أنور عشقي يزور الكيان الصهيوني

ربيع التطبيع السعودي مع الصهاينة!

محمد قستي

فبعد التصريحات النارية ضد الحركات المقاومة في غزة للأمير تركي الفيصل، ووزير الخارجية عادل الجبير الذي تعهد بنزع سلاحها. وبعد لقاءات متكررة بين تركي الفيصل والمسؤولين الإسرائيليين سابقين وحاليين، سواء كان في واشنطن او العواصم الغربية. وبعد أن افتتحت ابو ظبي ممثلية لاسرائيل على أراضيها، وشارك وفد رياضي صهيوني في العاصمة القطرية الدوحة..

جاءنا اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي ليزور فلسطين المحتلّة للمرة الثانية جهاراً نهاراً، ومعه وفدٌ تجاري سعودي أخفى وجوه أعضائه رغم انكشاف أسمائهم، هذا غير لقاءات عشقي المتكررة مع الإسرائيليين وتصريحاته المسيئة لفلسطين وأهلها للتلفزيون الإسرائيلي والصحافة الإسرائيلية، بما في ذلك مديحه لنتنياهو، ووصفه إيّاه بالزعيم القوي. وفي هذه المرة، ظهر علينا أحد رجال الأعمال السعوديين المتصهينين بالصوت والصورة ليدافع عن المسؤولين الصهاينة وعن المجتمع الاسرائيلي المقاتل، وقال انه يحب السلام، وان المشكلة ليست في اسرائيل، وإنما فينا نحن العرب.

أنور عشقي الذي يعمل في الإستخبارات السعودية، لم يُؤَنّب لا على لقاءاته السابقة ولا اللاحقة، ولا على زيارته لفلسطين المحتلة السابقة ولا الحالية.

والسبب بكل بساطة، أن ما يقوم به إنما جاء بناءً على أوامر رسمية سعودية، لاختبار الرأي العام المحلّي، ولتطبيق نظرية ان العدو الأول والأخير هو إيران. تماماً مثلما قال ذلك الصحفي السعودي دحّام العنزي، الذي طالب بفتح سفارة اسرائيلية في الرياض، وإدخالها عضواً في جامعة الدول العربية، لتشارك بجهدها في مواجهة ايران التي يجب ان تُغلق سفارتها وتُسلّم لإسرائيل. الآن أُغلقت السفارة الإيرانية، ولم يبقَ إلا التسليم!

في كل الأحوال، فإن اختبار آل سعود للرأي العام المحلي بشأن التطبيع مع الصهاينة باء بالخسران المُبين.

اللواء أنور عشقي، الصحفي جمال خاشقجي، ونصف الأكاديمي نواف عبيد.

حجازيون ثلاثة، كلهم عملوا مع الأمير تركي الفيصل في جهاز الاستخبارات، وكلّهم يعملون وفق أجندة الحكومة، كانوا ولازالوا. ومع تصدر تصريحاتهم كانعكاس للموقف الرسمي او معبرة عنه، كان بعض النجديين يغضب ويقول انهم لا يمثلون الحكومة، من زاوية العصبية النجدية المسيطرة على السلطة.

وبعدَ لأْيْ، اصدرت الخارجية إبلاغاً بأن آراءهم لا تعكس وجهة نظر الحكومة. كيما تعلن براءتها مما يقومون به من تحت الستار. حتى لو كان زيارة اسرائيل. وللعلم، فإن الحكومة السعودية تمنع السفر الى كل من ايران والعراق واليمن وتايلاند والأراضي المحتلة (اسرائيل).

