ابن سلمان: انا والغريب على ابن عمي!   وزير القمع ابن نايف: هل حانت نهايته؟!

إبن سلمان: أنا وابن زايد على ابن عمّي!

إعداد: سعد الشريف

خلاف محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، مع محمد بن نايف، ولي العهد السعودي ليس جديداً. وإن كانت القصة الأشهر في الخلاف هي ما نقلته إحدى وثائق ويكيليكس من أن مداولات جرت بين القائد العسكري وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، مع مدير تخطيط السياسات السفير ريتشارد هاس، والسفير في الامارات مارسيل وهبة، ورئيس موظفي القوات المسلّحة إل تي جي، وتم إرسال خلاصاتها الى مسؤولين أمنيين كبار في وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أيه، وهيئة التحقيق الفيدرالية إف بي آي، ومجلس الأمن القومي، حيث قدّم بن زايد مجموعة مقترحات تتعلق بالعلاقات الخليجية الخليجية، والخليجية العراقية، والخليجية الايرانية، والخليجية الاميركية.

وفيما قلّل محمد بن زايد من أهمية الخلافات بين قطر والسعودية كون شعبيهما يتبعان العقيدة ذاتها، أي الوهابية، فإنه لفت انتباه ضيوفه الى العلاقات المعقدة بين السعودية والامارات، لا سيما في موضوع النزاع الحدودي مع الرياض حول حقل شيبة. ابن زايد شجّع ضيوفه على المزيد من الانخراط في الملف السعودي، معلّقاً على الالتفاف السلبي في قدرة ولي العهد عبد الله (الملك فيما بعد) في إدخال اصلاحات. ونقل محمد بن زايد عن استطلاع نشر مؤخراً حيث ظهر أن 90 بالمئة من السعوديين يعتقدون بأنه عقب تغيير النظام في العراق، فإن الولايات المتحدة سوف تولي النظر بتغيير الحكومة في الرياض.

وفيما تبنى نظرة قاتمة حيال كبار آل سعود، فإنه علّق بطريقة ساخرة على طريقة التلعثم في الكلام لدى وزير الداخلية الأسبق، الأمير نايف، قائلاً: «إن دارون كان على حق» وقال بأن الوضع سوف يكون مختلفاً الى حد بعيد، فيما لو كان الملك فهد ممسكاً بزمام الأمور بصورة طبيعية، أو لو كان عبد الله ممسكاً بمقاليد السلطة كاملة.

 

لقد فجرّت الوثيقة أزمة صامتة بين محمد بن زايد ومحمد بن نايف، وإن محاولات الترضية ولقاءات المجاملة لم تنجح في طي صفحة التوتر بين الرجلين. يذكّر توصيف ابن زايد لنايف بأنه «قرد» بتوصيف سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل، لمحمد بن نايف نفسه بأنه «سفّاح»، شأنه شأن آصف شوكت في سوريا، خلال حديثه مع لجمي محمد علي، أحد كبار المحققين في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري في 30 يوليو 2007. وقد أثار توصيف سعد الحريري لابن نايف غضب والده أولاً، ثم ابن نايف نفسه. وقد تدخّل عدد من الأمراء ممن تربط سعد الحريري علاقة معهم مثل الأمير مقرن بن عبد العزيز ـ رئيس الاستخبارات العامة حينذاك، وولي العهد السابق ـ والأمير عبد العزيز بن فهد، الذيتربطه علاقة وثيقة بعائلة الحريري بحكم علاقة فهد ورفيق، وكان يتولى منصب وزير دولة ورئيس ديوان مجلس الوزراء ـ تدخلا للوساطة وحل الاشكال بين سعد وابن نايف، ولكن دون فائدة.

توصيف محمد بن زايد لنايف بـ «القرد» يعد بصورة قاطعة تجاوزاً لخط أحمر، وقد لحظنا كيف أن انتقادات الرمز الديني والسياسي الشيعي الشيخ نمر النمر لسياسات نايف بعد موته، قد دفعت محمد بن نايف لأن يتعامل معها بوصفها قضية شخصية، وأن يختار الاعدام ردّاً على انتقادات والده.

وكما يبدو، فإن تلك ليست القصة الكاملة للخلاف، فقد كان محمد بن زايد يميل في زمان الملك عبد الله الى نجله الأمير متعب، وزير الحرس الوطني، على حساب ابن نايف. وبعد صعود سلمان الى العرش، وتعيين محمد بن سلمان في منصب ولي ولي العهد بدأ فصل من التقارب بين MBS وMBZ، حيث نسج الأخير علاقة متميّزة مع بيت سلمان، وكانت إحدى تظهيراتها العلنية، مبادرته العاجلة في حفر الباطن، إبان مناورات رعد الشمال، لتقديم العون للملك سلمان للامساك بقنينة ماء قام بفتحها وتقديمها له، فلاقت صدى دعائياً في الإعلام السعودي.

