بين واشنطن والرياض:

طلاق أم تعديل في صيغة عقد الزواج؟

ناصر عنقاوي

يطرح في السنوات الأخيرة سؤال كبير حول مستقبل العلاقات الأميركية السعودية. وتتصدر الاجابات جميعها انتهاء شهر العسل الطويل بين الرياض وواشنطن، وبدء مرحلة الطلاق الطويل.

هناك من يرى أن العلاقة دخلت طوراً جديداً ولم تتراجع، وهناك من يرى بأنها راسخة وليس هناك من يريد أو يستطيع المساس بها، وثالث يرى بأنها علاقة ضرورية وتتأكد باتساع أفق المصالح.

الباحث الاميركي سيمون هندرسون الباحث في الشؤون السعودية كتب مقالة في مجلة فورين بوليسي في 19 إبريل الماضي حملت عنوان «الطلاق الطويل”. ذكّر الكاتب فيها بخطاب ألقاه الرئيس الاميركي باراك اوباما عام 2002 بمدينة شيكاغو عندما كان لا يزال عضواً في مجلس الشيوخ الاميركي، إذ انتقد حينذاك الرئيس الاميركي جورج بوش على خلفية الحرب على العراق وقال: اذا اراد بوش خوض معركة فلنخضها «لنضمن وقف ما يسمى بحلفائنا في الشرق الاوسط – المصريين والسعوديين – عن قمع شعوبهم وقمع المعارضة، وكذلك عن التغاضي عن الفساد وعدم المساواة”.

الكاتب أضاف بأن موقف اوباما تجاه السعودية لا يبدو أنه تغير منذ خطابه عام 2002. وذكّر بما كتبه جولدبرغ في مجلة اتلانتك من أن أوباما «منزعج من كون عقيدة السياسة الخارجية تجبره على معاملة السعودية كحليف”؛ وقال هندرسون بأن شكوك اوباما حيال السعودية انتشرت في ادارته، ووصلت الى مرحلة بات يخشى السعوديون من ان الادارة الاميركية تفضّل طهران على الرياض. كما اعتبر ان الجملة التي استحوذت على الاهتمام الاكبر في الرياض ضمن ما ورد في مقالة جولدبرغ هي تلك المتعلقة بضرورة ان تتقاسم السعودية النفوذ في المنطقة مع ايران.

هندرسون قال بان السعودية لا تريد اطلاقاً مشاركة المنطقة مع منافسها، وتراها تمثل تحدياً لما أسماه «زعامة السعودية للعالم الاسلامي» وتقوّض كذلك مكانة الرياض في العالم العربي، وأن ايران تمثل أيضاً تحدياً لمكانة الرياض كزعيمة «عالم الطاقة»، بعد احياء انتاج النفط الايراني في أعقاب الاتفاق النووي.

ويرى هندرسون أن مشكلة أوباما مع الملك سلمان لا تقتصر عند هذا الحد، فثمة قضية خطيرة وكبيرة وهي دور السعودية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، في ظل دعوات أعضاء الكونغرس برفع السرية عن «الصفحات الثماني والعشرين» الواردة ضمن تقرير اعدته لجنة تابعة للكونغرس قبل اعوام، والتي يقال أنها تشير الى دعم سعودي على المستوى الحكومي وغيره لمنفذي الهجمات. ولفت هندرسون الى «حساسية» الرياض تجاه هذا الموضوع والتي ظهرت جلياً عندما حذّرت من انها ستقوم ببيع ودائع لها بالولايات المتحدة بقيمة مليارات الدولارات في حال مرّر الكونغرس مشروع قرار يسمح برفع دعاوى قضائية على الحكومة السعودية في المحاكم الاميركية على خلفية ضلوع السعودية بهجمات الحادي عشر من سبتمبر (وفعلاً أجاز الكونغرس لعوائل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر ان يرفعوا دعاوى ضد الحكومة السعودية). وكان هندرسون قد كتب مقالاً سابقاً حول هذا الأمر اشتشهد فيه بتقرير حمل عنوان «الرشاوي الاميرية»، كان قد نقل عن رجلي مخابرات اميركيين كبار، وعن مسؤول سابق بإدارة بيل كلينتون، أن اميرين سعوديين إثنين كبار كانا يدفعان المبالغ المالية لزعيم القاعدة السابق اسامة بن لادن منذ تفجيرات الرياض عام 1995 التي قتل فيها خمسة مستشارين عسكريين اميركيين.

ومن المؤكد هنا انه يشير الى أن أحدهما هو تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق. فضلاً عن أخته هيفاء الفيصل زوجة الأمير بندر المتهم هو الآخر، والتي دعمت بعض خاطفي الطائرات ومفجري نيويورك وواشنطن.

وأكمل الكاتب بأن المسؤولين الاميركيين والبريطانيين كشفوا إسمي الأميرين السعوديين الاثنين. وأضاف أنهما كانا يدفعان مبالغ الى بن لادن من صندوق الدولة، كي يثير الاضطراب في مختلف الاماكن ولكن ليس داخل المملكة. ولفت بان المبالغ كانت عبارة عن «مئات الملايين من الدولارات» وأن هذه العملية استمرت بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر. وقال هندرسون بأنه سأل مؤخراً مسؤولاً بريطانياً عما اذا كانت عمليات دفع هذه المبالغ قد توقفت، فاجاب بانه «يأمل ذلك، لكنه ليس متأكداً».