فلماذا ذهب عشقي الى هناك مع وفد تجاري واكاديمي وقابل وزارة الخارجية الصهيونية، وبرلمانيين صهاينة، ولم يوقفه احد عند حدّه؟ وماذا عن نظام مقاطعة اسرائيل قانونياً حيث يحظر على كل شخص ان يتعامل مع اسرائيل او مقيمين فيها او منتمين الى جنسيتها؟ لماذا تصبح لعبة البوكيمون خيانة للوطن عند مشايخ آل سعود الوهابيين، ولا يجوز لعبها، في حين أن التطبيع مع العدو الصهيوني، وبيع فلسطين، يجوز ولا ينبس أحد ببنت شفة؟ ثم ألم تكشف وثائق بنما أن الملك سلمان موّل حملة نتنياهو الانتخابية في ٢٠١٥، وأنه وعد بفتح سفارة لها في الرياض؟ فكيف لا يعبّر عشقي عن رأي الملك والأمراء؟

الأهم.. لماذا يستخدم النظام الحجازيين للقيام بالأعمال القذرة، فالثلاثي عشقي وخاشقجي ونواف عبيد، خير من يغطّي سوءة الحكم النجدي المتصهين؟

في مارس ٢٠١٥، كانت زيارة عشقي الأولى لفلسطين المحتلة؛ وليغطي سوءته وسوءة الوفد السعودي، زار جامعة الخليل، والتقى بطاقمها التعليمي؛ ولكنه قابل ايضاً مسؤولين صهاينة. وعاد الى الرياض وكأنّ شيئاً لم يكن. هذه المرّة عُرف من الوفد المتصهين الذي زار تل ابيب كل من: أنور عشقي، المهندس علي رضا، محمد ابو نواس، عبدالحميد الحكيم. والأرجح أنهم كلهم من الحجاز حيث المقدسات، فيما يختفي المنتفِع النجدي الحاكم وراء الستار. هذه البجاحة في العلنية سمتها قناة الحرة (سابقة في عصرنا هذا). والأكثر بجاحة ما قاله خاشقجي الذي يزعم أنه إخواني، ما قاله من تبرير لزيارة عشقي: (جميعنا نعبر عن آرائنا الخاصة، ولكن لا يعني هذا مخالفة نظام الدولة). اذا كانت زيارة فلسطين المحتلة لا تعني مخالفة لنظام آل سعود، فهذا يعني انها جاءت بأمرهم. أما تبرير عشقي نفسه بعد أن عاد فهو: (لم أزرْ اسرائيل بل فلسطين، لتفقد اوضاع المعتقلين وأُسر الشهداء)! مع ان عشقي لم يظهر بصورة واحدة مع معتقل او عائلة أسير! ويسأل: هل زيارة فلسطين خيانة؟ وتنشر ذلك صحيفة المباحث الإلكترونية (سبق) التي أجرت اللقاء معه.

نعم هي خيانة لا لَبْس فيها. ويزيد عشقي من كذبه، زاعماً انه زار الأراضي المحتلة تضامن مع الأسرى وعوائل المعتقلين الفلسطيين، وبدعوة رسمية من السلطة الفلسطينية، ولكن السلطة لم تدعه، والتزمت الصمت خشية الإحراج.

النجدي الإخواسلفي محمد اليحيا يرى ـ كما الطبقة الحاكمة ـ ان زيارة اسرائيل اهون من زيارة طهران: (لو كانت زيارته لطهران لكانت في رأيي كارثة أكبر. إيران هي العدو رقم واحد دون منازع). والإخواني المعارض الإعلامي عمر عبدالعزيز يرى ان لقاء البغدادي أخطر من لقاء الصهاينة، فقد سبق للواء سعودي متقاعد هو مشبب بن صنيتان أن قابل البغدادي. يقول: (ذهبت لأصلي ببغداد، ثم التقيت بأهالي الشهداء، واستضافني أبو بكر البغدادي بصفتي الشخصية). ويعلق عمر: (يا خوفي يتحمّس جنرال سعودي متقاعد ويزور البغدادي). ويفسر المسؤول الصهيوني عماموس يدلين سرّ التقارب مع آل سعود بالتالي: (عدونا وعدو آل سعود واحد ـ يقصد ايران ـ وهذا سبب اقترابهم من اسرائيل، ودعمهم لنا استخباراتياً في حرب تموز ٢٠٠٦، وقريباً سنلتقي علناً).

