(.. عاشت المملكة العربية السعودية)!

السعودية.. معركة خاسرة في لبنان

هيثم الخياط

في التاسع عشر من فبراير الماضي، أعلنت السعودية سحب مساعدة مالية، لتمويل صفقة سلاح فرنسية للجيش اللبناني، كان الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان قد اعلن عنها، في خطاب مفاجئ في 29 ديسمبر 2013 ، أنهاه بعبارة: (عاشت المملكة العربية السعودية). وبعد اكثر من سنتين من المماطلة والتسويف، وبعد أن بلغت الازمة المالية السعودية مدى مقلقا، اعلنت الرياض سحب الهبة والتوقف عن تمويل تسليح الجيش اللبناني.

البيان السعودي الرسمي برر قرار سحب الهبة (بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى «حزب الله» اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الاسلامي، من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد). بحسب ما جاء في البيان السعودي الرسمي.

وتعددت التفسيرات للخطوة السعودية، على ضوء عدم صحة التبرير الرسمي، اذ اعاد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الإعلان عن نص الموقف اللبناني في الجامعة العربية، واجتماع المؤتمر الاسلامي، وهو موقف سُلّم مكتوبا للجهات المعنية، وفيه ادانة صريحة لما تعرضت له السفارة والقنصلية السعوديتان، وهو ما ادانته السلطات الايرانية نفسها على اعلى المستويات.

لذا، فقد ذهبت التحليلات في اتجاهات شتى، وصل بعضها حد ربط الخطوة السعودية، بضغوط اسرائيلية على السعودية لعدم تسليح الجيش اللبناني، وصولا الى معلومات عن غضب سعودي جراء تعسر مفاوضات سرية لإطلاق الأمير السعودي عبد المحسن بن وليد بن عبد العزيز آل سعود، الموقوف في 26 اكتوبر الماضي، بتهمة تهريب طنين من المخدرات، والذي بات يعرف بـ»أمير الكبتاغون».

الا ان كل ذلك تراجع بعد توالي الخطوات السعودية، ضمن حملة ممنهجة لفتح جبهة حرب جديدة، في مسلسل الحروب التي فجرتها السعودية في المنطقة، بدءا من غزو البحرين، الى تجهيز جيش من الارهابيين في سوريا والعراق، وانتهاء بالحرب التدميرية في اليمن، والثورات المضادة لحركة الربيع العربي في اكثر من دولة.

في الثاني من مارس الحالي قررت دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار «حزب الله» اللبناني، وكل اجهزة المقاومة الاسلامية، منظمة إرهابية، حسبما أعلنت الأمانة العامة للمجلس.

وبعد ساعات من قرار مجلس التعاون، اتخذ مجلس وزراء الداخلية العرب قرارا مماثلا في تونس، تحفظ عليه لبنان.

وفي ١١ مارس  قرر مجلس جامعة الدول العربية، في ختام أعمال دورته الـ 145 على مستوى وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، اعتبار حزب الله اللبناني «منظمة إرهابية»، بعد ان تحفظ على القرار كل من الجزائر والعراق ولبنان.

واتضح ان هناك استراتيجية سعودية متكاملة لادراج المقاومة اللبنانية وحزب الله الذي يشكل عمودها الفقري، في خانة الارهاب، في اطار الحرب المعلنة من جانب السعودية على الجمهورية الاسلامية في ايران من جهة، والصراع الدائر على الاراضي السورية، بين القوى الداعمة للدولة السورية، والقوى الراعية للجماعات المسلحة الساعية للسيطرة على الدولة، من جهة ثانية.

القرارات الصادرة عن هذه المؤسسات الرسمية اثارت الشارع العربي، وخصوصا بيان وزراء الداخلية العرب، وانطلقت موجة من الاستنكار والاحتجاج، وبيانات التضامن مع المقاومة، امتدت من موريتانيا والمغرب وتونس والجزائر ومصر واليمن والبحرين الى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، بينما لاذت معظم الحكومات بالصمت، وانفردت صحف خليجية معروفة بالترويج لوصف حزب الله بالارهاب.

وعلى المستوى الدولي لم تلق كل هذه المواقف، رغم صدورها عن مؤسسات عربية وخليجية رسمية، أي اهتمام، بعكس ما كانت السعودية تأمل منها وتعمل لأجله، ولم تصدر اي ردود فعل من الجهات الحكومية او على المستوى الاعلامي، باستثناء الاحتفاء الاسرائيلي بها، واعتبارها خطوة مهمة على صعيد صراع الصهاينة مع عدوهم على الجبهة الشمالية.

دوافع الموقف السعودي ودلالاته

 
إما الهبة السعودية أو الحرب الأهلية!

