بسبب الإستبداد السياسي والديني والفساد

هـجـرة مليـون سعـودي!

مليون مواطن هاجروا من بلدهم، حسب عضو مجلس شورى.
أي خمسة بالمائة من مجموع السكان ولازال العدد في تزايد!

توفيق العباد

الأغنياء يهربون بأموالهم؛ والطلبة المبتعثون والطالبات يرفض الكثير منهم العودة الى مقبرة الأحياء.

الفقراء يحلمون، ويدعون:  (اللهم هجرة)! إذ لم تعد مملكة تطبيق الشريعة المزعومة قابلة للعيش والسكنى. فالتطرف والعنف يعصف بها: لا تسامح مع رأي أو فكر أو معتقد. قلّة وهابية متشددة متحالفة مع آل سعود تستبيح كل المحظورات بلا رادع. الدولة في حال ضعف شديد، تعوّضه بالمزيد من القمع: مزيد من السوط والنطع. مزيد من الإعدامات وتوسعة السجون ذات الخمس نجوم.

مملكة آل سعود صارت مهلكة حقاً!

لم تعد تنطبق عليها صفة الدولة الريعية. فالأزمات الإقتصادية تعصف بها. ملايين العاطلين من ذوي الشهادات؛ ملايين يعيشون تحت خط الفقر؛ ملايين بلا سكن، او بالأصح الأغلبية بلا سكن يمتلكونه؛ ملايين العزّاب والعوانس، أي نحو ٤ ملايين عانس والى جانبهم ٤ ملايين أعزب على الأقل!

مملكة تتجه الى الدم يوماً بعد آخر. ينخر فيها الفساد، ويبتلعها الإرهاب والعنف. لا أفق فيها لاصلاح سياسي او اجتماعي او اقتصادي او فكري أو ديني.

كل الطبول فيها تدقّ على وقع الحرب.

في كل يوم هنالك معركة. لم تنته معركة آل سعود القاعدية في العراق لتبدأ في سوريا، وتتلوها اليمن، ثم لبنان، وقبلها ايران، وبينهما مع دول خليجية لم تهدأ إلا بالمسكنات! كما هو الحال مع سلطنة عُمان وقطر.

لا صوت يعلو في المملكة فوق صوت السيف الأملح.

ولا مديح إلا للجلاّدين ومسترقّي العباد.

أفبعدَ هذا هل يندهش المرء من هروب مليون مواطن للعيش في الخارج؟!

(٢) عضو مجلس الشورى المعيّن، والقاضي السابق، عيسى الغيث، يسأل جمهوره عن سبب هجرة مليون مواطن عن بلدهم، مع أنها بقوله (بلد ديني ونفطي مستقر)؟! ما كان للغيث أن يسأل، فأهم (فضيلة) لفضيلته، قوله كاذباً: (شهادة لله، قضاؤنا هو الأنزه عالمياً)!

فإذا كانت هذه النسخة من التدين الكاذب المتواطئ مع السلطان، والمشرعن للإستبداد والفساد، هي التي تجعل الرياض دولة دينية، ودولة نفطية، ودولة مستقرة، فهذا يعني تشكيكاً في نوعية هذا التديّن الوهابي، وفي الفساد الذي أفقر الناس وجعلهم يهربون من الدولة النفطية، وفي القمع الذي أخمد الأنفاس، فهربوا من جحيم الحكم السعودي المستقر كذباً.

إذن مجلس الشورى مهتم بالموضوع ويدرس أسباب هجرة أو (هجر) المواطنين لبلدهم، هل هو بسبب البطالة او للتجارة أو بسبب ضعف التعليم، أو لأسباب أخرى قد لا يجرؤ اعضاء الشورى على البوح بها؟ الكاتبة خلود الفهد تقول ان سبب الهجرة هو التضييق على الحريات العامة، وفرض نمط فكري وسلوكي واحد على كافة فئات المجتمع. استبداد الملوك وطغيانهم سبب: (إن الملوكَ اذا دخلوا قريةً أفسدوها، وجعلوا أعزّةَ أهلِها أذلّة، وكذلك يفعلون). وطغيان مشايخ الوهابية سبب آخر، فهؤلاء يخنقون المجتمع، وفي كل يوم لهم فتوى تضحك الثكلى وتدمر الآمال. وخنق المجتمع باسم الدين والسياسة وعدم القدرة على التغيير بالوسائل السلمية وغيرها، جعل البلاد جحيماً لا يطاق، ودفع المواطنين للهجرة (انفَقَعَتْ مرارتهم وهَجّوا).

