محمد بن سلمان في واشنطن

مقدرات البلد مقابل العرش!

محمد فلالي

في 3/6 انفردت (رويترز) بنشر خبر عن زيارة مرتقبة لوزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان الى واشنطن، وقالت أن الزيارة قد تشمل لقاءً مع الرئيس أوباما، وسط احتكاك متصاعد بين الحليفين. وفي 14/6 قالت صحيفة (عكاظ) أن الزيارة تأتي «استجابة للدعوة المقدّمة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية»، وأنها مخصّصة «لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك». في الشكل، أثارت الزيارة منذ بدايتها جدلاً واسعاً، فبعد وصوله الى الولايات المتحدة، في 13/6، الموافق للثامن من رمضان، كان الامير محمد بن سلمان خارج جدول زيارات البيت الأبيض، بحسب الناطق باسم البيت الأبيض ديو تيانواتش في تصريح لمجلة (فورين بوليسي) في 14/6: “لا تأكيد حتى الآن حول أي لقاءات البيت الأبيض”. حتى ذلك اليوم، كان الغياب سيد جدول زيارات إبن سلمان، وحتى لقاء مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، الممقوتة من الرياض لأسباب سياسية وأخرى عنصرية، لم يكن مؤكّداً ما غذّى شكوك مراقبين للشأن الخليجي حول ما وصفته المجلة «إهانة دبلوماسية» للأمير ابن سلمان.

على الفور وضع الأمر في سياق الخلافات السياسية الحادة بين واشنطن والرياض، فيما ساور الريب مسؤولين أمريكيين من أن إبن سلمان يحاول توظيف التحالف الاستراتيجي مع واشنطن في الصراع على السلطة، بينه وبين ولي العهد محمد بن نايف. ولا شك أن صراع الأجنحة يحضر بقوة في اللقاءات، ولا يغفل الرئيس أوباما حاجة إبن سلمان الى دعم البيت الأبيض لتعزيز حظوظه في العرش. وقد يكون التلكؤ في الاستجابة السريعة لرغبة إبن سلمان في لقاء الكبار في الادارة الاميركية مقصوداً، لمنع استغلاله في الصراع مع ولي العهد محمد بن نايف. وبحسب ديفيد أتاوي، الخبير في الشأن السعودي في مركز ويلسون في واشنطن، فـ»من غير المألوف بالنسبة للسعوديين أن يقولوا بأن الأمير سوف يلتقي أوباما، وأن لا يؤكد البيت الأبيض ذلك، فبالتأكيد كانوا يعلمون بأنه قادم».

كان بإمكان البيت الأبيض استخدام ذريعة العمل الارهابي في أورلاندو لعدم استقبال الرئيس أوباما الأمير، أو حتى إلغاء جدول الزيارات بالمطلق، ولكن لايبدو الأمر على هذا النحو، فإن ثمة رسالة أراد البيت الأبيض إيصالها للأمير ولوالده قبل حسم مواعيد اللقاءات، ولا شك أنها تتعلق بقضايا خلافية.

قبل أن يفرش البيت الأبيض السجادة الحمراء للأمير الشاب، كان الاعتقاد بأن المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية يفضلون التعامل مع محمد بن نايف، بسبب خبرته الطويلة في مجال الاستخبارات وقضايا مكافحة الارهاب. ولكن البراغماتية السياسية الأميركية تتغلب دائماً على الاعتبارات الشخصية، دع عنك المبدئية. فالغموض حول موعد اللقاء بين إبن سلمان والرئيس أوباما قد حسم في 17 حزيران، حين أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض إيريك شولتز أن الرئيس أوباما سوف يلتقي مع الأمير محمد بن سلمان عصر اليوم التالي، 18 حزيران، في المكتب البيضاوي. وعليه، فقد بدأ إبن سلمان زيارته الى الولايات المتحدة في 13 حزيران، ولم يلتق بالرئيس أوباما الا في 18 حزيران، وسوف تخصص أجندة اللقاء لمواكبة قمة الرئيس مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في نيسان الماضي، حسب شولتز، وسوف تتركز في الغالب على «استعادة الاستقرار الى النزاعات الاقليمية التي شهدناها، وتعاوننا مع السعوديين ضد الدولة الاسلامية، والخطة الاقتصادية الجديدة للمملكة».

