من التآمر سرّاً الى التبجّح علناً

هل تستدعي الرياض حرباً عسكرية مع إيران؟

محمد الأنصاري

لا يُعتقد ان الرياض تبحث عن مواجهة عسكرية مباشرة مع ايران، ما لم تضمن ابتداءً دخول دول اسلامية معها المعركة، وهذا شبه مستحيل، خاصة اذا كان المعوّل على تركيا او الباكستان.

التصعيد السعودي الأخير الذي عكسه تركي الفيصل يدخل ضمن التحشيد الطائفي، واستمرار للحرب الأمنية الإستخباراتية، اضافة الى الحرب السياسية والإقتصادية. اما المواجهة العسكرية، فلا تجرؤ الرياض في الإقدام عليها.

 
ذاك زمانٌ مضى!

لم يحدث في تاريخ العلاقات بين البلدين أن كان التوازن العسكري بين السعودية وايران، في غير صالح الأخيرة. ومن التجاوز ـ علمياً ـ الحديث عن توازن قوى بين بلدين مثل ايران والسعودية، فلا قدرة الأخيرة البشرية، والعسكرية والتسليحية والصناعية يمكن مقارنتها بإيران أو حتى العراق. توازن القوى لم يحدث تاريخياً منذ قام الكيان السعودي في الثلاثينيات الماضية، ويبدو من المستحيل أن يحدث في المستقبل، بغض النظر عن شكل الحكم القائم في كلا البلدين. وحسب باحثين، فإن قوة دول الخليج العسكرية ـ وليس السعودية فحسب ـ لا تقارن مع العراق أو إيران، وإن شراء تلك الدول الأسلحة (مجرد مسكن نفسي للخليجيين).

ليس ما يزعج السعودية هو اختلال (التوازن النسبي) في القوة العسكرية بينها وبين ايران، فهذا تحصيل حاصل، وهو أمرٌ لم يتغير منذ عقود إن لم يكن منذ قرون!، قبل أن تولد دولة آل سعود الوهابية حتى. بل إن ما يزعج الأمراء السعوديين هو ـ على الأرجح: (الإختلال المريع) لذلك التوازن، الى حدّ أن تهديدات أميركا بغزو إيران أو إخضاعها عبر التهديد غير ممكن، على الأقل حتى الآن.

أيضاً، لا يبدو الإنزعاج السعودي من تطور قوة ايران العسكرية مبرراً، من جهة أن الإنفاق العسكري السعودي أضعاف ما تنفقه ايران. ورغم الإنفاق السعودي العسكري الأعلى في العالم، فإنها ـ عسكرياً ـ لاتزال أضعف بكثير من إيران. هذا يشير الى حقيقة أن السعودية منزعجة بشكل أكبر من (تطوّر الصناعة العسكرية الإيرانية)، فهذا العنصر هو واحد من أهم أسباب الخلل في التوازن العسكري بين البلدين، إضافة الى العنصر البشري، والخبرة العسكرية.

وحتى هذا الإنزعاج من تطوّر الصناعة العسكرية الإيرانية (صناعة الصواريخ بعيدة المدى، والغواصات والطائرات الحربية والهيليوكبتر، والمدمرات البحرية، والطوربيدات، والدبابات، والآليات الأخرى) يمكن أن يهضمه السعوديون في حال اطمأنت السعودية الى أن هدف التسلح الإيراني (دفاعي محض). ولكن كيف يحصل السعوديون على الإطمئنان في منطقة مليئة بالحروب والتوترات، وكيف يتفهمون أن إيران نفسها تريد اطمئناناً في وقت يشن الغربيون والإسرائيليون حرب التهديدات بغزو إيران عسكرياً؟

إن التاريخ الإيراني الحديث يعطي إيران مبررات الشك من السعودية، أكثر مما يعطي الأخيرة من شكوك تجاهها. فمنذ سقوط الشاه لم تشن إيران حرباً عسكرية على جيرانها، في حين أن جيرانها (العراق) شنّوا الحرب عليها، بمساعدة من السعودية ودول الخليج الأخرى، وهو أمرٌ لا ينكره السعوديون والخليجيون. وإذا كان السعوديون قد أيّدوا عملياً وسياسياً احتلال افغانستان، واختبأوا سياسياً في دعمهم للحرب على العراق واسقاط نظام الحكم هناك، فما الذي يمنعهم من دعم هجوم عسكري على إيران؟ خاصة إذا أخذنا معطيين هامين: الأول، أن السعودية أضعف من أن تواجه رغبة واشنطن في استخدام الأراضي الخليجية في عملية غزو جديدة.

ونذكر بأن السعودية بالتحديد ـ وليس دول الخليج الأخرى ـ يوجد بها جناح سياسي متضامن مع الصقور من المحافظين الجدد، يرى ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران، وقد انعكس ذلك إعلامياً من قبل كتاب سعوديين مقربين من السلطة، رأوا أن إيران مجرد (دمّلة) بحاجة الى ضربة أميركية عاجلاً أم آجلاً.

إن مجمل موضوع التسلح الإيراني، بما فيه الملف النووي، له بعدان سياسيان مؤذيان للسعودية:

الأول/ أن القوّة العسكرية الإيرانية قابلة للإستثمار السياسي، أي أنها تمنح النظام السياسي في طهران قوة سياسية في المنطقة العربية والعالم، وليس فقط بين دول الخليج.

الثاني/ إن تعاظم القوة العسكرية الإيرانية ترافق مع انتصارات للرؤية السياسية الإيرانية في العراق ولبنان وفلسطين على حساب الرؤية السياسية للسعودية وحلفاء أميركا الآخرين، ما أعطى ملف التسلح الإيراني بعد قلق آخر.

نذكّر هنا، أن العامل الإقتصادي في العلاقات بين البلدين ليس محورياً رئيسياً تُبنى عليه علاقات سياسية ثابتة. فالسعودية كما الدول العربية الأخرى، تقدم خياراتها السياسية على مصالحها الإقتصادية، كما هو واضح، وفي الغالب يتم التضحية بالمصالح الإقتصادية على حساب المصالح الأمنية للأنظمة القائمة. ومع أن العامل الإقتصادي الإيراني يبدو فاعلاً في العلاقات الإيرانية مع كل من روسيا والصين والهند وحتى تركيا والباكستان، فإن ذلك العامل لا ينظر اليه بمعزل عن خيارات تلك الدول الإستراتيجية الأمنية والسياسية. وبالنسبة للسعودية، فإنها عودّتنا على النظر اليها كقوة تضحوية بمصالحها الإقتصادية مقابل خياراتها الأمنية والاستراتيجية، ولا أدلنا على ذلك إغراق سوق النفط وتدمير أسعاره، بغباء يتكرر للمرة الثانية بعد تجربة 1985.

الصفحة السابقة