لم تهدأ قضية زيارة اللواء المتقاعد الذي لازال يعمل في جهاز الإستخبارات السعودي، أنور عشقي، زيارته الى الكيان الصهيوني. فهوجم بشدة من قبل بعض الكتاب وفي مواقع التواصل الإجتماعي، وظهرت هاشتاقات تحت عنوان (سعوديون ضد التطبيع).

ما جعل قضية عشقي كبيرة، أن المواطنين لم تتح لهم الفرصة ان يتعرّضوا ـ بسبب الخوف ـ لسيّد عشقي، وهو الأمير تركي الفيصل، فهم لم ينتقدوا ظهوره العلني مع الصهاينة وتصريحاته الا لماماً خوفاً من العقاب. ولهذا كان الهجوم على عشقي، يمثل هجوماً على تركي الفيصل نفسه، وهجوماً ضد سياسة التطبيع الرسمية السعودية.

الرياض التي سمحت لكتابها المتصهينين نشر مقالات دفاع عن الصهاينة في الصحافة المحلية؛ والسخرية من جدوائية العداء لاسرائيل وحثّت على إقامة علاقات معها؛ واعتبار ايران هي العدو الأول بلسان رئيس تحرير الرياض وغيره. الرياض هذه جاءتنا بمن يدافع عن علاقات مفتوحة مع الصهاينة، فالشيخ عيسى الغيث، القاضي السابق، وعضو مجلس الشورى يقول: (زيارة فرد عادي عربي مسلم لفلسطين صارت خيانة، في حين ان تهنئة مرسي لإسرائيل وتطبيع اردوغان ومكتب الدوحة فحلال زُلال)! ثم وضع استبيان رأي يقول: (هل تؤيد زيارة العرب والمسلمين لفلسطين والقدس والمسجد الأقصى بلا تطبيع، وذلك لربط الجيل بمقدساته التي انشغلوا عنها)، لاحظ كيف ان السؤال يجرّ الى جواب يؤيد التطبيع، فتجمع رجال ال سعود وادواتهم، وظهر ان ٦٩ بالمائة يؤيدون زيارة اسرائيل! وهذه حتماً لا تعكس وجهة الرأي العام المحلي.

لهذا رد أحدهم على عيسى غيث بالقول: (انتقائيتك تدل على نيّتك العفنة. فأنت لم تهاجم تطبيع مصر السيسي، ولم تهاجم المكتب الإسرائيلي في أبو ظبي، ولم تذكر تطبيع الأردن). فيما ظهرت اصوات فاضحة تقول: (من الآن أعلن دعمي لأي تطبيع مع اسرائيل إن كان فيه مصلحة للوطن. مصالحنا لها الأولوية دون كل عربي رخيص). وقال محام سعودي متصهين: (مِنَ الدَّلاخَةْ اليعرُبيّة ان يطبع الفلسطينيون مع الاسرائيليين ونحن نتزعم العداء والقوميّات البائدة).

لا أحد يقول ان الرياض تتزعم العداء للصهاينة، ما كانت كذلك في الماضي، ولن تكون في الحاضر او المستقبل.

الأكاديمي عبدالمحسن هلال، يعلم ان التحالف السعودي الصهيوني، غرضه مواجهة ايران باعتبارها العدو الأكبر. يقول: (مَنْ حاول ليّ أعناقنا بأن إيران هي الخطر وليس الكيان المحتل، يقول الآن أن الإنتصار على إيران يتم عن طريق التحالف مع الكيان الصهيوني). وهذا هو هدف الوهابيين من ترديد زعم: (الروافض أخطر من اليهود)؛ فهو يؤدي الى ذات النتيجة التحالفية مع الصهاينة وتبريرها. وهذا ما دفع بأمينة الكوّاري ـ القطرية ـ للقول وهي ترى اختلال الموازين: (تطبيع السعودية مع اسرائيل ـ العدو المحتل ـ يمثل اقتداءً بالنبي. أما دعم ايران للجماعات الإسلامية المقاومة للمحتل، فهو إرهاب).