انها الزيارة الثالثة لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى الولايات المتحدة خلال عام تقريباً، الأولى في أيار (مايو) 2015، برفقة إبن عمه ومنافسه ولي العهد محمد بن نايف، على هامش قمة كامب ديفيد، بهدف احتواء مخاوف دول الخليج على خلفية الاتفاق النووي مع إيران. والثانية في إيلول (سبتمبر) 2015 برفقة والده، الملك سلمان، بهدف «تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين»، حسب البيان الصادر عن البيت الأبيض. والثالثة في حزيران (يونيو) 2016، وهي زيارة منفردة يقوم بها محمد بن سلمان في سياق تطبيق برنامج التحول الوطني المعبّر عنه بـ «رؤية السعودية 2030».

أول الدلالات التي تحملها زيارة إبن سلمان، أنها جعلت منه الرجل الأول بلا منازع، على حساب الوريث الافتراضي للعرش بعد الملك سلمان، أي محمد بن نايف. فقد كان ينظر الى الأخير إلى حين وصول سلمان الى سدّة السلطة، باعتباره رجل واشنطن في المملكة، إلى جانب وزير الخارجية عادل الجبير، ولكن بدا الحال في زيارة إبن سلمان مختلفاً، عما كان عليه حتى أيار (مايو) 2015، حين كانت النظرة لابن نايف على أنه «الشريك الحيوي في مكافحة الارهاب».

 
اضحك بوجهه، وانهب أموال الشعب!

إن زيارة إبن سلمان واللقاءات التي تخللتها أثارت أسئلة مشروعة عن مستقبل العرش، بنفس القدر الذي بعثت من المخاوف لدى إبن نايف، ما قد يرغمه على التأقلم مع وضع جديد قد لا يكون فيه ملكاً في المستقبل. فاللقاءات التي عقدها محمد بن سلمان تطاول المجال الحيوي الذي كان ينفرد به إبن نايف، وهو قضايا الإرهاب والأمن عموماً.

وفد إبن سلمان يشي بأهداف الزيارة، إذ ضم كلاً من وزير المالية إبراهيم العساف، ووزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي، وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح، ورئيس الاستخبارات العامة خالد الحميدان، ووزير الثقافة والإعلام عادل الطريفي، ووزير الخارجية عادل الجبير، وآخرين.

بالرغم من الانطباع السائد عن الزيارة بأنها مخصّصة لاستدراج عروض استثمارية من شركات أميركية كبرى في مجالات التكنولوجيا المتطوّرة، والمال، والعقارات، وغيرها.. الا أن «رؤية» إبن سلمان كما يراها خبراء بالشأن السعودي، ورقة اعتماد سياسي لصنّاع القرار في الولايات المتحدة، لدعمه مرشّحاً راجحاً للعرش. وإن الرؤية بما تنطوي عليه من فرص حيوية للإقتصاد الأميركي، تجعله الرهان الأوفر حظاً لدى واشنطن في السنوات المقبلة. وهناك في واشنطن من التقط رسالة إبن سلمان وبنى عليها، إذ ينظر مسؤولون أميركيون اليه بوصفه شريكاً يمكن الاعتماد عليه، وأنه يمثل «المستقبل المشرق، ونحن بحاجة للحفاظ على التحالف» حسب السناتور الجمهوري ليندزي غراهام. وبالنسبة للباحث سيمون هندرسون، في معهد واشنطن، فإن معادلة العرش قد تبدو محسومة، وحسب قوله: «كما يبدو فإنه ـ أي محمد بن سلمان ـ سوف يكون ملك السعودية وأن على الولايات المتحدة أن تتعايش مع ذلك».

