: (لن يجدي خلط الأوراق بإدراج اسم الشيخ الشهيد في قائمة المعدومين السبعة والأربعين، حيث بعضهم إرهابي).

لقد تمت الإعدامات داخل السجون وليس في الساحات العامة، والمحاكمات للضحايا كانت سرية، ومع هذا يقول المتحدث باسم الداخلية، بأن المحاكمات كانت علنية ونشرت في وسائل الإعلام. ما دعا المغردة الأحسائية دلال للتعليق بكلمة: إنهم (يمزحون)! واضافت بأن هناك أغبياء يقولون بأن ايران وغيرها لا يحق لها أن تستنكر، لتكمل: (الشيخ النمر ليس ماركة لبلد معين، الشيخ النمر هو لكل من يعرف العزة والحرية والكرامة). وازاء تضارب تبريرات اعدام الشيخ، والتنديد العالمي به قالت المغردة: (وِشْ فيها السعودية، كل شوي يِطَلْعُوا تبرير لقتل الشيخ النمر؟! خلاص، انتو صحْ).

مغردة أحسائية اخرى هي وداد تسأل: (كم كان سيعيش الشيخ النمر؟) وتجيب: (اليوم تمّ تخليده. ما رأيتُ إلاّ جميلا). وتوجه كلامها للسلطات الطاغية التي دفنته في مكان مجهول: (حتى قبر له يرعبكم؟ ما أحقركم وأجبنكم). وكانت عائلة النمر قد طالبت السلطات بتسليم جثمان الشهيد الى ذويه، مذكرة  بأن دفنه في مقبرة مجهولة وبغير اذن عائلته، وخلافاً لوصيته ورغبة ذويه كحق أصلي حسب الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية.. أمر مرفوض.

الدكتور فؤاد ابراهيم، قال بأن اخفاء جثمان الشهيد النمر وبقية جثامين الشهداء لن يغلق الحساب مع النظام، وان جرائمه تعجّل بزواله ومعه مشايخ الفتنة. واضاف منتقدا صمت المثقفين خوفاً من النظام، كما انتقد منهم اولئك الذين يسدون النصائح للضحايا بعدم اظهار الغضب، لأنه بزعمهم يصب في مصلحة ايران، وكل ذلك للهرب من إدانة حكم إعدام الشيخ النمر. وختم بأن الشيخ الشهيد نال ما تمنّاه وهو الشهادة، وأن من أعدموه نالوا العار الأبدي، وسوف يسقي الشهيد بدمه شجرة الكرامة والحرية. 

الشيخ  فوزي السيف، وفي تأبين الشيخ النمر والشهداء في العوامية، قال بأن طريقة القتل وشناعتها إنما تهدف الى احداث هزة وصدمة نفسية للمجتمع بغرض زرع روح الإنهزامية. وأضاف بأنه يكفي الشيخ النمر ان الله اتخذه شهيدا، وانه قال كلمة حق صادقة ولم يندم عليها قط، ودفع ثمنها، وهو كان يعرف أنه سينتهي به المطاف الى ما انتهى اليه. واضاف السيف بأن الظالم لا يعرف سوى لغة البطش والفتك ومنطق القوة، لا منطق الحوار والعقلانية، وأنه يحشد الطبالين والمأجورين في تكرار للتاريخ. وختم الشيخ فوزي السيف بأنه قد جرت العادة عند الانتهاء من العزاء (الفاتحة) ان يذهب الناس الى قبور موتاهم، وسأل: اين ستبحث عوائل الشهداء عن شهدائها؟ وأين سنضع عمامة شيخ الشهداء وهو لم يُشيّع الى مثواه؟

هذا وقد كانت هناك رنّة فرح لدى التيار الوهابي التكفيري باعدام الشيخ النمر. وعدوا ذلك انتصاراً مذهبياً يشفي صدورهم. مع علم التيار أن النظام كان يسترضيهم بقتل الشيخ النمر والشباب الشيعة الآخرين حتى وان لم يكونوا يستحقون القتل. وكان صعباً على النظام ان يعدم جماعته القاعديين من حاضنته الاجتماعية دون ان يضيف بعض السكر الذي تمثله دماء المواطنين الشيعة الأبرياء.

