روح التمرد على الدولة في تصاعد

انتفاضة سكاكا.. هل تنتقل من الطرف الى المركز؟

نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية في الأول من فبراير مقالة للكاتب الصحافي جون برادلي، تمثل خلاصة ملاحظات مباشرة له خلال زيارته لمدينة سكاكا، التي تشهد منذ شهور فورة سخط متنامية. وكانت تقارير عديدة نشرت خلال الفترة الماضية تتحدث عن انفلات أمني ومواجهات مسلحة بين مجموعات من السكان المحليين والسلطات المحلية.

إن المستوى غير الاعتيادي للعنف السياسي في المدينة الصغيرة سكاكا، العاصمة لمنطقة معزولة محاذية للعراق، يمثل اعادات لبداية ثورة شعبية ضد العائلة السعودية الحاكمة. ويقول سكان الجوف بأن الشهور الأخيرة شهدت إغتيال نائب المحافظ في المدينة وقتل رئيس الشرطة في سكاكا من قبل مجموعة رجال اقتحموا منزله. وفي وقت لاحق كان قاضي المحكمة الشرعية قد تعرض لاطلاق نار وهو في طريقه للعمل. وقد تم اعتقال سبعة اشخاص لتورطهم في عمليات اطلاق نار، وتشير التحقيقات الاولية الى أن هذه الحوادث مترابطة، وان هناك شبكة من أربعين شخصا كانت تساعد المعتقلين بحسب مسؤولين سعوديين.

في أماكن اخرى من السعودية، فإن العنف قد يرد الى نزاعات قبلية او انعدام القانون العام في منطقة بعيدة عن الرياض العاصمة. وتخضع منطقة الجوف لذات المشاكل الاجتماعية بما في ذلك الفقر والعزلة والمخدرات، والتي تثير قلقاً في دولة كانت في يوم ما خالية من الجريمة. ولكن يقول السكان المحليون في سكاكا بأن العنف هنا هو سياسي، متجذر في الدور التاريخي للمنطقة حيث أن قاعدة السلطة فيها هي للجناح السديري في العائلة السعودية المالكة، ويشمل هذا الجناح الملك فهد واخوته الاشقاء الستة، ويعرفون بالسديريين السبعة، من بينهم وزير الدفاع الأمير سلطان وحاكم الرياض الأمير سلمان. ويصنع السبعة أهم القرارات الاقتصادية والسياسية في السعودية، الى جانب الابن المفضل للملك فهد، الأمير عبد العزيز الذي يحتل مكان والده. ويسيطر هذا الجناح في هذه المنطقة على التجارة والحكومة المحلية منذ نشأة المملكة، فحاكم هذه المنطقة هو عضو من العائلة المالكة منذ اكثر من أربعين عاماً. ولكن هناك الآن مؤشرات على انتفاضة من قبل العوائل التجارية والقبائل التي كانت بارزة قبل ان يتم الحاق الجوف الى المملكة السعودية وسيطرة السديريين عليها.

وفي هذه الايام فإن الشوارع الخمسة التي تشكل سكاكا تبدو خالية بعد غروب الشمس وأن أعضاء الجناح السديري غير قادرين على مغادرة قصورهم المحصنة بدون حرس مسلح. وتراقب الشرطة السرية عن كثب الغرباء الذين تمكنوا من المرور بمحاذاة الحواجز الدائمة المنصوبة في الطرق داخل المدينة، والخاضعة تحت رقابة شرطة أمنية خاصة مزوّدة بأسلحة اتوماتيكية. واذا كان الزائر غربياً، فإن سيارته تخضع للمراقبة نهاراً وليلاً والتي تؤمّن حماية له بجانب الشكوك السعودية المتزايدة.