ويعتقد بأن العقبات التي تعرقل بناء شراكة استراتيجية بين الرياض وواشنطن (ضلوع السعودية في هجمات 11 إيلول مثالاً) لن تصمد أمام التعويض بالغ السخاء الذي يقدّمه محمد بن سلمان. إن الوعد الذي قدّمه الملك سلمان في لقائه بالرئيس أوباما في إيلول 2015، بوضع اللبنات الأولى لمشروع إعادة انتاج تحالف حيوي بين السعودية والولايات المتحدة، دخل حيز التنفيذ في زيارة إبن سلمان الذي تحوّل الى عرّاب لرؤية مدججة بشتى البشائر المرجوة للنهوض بالاقتصاد الأميركي، عن طريق ابرام عشرات الصفقات الاستثمارية العملاقة مع الشركات الاميركية الكبرى. وسوف تعتمد السعودية على المستثمرين الأميركيين لمساعدتها في جهودها لتنويع مصادر الدخل وتسريع النمو من خلال توظيف 750 مليار دولار، تمثل كامل الاحتياطي النقدي لديها في الولايات المتحدة.

إن ربط الزيارة برؤية إبن سلمان لوضع نهاية للاعتماد على النفط وتحرير الاقتصاد السعودي، هو شيفرة التحالف الجديد بين واشنطن والرياض. ملفات أخرى مثل مناقشة الحرب على اليمن مع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، إلى جانب الحرب الأهلية في سوريا في ضوء تمسّك الرياض بخيار إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وتقديم الدعم العسكري للمتمرّدين، هي تحصيل حاصل في سياق الرؤية الشاملة للتحالف الثنائي.

بصورة إجمالية، كانت زيارة إبن سلمان ذات بعدين: سياسي/ عسكري /أمني واقتصادي، حيث كرّست لقاءات واشنطن لمناقشة الملفات السياسية/ العسكرية/ الأمنية مع وزير الخارجية جون كيري، ووزير الدفاع كارتر، ومدير السي آي أيه جون برينان، ورئيس هيئة التحقيقات الفيدرالية إف بي آي جيمس كلابر، الى جانب لقاء مع زعيمة الاقلية الديمقراطية نانسي بيلوسي، وقادة الكونغرس. فيما خصّص نيويورك للقاءات عمل مع وزيرة التجارة الأميركي بيني بريتزكر، ورئيس غرفة التجارة الامريكية توماس دناهيو، ومدير مجلس الاقتصاد القومي جيف زاينتس، وشركات مالية وتجارية، وممثلي القطاع الخاص في الولايات المتحدة، والانتقال منها الى ولاية كاليفورنيا للقاء عدد من مدراء الشركات الكبرى، في سياق تطبيق خطة الاستثمار عابرة للقارات.

جدول أعمال إبن سلمان ونوع الشخصيات النافذة التي قابلها، هي في حقيقة الأمر: الدوائر المسؤولة عن توفير الدعم المطلوب له كيما يصبح «الشريك الكامل» للولايات المتحدة في المرحلة المقبلة. وإن نجاح فريق إبن سلمان في كتابة «مذكرات التفاهم» مع الشركات الكبرى، يضمن له فرصة راجحة في أن يكون الملك القادم، الذي سوف يقود الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن. بطبيعة الحال، فإن الاختبار المصيري الذي يواجهه إبن سلمان، يتوقف أيضاً على قدرته على إحداث اختراق في علاقاته داخل العائلة المالكة، إذ إن المسار الخاطف الذي سلكه في الوصول الى موقع صانع القرار الأول، في عائلة يزيد عدد أفرادها عن عشرة آلاف أمير وأميرة، وتضم عشرات الأمراء النافذين مالياً وإجتماعياً وأيضاً عسكرياً، يضعه أمام تحديات مصيرية.

