السعودية تعاقب لبنان

أمير الكبتاغون.. متعاطياً ومروّجاً ومتاجراً!

محمد شمس

وقع أمير الكبتاغون في شر أعماله، وباءت كل محاولات الافراج عنه بالفشل، لا بالحرب ولا بالسلم ولا بالرشوة. في لبنان، الذي كان ذات يوم مرتعاً سعودياً، ودولة بلا سيادة نتيجة تغلغل المال السعودي في شرايينه السياسية والاقتصادية، ثمة فضيحة من العيار الثقيل، وهذه المرة الصيد الثمين هو من «أصحاب السمو الملكي» أي من سلالة الملك المؤسس وخطه المقدّس!

كان آل سعود يريدونها فضيحة في السر، ولكن شاءت الأقدار ورجال في لبنان ثأروا لكرامتهم، أن يجعلوها فضيحة مفتوحة منذ لحظة القاء القبض على الأمير المهرّب والمتعاطي والمروّج، وصولاً الى التحقيق معه وقصص المحاولات السعودية لابقائها قيد السرية، وأخيراً نشر تفاصيل المحاكمة وصدور القرار الظني.

والتزاماً منا بمتابعة تفاصيل فضيحة «أمير الكبتاغون»، فإننا وجدنا بأن عرض القضية كما دونت في وثائق القضاء أمر ضروري لمعرفة طبيعة الضغوطات التي قام بها الأمير ومن ورائه عائلته، وما هو موقف القضاء اللبناني، وكذلك شركاء الأمير والمتعاملين معه.

بحسب ماجاء في القرار الظني، فقد أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان ربيع الحسامي، قراراً ظنياً في بعبدا بتاريخ 24 فبراير الماضي، يثبت فيه التهمة على أمير الكبتاغون تعاطياً وإتجاراً وترويجاً، أي أن التهمة ثابتة ولا مجال للتفاوض فيها الا حين يتدخل السياسي في صفقة تحت الطاولة.

جاء في مقدمة القرار:

أن قاضي التحقيق في جبل لبنان، لدى التدقيق، وبعد الاطلاع على الأوراق كافة لا سيما ورقة الطلب عدد 55918 تاريخ 1/11/2015 والمطالعة بالأساس تاريخ 18/2/2016، تبين أنه أسند الى المدعي عليهم وهم:

ـ الأمير عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، والدته مضاوي، مواليد 1986، سعودي، أوقف إدارياً في 26/10/2015، ووجاهياً في 5/11/2015 ولا يزال.

ـ زياد سمير أحمد الحكيم، سعودي.

ـ مبارك علي عايض الحارثي، سعودي.

ـ يحيى شائم سعدي الشمري، سعودي.

ـ بندر صالح مرزوق الشراري، سعودي.

ـ علي فياض اسماعيل، لبناني.

ـ حسن محمود جعفر، لبناني.

ـ مروان اسماعيل الكيلاني، سوري.

ـ خالد سعود الحارثي، سوري.

ـ أبو أحمد الخالدي، أردني.

في الوقائع:

تم في مطار رفيق الحريري الدولي بتاريخ 26/10/2015 ضبط أربع وعشرين، وثماني حقائب كبيرة، عليها ملصقات تشير الى أنها خاصة لصاحب السمو الملكي الأمير عبد المحسن بن وليد آل سعود، تحتوي على كمية تزن ألف وتسعمائة كيلو غرام من حبوب الكبتاغون، وبسؤال يحيى الشمري الذي كان الى جانب الصناديق، صرح أنها للأمير عبد المحسن الموجود في قاعة الانتظار، وأنه بتفتيش حقيبة يحيى الشمري ضبط فيها 5.6 غرام من الكوكايين، ومائة وست عشرة حبة من الكبتاغون.

وألقي القبض على الأمير عبد المحسن آل سعود، وزياد الحكيم، ومبارك الحارثي، وبندر الشراري، ويحيى الشمري، وأجري لهم فحص مخبري جاءت نتيجة ايجابية لجهة تعاطي الكوكايين بالنسبة للأمير وزياد الحكيم، وإيجابية لجهة تعاطي الكوكايين وحشيشة الكيف بالنسبة لمبارك الحارقي، وإيجابية لجهة تعاطي الكوكايين وحشيشة الكيف والحبوب المخدرة بالنسبة لبندر الشراري ويحيى الشمري.