وشدّد الكاتب على أن القيادة السعودية، وفي حال ارادت ترميم العلاقة مع الولايات المتحدة، فعليها إيجاد سبيل لازالة الاجابة عن كل هذه الاسئلة، لكنّه اعتبر بالوقت نفسه أن الانتقادات التي وجّهها أوباما في مقالة الصحفي جولدبرغ تجعل العودة الى «الالفة الدبلوماسية والاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة مستحيلة على الارجح بأية حالة من الاحوال”.

وختم هندرسون بالقول ان ادارة اوباما ربما دخلت عصراً جديداً من العلاقات بين واشنطن والرياض، وهو عصر تسوده الشبهات وتوسيع الهوة اكثر من الاعوام السابقة.

ماذا فعل السعوديون لنا؟

المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية باول بيلر كتب مقالة في ناشيونال انترست بتاريخ التاسع عشر من إبريل الماضي بعنوان «ما الذي فعله السعوديون من أجلنا مؤخراً؟”، جاء فيها قوله أن مسألة النفط لا تفرض اعطاء اميركا لقب (الحليف) للسعودية، مشيراً الى ثورة النفط الصخري التي غيرت اعتماد واشنطن على النفط السعودي. وأضاف ان المصلحة الاميركية تقتضي استمرار صادرات النفط على المستوى العالمي، وبالتالي فكلّما توسعت قاعدة الدول التي تستورد النفط السعودي، كلّما قلّت امكانية فرض حظر على السعودية لأسباب سياسية.

ورأى بيلر ان التعاون في مجال مكافحة الارهاب عادة ما يشار اليه على انه مرتبط بالعلاقة الاميركية السعودية، لكنه قال أن «التحالف» غير ضروري من أجل مكافحة الارهاب بشكل فاعل، وان السعودية تشكل جزءً من المشكلة حتى أكثر من الحل فيما يخص محاربة الارهاب، لافتاً الى دور العقيدة الوهابية السعودية في هذا و»مساعي النظام السعودي السابقة لتصدير مشكلة الراديكالية» الى دول اخرى.

وشدّد الكاتب على أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الوقوف مع طرف معين في الصراع بين السعودية وايران، ومتهما السعودية بأنها تزعزع استقرار المنطقة جرّاء دعمها الجماعات المسلحة. كما لفت الى ان الوقوف ضد ايران لا يمكن ان يكون تحت حجة التصدي لانتشار الاسلحة البالستية في الشرق الاوسط، إذ ان السعوديين سبقوا ايران بهذا المجال عندما قاموا بشراء اسلحة متوسطة المدى من الصين قبل اعوام (والتي تعرف باسم سيلك وورم).

وتابع الكاتب بأنه لا يمكن الوقوف الى جانب السعودية ضد ايران بحجة الوقوف مع من يشارك القيم مع اميركا، واصفاً النظام السعودي بأنه من بين الأنظمة الاقل ديمقراطية في العالم، حيث لا يوجد في السعودية حريات دينية، ويفرض قيودا كبيرة على حريات الافراد. وقال بأن إيران هي «اقرب الى الغرب في هذه النواحي من السعودية”.

السناتور مورفي: إعادة النظر في العلاقات

من جانبه، وجّه السناتور الأميركي عن الحزب الديمقراطي كريس مورفي انتقادات لاذعة للسعودية. ودعا خلال ندوة نظمها معهد بروكنز في الحادي والعشرين من إبريل الماضي الى اعادة النظر بطبيعة العلاقات الاميركية السعودية. وقال مورفي الذي يرعى هو والسناتور الجمهوري راندل باول مشروع قرار قدّماه الى الكونغرس منتصف إبريل الماضي يحدّد شروط جديدة لتقديم المساعدات العسكرية الاميركية الى السعودية في ظل الحرب على اليمن، قال إن «الناس يلحظون نفاقنا بالشرق الاوسط عندما نتحدث عن القيم بينما يبدو ان (مسألة القيم) في اسفل الاولويات» في إطار العلاقات الاميركية السعودية.

وشكك مورفي بمدى التزام الرياض بمحاربة تنظيمي القاعدة وداعش على ضوء الحرب على اليمن، ولفت الى ان النزاع في اليمن «أوجد مساحة هائلة كي تنمو القاعدة»، وتحدّث عن نمو «بلا منازع» للقاعدة بسبب عدم ملاحقة الجماعة من قبل التحالف الذي تقوده السعودية. وشدد السناتور الاميركي على أنه «لم يسبق وان رأينا تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يسيطر على مساحات كبيرة من الاراضي ويحصل على الدخل المالي»، مضيفاً انه ليس هناك الكثير من الكلام يقال عن سبب سماحنا بمواصلة ذلك.

