قصة العشق السعودي والتطبيع مع الصهاينة؟

زيارة العار السعودي

استراتيجية تدمير المنطقة وإعادة تشكيلها وفق الرؤية الاسرائيلية.
كيف أصبحت السعودية تستعدي المسلمين وتصالح الصهاينة؟

عبدالحميد قدس

الزيارة التي قام بها اللواء السعودي المتقاعد انور عشقي، والوفد المرافق له، الى الكيان الاسرائيلي، ولقاؤه مسؤولين اسرائيليين وممثلين لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، ليست مجرد حدث يمكن ان تتجاوزه الاحداث المتلاحقة، بل هو محطة هامة، يتوجب التوقف عندها، سواء لاستخلاص النتائج وقراءة الاحداث والمواقف، او للتصدي للاحتمال الاسوأ ومواجهة تداعياته السياسية والامنية.

ان الدعوة الموجهة للقوى السياسية، العربية والاسلامية، والاعلاميين والباحثين، للتعامل بجدية مع الزيارة السعودية العلنية الاولى الى اسرائيل، لا تأتي من باب الاستغلال السياسي، ولا في اطار المناكفة الاعلامية، كما يحاول البعض تصويرها، بل هي تماما مثل الدعوة لمحاربة الارهاب، تستهدف منع الضرر الاكبر الذي يشكله كلاهما، على الامة وقضاياها المصيرية، وتراثها القيمي والديني، بصرف النظر عن الاصطفافات الحزبية والفئوية والسياسية العابرة.

ولا بد هنا من توجيه اصبع الاتهام بقوة الى الموقف المتخاذل، في مواجهة الظاهرتين: الارهاب، والعلاقة مع العدو الصهيوني، وما سببه من تشجيع لهما، وتغطية لسوءتهما وسوئهما، مما فاقم الخسائر، وحوّل الخطأ الى خطيئة قاتلة، بحيث بتنا بحاجة الى عشرات السنين، بعد هزيمة الارهاب عسكريا، ودحره واستئصاله، لكي نمحو آثاره السلبية ونتائجه الكارثية، على صعيدي الوحدة المجتمعية لأبناء الوطن الواحد، والامة الواحدة، ومعالجة التشظي الذي أحدثه في البناء الثقافي والنفسي للعرب والمسلمين، والمكانة المعنوية للدين نفسه في العلاقات الدولية.

ومثل ذلك قد يحدث اذا ما سُمح للسعودية باستكمال طريقها باتجاه الحضن الصهيوني، والتغاضي عن المؤشرات الاولى وذات الدلالة، للزيارات التي تقوم بها شخصيات سعودية اعتبارية، او التستر عليها بحجة عدم المس بمكانة المملكة، او إضعافها في معاركها السياسية والعسكرية التي تخوضها، او الخوف من معاداتها وخسارة قوتها المالية والمعنوية، التي يتطلع اليها كثيرون.

ان مثل هذا الموقف هو مشاركة في الجريمة، وهو لن يؤدي الى فائدة لا لمملكة آل سعود نفسها، ولا للأطراف المرتبطة بها بطريقة او بأخرى.

فالسعودية المتحالفة مع الصهاينة او «المطبعة» مع دولة الاحتلال، لن تكون قوية في اي حال من الاحوال، لأن الصهيونية لا تفهم التحالف كما هو متعارف عليه، بل تتعمد اضعاف واذلال «اصدقائها» انطلاقا من موقف عقائدي، لا يرى في الاخر ندا، بل عبدا، ولانها تعرف ان اي سلام مع طرف عربي ليس الا مرحلة مؤقتة، فالاصل في العلاقة هو العداء، والصراع عميق وتاريخي، مع شعوب المنطقة والعالم ايضا.

ولمن يشكك في ذلك فليعد قراءة المشهد على الجبهة المصرية، خصوصا! فماذا استفادت مصر من انهاء حالة العداء والحرب مع الصهاينة، بعد نحو اربعين عاما على معاهدة كامب ديفيد؟ اللهم الا المزيد من الوهن والضعف، وخصوصا على مستوى هويتها الوطنية وتماسكها الداخلي.

