ابن سلمان لم يحقق أي منجز يمنحه المصداقية

رؤية محمد بن سلمان والصراع على السلطة

محمد الأنصاري

ليس من خبراء الشأن السعودي من أخطأ في الربط بين رؤية بن سلطان والصراع على العرش، فرؤية مرسومة لعام 2030 لا يمكن توقّع تنفيذها، بحسب تقديرات الاعمار الطبيعية للبشر، في حياة سلمان، البالغ من العمر حالياً 81 عاماً. وعليه، فإن ابنه محمد بن سلمان وضع رؤية مفصّلة على مقاسه ملكاً متوّجاً.

بعد إقرار الرؤية، بات كل شيء يفسّر على أنه تطابق مع أهدافها والمسار المرسوم لها. فقد كان استبدال وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي بخالد الفالح، قد فسّره سايمون هندرسون، الباحث في معهد الشرق الأدنى بواشنطن، على ان محمد بن سلمان ربما يركز انظاره على استهداف ايران والحد من قدرتها على الاستفادة من الارباح الناتجة عن تخفيف العقوبات. وقال ان ابن سلمان قد «أذل» النعيمي خلال اجتماع للدول المنتجة للنفط في إبريل الماضي في قطر، عندما رفض في اللحظة الاخيرة اتفاق على تجميد الانتاج لان الاتفاق لا يشمل ايران».

واعتبر هندرسون ان استبدال النعيمي، كما التغييرات التي أجريت في السعودية، ترمي الى توفير هيكل لرؤية ابن سلمان لعام 2030. كما رأى ان دور محمد بن سلمان في صناعة القرار قد بلغ مرحلة حيث يمكن السؤآل عما اذا كان الملك سلمان سيعين نجله محمد بمنصب رئيس الوزراء (و هو منصب يحتّله الملك نفسه حالياً). واعتبر ان تسلم محمد بن سلمان هذا المنصب سيجعل من شبه الحتمي أن يصبح الأخير الملك المقبل، إذ إن ذلك سيهمش أكثر ولي العهد الحالي محمد بن نايف، الذي هو من «المفضلين لدى واشنطن و الذي لديه تجربة أكبر بكثير في الحكم».

كما تحدث هندرسون عن امكانية «استهداف» ابن سلمان قريباً لوزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله، نجل الملك عبدالله الراحل وأحد الحلفاء القريبين من محمد بن نايف. وأشار الى ان ابن سلمان يريد ضم الحرس الوطني الى وزارة الدفاع (التي يرأسها كوزيراً للدفاع الى جانب منصبه كولي ولي العهد). وعليه حذّر من أن أي خطوة ضد الحرس الوطني قد تشعل أزمة داخل العائلة المالكة، معتبراً في الوقت نفسه أن ابن سلمان لا يهتم كثيراً بالاجماع داخل العائلة المالكة. وعليه، نبّه هندرسون من أن مثل هذه الخلافات الداخلية في السعودية قد يكون لها عواقب دولية، وقد تقلّص كذلك نفوذ الولايات المتحدة في الرياض بشكل كبير.

 
المحمدان.. ولعبة التذاكي على بعضهما البعض!

الباحث في مركز الامن الاميركي جون الترمان، كتب على موقع المركز بتاريخ التاسع من مايو الماضي أن محمد بن سلمان يواجه تحديين اثنين في مساعيه لتحقيق «رؤية السعودية 2030»: التحدي الاول، بحسب الكاتب، يتمثل بالعائلة المالكة نفسها وشركائها من رجال الاعمال الكبار، إذ إن لدى هذه الاطراف مصالح اقتصادية كبيرة في هيكل النظام الموجود حالياً. بالتالي نبّه الى أن ما يخطط له ابن سلمان يهدد «أرزاق» عشرات المليارديرات.