العديد من الباحثين والكتاب العرب قرأوا المبادرة السعودية الجديدة باستهداف حزب الله بشكل مباشر. الا ان وقفة متأنية امام هذه الاندفاعة الطائشة والخطيرة تؤكد التالي:

أ‌ولاً ـ ان هذه المعركة الجديدة تمثل تتويجاً للتسعير المذهبي، والدفع باتجاه الفرز الطائفي في المنطقة. فالسعودية تعتقد انه يمكنها ان تتزعم محورا سنياً، لتجييش المنطقة والعالم الاسلامي، ضد ما تسميه طموحات ايران التوسعية.

والنظام السعودي يعتمد الاثارة المذهبية في سياساته الخارجية، دون اي وازع، ودون اي اعتبار للمخاطر التي تشكلها هذه السياسات التعصبية المتخلفة، على دول وشعوب المنطقة من جهة، وعلى الدين الاسلامي ونظرة الاخر له من جهة ثانية. وتدعم الحكومة السعودية بشكل علني مجموعة من وسائل الاعلام، والكتاب، ومشايخ على نهج مشايخها، الذين يروجون مبدأ التكفير والعداوة بين المسلمين وابناء الوطن الواحد، بدعاوى جلها كاذب، وجميعها من مخلفات عهود التخلف السالفة.

كما يعتبر النظام السعودي مسؤولا رئيسياً عن موجة الارهاب والتوحش التي تغزو المنطقة استجابة لتلك الافكار والشعارات السياسية التي يروجها رجال دين وهابيون ووسائل اعلام مدعومة من الجهات السعودية.

وفي هذه الاجواء يأتي تصنيف حزب الله في خانة المنظمات الارهابية، محاولة لاستدراج ردود فعل عنيفة ضد الادوات السعودية، تبرر المنطق المذهبي الوهابي.

ثانياً ـ وقد لا يقتصر الامر عند هذا الحد، بل ان البعض ذهب الى حد تصور ان تقوم السعودية بشن هجمات جوية على مواقع للمقاومة الاسلامية في سوريا او لبنان، تحت مسمى محاربة الارهاب. وهو سيناريو كارثي آخر، قد يؤدي الى تفجير حرب واسعة قد تصعب السيطرة عليها، وتدفع المنطقة بأسرع ما يمكن الى مواجهات ومجازر تأخذ الطابع المذهبي بدفع من القوى والفصائل الممولة من السعودية، سواء كانت ساحتها في العراق او سوريا أو لبنان، دون ان تكون مناطق محددة في السعودية بعيدة عنها. اذ ان القوى المتشددة في السعودية متلهفة لتنفيذ مجازر في المنطقة الشرقية السعودية، وهي لا تنفك تواصل استفزازاتها واعتداءتها على المواطنين ومساجدهم هناك.

تعزيز التقارب مع اسرائيل

لا يحتاج الامر الى كثير من التحليل لادراك حجم العلاقة بين شيطنة المقاومة من جهة، وخدمة المصالح الاسرائيلية من جهة ثانية. اذ ان هذه المقاومة التي يمثلها حزب الله استطاعت ان تثبت جدارتها في تحدي العدوان الاسرائيلي، بل ان تشكل تحديا جديا للكيان الصهيوني في المستقبل المنظور. وقد حارت الاجهزة الاسرائيلية حتى الان في ايجاد وسيلة لتحجيم حزب الله او ضرب قوته، بعد ان فشلت حربها العدوانية على لبنان في ٢٠٠٦، وانقلبت الى هزيمة منكرة لجيشها الذي كان لا يقهر قبل ان تتصدى له المقاومة.

هذه الحقيقة لا يمكن ان تخفى عن المخطط السعودي، الذي جاهر بالعداء للمقاومة منذ زمن بعيد، وخصوصا ابان عدوان تموز 2006، حيث لعب النظام السعودي دورا بارزا في الدعوة الى استمرار تلك الحرب لابادة المقاومة، والتحريض عليها بعد ذلك بأساليب مختلفة.

وكان زعماء الكيان الصهيوني الوحيدين في العالم الذين رحبوا بالجهود السعودية ضد المقاومة، واعتبروها دليلا جديدا على التقارب بين الكيان الاسرائيلي الغاصب والكيانات الخليجية، او ما يسميه الصهاينة الدول السنية المعتدلة.

هذه المعادلة البسيطة والواضحة، زادتها وضوحا المواقف السياسية والحزبية التي فجرها قرار وزراء الداخلية العرب، والتي اعتبرت القرار خدمة مجانية لاسرائيل. وجددت عشرات القوى والاحزاب العربية من المحيط الى الخليج رفضها لتشويه سمعة المقاومة، ووقوفها الى جانبها في معركة الفرز السياسي التي ارادها النظام السعودي، مشيرة الى ان الاصطفاف الحالي، لا يعدو كونه انقساما بين قوى المقاومة، والتمسك بالحق الفلسطيني، ورفض مشاريع الاستسلام، هذه القوى التي يعبر عنها حزب الله افضل تعبير، في مقابل محور الاستسلام، والترويج للصداقة مع دولة الاحتلال والاغتصاب والعدوان، على حساب العلاقات والحقوق العربية والاسلامية.