الصحفي احمد عدنان قال في أكثر من مكان بأن الشيخ النمر اعدم لأنه خائن وعميل لإيران، ولأنه قائد ميليشيا؛ وكلا الأمرين لم يردا ضمن الإتهامات الرسمية وما أكثرها! لكن احمد عدنان الذي انضمّ الى جوقة المباحث بعد أن كان شبه لاجئ في بيروت، اصبح لزاماً عليه أن يعمل لدى مشغليه ضباط مباحث آل سعود، فكان صاحب صوت عال.

كساب العتيبي، الإخواسلفي الذي كان معارضاً في لندن، واشترته الحكومة السعودية، ظهر على البي بي سي مدافعاً، فقتل الشيخ النمر، شأن داخلي بنظره، وحين قيل له حسبناك ضد الإعدامات، اجاب بوطنية مفتعلة: (أمن الوطن خط أحمر!). وكان كساب قد قال كلاماً أقسى مما قاله الشيخ النمر، ولكنه انحنى واشتغل مع آل سعود فنجا وصار طبّالاً!

الشيخ سلمان العودة، كان مؤيداً لإعدام الشيخ النمر، مثل بقية الإخواسلفيين السروريين؛ ولكنه غطّى الأمر بطريقة مختلفة، فهو هنا وبعد ايام من اعدام الشيخ النمر، كان ضد إعدام قيادي في بنغلادش؛ لكن العودة اوضح موقفه من خلال اعادة تغريدات لمواقع وشخصيات متطرفة طائفية، محاولاً الاختباء بموقفه.

وعموماً فإن التيار الإخواسلفي السعودي كان مؤيداً للإعدام، بل انه اغرق نفسه في وحل طائفي تكفيري أكثر قذارة، كما فعل محمد الحضيف.

وعلى نسق دعم المفتي لإعدامات آل سعود، قال الكاتب حمد الماجد بأن قتل الشيخ النمر والآخرين حتمية شرعية وضرورة وطنية!

تصوروا ان الاعدامات تصبح ضرورة وطنية في مهلكة ال سعود؟

وحين أبدت قيادات غربية من صراع طائفي سببه اعدام الشيخ النمر، وقد يأتي على المنطقة ويضيّع مصالح الدول الغربية، علق الشيخ عبدالعزيز الطريفي بذكاء تكفيري خارق: (دعا الغرب السنّة للتقارب مع الرافضة، وفي السرّ يدعون الرافضة للإستبداد على السنّة؛ والله يختصر أمر الفريقين، فليس للنصارى أمان، وليس للرافضة إسلام).

ومن المدهش أن مقولة (الشأن الداخلي) الذي لا يجوز التدخل فيه، مقبولة اذا كان المرء سياسياً او غيره يؤيد اعدامات آل سعود.

فهذا وزير خارجية الامارات يبارك جهود المملكة الشقيقة تنفيذها الإعدام، وكأنه يهنؤها بما تفعل. وزاد ابن زايد فقال: (في السعودية تُستخدم الرافعات لحماية الحيوان، وفي ايران يُشنق بها الإنسان). لكن يا ابن زايد لم يرَ رافعات الصلب السعودي، لأجساد قطعت رؤوسها، وبقيت على الرافعات أياماً. ووضع أحدهم صورة للرافعات السعودية التي يصلب عليها المواطنون، وسأل وزير خارجية الإمارات: أين هذه الرافعات؟ ام ان القتل والصلب حلال على آل سعود؛ وأن جرائمهم مغتفرة بحق شعبهم المبتلى بهم؟.

ومثل عبدالله بن زايد وزير خارجية الامارات، فعل وزير خارجية البحرين الذي ايد الاعدامات ودعا: (اللهم انصر خادم الحرمين الشريفين)؛ وكأن شغل هذا الوزير مجرد التغريد في تويتر دعماً لآل سعود كما هي عادته. وكأنه مجرد موظف من موظفي المباحث على مواقع التواصل الاجتماعي.

حتى النخب العلمانية النجدية، فإنها حين وجدت النظام يتهاوى، ارتدت الى مناطقيتها ومذهبيتها، ونسيت معارضتها، وراحت تقود الجمهور الى حيث أحضان السلطة. 