اما التحدي الثاني، يقول الكاتب، فيتمثل بكون السكان إعتادوا إجمالاً على غياب الضرائب و تقديم الاعانات، وعليه، فإن تغيير هذا النظام سينظر إليه المجتمع على أنه تحول نحو نظام إرتفعت فيه الأسعار من دون التعويض عبر زيادة الدخل، وهو ما سيخلق حالة من الاستياء.

ولفت الكاتب الى أن ابن سلمان لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز حقيقي يعطي له «مصداقية فورية»، إذ أن الحرب على اليمن استمرت أكثر مما كان يتصور أحد، وبالتالي فإن من الصعب أن تحظى مشاريعه الاقتصادية بمصداقية كبيرة. وأشار أيضاً الى أن كبار الشخصيات في العائلة المالكة قد يحاولون تقويض نجاح ابن سلمان، وعليه قال إن «ادارة سياسات» المقترحات الاقتصادية سوف تشكل صراعاً حقيقياً.

لم يكن هدف رؤية محمد بن سلمان محضاً.

كان هدفه السيطرة بشكل شبه كامل على مفاصل الحياة الإقتصادية في المملكة، بما في ذلك السيطرة على أموال الدولة، وعلى استثماراتها، وعلى شركة أرامكو النفطية التي تدر غالبية دخل الدولة، وعلى أموال الضرائب، وعلى أموال الزكاة، وعلى كل المؤسسات الإقتصادية بما فيها وزارة المالية ومؤسسة النقد والأهم: أراضي الدولة بمجملها والتي تسمى احيانا (اراضٍ رحمانية).

وكان هدف محمد بن سلمان، تهميش دور ولي العهد محمد بن نايف كصانع قرار او ان يكون له اي دور في المجال الإقتصادي، فيما هو اي محمد بن سلمان، يتمدد بسلطاته الى الفضاء الأمني والعسكري، ليسيطر على كل شيء تقريباً في الدولة، بإسم (رؤية 2030) او (التحول الوطني) أو (الإصلاح الاقتصادي).

جوهر رؤية محمد بن سلمان، سياسي، حيث أصبح محمد بن نايف مجرد اسم، لا صلاحية له إلا على جهاز وزارة الداخلية، وحتى هذا الجهاز تدخّل محمد بن سلمان فيه، وامر ـ بإسم الديوان الملكي ـ الذي هو رئيسه، عزل عدد من القيادات الأمنية الموالية لابن عمه ولي العهد.

الإعلام الرسمي والشعبي وجد نفسه ايضاً في اتجاه التطبيل لابن الملك، كمنقذ للدولة: اقتصادا وسياسة وأمناً وعسكراً. ديناً ودنياً!

التمدد من فضاء الى آخر، هو ديدن محمد بن سلمان، وهدفه النهائي ان يصبح الملك التالي، على أرض الواقع قبل ان يتوج ذلك رسمياً.

هذه الخطة تجري بعلم أبيه الملك.

والملك يرى أن هناك شخصيتان يجب تكسيرهما قبل الذهاب الى (الدوري النهائي)، ليستلم محمد بن سلمان كأس السلطة كاملاً.

الأولى، محمد بن نايف ولي العهد. والخطة تقضي بتجريده من كل صلاحياته الممكنة، حتى كونه رئيس مجلس الأمن والسياسة، فمن الواضح ان محمد بن نايف لا يستطيع حتى السفر الى الخارج دون إذن محمد بن سلمان، المتحدث باسم والده.

والثانية، وهي الأضعف، متعب بن الملك عبدالله، وزير الحرس الوطني، المتحالف ضمنياً مع ابن نايف، ويريد محمد بن سلمان السيطرة على كامل الجهاز العسكري، كونه وزيراً للدفاع، وقد عينه ابوه قبل اشهر في لفتة غامضة بأنه مسؤول عن (كافة القوات المسلحة)!

لهذا كله، فإن الرؤية ضرورة لمحمد بن سلمان، فهي بوابته ليصبح الملك القادم، سواء نجح في المهمات التي أوكلها الى نفسه، أم فشل فيها.