في الوقت الراهن، فإن العلاقة بين ابن سلمان وابن زايد، توضع في سياق مؤامرة الإطاحة بابن نايف، واعتلاء محمد بن سلمان العرش. وتتحدّث أكثر من جهة إعلامية مقرّبة من عواصم القرار، عن ترتيبات بين ابن زايد وابن سلمان، وذلك لإنضاج مشروع نقل السلطة الى الأخير، وبدعم من الولايات المتحدة الاميركية.

بعد زيارة الملك سلمان ونجله محمد في سبتمبر من العام الماضي، كان ديفيد أغانتيوس من بين كبار الاعلاميين المقرّبين من البيت الأبيض، الذي كتب ما يشبه بشارة اعتلاء بن سلمان العرش في مقال في (واشنطن بوست) بتاريخ 12 سبتمبر 2015، عنوانه يفشي محتواه (الإبن الذي سيصبح ملكاً)، وأتى بعد أسبوع على زيارة سلمان وإبنه لواشنطن، ولقاء القمة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.

لم يضع سلمان حدّاً للتكهنات بل عزّزت التطورات اللاحقة من صدقية ما ينوي ابن سلمان القيام به للامساك بزمام السلطة. وكانت رؤية السعودية 2030 المدماك الأكبر الذي وضع خطة نقل السلطة الى ابن سلمان موضع التنفيذ. معهد بروكنز نشر مقالاً للباحث وضابط الاستخبارات السابق بروس ريدل في 10 مايو الماضي بعنوان (الرجل الذي سوف يصبح الملك في السعودية) في إشارة الى محمد بن سلمان. وديفيد اغناتيوس عاد بعد استكمال ابن سلمان جولته في الولايات المتحدة، وكتب مقالاً في (واشنطن بوست) بتاريخ 28 يونيو الماضي، وتمسّك بما كتبه قبل أقل من عام بأن ابن سلمان، ذا الثلاثين عاماً، قد يصبح ملكاً، وتساءل: هل يمكن أن ينقذ هذا الأمير السعودية من نفسها؟

ونقل أغناتيوس تفاصيل عن التوترات المتصاعدة داخل العائلة المالكة، منها ما حصل في سبتمبر الماضي حين سافر السفير الاميركي في الرياض جوزيف ويستفال لمقابلة ولي العهد محمد بن نايف، ولكنه أُبلغ فور وصوله بأن ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، يريد مقابلته على عجل. فبدّل السفير وجهته، وبلعت الولايات المتحدة وولي العهد طعم الحرج.

وبالرغم من نصائح الرئيس أوباما بعدم الاصطفاف الى جانب أي من الامراء السعوديين، إلا أن لقاء أوباما مع محمد بن سلمان في 18 يونيو أظهر عكس ذلك، إذ جرى التعامل معه بوصفه رئيس دولة، وتمّ تفسير ذلك على أنه دعم ضمني لأجندة إبن سلمان، أو بالأحرى رؤيته للسعودية خلال عقد ونصف.

 

ثمة قلق وحذر من طيش محمد بن سلمان وجنوحه نحو المغامرة، ولكن ذلك لا يمنع مناصريه من دعمه للخروج من ربقة المحافظة على المستويين الاجتماعي والإيديولوجي.

ما يجمع إبن سلمان ومحمد بن زايد أكثر من السياسة، فالأول معجب بالتجربة الاماراتية، ويريد تقليد نموذج دبي لناحية تطبيق رؤيته لعام 2030، ويحلم برؤية الابراج الشاهقة والأسواق الحديثة تحتل المدن الكبرى.

أما بالنسبة لابن زايد، فإن ابن سلمان يمثّل انتقامه من محمد بن نايف، فالعدواة بينهما تترجم نفسها في التأييد المطلق الذي يمنحه لابن سلمان. تأييد يصل الى دوائر القرار في واشنطن، حيث لا يتردد إبن زايد من الطلب وبإلحاح من المسؤولين الاميركيين بدعم خيار إبن سلمان على حساب ولي العهد محمد بن نايف. وحسب قوله فإنه يرى فيه طاقة التغيير في بلاده، في مقابل الجيل القديم في العائلة المالكة. فثمة ارتياب اماراتي إزاء الحرس القديم في السعودية، كشفت عنه برقية تعود الى أكتوبر 2009 مرسلة من السفير الاميركي في الامارات في ريتشارد أولسون، والتي كشف عنها موقع ويكيليكس بما نصّه :»إن القادة في أبو ظبي لا يفوّتون فرصة دون أن يخبروا زائرهم من كبار المسؤولين الاميركيين، لمعرفة موقفهم بأن المملكة تدار من قبل عجزة مشاكسين، يحيط بهم مستشارون يعتقدون بأن الارض مسطّحة».