ومن وجهة نظر الاعلامي سلطان الجميري، فإن الفقر أحد أهم دوافعها: (فالفقر في الوطنِ غُربة؛ والمالُ في الغربةِ وطن. وقصائد الوطنية لا تشتري حليبَ الأطفال)، حسب قوله. والصحفي وحيد الغامدي، يرى التشدد سبباً في الهجرة، فقد انتجت الطائفية والتكفير والتفجير، واضاف: (ايها المجلس الموقّر، ألا ترى بأنك مسؤول ـ عن الهجرة؟ فأنتَ يوما ما قد عرقلت مشروع قانون تجريم الطائفية).

الصحفي عيسى الحليان يكتب عن هجرة السعوديين؛ وينقل عن أحد المهاجرين قوله: (هاجرتُ لأعيشْ، وليس لأسترزق)؛ بمعنى ان هجرته لم تكن اقتصادية او بسبب الفقر، وإنما ليعيش حرّاً كريماً، حيث أن حرية الفرد منتهكة. ولاحظ أحدهم بأن البلاد المسعودة صارت مكروهة من جميع فئات المجتمع، فحتى ذوي الميول الداعشية والقاعدية لا يحبّون العيش فيها، ولذا تراهم يعيشون في (الشارقة) وغيرها.

الكاتب محمد الحمزة ـ كما آخرون قبله ـ اشتكوا من أن معظم المهاجرين السعوديين هم من اصحاب الخبرات والتخصصات المتميزة: مهندسين، أطباء، اعلاميين، اساتذة جامعيين، علماء وباحثين، تجار ومستثمرين. واضاف أنه يوجد في إمارة دبي وحدها ـ دون بقية الإمارات ـ اكثر من مائة ألف مواطن سعودي يعيش فيها بصفة دائمة. وفي الوقت الذي دعا الدكتور بدر كريّم الى الإهتمام بدراسة أسباب من يفكّر بالهجرة ويخطط لها جدياً، قبل أن يقوم بذلك، ردّ عليه الاستاذ الخريجي بأن المسألة لا تحتاج الى دراسة: (كم سبب تريدون يا قومي؟!). هل يكفي: الفقر والبطالة والفساد المالي، وانعدام حرية الرأي، ووجود ميليشات كهنوتية متطفلة، وغياب العدالة الاجتماعية؟

ورأى العديدون بأن الهجرة أصبحت (واجباً لمن استطاع اليها سبيلا) مثل الحج؛ وأنه لا يوجد شخص عاقل تُتاح له فرصة الهجرة، ويبقى في الجحيم السعودي. إنها ليست هجرة من بلد الى آخر، وإنما من سجن سعودي الى بلد حر، أو أقلّ استبداداً وقمعاً.

الذكور هم أكثر من يهاجر من المهلكة المُسعودة. ولولا قيود السفر على النساء فلربما تغيرت الموازين، وفررن من مملكة العبيد. الكاتبة شادية خزنْدار تقول أن الغربة مرّة، وهي تفضل البقاء الى أن يفرجها الله على المرأة ويتحسن وضعها وتنال حقوقها. والناشطة سحر نصيف تقول انها تفكر دائماً بالهجرة، ولكنها تتردد (أرجع اقول ما أسيب لهم ـ اي للأمراء ومشايخهم ـ بلدي، وبلد جدودي، وراح تتغير، عجبهم ولاّ ما عجبهم، ينقِلْعوا محلّ ما جَوْا). وأخرى: (لا والله ماني مهاجرة، وجالسة على قلبكم يا كلاب جهنم، يا أعداء الحياة). وثالثة: (صحيح الغربة صعبة، والوطن غالي، لكنه ليس أغلى من سنوات حياتنا التي تضيع هدراً).

بركاتك يا ملك الحزم والعزم والظفرات، أنت وعائلتك.

الصفحة السابقة