 
تسريبات محمد بن نايف ضد عاصفة الحزم وغريمه محمد بن سلمان

حتى الآن، لم ينجح ابن سلمان في شيء اقتصادياً او عسكرياً، خاصة وحرب اليمن أكبر دليل على ذلك.

وكان محمد بن نايف يعوّل على فشل غريمه وزير الدفاع محمد بن سلمان، ليطيح به، ويضمن بقاءه في منصبه.

لهذا سرّب محمد بن نايف كلاماً قاله في اجتماع خاص مع مسؤولين خليجيين نشرته صحيفة الوطن السعودية في الثاني من يونيو الجاري، يقول فيه: (الملاحظ ان عملية عاصفة الحزم طال امدها وخرجت عن توقعاتنا نتيجة لعدم قيام دول التحالف بالمهام الموكلة اليهم). واضاف: (كان المتوقع ازاحة نظام الأسد بمساعدة تركيا وامريكا، وعولنا كثيرا على التطمينات، ولكن لم تتحقق الوعود على ارض الواقع). وخلص الى أن (كل هذه الأمور تحتم علينا ان نراجع سياساتنا وحساباتنا، وإن تطلب الأمر، فعلينا تقديم تنازلات حقيقية ومؤلمة في كل الملفات الانف ذكرها)، موضحاً، ان التنازلات ضرورية في تلك الملفات ( اذا ما أردنا جرّ العالم العربي الى بر الأمان وتخليصه من الإقتتال والتناحر). لكن الصحيفة سرعان ما حذفت الخبر من موقعها، وزعمت ان اختراقاً جرى لأجهزتها.

وعموماً لا يتوقع ان ينجح محمد بن سلمان في أي ملف من الملفات السياسية والإقتصادية والعسكرية، وكلما زادت صلاحياته، زادت مسؤوليته عن الفشل المتراكم. لكنه في هذه المرحلة لا يهمه النجاح أو الفشل، بقدر ما يهمه السيطرة على البلاد بأسرع وقت قبل أن يتوفى والده.

على الصعيد الاقتصادي، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في 25 مايو الماضي تحت عنوان (مستقبل السعودية محفوف بالمخاطر في ظل تراجع عائدات النفط) أنه «ومع تواصل انخفاض أسعار النفط التي تلحق خسائر فادحة بالسعودية، وما يتسبب من الاضطرابات العمَالية نادرة الحدوث، يسعى حكام السعودية لإحداث تغييرات جذرية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد».

وذكرت الصحيفة في تقريرها ان الشركات في البلدان المصدرة للنفط أجبرت على الإطاحة بعشرات الآلاف من موظفيها خلال الأشهر الأخيرة، ويقول محللون إن الحكومات فرضت تدابير التقشف المؤلمة على المواطنين، ما يهيئ الظروف لاضطرابات مماثلة لتلك التي شهدتها المنطقة إبان الاحتجاجات التي شهدتها الدول العربية».

ولفتت الصحيفة الى أنه «في أواخر إبريل الماضي، قام عمال البناء بإحراق الحافلات خلال تظاهرات لهم في مدينة مكة المكرمة، احتجاجاً على عدم تقاضيهم رواتبهم منذ شهور. كل ذلك يأتي ليضيف إلى حالة عدم الارتياح الناجمة عن الصعود المثير للجدل لنجل الملك ووزير الدفاع البالغ من العمر 30 عاما»محمد بن سلمان» الذي يتولى مسؤولية خطط الإصلاح الاقتصادي، ولكن التنافس داخل العائلة المالكة وبين النخب الدينية يعيق محاولاته لتوطيد سلطته».

(واشنطن بوست) أشارت الى أن «الظروف التي أنتجت الربيع العربي قبل 5 سنوات لم تذهب بعيداً. وتبدو الأمور أكثر مدعاة للقلق في السعودية الآن. ووفقا لـ»بروس ريدل» مستشار السياسة الخارجية الأسبق للرئيس أوباما وكبير المحللين في معهد بروكينغز، تمكنت السعودية بفضل نظام الرعاية الاجتماعية السخي الممول من عائدات النفط من تجنب الاضطرابات الكبيرة حين اندلعت الاحتجاجات في كل من مصر وتونس وليبيا في عام 2011».