ثم استعرض القرار مجموعة الادلة المتوافرة لدى القضاء والردود عليها والردود المضادة ليخلص القرار:

بعد أن استعرض القرار الظني شهادة الشهود خلص الى التالي:

 
أمير الكبتاغون وشلّة التهريب!

«بالنسبة للأمير عبد المحسن آل سعود فقد ثبت، من أقول يحيى الشمري في التحقيقين الأولي والابتدائي لجهة أن حبوب الكبتاغون تعود للأمير عبد المحسن آل سعود، ومن أقوال بندر الشراري في التحقيق الابتدائي لجهة أنه سمع الأمير يقول ليحيى الشمري أن الفان يحتوي على مفروشات وأثاث من منزله، في حين أنه يحتوي على حبوب الكبتاغون، ومن اقدام علي فياض اسماعيل المطلوب للعدالة على استقباله في المطار معرضاً نفسه لخطر التوقيف الأمر الذي لم يكن ليفعله لو لم يكونا متفقين معا، ومن أن حجم كمية الكبتاغون وتوضيبها وتصنيع الملصقات باسم الأمير ووضعها عليها، يحتاج الى عدة أيام، في حين أن الأمير صرح أنه قرر الحضور الى لبنان في اليوم الذي حضر فيه، أو في اليوم السابق، مما يتنافى مع منطق الأمور. إذ لا يعقل أنه يكون من قام بإعداد المخدرات وتوضيبها، ووضع الملصقات عليها، قد تنبأ بحضور الأمير قبل أن يقرر هو ذلك، مما يدل على أن الأمر متفق عليه مع الأمير، ومن قرينة أن خالد الحارثي وهو أحد العناصر الأساسية في عملية التهريب هو وكيله، ومن عدم تمويه الصناديق أو تخبئة الحبوب المخدرة، مما يدل على أن القائم بالعملية على قناعة بأن الصناديق لن تخضع للتفتيش، وهذا ما لا يستطيع أن يقوم به الا الأمير، ومن النتيجة الايجابية للفحص المخبري الذي أجرى عليه، إنه حاز على كمية كبيرة من الحبوب التي تحتوي على مادة الامفيتامين بقصد تهريبها والاتجار بها، مشكلاً عصابة دولية لتهريب المخدرات، وأنه تعاطى المخدرات، مما يشكل الجرائم المنصوص عليها في المواد 125 و126 و127 و150 من قانون المخدرات.

وبالنسبة ليحيى الشمري، فقد ثبت، من اعترافه في التحقيق الأولي بأنه يشترك مع الأمير عبد المحسن آل سعود، وخالد الحارثي، في تهريب حبوب الكبتاغون، ومن تواصله الهاتفي مع حسن جعفر، ومروان الكيلاني، وخالد الحارثي، وجمال عز الدين، وأبو أحمد الخالدي، ومن حضوره الى المطار برفقة علي فياض لاستقبال الأمير، ومن مضمون الرسائل الهاتفية الواردة والصادرة على هاتفه، من كمية حبوب الكبتاغون المضبوطه.

وحيث أن الأمير عبد المحسن آل سعود وزياد الحكيم ومبارك الحارثي ويحيى الشمري تقدموا بطلبات إخلاء سبيل، طلبت النيابة العامة ردها، حيث أنه بالنظر لطبيعة الجرم ومدة التوقيف يقتضي رفض الطلبين المقدمين من الأمير عبد المحسن آل سعود ويحيى الشمري، وحيث في المقابل فإنه بالنظر لطبيعة الجرم ومدة التوقيف، يقتضي إخلاء سبيل زياد الحكيم ومبارك الحارقي لقاء كفالة مالية قدرها مليون ليرة لبنانية لكل منهما تخصص لضمان الحضور واطلاق سراحهما الا من كان موقوفاً لسبب آخر..

