الدولة المجنونة

يتصرف النظام السعودي كزوجة اكتشفت بمحض الصدفة أن زوجها (أمريكا) يخطط للارتباط بزوجة ثانية (إيران)، وأن كل محاولات تخريب الارتباط باءت بالفشل. فمنذ بدأت المفاوضات السريّة في أكتوبر 2013 وانتقالها الى المرحلة العلنية بمشاركة دول أوروبية، شعر آل سعود أن مكانتهم كزوجة مفضّلة تقترب من النهاية وأن الزوج مصمّم على كتابة العقد مع الزوجة الجديدة في موعد محدّد.

ما أغاظ النظام السعودي أن الزوج والزوجة الجديدة يدركان أن الزوجة الأولى تخطّط لإفساد زواجهما، تارة عبر تحريض أقارب الزوج (الأوروبيين) على الزوجة الجديدة، وتارة عبر تشويه سمعتها، وثالثة بتشكيل تحالف من الوصيفات للزوج (تركيا باكستان والاردن ومصر ودول الخليج) الى جانب الزوجة البعيدة (إسرائيل) المتحالفة معها ولكن دون أن تشكّل خطراً على مكانتها لدى الزوج أو تزاحمها على النفوذ..

في كل الاحوال، اكتشفت الزوجة أن مفاوضات سريّة كانت تدور بين الزوج والزوجة الجديدة دون علمها، وأن ثمة من كانت تحسبهم شركاء لها تحوّلوا الى وسطاء (أي سلطنة عمان)، التي احتضنت وباركت المفاوضات..

استخدم آل سعود كل ما لديهم من مال وعلاقات وتحالفات ونفوذ لمنع حصول كتابة العقد، ولكن فشلوا وتمّ إبرام الاتفاق النووي، بانتظار (ليلة الدخله) التي تعني بدء تنفيذ الاتفاق، بإبرام العقود والاتفاقيات التجارية ورفع اليد عن الأموال الايرانية المحجوزة، وبالتالي انطلاق مرحلة جديدة تكون فيها السعودية الزوجة الأولى غير المفضّلة وتكون إيران الزوجة الجديدة التي سوف تلعب دوراً، في المدى المنظور على الأقل، في تقرير مسار السياسة الاقليمية وربما الدولية.

مشاغبات النظام السعودي منذ سبتمبر 2013، على خلفية تخلي الرئيس الأميركي باراك أوباما عن قرار الحرب على سوريا، بعد تسوية الملف الكيماوي والذي فتح الباب أمام تسوية الملف النووي الايراني، والتي شملت، أي المشاغبات، من بين إجراءات أخرى رفض القبول بمقعد في مجلس الأمن بعد نجاح مرشّحها، والتصريحات المتعاقبة لأمراء آل سعود من مثل سعود الفيصل وبندر بن سلطان والوليد بن طلال والتي تنطوي على ألم تخلي الزوج عن زوجته المدلّلة المطيعة في محنتها لصالح الزوجة الجديدة، ثم محاولة استدراج فرنسا الى القبول بالحلول محل أمريكا وخوض الحرب بدلاً عن الأخيرة، ومن ثم تفجير الحرب النفطية بإغراق الأسواق بكميات هائلة من النفط، كالزوجة التي تحرق بيتها انتقاماً من زوجها، بالرغم من الاضرار الفادحة التي سوف تصيبها من هذه الخطوة. لم تكتف بذلك، بل أشعلت حرباً على اليمن على أمل أن تلفت انتباه الزوج، طمعاً في مشاركته الكاملة، ولكنه أبقى على شعرة معاوية في العلاقة الزوجية بتوفير الدعم المعنوي واللوجستي. ثم قامت، وفي خطوة خرقاء، بإعدام رجل الدين الشيخ نمر النمر برغم نصائح الزوج وأصدقائها الأوروبيين بعدم الإقدام على هذه الخطوة.. ولكن فعلتها لعل ذلك يغيّر في الساعات الأخيرة ما لم تستطع فعله منذ سنوات.