رد المقاومة

كان واضحا حتى الان ان حزب الله لم ينجر الى حرب المهاترات والتصعيد الكلامي والسياسي ضد النظام السعودي. ولم ينحدر الاعلام المقاوم الى المستوى المبتذل للخطاب الاعلامي الذي انخرط به عشرات الكتاب والاعلاميين، سواء في الصحافة السعودية، او على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي.

لقد ادركت المقاومة منذ البداية، ان ما يقوم به نظام الامراء واستهدافها بهذه الهجمة الشرسة، تعبير عن حالة التوتر والارباك التي يعيش فيها جراء الهزائم المتتالية التي مني بها، في عموم الساحات التي يخوض فيها حروبا عدوانية على شعوب المنطقة.. ومحاولته فتح حرب جديدة على لبنان والمقاومة للتعويض عن خسائره وفشله، هي محاولة يائسة، اذ ان نصيبه في هذه الساحة لن يكون افضل من غيرها.

بات من الواضح ان السنة الاخيرة من عمر النظام، وهي السنة التي تولى فيها الملك سلمان الحكم، مدعوما باثنين من الجيل الثالث من امراء المملكة، فاقمت حالة التوتر على اكثر من مستوى. حيث اتسعت دائرة المعارضة والتهميش والشعور بالغبن بين الامراء من ابناء واحفاد عبد العزيز الذين استؤصلوا من السلطة تماما، وباتوا مجرد شهود زور لنقل السلطة الى شاب لا يمتلك اي خبرة او احقية في الحكم، كما وصفته دوائر استخبارات عالمية من بينها المخابرات الالمانية.

يضاف الى ذلك حال التوتر الشعبي مع تصاعد هيمنة المتشددين الذين يعتمد عليهم الملك في ضبط الشارع وضرب اي محاولة للتمرد والتعبير عن الرأي، عطفا على الازمة الاقتصادية والمعيشية بعد ان ذهبت الحروب والسياسات المتعنتة بفائض الثروة، وحولت المملكة الغنية الى دولة مقترضة حتى من الاسواق التجارية الدولية، وترزح تحت عجز في ميزانيتها يفوق المئة مليار دولار.

ان النظام الاستبدادي يلجأ الى ذات الاساليب التقليدية التي انتهجتها كل النظم الدكتاتورية في مواجهة ازماتها الداخلية، بتحويل الانظار الى حروب ومشكلات خارجية مفتعلة، لالهاء الرأي العام وجره الى ساحات ليس له فيها ناقة ولا جمل.

 الا ان هذه المواجهة مع المقاومة خصوصا، محكومة بالفشل وخسارة النظام السعودي، وهي بضاعة لن تجد من يشتريها.. اذ ان الكيان الصهيوني ليس لديه ما يكافئ به عملاءه في هذه المرحلة، وهو في كل حال لا يحتاج الى ذريعة لشن الحرب، ولا يبحث عن غطاء لأي عدوان يقوم به، لو كان باستطاعته شن الحرب على المقاومة.. الا ان معادلة الردع التي نجح حزب الله في ارسائها في الصراع القومي مع العدو الصهيوني، هي التي تمنع جيش الاحتلال من ممارسة دوره الطبيعي الذي انشئ من اجله وهو العدوان وتصفية مكامن القوة في الدول العربية والاسلامية.

كما ان السياسة السعودية الاستفزازية تأتي في الاتجاه المعاكس للرياح الدولية، التي لا تبحث عن أسباب جديدة للتوتر في المنطقة، ولا تريد خصوصا اي مواجهة مع ايران ومحور المقاومة، بل هي تبحث عن حل للازمة المتفجرة في سوريا والتي تضعها وجها لوجه مع ايران وحلفائها.

اما الصدام المباشر بين القوى الارهابية التي تدعمها السعودية في سوريا، وتحاول ان ترسل لها برسائل الدعم المعنوي بالتصعيد ضد حزب الله، فهو قائم فعلا، وقد اثبتت فيه المقاومة ان لها اليد العليا، وانها قادرة على الحاق الهزيمة بالمشروع التكفيري وادواته ورعاته.

وهكذا فان المعركة السعودية الجديدة التي يفتتحها نظام بات مهووسا بإشعال الحروب، للهرب من حربه الداخلية المقبلة بشكل حثيث، هي معركة خاسرة ولن تعوض الامراء عن خسائرهم المتلاحقة في الساحات الاخرى.

الصفحة السابقة