في السياق، تأتي الشائعات حول الوضع الصحي للأمير محمد بن نايف، بحسب بروس ريدل ـ الضابط في الاستخبارات الوطنية سابقاً، وعضو الفريق الانتقالي للرئيس أوباما ـ في 17 حزيران الماضي، إذ أخبر ريدل قناة إن بي سي بأن محمد بن نايف يعاني من أمراض صحية. وبصرف النظر عن صحة الخبر أو سقمه، فإنه يبعث إشارة سلبية الى إبن نايف، مفادها أنه لم يعد الشخصية المفضّلة في واشنطن، وإن البحث عن مبرر لتنحيته بات مطروحاً للتداول، وقد يكون المرض المخرج اللائق له، مع أن المرض في حد ذاته ليس مبرراً للاعفاء، كما تنبىء التجارب السابقة (فهد، سلطان، عبد الله، وأخيراً سلمان)، ولكنه يبعث برسالة ما مقصودة من واشنطن خلال وجود إبن سلمان بين ظهراني أهل البيت الأبيض.

إبن سلمان يريد البحث في كل السبل المتاحة لتقوية العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، والأهم من ذلك جاء إبن سلمان كي يتوّج ملكاً في واشنطن قبل الرياض. وإبن سلمان الحاصل على سلطات غير مسبوقة، قد أطلق خطة تهدف الى إنهاء اعتماد المملكة على النفط بحلول عام 2030. ولكن الخطة تتطلب تصديعاً للنظام البيروقراطي الذي تسبب في إعاقة التغييرات في الماضي، بما يشكّل تحديّاً للمؤسسة الدينية المحافظة والقوية، وبناء قطاع خاص لا يزال يعتمد على الانفاق الحكومي.

في أسواق النفط، فشلت أوبك في بداية يونيو في تبني استراتيجية انتاجية واضحة في الاجتماع الذي حضره وزير الطاقة السعودي الجديد خالد الفالح، الأمر الذي يفتح الباب على تكهنات شتى، وتجتمع عند نقطة واحدة هي أن واشنطن باتت شريكاً كاملاً في القرار الاقتصادي السعودي.

 
ابن سلمان يلتقي رئيس فيس بوك

تفاصيل المباحثات السياسية خلف الأبواب المغلقة شحيحة، ولكن المشاركين فيها قالوا بأن التجديد الاقتصادي للمملكة، والمنافس الاقليمي ايران، والحروب في اليمن وسوريا، والحرب ضد «الدولة الاسلامية»، كانت موضوعات مدرجة على الأجندة. وقد أسهب إبن سلمان في شرح رؤيته لشركائه الأميركيين، ووضع ذلك في سياق تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.

أحاديث إبن سلمان في واشنطن تأتي في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للعلاقات السعودية الأميركية ولأسواق الطاقة. فكثير من دول الخليج، بما فيها السعودية، عبّرت بصورة خاصة عن خيبة أملها إزاء ما وصفته تراجع أمريكا عن المنطقة في عهد أوباما، بما سمح لإيران بزيادة نفوذها، وخصوصاً بعد الاتفاق النووي الذي تمّ التوصل اليه في العام الماضي.

الحرب السعودية على اليمن كانت في صميم المناقشات التي جرت في واشنطن، لا سيما بعد تصنيف الأمم المتحدة التحالف السعودي ضمن القائمة السوداء السنوّية للدول والمجموعات المسلّحة التي انتهكت حقوق الأطفال خلال النزاع. تجدر الاشارة الى أن السعودية نظّمت حملة دولية للدفاع عن سجّلها في محاربة الإرهاب في ظل تكهنات بشأن رفع السريّة عن الـ 28 صفحة من التقرير الخاص بالتحقيق في هجمات الحادي عشر من سبتمبر لعام 2002. يجمع النقّاد على أن هذه الوثائق تحمل إدانة للمسؤولين السعوديين في الهجمات على نيويورك وواشنطن. الرياض، في المقابل، تنفي صلتها وبعد لأي اقتنعت بكلام برينان رئيس السي آي ايه بقبول او عدم معارضة نشر الوثائق. لم تكن زلّة لسان من جون برينان، مدير السي آي ايه، في مقابلة مع (العربية) في 12 حزيران (يونيو) بنفي أي دليل على ضلوع السعودية في الهجمات، فهي تمثل السطر الأول في الفصل الجديد، في التحالف الاستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة.