اذن فالحرص على السعودية، وقوتها ومكانتها، لا يتحقق من السكوت على انجرارها الى الفخ الصهيوني، والتفريط بكرامتها القومية والاسلامية، ايا تكن المبررات! اضافة الى الخطر الداهم على القضية المركزية الاولى للعرب والمسلمين، وعلى كل شعوب المنطقة، جراء الانزلاق في وهدة التطبيع مع العدو الصهيوني.

ولكن هل الوضع بهذه الخطورة وهذه الجدية؟!

ولماذا الاصرار على ان الزيارة تمثل النظام السعودي، وليست زيارة فردية، رغم الموقف الرسمي السعودي الذي ينفي العلاقة بالزيارة والقائمين بها؟!

لقد قيل الكثير عن تعدد اللقاءات بين ممثلين للنظام السعودي وآخرين من الكيان الغاصب، الا ان الخطورة الاضافية لهذه الزيارة، انها الاولى التي تجري وقائعها في الاراضي الفلسطينية المحتلة!! فكل اللقاءات السابقة كانت في الخارج، وفي مؤتمرات اكاديمية، سواء كانت مصادفة او مقصودة، وعبر دعوات من جهات خارجية، اميركية واوروبية، اما هذه فإنها زيارة مخططة ومقصودة، قام خلالها سعوديون بزيارة دولة معادية، بكل ما يعنيه ذلك من اعتراف رمزي بدولة الاحتلال، وبشرعية هذا الاحتلال.

ولم يتعامل أحد مع هذه الزيارة، على الصعيدين المحلي والدولي، الا باعتبارها زيارة سعودية شبه رسمية، وباستثناء البيان المختصر والهزيل للمصدر السعودي، وبعض المجندين في جيش تويتر لوزارة الداخلية السعودية، لا يوجد احد يقتنع بأن انور عشقي يمثل موقعا سياسيا، او ثقافيا، او علميا، يمكنه من مخاطبة اسرائيل، او يمكن ان تهتم له دولة لا تتوانى عن تجاهل رؤساء وزعماء ودول حليفة وصديقة لها، في مسار تعنتها وصلف زعمائها.. وذلك للأسباب التالية:

1/ عشقي لم يقم بزيارة خاصة للسياحة او الاستطلاع او بدافع الفضولية..

2/ من خلال تصريحاته ومواقفه والاحتفاء به فهو يبحث في امور ليست من اختصاصه، ولا في مجال بحثه.

3/ فلو افترضنا أنه يرأس مركزا للدراسات السياسية والإستراتيجية، فما علاقة عمل مركز للبحوث في بحث عملية السلام بين العرب واسرائيل، او بين الفلسطينيين واسرائيل. وعموماً فإنه لا يدير مركزاً للدراسات الاستراتيجية، وليس للمركز عنوان او حتى طاولة أو كرسي، بل هو مجرد يافطة يتحدث تحت غطائها.

4/ في تاريخ الصراعات والحروب العالمية، لم يحصل ان فاوضت دولة مواطنا عاديا، ينتمي الى دولة معادية، حول قضايا سياسية.

5/ الى اين يمكن ان تنتهي العلاقة بين الفرد ودولة معادية؟ وكيف يمكن ان تتحقق اهداف مباشرة لهذه العلاقة؟ ومن هو انور عشقي لكي يفاوض نيابة عن الامة وعن الفلسطينيين؟ وماذا بمقدوره ان يتعهد للعدو او ان يقدم له في حال التوافق في الرؤية؟

كل هذه الاسئلة تقودنا الى احتمال من اثنين: اما ان يكون الرجل الفرد عميلا لخدمة سياسة الدولة المعادية، او ان يكون رسولا لجهة أخرى.

6/ لا ينقص الفلسطينيين الدليل للتواصل مع العدو الصهيوني، وعملية السلام المزعومة قد جرى تقليبها على كل جوانبها، ولم يعد الوضع يتطلب استكشافا للمواقف، او اختبارا للسياسات.. فماذا عند عشقي لكي يضيفه؟ وما هو الكشف الذي تم على يديه؟

7/ وبما ان عشقي يعمل في وضح النهار، وهذا يتنافى مع دور العميل السري، لا يبقى منطقيا الا انه يحمل رسالة، ويهيئ الاجواء لحساب جهة أخرى.

9/ واخيرا لو كانت زيارته لهدف اكاديمي او فردي، فما الحاجة ليصطحب معه هذا العدد من الاكاديميين ورجال الاعمال السعوديين؟

وما يعزز هذه الفرضية ان اللواء عشقي بدا مرتبكا، في تفسير سبب الزيارة، محاولا إخفاء ما فضحته الصور والاعلام الاسرائيلي الذي كثف تغطيته للزيارة.

