وجه المملكة المُسعوَدَة البشع على حقيقته

محمد قستي

هي لم تغيّر حلّتها السياسية، بأخرى جديدة، بحيث كشفت عن افعال كان يصعب كشفها، أو الكشف عنها، في غير أوقات المحن.

الرياض لم ترتدي حلّتها الجديدة، فتصبح عاصمة الحزم، وملكها ملك الحزم والعزم والظفرات، بين ليلة وضحاها، بحيث يمكن القول ان سياساتها قد انقلبت رأساً على عقب.

كان الأمراء يتدثّرون بذات اللباس، وكلّ ما في الأمر أن الغشاوة عن أعيننا وأعين غيرنا، حتى من حلفاء آل سعود، قد زالت.

لقد وقعت أحداث وتطورات أفقدت حكام الرياض عقلهم، ورشدهم. ولذا اضطروا الى أن يرونا الوجه الكالح على حقيقته، وجه الدم والعنف والتكفير والغرور والإستعلاء، وو.. ووجه الفشل أيضاً.

لسنوات طويلة كان حكم آل سعود يقدّم نفسه، ويقدّمه حلفاؤه الغربيون، على أنه نظام (معتدل)؛ بل زعيم الأنظمة المعتدلة؛ حتى أصبحت كلمة (الإعتدال) بذاتها مسبّة وعاراً!

اليوم، كشّر آل سعود أنيابهم عن جهالة ورعب، فأشعلوا وموّلوا حروباً، وخاضوها بأنفسهم، وليس بمالهم، وهم يصرّون على الإشتباك في حروب أخرى، رغم خسارتهم إياها حتى الآن في اليمن وسوريا والعراق. وحتى في البحرين، كان منجز ال سعود انقاذ آل خليفة، دون أن يقدموا حلاً لأزمتها السياسية، بل أصبحوا هم ـ أي آل سعود ـ عنوان الأزمة والمانع الرئيس لحلّها.

الى وقت قريب، قدّم آل سعود حكمهم، على أساس انه الوحيد الذي يطبّق الشريعة، ويعتنق (الدين الصحيح) وغيرهم ليسوا على جادّة الإسلام الصحيح. إنه (الإسلام المعتدل) بتعريف العقود الماضية، وبتعريف سيد قطب: (الإسلام الأمريكي). كان الإسلام السعودي هو النموذج الذي يفضّله الغرب. إسلام يكافح الشيوعية وليس الرأسمالية. إسلام يكافح الثورات باعتبارها ضد الإسلام وقيمه. إسلام يقف مع الطغاة والمستكبرين والدول العظمى الغربية، وليس مع الشعوب وقضاياها وتحررها. إسلام، لا يهشّ ولا يبشّ.

وفجأة، تمّ تفعيل الإسلام السعودي (الوهابية) فزرع الرعب والقتل والدمار بشكل لم يشهده التاريخ كلّه. وأصبح الإسلام السعودي، او الأيديولوجيا الوهابية، التي كانت تُمتدح بمناسبة أو بدون في الإعلام الغربي، ويقدمها كنموذج لما ينبغي أن يكون عليه الإسلام.. اصبحت الوهابية، عنصر الشرّ الأكبر في العالم. تقتل وتسبي وتذبح بالسكاكين، ولا تميّز بين المقاتل والمدني، ولا بين الأديان والمذاهب في استحقاق القتل، كما لا تميّز منتجاتها الداعشية والقاعدية بين الأطفال والنساء في القتل، بل أنها لم توفر حتى الجمادات، من آثار وغيره.

انصار الشريعة، القاعدة، داعش، بوكو حرام، أنصار بيت المقدس، وغيرها من الأسماء، هي التي تتسيّد الساحة، وترتكب المجازر. وكلّما ذُكرت، فإنما تُذكر كمنتج وهابي، كان يوما يتم تسويقه ـ سعودياً ـ على غير حقيقته، الى أن وصل العالم اليوم الى الاعتراف بالحقيقة التي لا مفرّ منها، وهي أن مملكة آل سعود هي مصدر التطرف والتكفير والإرهاب والدمار في كل العالم، وليس العالمين العربي والإسلامي فحسب.