إبن زايد يعد من كبار الداعمين لأفكار محمد بن سلمان في التغيير، وهو من اقترح عليه بعض المستشارين البارزين مثل ماكنزي وشركائه، ومجموعة بوسطن الاستشارية، التي قدّمت استشارات ونصائح للإمارات. وسوف تتولى هذه الشركات الاستشارية عمّا قريب مهمة اعداد المقترحات الطموحة للإصلاح في كل وزارة سعودية، كما يبشرنا البعض!

ثنائي محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، كان الموضوع الرئيسي في موقع «ميدل إيست آي» البريطاني في 30 يونيو الماضي والحديث عن خطة إماراتية لدعم ابن سلمان للوصول الى العرش. ينطلق الموقع من الحقيقة المتداولة من أن المستوى الرسمي في الإمارات يقوم بتقديم المشورة لولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حول سبل الحصول على دعم الولايات المتحدة له كيما يصبح ملكاً بنهاية عام 2016.

نقل الموقع عن مصادر سعودية دون الكشف عن هويتها، أن ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، يقدّم المشورة إلى إبن سلمان في مسألتين: سبل الحصول على الدعم الأميركي، وكيف يصبح الملك القادم في السعودية.

من بين النصائح التي قدّمها إبن زايد لابن سلمان: ضرورة فتح قناة تواصل مع اسرائيل كيما يصبح المرشح الأوفر حظاً بالنسبة للولايات المتحدة، والحصول على دعمها للصعود الى العرش. وقد عزّز مصدر سعودي ذلك بقوله أن إبن سلمان حريص على كسب تأييد واشنطن، وبحسب الموقع البريطاني فإن الأمير الشاب قال لبعض المقربين منه أنه سوف يكمل مهمته كيما يصبح ملكاً قبل نهاية العام.

وبناء على نصيحة إبن زايد فإن إبن سلمان يسعى إلى إحداث تغيير جذري في دور الدين في المملكة السعودية. وينقل الموقع عن مصادر سعودية مطلّعة، أن الأمير بدأ خطة تدريجية لإلغاء دور الشرطة الدينية، واعتقال الدعاة الناشطين الأكثر نفوذاً، كما يرغب في إلغاء هيئة كبار العلماء، أكبر هيئة دينية في البلاد، ووقف النشاطات الدينية الوهابية.

ولكن تبقى تلك مجرد رغبات غير مسنودة بإرادة عملية، بالرغم من أنها سوف تحظى بتأييد واشنطن، وتساهم في حسم قرارها في تأييد أي من المحمدين، «حيث يميل الكثيرون إلى ترجيح المصالح الطويلة الأجل التي جمعتهم مع ابن نايف». وبحسب هذه المصادر، فإن تطبيق هذه الاصلاحات في المجال الديني سوف توصف بأنها أعمال عظيمة من قبل شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة، وسوف يكون الهدف منها هو تحويل بن سلمان الى بطل من قبل الصحافة، والكونغرس، والأوساط الأكاديمية، وسوف تضطر الإدارة الأمريكية إلى متابعته. ويستدرك الموقع نقلاً عن مختّصين في الشأن السعودي، بأن إلغاء دور المؤسسة الدينية سيكون مهمة بالغة الصعوبة بالنسبة للأمير الشاب.

 

توقف الموقع عند العلاقات مع اسرائيل، وهي الإستراتيجية الثانية التي أوصى بها ابن زايد من أجل كسب دعم واشنطن، وبحسب الموقع فإن هذه التوصية كانت في واقع الأمر أقل مفاجأة، إذ تحدثت تقارير عديدة خلال العام الماضي عن العمل الفعال بين الرياض وتل أبيب، في محاولة لوقف الولايات المتحدة عن عقد الصفقة النووية مع إيران، رغم عدم وجود أي علاقات رسمية بين البلدين.

وقد شارك ممثلو الدولتين بصورة علنية في منابر عامة، كما حدث في مجلس العلاقات الخارجية في شهر يونيو من عام 2015، عندما تحدث ضابط الاستخبارات السعودي السابق أنور عشقي، جنباً إلى جنب مع دوري غولد المسؤول السابق في الخارجية الاسرائيلية. وفي حين نمت العلاقات بشكل كبير بين دولة الإمارات العربية المتحدة وبين (إسرائيل) خلال السنوات الماضية، فقد ظلت العلاقات السعودية الاسرائيلية سرية إلى حد كبير.