لذلك: وفقاً وخلافاً لمطالعة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، يقرر:

أولاً: اعتبار افعال المدعى عليهم الأمير عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، ويحيى شائم سعدي الشمري، وبندر صالح مرزوق الشراري، وعلي فياض اسماعيل، وحسن محمود جعفر، ومروان اسماعيل الكيلاني، وخالد سعود الحارثي، ومحمد مقبل الرويلي، تشكيل جنايات المواد 125 و126 و150 من قانون المخدرات والظن بهم بجنحة المادة 127 من القانون عينه.

ثانياً: الظن بالمدعى عليهما زياد سمير أحمد الحكيم ومبارك علي عايض الحارثي بجنحة المادة 127 من قانون المخدرات ومنع المحاكمة عنهما لجهة جنايات المواد 125 و126 و150 من قانون المخدرات.

ثالثا: اتباع الجنحة بالجناية للتلازم.

رابعاً: إيجاب محاكمتهم أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان.

خامساً: تدريكهم الرسوم والنفقات كافة.

سادساً: إصدار مذكرة تحر دائم لبيان كامل هوية أبو أحمد الخالدي، أردني.

سابعاً: رفض طلب إخلاء السبيل المقدم من المدعى عليهما الأمير عبد المحسن آل سعود ويحيى الشمري وإبلاغ من يلزم.

ثامناً: إخلاء سبيل المدعى عليهما زياد الحكيم ومبارك الحارثي لقاء كفالة مالية قدرها مليون ليرة لبنانية لكل منهما تخصص لضمان الحضور وإطلاق سراحهما الا من كان موقوفاً لسبب آخر وإبلاغ من يلزم.

تاسعاً: إحالة الأوراق لجانب النيابة العامة الاستئنافية لايداعها المرجع المختص.

السعودية توقف مساعداتها للبنان

اكثر من سبب يجعل الرياض توقف مساعداتها عن لبنان، فقد شعرت بأنها قاب قوسين على خسارتها لنفوذها، ففتحت معركة أكبر، بالذات مع حزب الله، فإما أن تصيب وتستعيد ما خسرته من نفوذ في لبنان، أو تخسره كاملاً.

هي مغامرة اذن.

لكن ما دعا الرياض اسباب سياسية وغيرها، ترتبط كلها ـ في نظر آل سعود ـ بالدور الذي يلعبه حزب الله في الساحة اللبنانية كجزء أصيل من الحكومة والمعارضة والتشريع والمقاومة.

الرياض غاضبة من موقف الخارجية اللبنانية بشأن الموقف من القضايا الإقليمية.

وغاضبة من ملف أميرها مروج المخدرات وفشلها في استعادته.

ولذا فجرت غضبها دفعة واحدة ضد لبنان هذه المرة، اسوة بدول اخرى، وربما يتفجر الجنون السعودي على دول أخرى عربية قادمة.

أليس سلمان هو ملك الحزم والعزم والظفرات؟

لماذا لا يدعم لبنان السعودية في صراعها مع ايران؟ إذن ليتحمّل التبعات: إيقاف المساعدات؛ إعادة العمالة اللبنانية (الشيعية تحديداً) الى ديارها؛ سحب الوديعة السعودية من البنوك (رغم انها سحبت في معظمها منذ سنوات حسب البنك المركزي اللبناني)؛ إيقاف الرحلات الجوية؛ هذه هي حلول السعودية.

الرياض تريد صراعاً في لبنان، وقد تصورت ان أفعالها ستؤدي الى قلب جزء من الشعب يصطف معها على جزء آخر غير مرضي عنه (التيار العوني وحزب الله). وبالتالي تكون قد أدّبت خصومها أو أضعفتهم.

لكن فات الرياض أمرين: الأول ـ أن كل أموال السعودية لا يمكن أن تعوّض وقوع فتنة او حرب داخلية، يخسر فيها الجميع، وفي مقدمهم الموالون للسعودية من جماعة ١٤ آذار. والثاني ـ أن الدول المؤثرة في القرار اللبناني خاصة امريكا وفرنسا، الحليفتان للسعودية، لا يقبلان جرّ لبنان الى الهاوية، لأن ذلك بنظرهم سيؤدي الى مزيد من الخسائر لنفوذهما وللسعودية نفسها، التي تبدو زاهدة فيما تبقى لها من نفوذ في لبنان.

