إسقاط جنسية قاسم.. سعودياً!

فريد أيهم

إعلان وزارة الداخلية البحرينية إسقاط الجنسية البحرينية عن الزعيم الديني والسياسي الشيخ عيسى أحمد قاسم في 20 حزيران (يونيو) يمكن وصفه بالأخطر منذ بدء الحراك الشعبي في 14 شباط (فبراير) 2011. أكثر من ذلك، قرار الداخلية دشّن فصلاً جديداً في التجاذب السياسي الداخلي والاقليمي.

ثمة من يربط القرار بإخفاقات السعودية في العراق واليمن وسوريا الأمر الذي يجعل تفجير هذه القضية وزخمها إعلامياً وسياسياً يندرج في محاولة صرف أنظار القواعد الشعبية للسعودية والبحرين عن تلك الاخفاقات ومشاغلتها بالصراع المذهبي المتمظهر في الصراع مع ايران.

 

وثمة من يذهب الى وضع ما جرى في البحرين في سياق صراع الاجنحة السعودية، حيث يمسك الأمير محمد بن نايف بملف البحرين، وقد تكون قضية إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم وتداعياتها تفضي الى خلط للأوراق لتخريب ترتيبات محمد بن سلمان لرؤيته المستقبلية لعام 2030. بصورة عامة، فإن للقضية بعداً إقليمياً ومن شأنها تفجير صراع مذهبي واسع كما ظهر في ردود الفعل من الأطراف كافة على خلفية مذهبية.

في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال الطابع المحلي للقرار والذي يأتي في سياق تصفية النظام لحساب طويل مع الأغلبية الشيعية بعد انتفاضتها الثورية على مدى خمس سنوات، إذ أراد النظام تقويض ما تبقى من جذور ثورية في الشارع البحريني.

لاشك أن القرار ترك تداعياته المباشرة فور الاعلان عنه، واستدرج ردود فعل ومواقف من أكثر من طرف إقليمي ودولي انطلاقاً من اعتبارات متباينة وربما متضاربة.

حركة أنصار ثورة 14 فبراير البحرينية وصفت في بيانها الصادر في 20 حزيران (يونيو) الجاري قرار الداخلية البحرينية بأنه سياسي بامتياز أملته السلطات السعودية التي لا تزال تحتل قواتها البحرين.

قرار سحب الجنسية من الزعيم الديني الشيخ عيسى قاسم ساهم وبصورة ملحوظة في رفع منسوب التوتر الطائفي، وأصبحت المنطقة مفتوحة على احتمالات خطيرة للغاية مع ردود الفعل من العراق وايران ولبنان التي وضعت في سياق مذهبي، وكذلك فعل الاعلام الخليجي عموماً (العربية، الجزيرة، صحيفة الشرق الأوسط).

ردود الفعل الأوروبية والأميركية كانت خجولة، وتنطوي على دلالات سلبية، كزيارة رئيس القوات المسلّحة البريطانية، وإن كانت مقرّرة سلفاً، الى البحرين في اليوم التالي من إعلان الداخلية البحرينية اسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم. بيان مساعد وزير الخارجية الأميركي جون كيربي في 20 حزيران وإن حذّر من تداعيات قرار حكومة البحرين بسحب جنسية عالم الدين الشيعي البارز الشيخ عيسى قاسم، الا أن البيان لا يخلو من عبارات ملغومة لجهة مطالبته حكومة البحرين بالسماح للشيخ عيسى قاسم بحضور محكمة شفّافة وإتاحة الفرصة أمامه لرد الاتهامات الموجّهة اليه، وهو مطلب تكرر في قضية اعتقال الشيخ علي سلمان وتريد الخارجية الاميركية أن تضفي مشروعية غير مباشرة على تدابير السلطة البحرينية، فيما تترك للضحية فرصة الدفاع عن نفسه.