ووفقا لديفيد ديفدسون، مؤلف كتاب (ما بعد الشيوخ.. الانهيار المقبل للممالك الخليجية)، فإن الأثر الإيجابي لهذه العلاقات لدى واشنطن، هو السبب في قيام قادة دول الخليج بمثل هذه المخاطرة، وعلى رأسهم ابن زايد وابن سلمان. ويشرح ديفيدسون ذلك: «تقليدياً، كثيراً ما حاول الشركاء العرب إسترضاء الولايات المتحدة من خلال الحصول على علاقات دافئة مع الصديق الأول للولايات المتحدة في المنطقة». وقال مصدر سعودي إن «واشنطن قد تتجاوب مع محاولات محمد بن سلمان ليكون ملكاً، في حال نجح في تحقيق تواصل جيد مع (إسرائيل) حتى لو كان الأمريكيون لا يزالون يحبون محمد بن نايف”.

وتحدّث الموقع (ميدل ايست آي) عن أفول نجم محمد بن نايف، رغم كونه يشغل المرتبة الأولى في خط الوراثة. ولكن أفول نجمه نسبياً على الأقل، مقارنة بالصعود المدوّي لابن سلمان، دفع كثيرين إلى القول، بأن الأمير البالغ من العمر 56 عاما في طريقه للانزواء.

وما أشيع حول الحالة الصحية المتدهورة لابن نايف لم يكن صحيحاً، ولكن التقارير التي تحدّثت عن ذلك وضعت في سياق خطة لتعزيز لتعزيز وضع محمد بن سلمان بوصفه خياراً أفضل. وينقل الموقع عن أندرو هاموند، مراسل رويترز، «هناك جهود متضافرة ليس فقط لجعل ابن سلمان يبدو كرجل المرحلة وكخيار وطني أول، ولكن أيضاً لجعل محمد بن نايف يبدو متراخياً ومعزولاً».

واستعار الموقع ما نشرته صحيفة (واشنطن بوست) عن علاقة إبن زايد وإبن سلمان بأنها (علاقة معلم بطالبه).

مصدر مقرب من محمد بن سلمان يقول بأن هناك العديد من الشائعات التي تسري في الرياض حول خطة لترقية ابن سلمان كملك خلال الفترة الراهنة وقبل نهاية العام الحالي. قد تبدو الشائعات هذه الأيام محمولة على معطيات جديرة بالاهتمام، نتيجة ما يرشح أحياناً من أنباء عن خلافات محتدمة بين المحمدين. وبرغم الاحاديث التي تدور حول خطة إزاحة ابن نايف عن خط الوراثة، فإن ثمة من لا يزال يرى في إبن نايف شخصاً قوياً، وبحسب ديفيدسون فإن من السابق لأوانه القول بأن إبن نايف قد خرج من المشهد بناء على حقيقة كون «حلفاء بن نايف داخل الأجهزة الأمنية والقوت المسلحة أقوياء جداً. وهم لا يزالون موالين له، كما أن له علاقات وثيقة أيضا مع هيئة كبار العلماء”. لا ننسى أن ابن سلمان صار يتقن الفنون ذاتها في بناء الحلفاء، وتعزيز موقعه وسط هيئة كبار العلماء، وقد تناقلت وسائل الاعلام المحلية مشاهد لابن سلمان وهو يزور أعضاء في هيئة كبار العلماء في بيوتهم ويقبّل رؤوسهم، تماماً مثلما كان يفعل محمد بن نايف ومن قبله أبوه نايف.

على أية حال، فإن ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد الذي يمقت المؤسسة الدينية، بحسب وثائق ويكيليكس، لا يتردد في إسداء النصيحة تلو الأخرى لابن سلمان من أجل سحب بساط العلماء من تحت أقدام بن نايف.

يبقى أن الرجلين ـ ابن نايف وابن سلمان ـ وفي حال وصول أي منهما الى سدة العرش، فسوف يواجه تحديات كبيرة داخلية اقتصادية وأمنية وسياسية، وخارجية جيوسياسية واستراتيجية. إن تراجع أسعار النفط سوف يكون مؤشراً أولياً على تغييرات بنيوية في الاقتصاد السعودي، وإن رؤية إبن سلمان ليست كافية لتقديم إجابات مستقبلية، تماماً كما أن التحدي الأمني المتصاعد قد يفرض نفسه على السلطة وحدةً ووجوداً.

الصفحة السابقة