الهدف الاستراتيجي وراء زيارة إبن سلمان، والتي وصفت بالمحورية، يكمن في إعادة بناء التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرياض، من خلال عقد منظومة صفقات حيوية في مجالات شتى تفضي الى تحقيق ما كانت تأمله السعودية من الولايات المتحدة، أي استبدال مكوّنات صيغة التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرياض مع الابقاء على هدفه الجوهري، أي بدلاً من النفط مقابل الحماية، فإن إبن سلمان جاء بعرض جديد، أو بالأحرى بسلّة متكاملة تفضي الى إعادة بناء تحالف استراتيجي يلزم الولايات المتحدة حكماً ومآلاً بحماية العرش السعودي. في النتيجة، يضع إبن سلمان الدولة السعودية بكامل حمولتها في مقابل الحصول على الحماية الأميركية.

الاعلام السعودي أو المموّل سعودياً، لافرق، ينزع الى وضع الزيارة في سياق الصراع الاقليمي، ولا سيما الصراع السعودي الايراني، وعلى طريقة راغدة درغام (الحياة 17 حزيران 2016)، فإن الزيارة تأتي في سياق «إصلاح الانطباع عن السعودية في الأذهان الأميركية والغربية عموماً». هي ليست مهمة سهلة حسب اعتقادها، بسبب (حملات دعائية مدروسة ومموَّلة ومدعومة سياسياً هدفها إبراز “الاعتدال” الإيراني الآتي مع الاتفاق النووي). ولكن درغام لم تتفاءل كثيراً من رد الفعل الاميركي إزاء مبادرة إبن سلمان فاكتفت بالقول بأن «القرار العام في واشنطن حمل عنوان محاولة استعادة بعض ما كانت عليه العلاقة الأميركية مع السعودية..»، بينما السعودية «تريد علاقة تجددية ذات قواعد مختلفة عن السابق وتريد أن تكون شريكاً في صوغها». ولكن واشنطن لم تعد تريد الشراكة بشروط سعودية. ترى درغام أن الشراكة الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة كفيلة بتغيير الصورة السائدة عن السعودية بوصفها دولة داعمة للإرهاب.

في تقديري، أن تباين الاجندات السياسية بين واشنطن والرياض، لا يخلّ بأصل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وهي ما يضع نهاية حاسمة للخلاف حول ملفات سياسية إقليمية. ومن الضروري التذكير بأن كل ما يقال عن خلافات بين الرياض وواشنطن في عهد الرئيس أوباما يتعارض مع حقائق دامغة من مثل: إن إدارة أوباما باعت السعودية ما قيمته 110 مليار دولار من الأسلحة خلال سبع سنوات، وأن الرئيس أوباما سافر الى السعودية أكثر من أي بلد آخر في الشرق الأوسط، بل إن التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرياض في شكله الجديد هو من انجازات عهد أوباما، الأمر الذي يقلل من شأن الخلافات المعلنة بين البلدين.

