مجازر سعودية متنقلة في اليمن

آل سعود يتكلمون سلماً وحروبهم مستمرة

يحي مفتي

الحديث في المنطقة لا ينفكّ عن (التهدئة) لأزماتها، وإطفاء بؤر التوتر والعنف.

قيل ان القوتين الروسية والأميركية قد اتفقتا على ذلك، وان التوافق بدأ من الساحة السورية وسوف يعمم على بقية مناطق التأزم.

وقيل انه اذا اتفق الكبيران، فسيخضع الجميع، وهذا محلّ نظر وتساؤل: فإلى أي حدّ يمكن كبح جماح السعودية امريكياً؟ والى أي حدّ يمكن أن توافق إيران على حلول لا تأتي في مصلحتها؟ والى أي مدى يمكن لتركيا أن تقبل بالهزيمة وتنكفيء على نفسها لمعالجة تداعيات الأزمة السورية عليها أمنياً وسياسياً؟

ما شجع الحديث عن التهدئة أكثر، ما نُشر عن لقاءات بين أنصار الله في اليمن مع السعوديين. قالت السعودية انها لقاءات جاءت بوساطة قبلية يمنية، وقال الإعلام السعودي أنه استسلام حوثي، وأن علي صالح قرر المغادرة الى واشنطن!

قال انصار الله، أن اللقاءات جاءت بطلب سعودي مباشر، وانها تمت على الحدود وليس في أبها ولا في الرياض؛ وأن تبادلاً لأسرى وجثث قد تمّ، وأنه قد جرى التوافق على إيقاف الزحف اليمني داخل الأراضي السعودية، مقابل إيقاف القصف السعودي على الحدود اليمنية والعاصمة صنعاء؛ وهو امر لم تطبقه السعودية، إذ جاءت مجزرة سوق مستبأ بحجة (راح ضحيتها نحو 130 شهيداً) لتذكر بالصراع بين المحمدين (ولي العهد ووزير الدفاع).

المتحدث السعودي العسيري أراد حرف الأنظار عن المجزرة التي ادانتها الأمم المتحدة، فقال بأن العمليات العسكرية السعودية الكبيرة على وشك الإنتهاء، فالى أي حدّ نحن مقبلون على حل وتهدئة في اليمن وسوريا وحتى البحرين؟

القراءة الدقيقة للنظام السعودي تقول:

اي تسوية سلمية تعني هزيمة للسعودية ومشروعها. فهل الرياض مستعدة للتسليم بالهزيمة في اليمن وسوريا والبحرين مثلاً. كلا. وأما المخاتلة السعودية والحديث عن التهدئة، فهو وهم. الرياض ليست في وارد التسليم بالهزيمة، ولا في وارد ايقاف الحرب.

أي تسوية في الموضوع السوري، تعني انتقالاً سريعاً للأزمة اليمنية من اجل حلّها. والرياض لا تريد ان تنجح المفاوضات في جنيف، لأن ذلك ليس فقط يمثل هزيمة للرياض، بل انه يعجّل بهزيمتها في اليمن.

 
مجزرة سعودية في سوق مستبأ

الضغوط الأمريكية على الرياض الجامحة ـ حسب تعبير اوباما ـ لم تصل بعد الى مرحلة إرغامها على القبول بأنصاف الحلول والتسويات. لا في الشأن اليمني ولا في غيره. وهي لم تقبل منطق اوباما بتقاسم النفوذ مع طهران، التي تقدمت هي الأخرى ـ ومن جديد ـ بعرض للرياض عبر الكويت من اجل الحوار لحل الإشكالات بين البلدين.

ومع أن هناك آمالاً عريضة لدى البعض، إلا أن الرياض تفكر بطريقة أخرى. الرياض تقول بأنها ستقاوم الضغوط ومواصلة ذات السياسة الصدامية ـ حتى وان تغيرت الألفاظ دبلوماسياً ـ الى أن يحين رحيل أوباما عن البيت الأبيض. والسعوديون يعتقدون ان المشكلة تكمن في شخص الرئيس اوباما، ويعتقدون أن أي رئيس آخر ـ جمهورياً كان أو ديمقراطياً ـ سيكون أفضل منه، وقد ينخرط في الحرب على خصوم الرياض، ويغير المعادلة القائمة. الرياض تحسبها شخصياً، وهي لا تعتقد ان امريكا تحكمها مؤسسات، وان التغيرات السياسية الاستراتيجية الأمريكية هي ثمرة مؤسسة وليس رأي فرد.

من هنا يجب أن لا يؤمل كثيراً بأن الرياض ـ وحتى نهاية عام 2016 ـ ستغير مواقفها وتجنح الى السلم والتهدئة سواء في اليمن او سوريا او لبنان وغيرها. ولا يجب ان نتوقع بأن الرياض ستقابل طهران وتعيد العلاقات معها بعد أن قطعتها وفتحت النيران بأقصى ما يمكن لها أن تفعله.

الرياض ترى الوضع معركة حياة أو موت. إما انتصار كامل الوضوح، أو هزيمة تغرق فيها، مع محاولة جرّ آخرين الى الغرق معها. السياسة تقول: انا ومن بعدي الطوفان.

لهذا، قد نسمع كلاماً سعودياً مختلفاً، بل قد نسمع مزايدات حول الحل السلمي وضرورته، ولكن في التطبيق سيبقى التصعيد سيّد الموقف، بل قد تزداد وتيرة العنف والصدام، بقدر ما تزداد نعومة الكلام السعودي. فهذه سياسة سعودية خبرناها كثيراً.

الرياض لا تأبه بمن تقتل في اليمن؛ وكل ما أملته من اللقاء المحدود على الحدود مع حركة أنصار الله (الحوثيين)، هو منع تمددهم اكثر داخل الأراضي السعودية، وهو أمرٌ كان شديد الإحراج للأمراء، لهذا لجأت الى أقصى الدموية والعنف، لتحقيق هذه الغاية او لنقل التسوية المحدودة.

وفي الوقت نفسه، وكلّما كبَت الرياض عسكرياً، كلّما كان تضخيم منجزاتها العسكرية، فالقتلى الحوثيون ـ حسب البيانات العسكرية السعودية: بالعشرات أو المئات يومياً؛ والمناطق تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، والطريق نحو صنعاء من جهة نهم، قاب قوسين أو أدنى، وتعز المحاصرة سعودياً كما اليمن كله، قالت الرياض أنها استعادت الجزء الأكبر منها، وانها فتحت ابوابها ومداخلها، وقريباً تعمل جامعاتها، الخ.

كل هذا كذب. لقد حدث اختراق عسكري محدود، وقد جرى تطويقه واستعادة معظم المحاور التي خسرها أنصار الله والجيش اليمني.

النصر على الفيس بوك وتويتر والفضائيات ديدن الرياض واعلامها. على ارض الواقع ليس هناك سوى الهزيمة. لكن هذا لا يعني انتهاء المعركة، ولا يعني قبولها بحل وسطي. إذ من الواضح كما قال مصدر يمني: أي توقف للعدوان السعودي، أي حل سياسي، هو نصر لليمن وخسارة كبيرة للسعودية.

الرياض خسرت في كل معاركها: العراق، سوريا، لبنان، اليمن.. لكنها لم تعترف بالخسارة بعد، ولكن قد لا يطول بها الوقت، حتى تسلّم بالأمر، وتنكفيء على نفسها، وتعالج ارتدادات جرائمها محلياً. عليها حينئذ ان تجيب شعبها على سؤال: أين هو النصر السعودي المبين؟!

الصفحة السابقة