وأكد مورفي خلال مقابلة اجريت معه ضمن برنامج PBS News hour في الحادي والعشرين من إبريل الماضي، على ان ضحايا الحرب على اليمن هم في وضعية «كارثية»، ونبّه الى ان الحرب على اليمن تشن بالاسلحة والطيران الاميركي. وكرّر كلامه عن عدم استهداف السعوديين أي من القاعدة أو داعش في اليمن، وشدّد على انه ما من شك بأن «جزءً من جذور القاعدة وداعش يمر عبر تصدير السعودية للوهابية”.

مملكة التخلف وتصدير التعصّب

الصحفي الاميركي نيكولاس كريستوف كتب مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في العشرين من إبريل الماضي وحملت عنوان: «أوباما في السعودية: مصدّرة النفط والتعصب الديني”، قال فيها أنه من المهم الاعتراف بوجود «سلالات تعصب وتطرف داخل العالم الاسلامي»، لافتاً الى ان السعودية هي مصدر الكثير من هذه السلالات. وتحدّث الكاتب عن «دور غادر» تلعبه السعودية بزرع الفوضى و»تشويه صورة الاسلام في جميع انحاء العالم»، معتبراً أن «القادة السعوديين يلحقون ضرراً أكبر بكثير بالاسلام مما يمكن ان يلحقه أي من ترامب وكروز».

واتهم الكاتب السعودية بالترويج للتطرف والكراهية خاصة تجاه النساء، إضافة الى تأجيج الانقسام «السنّي ـ الشيعي الذي يتجسّد بالحرب الأهلية الشرق أوسطية» على حد وصفه. وعليه، يجب اعادة تسمية السعودية «بمملكة التخلف”.

وقال الكاتب بأن الأمر يتعدى قضية أن النساء السعوديات ممنوعات من قيادة السيارة، كما يتعدى منع بناء الكنائس في السعودية، أو بكون الشيعة داخل السعودية يتعرضون للقمع الوحشي.. فهناك تأثير كبير لرجال الدين السعوديين ونشر عالمي لآرائهم المتطرفة، وتمويل المدارس «الدينية» في الدول الفقيرة بغية زرع الكراهية. فمن «باكستان الى مالي»، لعبت المدارس «الدينية» المموّلة سعودياً في زراعة التطرف الديني وأحياناً انتاج الارهابيين.

ورأى الصحفي كريستوف أن «السعوية تشرّع التطرف والتعصب الاسلامي حول العالم»، وأن وقف التفجيرات في أماكن مثل بروكسل أو سان برناردينو بولاية كاليفورنيا يتطلب وقف التحريض من قبل السعودية ودول خليجية أخرى. وقال بأن الخطأ الاكبر الذي ارتكبه اوباما هو توفير السلاح للسعودية من اجل شن الحرب على اليمن، منبّهاً من أن ذلك يورّط اميركا بأعمال قد تكون جرائم حرب بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش.

وختم بأنه حان الوقت للإعتراف بأن السعودية ليست مجرد «محطة وقودنا»، بل إنها أيضاً «منبع السم في العالم الاسلامي» وإن «تعصّبها الأعمى» هو الذي يؤجج التعصب الاعمى بالداخل الاميركي.

إجبار الرياض على التغيير

الكاتب الباكستاني سلمان رافي شيخ كتب مقالة نشرت على موقع (آسيا تايمز) في الثاني من مايو الجاري، قال فيها أن الهوة بين الولايات المتحدة والسعودية تتسع في الوقت الذي تمضي به أميركا نحو تطوير العلاقات مع ايران، مشدداً على ان «ثمانية عقود من العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن و الرياض تشهد تغيراً جوهرياً». وبينما استبعد زوال علاقة الصداقة بالكامل والتحول نحو العداوة، فإنه ينظر الى شروط العلاقة القوية والاستراتيجية بين الجانبين بأنها تتغير بشكل تدريجي.

ورأى الكاتب أن من اهم أسباب ذلك هو عامل النفط، إذ لفت الى ان تقلص اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي، ودور الرياض في «إثارة نزاعات جهادية» والترويج لجماعات متطرفة، ودورها في تفجيرات سبتمبر، كان من جملة الأسباب في فتور العلاقات بين البلدين.

واستبعد الكاتب ان تتخلى الولايات المتحدة بالكامل عن السعودية، اذ أن ذلك سيخلق فراغاً بين الولايات المتحدة وأغلب دول الخليج قد تملؤه روسيا والصين. وأضاف ان واشنطن غير مستعدة لهذه المجازفة وأن تركيزها الاساس هو على إجبار السعودية على تغيير بعض سياستها، خاصة الدعم المستمر الذي تقدّمه لبعض الجماعات المتطرفة في سوريا واليمن. واستبعد الكاتب عودة العلاقات الاميركية السعودية الى طبيعتها مع انتخاب الرئيس الجديد في الولايات المتحدة، اذ إن واشنطن لا تستطيع إعادة علاقاتها مع ايران الى ما كانت عليه قبل الاتفاق النووي، وكذلك لا تستطيع ان تتحمل الانخراط العسكري لوقت طويل في الحروب التي اشعلها آل سعود في الشرق الاوسط.

الصفحة السابقة