بالأمس كانت الرياض القاضي بين المتخاصمين العرب! واليوم هي طرف أساس في كل شجار او حرب او فتنة. لم تعد قاضياً ولا حَكَماً، ولا رئيساً، وفقدت أكثر نفوذها في العالمين العربي والإسلامي. وبعد أن كانت مركز التوافق السياسي للمتخاصمين، أصبحت السعودية بنفسها عدواً أو خصماً، ولديها مشكلة مع الكثير من الدول العربية، وصارت محاطة بجيران تنظر اليهم بعداء، وتعتقد أنها تستطيع الإطاحة بأنظمتهم جميعاً.

سوريا والعراق ولبنان وحتى فلسطين، واليمن وايران وتركيا والجزائر (والى وقت قريب قطر والسودان) تُصنّف ضمن دائرة الخصوم او الأعداء، وتتواصل سياسة الأمراء الرعناء لتحوّل حتى الدول الغربية الحامية لعرشهم الى اعداء أيضاً. فهم ليسوا في خصومة مع موسكو فحسب، بل يمتد عدم رضاهم الى أمريكا أوباما منذ ثمان سنوات، وكانت تصريحات اوباما الأخيرة التي قال فيها ان الرياض تنشر الإرهاب في العالم الاسلامي بما فيها اندونيسيا وكينيا، وأنها تؤجج الفتنة الطائفية وتريد جرّ أمريكا الى صراعاتها.. تلك التصريحات ووجهت بغضب سعودي، الى حد أن البعض طالب بإعدام أوباما، وإذا ما جاء لزيارة الرياض في ابريل القادم، فيجب اعتقاله!

المواطنون أيضاً وجدوا ـ في كثير منهم ـ أنهم يشهدون عهداً مختلفاً، سمته التطرف والعنف والدم، اضافة الى الفقر والعوز والفشل في كل الصعد التنموية والاجتماعية. فالأمراء الذين شارفوا على الغرق، لا يجيدون التفاوض، ولا يقبلون بأنصاف الحلول، ولا يعتقدون بضرورة الإصلاح، وكل ما لديهم هو العنف والقمع والسجون والسيف الأملح، وهم يتفاخرون بالإعدامات ايضاً. لم تمر على السعوديين مرحلة رعب وخوف كالتي تمرّ حالياً، فالنظام القلق يضرب يميناً ويساراً ولا يبالي، تماماً مثلما يفعل مع الدول، لبنان مثلاً، فهو يتخذ القرارات العمياء، ولا تهمه أية نتائج كانت.

لهذا قيل ـ وهو صحيح ـ أن ما يحرك آل سعود ليس المصالح، بقدر ما تحرّكهم مشاعر الخوف والقلق والأحقاد.

مملكة الإعتدال والإسلام والغنى والفضيلة ليست كذلك البتة. ولم تكن كذلك أيضاً في الماضي.

ما نشهده اليوم من بشاعة العدوان السعودي في البحرين واليمن وسوريا وغيرها، ومن تزعم الثورات المضادة، ومن موالاة اسرائيل والتنسيق معها بشكل علني؛ ومن رعونة في السياسات لا تستند على قوة حقيقية، ومن صبيانية في التكتيكات، وإصرار على الأخطاء، وعدم الاعتبار من تجارب الماضي، وغير ذلك، إنما هو جزء من الوجه الحقيقي للحكم السعودي. الوجه البشع الذي طالما تغطّى بالإعلام، والدعاية، والغطاء السياسي الغربي، ونثر الأموال فوق رؤوس الراقصات السياسيات!

ما كان لهذا الوجه البشع أن يتغير لو لم يتغيّر الكون من حول آل سعود، فيما هم مصرّون على ان سنن الإله لا تجري عليهم.

مراكز القوى في الإقليم، وفي العالم العربي تغيّرت.

الوضع العالمي تغيّر. لم يعد الحلفاء حلفاء بالضرورة، ولم يعد لديهم طاقة للدخول اكثر في مغامرات آل سعود.