ونفى عشقي أن تكون زيارته لإسرائيل، زاعما في البداية انها للفلسطينيين، في حين ان الصور المنشورة أظهرته مطمئنا مسرورا بصحبة أعضاء الكنيست الإسرائيلي، ومسؤولين اسرائيليين آخرين! وتهاوت مزاعمه بأن الزيارة كانت لفلسطين للوقوف على أوضاع المعتقلين وأسر الشهداء. لم تثبتها الوقائع، الا اذا كان الشهداء الذين يقصدهم، هم اقارب أعضاء الكنيست كسانيا سفيتلانا وعومر بارليف (عن المعسكر الصّهيونيّ)، أو ميخال روزين عن حزب ميرتس!

وهذه الزيارة التي صمت عنها الجانب الفلسطيني الرسمي، لأسباب غير خافية وغير مقنعة، مكتفيا بدعوة جبريل الرجوب الذي لا يمكنه لا ضمان دخول وافد اجنبي ولا حماية تنقلاته، والذي اكتفى بالترحيب بالزيارة، كاشفا انها الثانية من نوعها، دون ان يوضح اسبابها وموجبات الدعوة التي يقول عشقي انها وجهت له.

صمت السلطة الرسمي قابله غضب في الشارع الفلسطيني، وخصوصا في الاراضي الفلسطينية المحتلة 1948، والتي لا ينتظر اهلها مساعدات من الجانب السعودي، ولا كفالة للعمل في مملكتهم.. اذ اعتبر الفلسطينيون الزيارة طعنة لهم ولقضيتهم، سددها النظام السعودي! وكل من خشي التصريح ضدها انما خشي انتقام آل سعود، لأن الجميع على ثقة ان عشقي ليس الا بيدقا تحركه الارادة السعودية على رقعة الشطرنج المعقدة.

كما أدان حزب حداش اليساري الزيارة غير العادية، متهما إياها بأنها تستهدف اضفاء الشرعية على استراتيجية اسرائيل الرافضة كل المبادرات الدبلوماسية لاستئناف محادثات السلام. وقال الحزب في بيان له ان ادعاء عشقي ان مبادرته اتت لتشجيع حكومة اليمين الصهيوني على السلام، لا اساس لها، لانها في الحقيقة تزود هذا اليمين الصهيوني بذريعة جديدة لرفض اي سلام او تسوية مع الفلسطينيين.. اذ صار بإمكانه الادعاء ان تعنته وتصلبه بدآ يعطيان ثمارهما، وان العرب سيركعون في النهاية طلبا للسلام والتطبيع دون شروط، وبمعزل عن القضية الفلسطينية وحل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، كما قال بيان صادر عن الجبهة الديمقراطية، التي تضم القوى والاحزاب العربية الممثلة في الكنيست الاسرائيلي.

وتابع بيان الجبهة الديمقراطية ان «هذه الزيارة هي جزء من التطبيع والتعاون بين المملكة السعودية وإسرائيل ضد إيران وسوريا وحركات المقاومة في المنطقة».

وبدورها كشفت صحيفة «إسرائيل هيوم» المقربة من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن أن هذا اللقاء جاء بعد سنة على تنسيق وعمل مشترك بين ما يسمى مركز القدس، والمعهد السعودي الذي يترأسه عشقي، ولفتت إلى أن «عشقي كان المستشار المقرب، وكاتم سر الملك فيصل بن عبد العزيز، ورافقه في لقاءات قمة دولية وفي مؤتمرات كثيرة، قبل ان يؤسس في العام 1988 مركزًا للدراسات الإستراتيجية والقانون في الشرق الأوسط»، لإخفاء نشاطاته الحقيقية.

النظام السعودي يؤكد ما يريد ان ينفيه!

ان واحدا من اهم المؤشرات على ان عشقي قام بزيارة رسمية، بناء لتكليف رسمي، تمثل في موقف السلطات السعودية المستغرب والملتبس من الزيارة.