وجد النظام السعودي في حريق السفارة في طهران والقنصلية في مشهد فرصة لافتعال مشكل، وراح يضخ كل الزيت الذي في خزّاناته لاستثمار هذه الفرصة الأخيرة. يدرك الجميع بأن النظام يبالغ ويتصرف كالزوجة الخاسرة التي تريد في نهاية المطاف أن تختتم بها المعارك على قاعدة «علي وعلى أعدائي».

حاول ال سعود استفزاز إيران بكل ما لديهم من أدوات، وسعوا إلى تشكيل تحالف، تارة عشري في العدوان على اليمن في مارس 2015، يكون مقدّمة لحروب أخرى عبّر عنها إعلاميوهم بأن «عاصفة الحزم» سوف تبدأ في اليمن وستنتقل الى سوريا ثم العراق وصولاً الى ايران. لم يتحقق الحلم، بل توالت النصائح الى آل سعود بالكف عن الاستمرار في مغامرة خاسرة، وفرضت الولايات المتحدة على النظام السعودي المشاركة في الحرب على الإرهاب وعلى «داعش» على وجه التحديد.

خسرت السعودية الرهان، وراحت تخطّط لتشكيل تحالف جديد يكون عنوانه الإرهاب ولكن الهدف أبعد من ذلك. وفي منتصف ديسمبر 2015 أعلن ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان عن «التحالف الإسلامي العسكري» بمشاركة ما يربو عن 30 دولة عربية وإسلامية. في اليوم التالي، أعلنت دول مثل باكستان واندونيسيا ولبنان وغيرها عن دهشتها من إضافة أسمائها في التحالف. وحقيقة الأمر، أن بن سلمان ألقى نظرة على كشف حساب الدول التي تتلقى مساعدات من المملكة السعودية فأمر بإدراجها ضمن قائمة الدول المتحالفة، في إشارة واضحة الى أن الرياض لا تتعامل مع هذه الدول بوصفها كيانات مستقلة، أو أن المساعدات هي من باب مساعدة الأشقاء عرباً كانوا أم مسلمين، بل يريد من هذه الدول المقابل وقت الحاجة.

وحين بدا التحالف الاسلامي العسكري كارتونياً، أو أشبه بـ «غروب واتساب” على حد قول أحدهم، لجأ سلمان وإبنه الى التحالف الثلاثي الذي يضم السعودية وتركيا واسرائيل. وبرغم من أن أعضاء هذا التحالف لديهم ما يكفيهم من المشاكل الداخلية الأمنية والاقتصادية، فإن الخسارة تدفع بهم لأن يتحرّكوا بوحي الخوف من المستقبل.

في النتائج، السعودية لم تنجح في استدراج الولايات المتحدة ولا إيران الى ساحة حرب تنقذها من العذاب، بل باتت الدعوات تتصاعد من كل زوايا العالم بلجم النزوة المجنونة لدى آل سعود قبل أن يجرّوا الويلات على العالم نتيجة هلوساتهم وتضخّم ذواتهم. في النهاية، اختارت السعودية لنفسها طريقاً آخر غير الطريق الذي تسلكه كل الدول للحفاظ على وجودها واستقرارها، وإن حفلة النفاق التي تقيمها السعودية سواء على مستوى مجلس التعاون الخليجي أو الجامعة العربية أو غيرهما هي فقط للحصول على بعض المال من قبل دول العوز، وإخماد الغضب من قبل الدول الحليفة الصغيرة، ومجاملة من قبل الدول الحليفة الكبيرة.. ولكن: السعودية تفتش عن معركة الانتحار.. للخلاص من عذاب الضمير، بعد أن اختار زوجها الأميركي بديلاً عنها أو هكذا يبدو لها.

الصفحة السابقة