ولفتت الصحيفة الى أن «السعودية، حليف الولايات المتحدة والمصدر الأكبر للنفط في العالم، لا تزال بلداً غنياً. وقد نجحت سلفاً في التعامل مع موجة سابقة من انخفاض الأسعار من قبل. ولكن حتى مع ارتفاع أسعار النفط الخام وصولاً إلى ما يقرب من 50 دولاراً للبرميل ارتفاعاً من 30 دولاراً في وقت سابق من هذا العام، فإن المحللين لا يتوقعون أن تعود الأسعار في أي وقت قريب إلى المستويات المرتفعة التي كانت عليها قبل عامين..وتعد المنافسة الدولية في أسواق الطاقة مسؤولة بشكل جزئي عن انهيار الأسعار. وكذلك السياسة السعودية التي عمدت إلى محاولة إفلاس المنافسين في البلدان الأخرى عن طريق الحفاظ على مستويات إنتاج مرتفعة نسبيا».

وترى الصحيفة ان البطالة تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للسعوديين، وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، والذين يشكلون الغالبية بين 22 مليون مواطن في المملكة..وقد تقلّص النمو الاقتصادي في البلاد بشكل ملحوظ مؤخراً، كما نما عجز الموازنة بشكل كبير. وقد دفع ذلك صندوق النقد الدولي للتحذير في العام الماضي من أن المملكة قد تستنفذ احتياطاتها النقدية خلال أقل من خمسة أعوام إذا فشلت في إجراء إصلاحات”.

هذا وقد استجابت السلطات لهذه الأزمة عن طريق خفض الدعم عن المياه والوقود والكهرباء، ولكن يقول الخبراء الماليون أن هناك حاجة ماسة إلى ما هو أكثر من ذلك وربما إلى فرض الضرائب التي تعد قضية شديدة الحساسية بالنسبة للسعوديين. ولكن بعض السعوديين كانوا مستعدين لقبول مثل هذه التغييرات شريطة أن تكون تدريجية ومقبولة. ومعظم الناس يتفهمون أن هناك حاجة ماسة إليها. ولكن الكثيرين يشككون فيما إذا كانت التغييرات الضرورية يمكن إدخالها بالسرعة الكافية في مثل هذا المجتمع المحافظ الذي يدار من قبل حكم ملكي مطلق لديه رغبة قليلة في إدخال أي إصلاحات سياسية، حسب ما أشارت الصحيفة.

وتحت عنوان «مقاومة من قبل المؤسسة الدينية»، تقول «واشنطن بوست» أن محمد بن سلمان أثار بدوره إنزعاجاً كبيراً بين السعوديين بما في ذلك بعض أعضاء العائلة المالكة بسبب شن حرب مكلفة في اليمن ومواجهة إيران المنافسة في جميع أنحاء المنطقة بقوة. وفي شهر مايو الماضي قام سلمان بإجراء تعديلات أخرى في الحكومة جرى تفسيرها على أنها تمهّد الطريق لابنه نحو الصعود إلى العرش. ولكن القضية الأكثر إلحاحاً فيما يبدو أنه لم يعد هناك متسع لدعم الاقتصاد بالمزيد من تدفقات النقد. ويبدو أن هذا ما أدى إلى مظاهرات خلال شهر ابريل الماضي من قبل العاملين في مجموعة بن لادن الذين تم الاستغناء عنهم ويقدرون بعشرات الآلاف من العمال معظمهم من غير السعوديين بعد أشهر من عدم تلقي رواتبهم. وقد قدر حجم ديون الشركة بحوالي 30 مليار دولار جزء كبير منها ديون مستحقة على الحكومة التي لم تقم بسداد فواتيرها».

الصفحة السابقة