وقد تنبه كثيرون من المراقبين والناشطين السياسيين الى هذه الحقيقة، حيث أكد المغرد السعودي الشهير الذي يكتب باسم مجتهد، بأن «سفرة عشقي لإسرائيل تمت بتفويض كامل من الديوان الملكي، وهي خطوة متقدمة من ابن سلمان في كسب ود إسرائيل من أجل التوسط عند أمريكا لتفضيله على ابن نايف». ومثله فعل صاحب قناة المستقلة محمد الهاشمي الحامدي مؤكدا ان «زيارة عشقي لتل أبيب لا يمكن أن تتم الا برعاية الأمير محمد بن سلمان». مشيرا الى انه «فعلها لتعزيز فرصه بوراثة الحكم بدل ابن عمه».

ووصف الدكتور طارق فهمي، استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي بـ»مهندس العلاقات السعودية - الإسرائيلية»، مضيفاً أن لقاءه مع أعضاء الكنيست يعد انتقالاً من اللقاءات السرية بين السعودية وإسرائيل إلى اللقاءات العلنية.

ومثلهم فعل كثيرون.. اما في الصحافة السعودية فلم تحظ الزيارة بالتغطية الكافية، ووقف اغلب الصحافيين ورؤساء التحرير موقف الحذر من الاقتراب منها، تهيبا وانتظارا لاشارات عن الموقف الرسمي.. وبعد مرور اكثر من اسبوعين على الزيارة عدنا لنقرأ في الصحف السعودية، مقالات تبحث في التطبيع مع العدو الصهيوني!

لم يتوقف الاعلاميون السعوديون عند الزيارة بحد ذاتها، ولا عند شخصية من قام بها، بل ذهبوا مباشرة الى الرسالة التي تريد العائلة المالكة ايصالها الى شعبها وشعوب المنطقة، والهدف الذي يجري التمهيد له من خلال هذه الاستفزازات العاطفية والسياسية.

فقد ادرك الصحافيون السعوديون ان المعركة التي يجري التمهيد لها هي التطبيع، وان ما قام به عشقي هو خطوة في هذا الاتجاه، ولهذا فقد طفقوا يناقشون المسألة، منقسمين حولها بين من ايدها صراحة كما فعل احمد عدنان، في مقاله: سعوديون ضد التطبيع.. الذي يتبنى فيه النهج الاعلامي السعودي بحذافيره، في الزج باسم ايران واعتبارها العدو المستحق للعداوة وليس اسرائيل، وهو ما اثار الكاتب خالد الوابل في مقاله: التطبيع مرة أخرى.. والذي سأل فيه رواده ومؤيديه: ما هي القيمة المُضافة التي نجنيها من التطبيع؟ هل هي إرضاء الغرب! والمفترض أن الغرب هو من يسعى لإرضائنا، لأنه السبب في زرع هذا الكيان في منطقتنا وأسباب شقائنا وليس العكس. والأمر الآخر الذي يردده دعاة التطبيع وهو العداء مع إيران ومحاولة تحجيمها! فهذا أمر مُضحك أن تستعين بعدو تاريخي ضد عدو مؤقت.

ويضيف الوابل في موقف لافت: (يبدو أن عدنان نسي التاريخ والجغرافيا، الذي علّمنا أن إيران جارة لنا تجمعنا بها عوامل مشتركة، نعم هذه الأيام العلاقات مقطوعة، والتوترات في بلدان عربية عدة على أشدها، إلا أن العلاقة قد تعود اليوم قبل غدٍ إذا انتفت الأسباب المؤدية إلى ذلك).

علي سعد الموسى خاطب الجنرال عشقي بأننا «نعرف ونقرأ ونستوعب أن الذين ذهبوا إلى تل أبيب من قبلك عادوا منها مباشرة إلى مزبلة التاريخ».

وفي الايام القليلة الماضية تداولت مواقع التواصل الاجتماعي عريضة وقعها الاف المثقفين الخليجيين، وجلهم من السعودية، كتابا ومفكرين واعلاميين واكاديميين وناشطين، يرفضون فيها اي علاقة مع دولة الاحتلال تحت اي ذريعة، ويحذرون من تمادي امراء السعودية في الترويج للكيان الصهيوني.

الا ان عدد الكتاب في الصحف السعودية الذين تناولوا هذه الزيارة ومفاعيلها لا يتعدى اصابع اليدين، وهم استثناء يؤكد القاعدة، حيث اسدلت ستارة من التعتيم والتبسيط على هذ النقلة النوعية في علاقة النظام السعودي بالكيان الاسرائيلي، وكأن العقل المدبر لهذه الزيارة يريد ان يكتفي بهذا القدر من الجرعة التطبيعية، وامتصاص ردود الفعل استعدادا للجرعة التالية.