في اليمن، بدأت الحرب العدوانية بتنسيق سعودي أميركي، وكان إنطلاق الاشارة الاولى من واشنطن على لسان سفير الرياض سابقاً ووزير الخارجية الحالي عادل الجبير فجر السادس والعشرين من آذار (مارس) 2015. وعليه، فإن التباين الشكلي بين الرياض وواشنطن لم يكن نابعاً من خلفية أخلاقية، بل نتيجة فشل عسكري أولاً، لأن الأهداف المرسومة للحرب لم تتحقق بحسب المهل الزمنية المحدّدة، بل دخل عنصر آخر وهو جنوح التحالف السعودي الى استخدام أسلحة محرّمة دولياً لناحية تغيير المعادلات الميدانية، وتنامي خطر (القاعدة) في اليمن. فقد اضطرت واشنطن في سياق تبرئة الذات والتنصّل من المسؤولية، عن جرائم الحرب ضد الشعب اليمني، الى وقف تزويد الرياض بالقنابل العنقودية، ثم أعقب ذلك رفع الغطاء تدريجاً عن التحالف العسكري بقيادة السعودية بإدانة الامين العام للأمم المتحدة للعمليات العسكرية السعودية، وإدراج السعودية في القائمة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الطفل.

تهديد الرياض بقطع جميع المساعدات المالية التي تقدّمها للأمم المتحدة كان بمثابة سلاح ذي حدين، إذ أن إزالة إسم السعودية من القائمة أثار مشكلة أخرى، وفرض تحديّاً آخر على المؤسسة الدولية، ما دفع بان كي مون لانتقاد تهديد الرياض، وقال في 9 حزيران (يونيو) أمام الصحفيين: «إنه من غير المقبول للدول الأعضاء (في الأمم المتحدة) ممارسة ضغوط مفرطة»، مضيفاً أن «قرار إزالة التحالف الذي تقوده السعودية من تقرير أطفال اليمن، كان أحد أصعب القرارات التي كان عليّ اتخاذها». وفي 11 حزيران (يونيو) أيّدت الخارجية الأميركية موقف بان وجاء في تصريح لنائب المتحدث باسم الخارجية مارك تونر: «لقد استمعنا إلى تصريحات بان كي مون، ونتفق مع رؤيته بأن التقرير يصف الرعب الذي لا يجب أن يواجهه أي طفل»، مضيفاً: «نتفق مع الأمين العام في أن الأمم المتحدة يجب أن تمارس مهامها دون خوف من قطع الأموال عنها».

على أية حال، فإن المواقف الاميركية والأممية كافية للوقوف على نتائج العدوان السعودي على اليمن. وتواجه السعودية انتقادات واسعة وغير مسبوقة بسبب ضلوع إيديولوجيتها الدينية في التحريض على العنف والارهاب في الغرب. فبعد وقوع مجزرة النادي الليلي للمثليين في أورلاندو، أطلق المرشح الجمهوري رونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون، تصريحات شديدة اللهجة ضد ما وصفه ترامب بـ «الاسلام الراديكالي» في إشارة الى الايديولوجية الوهابية، فيما وجّهت كلينتون انتقاداً لعدد من البلدان العربية بما فيها السعودية، وقالت «لقد مرّ وقت طويل على السعوديين لمنع مواطنيهم من تمويل التنظيمات المتطرّفة»، وأضافت «وإن عليهم وقف دعم المدارس والمساجد الراديكالية حول العالم والتي تدفع الكثير من الشباب في طريق التطرّف».

في النتائج، هناك اتجاه داخل إدارة أوباما أو قريب منها يميل الى منح إبن سلمان الثقة المطلوبة لإنجاح مهمته وتحقيق غايته، أو بالأحرى رؤيته، ولن يتسنى ذلك الا بإعادة تشكيل السلطة. تحذير مقصود، ويحمل في طياته دعماً مستتراً لابن سلمان، صدر عن مسؤولين في مؤسسة الأمن القومي الأميركية مفاده أن السعودية على مفترق طرق، وفي حال فشل الأمير محمد الآن ولاحقاً لكي يصبح ملكاً، فقد تكون هناك فوضى في المملكة. ولذلك يقترح بروس ريدل على المسؤولين الاميركيين أن يوطّنوا أنفسهم على وضع قد يكون فيه الأمير محمد بن سلمان ملكاً قريباً.

الصفحة السابقة