ما يلحظ في قضية إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم هو حجم الدعم الخليجي وجزئياً العربي الذي حظيت به حكومة البحرين، فقد سارعت الخارجية المصرية في 20 يونيو إلى اعلان «دعم مصر لكل الاجراءات التي اتخذتها البحرين مؤخراً في وجه محاولات زعزعة استقرار الأوضاع الداخلية في البلاد»، بحسب صحيفة الإهرام باللغة الانجليزية في 20 يونيو.

على المستوى الاعلامي، نلحظ استنفاراً واضحاً ومنظّماً ومدروساً من قبل الصحف والفضائيات السعودية سبق يوم الاعلان عن إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم، فقد انبرت وكالة الانباء السعودية الرسمية (واس) ونشرت ما لايقل عن عشرة أخبار في يوم واحد عن قضية إسقاط الجنسية، ما أثار سؤالاً عن سر الحماس السعودي المغطى إعلامياً، وقامت فضائيات سعودية ببث فيديوهات لبعض خطب الشيخ عيسى قاسم، والتي تنطوي على انتقادات للنظام الخليفي وتدعو للثورة عليه وتحقيق مطالب التغيير والاصلاح الشامل. ومن بين تلك الأخبار التي نشرتها وكالة الأنباء السعودية:

■ مجلس علماء (باكستان) يثمن الإجراءات القضائية في البحرين ضد الجمعيات والتنظيمات المثيرة للفتن المذهبية والطائفية.

■ هيئة كبار العلماء ترحب بالإجراءات التي اتخذتها البحرين ضد الجمعيات والتنظيمات المثيرة للفتن المذهبية والطائفية.

■ مجلس الوزراء ينعقد برئاسة خادم الحرمين الشريفين ويعلن: نقف إلى جانب البحرين فيما تتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنها واستقرارها.

■ مصر تعرب عن دعمها الكامل للبحرين في الحفاظ على استقرارها الداخلي.

■ العربي يؤكد دعمه للإجراءات البحرينية بشأن تنظيم عمل الجمعيات الأهلية.

■ وزير الإعلام البحريني: الإجراءات القانونية التي اتخذتها مملكة البحرين ضرورية للحفاظ على أمن الوطن.

من جهة ثانية، أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية بياناً تؤيد فيه اجراءات حكومة البحرين، وفعلت دول الخليج الشيء ذاته، باستثناء سلطنة عمان. وفيما عبّرت حكومات أوروبية عن قلقها إزاء قرار سلطات البحرين، التزمت الحكومة البريطانية الصمت الى ما بعد يومين من القرار البحريني.

بصورة إجمالية، فإن الاتهامات تحيط بالسعودية التي تقود حملة قمع على مستوى الخليج. ويضع ناشطون بحرينيون قرار الحكومة البحرينية ضد الشيخ قاسم في سياق تعويض خسائر السعودية في العراق، وفي سوريا واليمن، وهي محاولة لصرف الأنظار عن خسائرها عموماً. الرياض وفي ومحاولتها السير بالمنطقة الى أقصى ما يصل اليه المجهول، قد تسعى لاستدراج الولايات المتحدة وبريطانيا للعودة الى المنطقة والانخراط في نزاعات السعودية مع خصومها، المتحالفين مع ايران. في المعلومات ثمة قوات بحرية مشتركة سعودية أميركية تحركت بالقرب من شواطىء العزيزية بالخبر، شرقي السعودية، تحسباً لما يعتقد بأنه تهديد من تسلسل جماعات مسلّحة شيعية من العراق.

وكما يبدو، فإن واشنطن التي تركت ملف البحرين لبريطانيا كيما تقرر بشأنه ما تشاء، تحاول أن تكون مختلفة عن لندن في مقاربة المسائل البحرينية بما في ذلك قرار الغاء جمعية الوفاق، وهي كبرى جمعيات المعارضة البحرينية، عقب عام من اعتقال أمينها العام الشيخ علي سلمان.

الصفحة السابقة