يمكن تقديم تركي الحمد المعارض السابق، كنموذج هنا، فهو يؤيد أحكام الإعدام، باعتبارها آخر العلاج، ثم إن الوطن على المحك كما يقول، وبالتالي فإن الكيّ مبرر(اي القتل). وبدل ان يقوم بترشيد الشارع، عمد الى صناعة عدو.. يقول الحمد مدافعاً عن نفسه: (قال لي: لا أراك هذه الأيام لا تغرد إلا بإيران… قلت: طبيعي، فحين يكون الوطن في حالة مواجهة، فكلّ شيء يُجنّد لأجله). نعم كل شيء حتى العقول والأقلام والضمائر.

أما المحامي ابراهيم المديميغ، فرفض ان ينخرط في ماكنة اعلام السلطة وحشدها الطائفي على خلفية اعدام الشيخ النمر، وقال: (عندما لا تنضم لأسراب اللاعنين والشاتمين والهائجين، فلا يعني أن لك موقفاً موالياً لمن توجه لهم سهام الشتائم، انت فقط تحافظ على أُذنيك من التلوث).

وخلف الحربي الصحفي المعروف يرى أن اغلب السعوديين مع حقوق الإنسان، يقول ذلك ساخراً، ولكن يستثنى من ذلك حقوق الشيعة وحقوق المرأة وحقوق الوافدين، وحرية الصحافة والحريات الشخصية. ومحمد النجار يحاول ان يخرج من ثنائية بوش وبن لادن، اما مع او ضد فيقول: (أخاف علينا أن نتعسكر. آراؤنا أمْنَجِيّة، وتهم التخوين معلّبة وجاهزة. نحن نُدفَع لهذا دفعاً، ومن سيقف ضد عسكرة المجتمع قد يصبح الضحية القادمة)؛ ويضيف: (هناك محاولات مكثفة لاختزالنا ضمن ثنائيات مع أو ضد، وصنع حالة طوارئ دائمة، تكبت كل كلمة، وتدجّن الجميع في قول واحد. هذا مخيف).

أيضاً فإن الباحثة والكاتبة ايمان القويفلي فتوضح لماذا هي لم تنسق مع التيار الرسمي وتقبل مزاعمه بشأن الإعدامات وغيرها فتقول: (ليس من الأخلاق أن تمتدح من لا تستطيع نقده؛ ولا أن تقف في صفّ من لا تستطيع أن تقف ضدّه. قيمة موقفك في الإختيار وأنت مُكره. يسَعُكَ الصمت إذ لا يسعُ غيرك). والحقوقية هالة الدوسري تقول بأن (من حقك كمواطن ان تعارض سياسة الدولة، ومن غير نصيحة، وأن لا تُقطع رقبتك بسبب ذلك).

من جهته شكك سعد الدوسري بالفتاوى والتصريحات التي أعقبت اعدام الشيخ النمر، وقال أن ذلك أكبر دليل على أن الأحكام طائفية بامتياز، وإلا ما دخل المفتين في أحكام القضاء؟

الإعلام الغربي والمواقف الغربية وبعض المواقف العربية شنّعت بأفعال السعودية في الإعدامات غير المسبوقة في تاريخ السعودية نفسها وفي المنطقة. لكن الإعلام السعودي كان وقحاً حين وصم قتل الشيخ النمر بالقصاص، وساوى بين الشيخ النمر الشهيد ومنظر القاعدة فارس آل شويل. (هذا ـ حسب المغرد ضياء ـ ليس بالمستغرب فقد اعتدنا على وقاحتهم لجحشنة مؤيديهم). لقد أعدم آل سعود الشهيد النمر لسلميته، لا لعنفه، يقول منصور الحاج، ويشرح: (العنف يمكن القضاء عليه بالعنف، اما الحشود الراغبة في الشهادة سلمياً فهم من يفضح دموية الطغاة).

بعد الإعدامات بدأت حملة طائفية تخون ملايين المواطنين الشيعة، وهنا يقول الصحفي انس زاهد ناصحاً: (أيها الشيعي، لا تحاول إثبات وطنيتك، لأنك لست مُتهماً، إلا من الذين يريدون تحويل التكفير الى وطن). ونختم بتغريدة تقول: (سوف يسجل التاريخ أن نِمْراً قُتل على أيدي الكلاب)!

الصفحة السابقة