في كل الأحوال، فإن المزاج الشعبي العام ضد التطبيع الرسمي السعودي، بغض النظر عن الانتماءات المناطقية والمذهبية والقبلية، وبغض النظر عن الولاء للحكم السعودي او معارضته.

الكاتبة الأحسائية وداد منصور لا تستغرب التطبيع السعودي مع الصهاينة، ومن يقول ان التطبيع مستحيل (أقول له: الذي حوّل المسلمين الى مجوس، سيحوّل الصهاينة الى بدريين)، تقصد بالبدريين، الصحابة الذين قاتلوا في معركة بدر. ويوسف العجاجي: (من يضع يده باليد الملطخة بدماء الأطفال، لا منطق له، ولا شيمةَ له، ولا أخلاق له، ولا ضمير له، ولا إنسانية). ودعا المحامي عبدالرحمن اللاحم الحكومة الى اتخاذ إجراءات قانونية عاجلة وعلنية بحق عشقي. فاسرائيل دولة معادية والتواصل معها خيانة. والمحامي الآخر طه الحاجي يقول بأن عشقي لن يتجرّأ ويتبجّح لو كان السفر لاسرائيل ممنوع أصلاً عليه. ومحام ثالث هو صالح الصقْعَبي يسأل ما اذا كان عشقي يغرد خارج السرب (أم هو لسان حال سرب آخر يتشكل؟) داخل أجهزة الحكم.

الكاتب جميل فارسي رأى في زيارة عشقي تطبيعاً وأضاف: (لن نكون أقلّ من الأنبا شنودة الذي منع رعاياه من زيارة القدس وبيت لحم، طالما كانت بإذن إسرائيل)، والبروفيسورة مضاوي الرشيد ترد على مبرري زيارة عشقي للصهاينة بأنها جاءت بصفة شخصية، وتقول ان التبريرات تشبه تبريرات لقاءات وعلاقات تركي الفيصل مع الاسرائيليين. والكاتب الصحفي المتميّز خالد الوابل يقول بأن (قمة الإنسانية، وقمّة التديّن، وقمّة الليبرالية، وقمّة الضمير الحيّ: أن تتعاطفَ مع أعظم مأساة في التاريخ، وهي: فلسطين وأهلها)؛ ومثله الصحفي الإقتصادي عصام الزامل الذي أكّد بأن (كراهية العدو الصهيوني المحتل، محفورة في قلوب جيلنا، وعلينا أن نحفرها في قلوب أطفالنا). وأيضاً قال الإعلامي سلطان الجميري (يجب أن يظل التطبيع ومدّ اليد للكيان الصهيوني عاراً وخطيئة تلاحق صاحبها حتى موته؛ لأنها خيانة للتاريخ والأرض والشهداء). والناشط محمد الخليوي يسأل باستغراب: (هل يُعقل ان نُعلن الحرب على إخوتنا في العروبة والدين والجغرافيا والتاريخ، وننبطح لكيان فاشي غاصب معادي، وبعذرٍ اقبحُ من ذنب؟).

مشايخ السلطة من هيئة كبار العلماء وغيرهم لم ينبسوا ببنت شفة. الى أن يأمرهم ولي أمرهم بذلك. وقد سبق لولي أمرهم أن طلب منهم إجازة الصلح مع اسرائيل ففعلوا قبل اكثر من عقدين. الشيخ ابن باز يقول ان مصالحة اليهود في فلسطين تجوز عند الحاجة او الضرورة مع العجز عن قتالهم؛ ويضيف بأن يجوز لكل دولة ان تنظر في مصلحتها، فإذا رأت من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك، فلا بأس في ذلك.

مهما سعى آل سعود للتطبيع مع الصهاينة، فإنهم لن يجدوا موافقة شعبية، ولا عربية ولا إسلامية. سيخسرون رهانهم بأن الصهاينة لن ينقذوهم؛ وسيخسرون ما تبقى من شرعيتهم السياسية؛ وسيلاحقهم العار الى النهاية

الصفحة السابقة