غضب الرياض على وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، لا يعني انها ليست غاضبة من تمام سلام. والغريب ان الرياض تتجاهل حقيقة أن لبنان بلد توافقي، وان الانحياز الأعمى لها ليس في قبال ايران فحسب بل وضد حزب الله، يفجر الوضع الداخلي، وهذا لا يفعله سياسي عاقل، لا سعودي ولا لبناني.

الشيخ المتطرف سعد الدريهم ـ وكبقية شلّة حسب الله التي تمجّد كل معركة يأمر بها الملك سلمان ـ قال بأن إيقاف المساعدات عن لبنان تأخر قليلا ولكن ذلك أفضل من عدم اتخاذ القرار في الأساس. ورئيس قنوات المجد حمد الغماس انتشى بالقرار، مثلما انتشى بقرارات مماثلة سابقة، فقال: (هكذا يكون الحزم والحسم، وهكذا يكون الوقوف بوجه ايران وتغوّلها)؛ ودعا الى استكمال العقاب. والمتطرف الثالث الإخوا سلفي الشيخ سعد التويم قفز من الفرح وقال: (كفو.. يالله انك توفقهم.. باقي مصر). يعني يجب قطع المساعدات عن مصر ايضاً. ومن متطرف الى آخر متطيّف، يرى الإخواسلفي محمد الحضيف: (إن كانت مساعدات المملكة ستعود للبنان، فيجب ان توجه لمؤسسات المجتمع المدني لأهل السنّة). وزاد بأن وضع نفسه وملكه في مقام الألوهية، واللبنانيين الذين يتلاومون، في مقام فرعون واستخدم الآية الكريمة التي يخاطب فيها الله فرعون: (الآنَ وقد عَصَيتَ قبلُ وكنتَ من المفسدين).

وهكذا كرّت السلسلة، فقرار إيقاف الدعم عن لبنان (قرار كُتب بماء الذهب) يقول أحدهم، وهو من اهم القرارات في السنوات الأخيرة، ويحمل رسالة حاسمة حازمة بأن مرحلة جديدة في علاقات المملكة بالآخرين قد بدأت. لكن الدكتور محمد القنيبيط يلوم الحكومة السعودية: فـ (عندما ترهن سياستك لرجل واحد خارج لبنان، بين باريس والرياض «ويقصد الحريري»، في حين أن خصمك إيران يبني سياسته على رجال كثيرين في لبنان، فلا تستغرب النتيجة).

وعموماً فقد كانت الحماسة لتأييد القرار من قبل المثقفين ضعيفة قياسا لقرارات سابقة؛ وقد اعتبر حمزة الحسن القرار السعودي (تخلٍّ عما تبقى للسعودية من نفوذ في لبنان؛ وأنها بحجب المساعدات إنما تعاقب نفسها قبل أي أحد آخر). واضاف: (بدل ان تصحح الرياض سياساتها، تقوم بمعاقبة ذاتها وحلفائها. انه الغباء. فكلما قلّ ضخّ السعودية المال الى جماعتها في لبنان، كلّما تقلص نفوذها، وضعف وزن حلفائها. الجماعة ـ ويقصد آل سعودـ تكتيكيون جهلة). ولاحظ فايز الوايلي بأن (السعودية فقدت هيمنتها في سوريا ولبنان واليمن والعراق، ولم يتبقّ لها سوى السودان والصومال. حتى السودان بفلوس).

وكان المغرد مجتهد قد قال بأن قرار الرياض إيقاف المساعدات مرتبط بانهيار مفاوضات اطلاق سراح الأمير المعتقل بتهمة تهريب مخدرات، وفشل الحكومة اللبنانية في منع حزب الله من ابتزاز السعودية بالأمير. لكن الاتجاه الشعبي لحاضنة النظام ومؤيديه تقول: (لبنان دولة متخلفة بلا رئيس، نهبته ميليشيا حزب الله، ودولة مثل هذه لا تستحق دولاراً واحداً).

الصفحة السابقة