وقد أفادت العوائل والقبائل من هشاشة العائلة الحاكمة الضعيفة لاعادة تثبيت استحقاقاتهم المناطقية القديمة. ويقول السكان المحليون بأن القشة الأخيرة كانت الاستعداد لغزو العراق حين سيطرت القوات الأميركية على المطار القريب من مدينة عرعر المجاورة، والتي تمثل الحدود الرسمية مع العراق. وقد أثار ذلك سخط كثير من السعوديين، وبوجه خاصة سكان منطقة الجوف الذين تربطهم وشائج قبلية مع جيرانهم العراقيين. فقد استقال كثير من الضباط المحليين من الجيش السعودي اعتراضاً على قرار تسريح مؤقت من الخدمة العسكرية من قبل الجنود الأميركيين بحسب مجموعات معارضة سعودية.

وهناك مئات وربما آلاف من السعوديين تسللوا منذ ذلك الوقت عبر الحدود من الجوف للانضمام للمقاومة ضد القوات الأميركية في العراق. وهناك البعض ممن تورط في هجمات انتحارية بما في ذلك الهجوم على مركز قيادة هيئة الامم المتحدة في بغداد في التاسع عشر من اغسطس الماضي والذي ادى الى مقتل اثنين وعشرين شخصاً.

ويقول المسؤولون السعوديون بأنهم قبضوا على أربعة فقط من المسلحين الذين حاولوا التسلل عبر الحدود الى العراق، بما يترك شكوكاً حول فعالية وتأثير الجهود المبذولة لمنع مثل هذه الحوادث ـ اي التسلل. ويكشف العنف في مدينة الجوف الصورة العامة لما يحدث في السعودية، حيث توجد مقاومة محلية عامة لحكم آل سعود.

لقد زعمت العائلة المالكة طيلة سبعين عاماً بأنها وحدت الشعب والأرض التي احتلتها وأسبغت عليها اسمها، ولكنها فعلت ذلك بشكل سطحي فحسب. فالسعودي الذي تحدث في سبتمبر الماضي لقناة الجزيرة الفضائية والتي تبث من قطر حول القمع وعدم الاستقرار المتزايد قد تم اعتقاله على الهواء مباشرة وهو يلقي بتصريحه لقناة الجزيرة، ولكن قبل أن استدراجه بعيداً فقد نجح في البوح بما لم يُسمع من قبل أي وسيلة اعلامية سعودية. وقد أخبر عبد العزيز الطيار في اتصال هاتفي مع قناة الجزيرة بأن قوات الأمن السعودية قد طوّقت منزله في الرياض وكانت تستعد لاقتحام مسكنه. وفيما تم كسر باب المنزل، استطاع الطيار استغلال آخر دقائق له من الحرية لابلاغ الملايين من المشاهدين بأن (كل افراد القبائل هم على استعداد الآن لمحاربة هذه الحكومة) وقال ايضاً (سندافع عن حقوق شعبنا). إن التخلص من العائلة المذكورة ليس مسألة ضرورة فقط ولكن قد اصبح مسألة شرف.

ويشير الكاتب الي تصريحات معلق سعودي لقناة الجزيرة القطرية العام الماضي اشار فيها الي ان كل شيوخ القبائل مستعدون الان لقتال هذه الحكومة ، واضاف قائلا هذه ليست المملكة العربية السعودية، انها غابة من الوحوش، يضطهد فيها المواطنون السعوديون ويعانون من الحرمان والفقر، ونقص فرص العمل .

ومع المشاعر الرافضة في الجوف، بدأت العائلات التجارية المعارضة للوهابية في منطقة الحجاز بانتقاد الحكومة. وتري الصحيفة ان الهجمات التي نفذها اعضاء تابعون لتنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن، جلبت الحرب علي الارهاب للسعودية. ويضيف كاتب المقال جون برادلي، الذي سيصدر كتابه السعودية المكشوفة قريبا، ان التردي الذي اصاب العائلة الحاكمة واعتمادها علي القوي الخارجية لبقائها كان دائما مصدر رفض من السعوديين ، ويلاحظ ان المشاعر المعادية للغرب بين الجيل السعودي الصاعد، تعيد الي الاذهان الغضب والرفض اللذين قادا لحدوث الثورة الفرنسية، وفي مركز ذلك الرفض كانت تتربع الكراهية للبرجوازيين والاغنياء الذين انفصلوا تماما عن الواقع.

الصفحة السابقة