فما الذي يبرر مثل هذا الاتهام بتبني الزيارة رغم نفيها رسميا؟.

فضيحة الموقف الرسمي

الحقيقة ان الصيغة الباردة لنفي المصدر السعودي، والذي جاء بناء على سؤال من صحيفة الحياة السعودية لمصدر في وزارة الخارجية، والذي اكتفى بتأكيد موقف سابق بأن بعض السعوديين وبينهم عشقي لا يمثلونها، ولا علاقة لهم بأي جهة حكومية، ولا يعكسون نظر حكومة السعودية، وأن آراءهم تعبر عن وجهات نظرهم الشخصية.. هذه الصيغة لا يعقل ان تكون الرد على مثل هذا الحدث!

هل يصدق عاقل ان مواطنا يسافر الى دولة معادية يجري الرد عليه بالقول انه لا يمثل الدولة؟!

لقد تذكر الكثيرون وبينهم صحف سعودية، بخجل، ان حكومة نظامهم تمنع السفر رسميا الى خمس دول هي إسرائيل وتايلاند والعراق وإيران وسوريا! فهل قرأ موظفو الامن العام في مطار الملك عبد العزيز اسم الجهة التي قدم منها عشقي عائدا الى بلده؟ هل استطاعوا تمييز ختم السلطات الاسرائيلية عليه؟ اذا لم يسمعوا بالزيارة واخبارها من وسائل الاعلام المختلفة!

فقبل أكثر من خمسة أشهر خرج المدعي العام السعودي يطلب إيقاع حكم الإعدام بحق أكثر من 30 سعودياً ضمن ما يُعرف بـ «خلية الكفاءات» الذين تستمر جلسات محاكمتهم وهم قيد الاعتقال في السجون السعودية.

وهؤلاء الاكاديميون والمصرفيون تهمتهم الاساسية الاتصال بإيران!. بعضهم التقى مستشارا ثقافيا ايرانيا يعمل في سفارة بلاده في السعودية، قبل ان تقرر المملكة قطع علاقتها بإيران، وتهمة أحدهم اللقاء بمرشد الجمهورية الاسلامية، وهذه التهمة كانت كفيلة باستحقاق الإعدام، لأن إيران تصنف وفقاً لقرار سياسي سعودي «دولة عدوة».

اما الكيان الصهيوني فهو عدو العرب والمسلمين التاريخي، واسرائيل دولة عدوة لدى جميع الدول العربية والاسلامية، باستثناءات قليلة، والسعودية تعتبرها رسميا دولة عدوة منذ ايام الملك عبد العزيز!! فما الذي فعلته حكومة النظام السعودي ضد «منشق» تجرأ على قوانين المملكة وزار الكيان الصهيوني المعادي؟!

لا شيء طبعا.. بل مجرد تذكير من ناطق مجهول ببيان سابق، من مصدر صغير ومجهول الهوية، يتبرأ فيه مما قاله عشقي، وليس مما فعله!

هل هذه علامة رضا وتشجيع، بدل ان تكون عقوبة صارمة؟!

اجل هي كذلك.

والاكثر من ذلك، ان الضجة التي اثيرت حول الزيارة، واعتبارها نوعا من التطبيع المجاني مع العدو، حتى في وسائل الاعلام الاسرائيلية، لم تدفع السلطات السعودية رسميا لتأكيد موقفها «الثابت» من اسرائيل، واعلان رفض التطبيع معه. وكأن المعنيين بهذا الملف يريدون فعلا ان تتخلخل الصورة بشأن الموقف السعودي، ويرغبون في تكاثر الشكوك حول موقفهم من الاحتلال، وهي خطوة اولى تهيئ الرأي العام لقبول الخطوة التالية بالاعلان عن زيارة رسمية بالفعل، شكلا ومضمونا، او قبول زيارة وفد اسرائيلي، كما لمح الى ذلك مسؤولون في السلطة الفلسطينية ومصادر صحافية اسرائيلية، اكدت ان وفدا اسرائيليا سيزور المملكة بدعوة من مركز عشقي للدراسات، وان الترتيبات تجري لذلك.

الصفحة السابقة