الشعب تغير. يكفي ان نعرف أن 30% من الشعب هم بين سن 15-24؛ وأن 50% من الشعب هم دون الثلاثين عاماً، وأن 33% من الشعب هم دون العشرين. لكن آل سعود يظنّون ان الشعب هو نفسه، يمكن حكمه بعصا وجزرة، وحتى إن لم تتوفر الجزرة، يمكن إضافة عصا أخرى لتأديبه وردعه عن المطالبة بحقوقه!

لم تعد للرياض عضلات ذاتية تستخدمها في حروبها، وإن أظهرتها مضخّمة ألف مرة.

لم تعد للرياض الإمكانات المالية السابقة لتشتري من تريد، ولا كل أحد قابل للشراء والبيع في سوق النخاسة السعودي.

أسعار النفط تهبط؛ لأن الرياض استخدمت سياسة انتحارية غبيّة ارتدّت عليها، حين اغرقت الأسواق، فاُطيح باسعار النفط، وكانت من بين أكبر المتضررين، إن لم تكن المتضرر الأكبر.

بلد تعود على الإنفاق، تعصف به الأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية المحلية، وبقدر ما يتقلص الإنفاق داخلاً ، كدولة ريعية، او خارجاً كدولة مهمتها (الدفع)، فإنها تصاب بالعطب السريع، وينفض الجمع من حولها.

مملكة تفقد حلفاءها، وتفقد سمعتها الخارجية، ويتكالب عليها الخصوم، لا تملك إغراءً حتى مالياً تصدّ به عاديات الزمن!

الحلفاء الغربيون مشغولون بشرق آسيا، ولا يريدون أن يتسافلوا أكثر، فيخسروا أكثر مما خسروا!

نحن نشهد مملكة آل سعود على حقيقتها، مع أن صورتها النهائية لم تكتمل بعد.

كثير من العنف قادم.. كثير من الدم داخلاً وخارجاً.. كثير من التآمر والعدوان.. كثير من الضرائب والفساد والسرقات لشراء الذمم.

لهذا تريد الرياض ان تجرّ معها للغرق دولاً أخرى، ولكنها فشلت حتى الآن.

سياسة آل سعود: نحن ومن بعدنا الطوفان!

مليون سعودي هاجر حتى الآن من السعودية، أي نحو 5% من عدد السكان، والأعداد في تزايد. ويقول الموالون ان العيب في المهاجرين، وليس في الوضع السياسي الجامد، والأمن السائب، والقمع المتصاعد، والخنق الإجتماعي الذي تمارسه الوهابية ورجال دينها!

صورة السعودية في عين العرب والمسلمين لم تكتمل على حقيقتها بعد.

كانت حين تذكر كلمة (سعودية) يتبادر الى الذهن: المقدسات والتقوى والأمن والغنى والوهابية وحكم الشرع!

اليوم تقفز للذهن صورة أخرى: العمالة، الفساد، الإرهاب، الفشل، الضياع، الإجرام، الحروب، التكفير، وحكم الصبية، وغيرها!

مملكة آل سعود ليست فقط في انحدار متواصل منذ ثلاثة عقود على الأقل.. بل هي اليوم تقترب من الإنهيار، وكلما استشعر الأمراء بدنو أجل دولتهم.. زادوا جرعة القمع والقتل داخلياً، وزادت الأكاذيب التي تتحدث عن قوتها وعظمتها وتطورها وإنجازاتها، حتى أصبح الاعلام السعودي اليوم في أعلى مراحل كذبه التاريخي!

لا عجب ـ إذن ـ أن يتوتر الأمراء. ولا غرابة أن يفقدوا البوصلة والرشد. لا يجب أن نستغرب كيف ان هؤلاء الذين كان يُنظر اليهم على أنهم رأس الحكمة والتعقل، يهوون من أعلى الى سافل، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

هكذا هي الدول في ادبارها، يتفرق عنها جمهورها فيقفزون من السفينة الغارقة غير آبهين بتعليمات القبطان الغبي. لا يبقى لها من أصدقاء إلا الضعيف من يريد أن يستأكل (جيبوتي/ السودان/ جزر القمر وغيرها).

الصفحة السابقة