أمريكا تخدع شعبها بأموال السعودية

الإفراج عن 28 صفحة من تحقيق 9/11

يحي مفتي

كان الاجماع منعقدا منذ نشر القسم الأكبر من تقرير هجمات الحادي عشر من سبتمبر من قبل لجنة التحقيق في الكونغرس الأميركي بعد عام من وقوع الهجمات، أي في سبتمبر 2002، على أن أمراء سعوديين ضالعون في الهجمات، وأن سبب إخفاء القسم الخاص بدور هؤلاء الأمراء كان للحيلولة دون اضطراب المصالح الحيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي السعودية على وجه الخصوص..

السعودية حاولت قبل شهرين من إماطة اللثام عن القسم المحجوب منع صدوره، وهدّد الجبير بسحب الأموال السعودية من الولايات المتحدة. ولكن بعد زيارة محمد بن سلمان الى الولايات المتحدة في يونيو الماضي وإبرامه صفقة التاريخ ببيع البلد بما فوق الأرض وتحتها للولايات المتحدة انقلب الخوف من المحجوب الى حماسة مفرطة لجهة الكشف عنه.

لوضع الأمور في سياقها، نستعيد ما نشرته صحيفتا (نيويورك تايمز) و(الاندبندنت) البريطانية في 17 يونيو الماضي، أي إبان زيارة محمد بن سلمان الى الولايات المتحدة، وفي يوم لقائه بالرئيس الأميركي باراك أوباما، وربما إبان مناقشته لملف تقرير الحادي عشر من سبتمبر والاتفاق على ثمن إغلاقه.

صحيفة نيويورك تايمز نشرت مقالاً سلط الضوء على أنه «في شهر فبراير عام 2004 استجوب محققان أمریكيان المواطن السعودي المدعو «فهد الثميري» في الرياض، وذلك في اطار التحقيق حول أي دور محتمل للحكومة السعودية بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.”

http://www.nytimes.com/2016/06/18/world/middleeast/saudi-arabia-sept11-

classified-28-pages.html?_r=0

 
تقرير 9/11، هل تم الإفراج عن صفحات التآمر السعودي حقاً؟!

وقال الثميري الذي كان إمام مسجد ومسؤولاً في القنصلية السعودية بمدينة لوس انجلس الأمريكية بأنه «كان يزوره إثنان من منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر هما «نواف الحزمي» و»خالد المحضار”. وأضاف التقرير بأن «المحققين الأمریكيين اعتقدوا بأن ربط الثميري بالمخطط قد يشكل خطوة باتجاه تثبيت تواطؤ الحكومة السعودية بالهجمات.”

وأكد التقرير أن «الثميري وطوال فترة التحقيق نفى أي علاقة له بالخاطفين الاثنين رغم ان المحققين عرضوا امامه سجلات لمكالمات هاتفية تناقض نفيه». وأشار التقرير إلى أن «المحققين كتبوا تقريراً إلى مديريهم أعربوا فيها عن اعتقادهم بأن الثميري لم يكن يقول الحقيقة».

وأظهر المقال أن النواب والمسؤولين الأمريكيين الذين قرأوا تقرير لجنة الكونغرس الأمريكية المؤلفة صفحاتها من 28 صفحة، كشف أن «هؤلاء المسؤولين إنما يعتبرون أن الاسئلة المطروحة حول دور الثميري هي الأكثر إثارة للإهتمام، اذ يعتقد البعض أن أي دور سعودي بهجمات الحادي عشر من سبتمبر جاء على الارجح عبر الثميري».

ونقل التقرير شكوك لامبرت الذي كان مسؤولاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي أجرى تحقيقاً حول الجهات التي كانت على اتصال بالحازمي والمحضار، و قال لامبرت انه «يشكك بأن المساعدة التي قدّمت للخاطفين الإثنين جاءت صدفة»، وأضاف «أنه لابد من وجود مخطط للاعتناء ورعاية الرجلين بعد وصولهما الأراضي الامريكية، وإنهما كانا بحاجة للمساعدة من أجل أخذ الاستعدادات لهجمات الحادي عشر من سبتمبر».

وأشار التقرير الى وثيقة مكتب التحقيقات الفيدرالي، التي تعود الى عام 2012 بأنها «توصلت الى استنتاج أن الثميري كلّف على الفور أحد الأشخاص بالاعتناء بالحازمي والمحضار خلال تواجدهما في منطقة لوس أنجلس، كما قال أن الخاطفين الاثنين التقيا المواطن السعودي المدعو عمر البيومي في أحد المطاعم القريبة من المسجد في شهر فبراير عام 2000، موضحاً مرة أخرى أن البيومي كان يتلقى راتباً من الحكومة السعودية من خلال الهيئة العامة للطيران المدني في السعودية».

وأضاف التقرير ان «مكتب التحقيقات الفدرالي كان يعتقد بأن البيومي إجتمع بالثميري بمسجد الملك فهد قبل أن يلتقي الخاطفين، وبالتالي تساءل المحققون عمّا إذا كان الثميري قد دبّر الاجتماع». ونبّه التقرير الى أن «الثميري كان آنذاك جزءاً من شبكة من الممثلين عن وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد في السعودية».

كما أشار التقرير إلى أن «المحققين كتبوا بأن الثميري بدا «مخادعاً» عندما استجوب حول الجهات التي كان على اتصال بها، خاصة البيومي، إذ نفى أي معرفة له بالأخير رغم سجلات الهاتف التي بينت حصول 21 مكالمة هاتفية بين الرجلين طوال فترة عامين».

صحيفة (الاندبندنت) البريطانية نشرت في التاريخ نفسه، 17 يونيو الماضي، مقالاً للكاتب باتريك كوبورن أشار فيه الى انه «في عام 1996 أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية وحدة خاصة تحت إسم محطة كلّفت باستهداف أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة.

http://www.independent.co.uk/voices/confused-about-the-us-response-to-isis-in-syria-look-to-the-cias-relationship-with-saudi-arabia-a7087791.html

وأضاف كوبورن أن «المدعو “Michael Scheuer” كان يدير هذه الوحدة وأن الأخير وجد أن السعوديين لم يكونوا متعاونين، حيث قال بأنّا طلبنا من السعوديين بعض المعلومات الاساسية حول بن لادن مثل وثيقة ولادته وسجلاته المالية، ولم نحصل على شيء».

 
مطالبات بمحاكمة بندر بتهمة تمويل مجرمي 9/11

وقال باتريك كوبورن أن «الوحدة استمرت بطلب هذه المعلومات من السعوديين على مدار ثلاثة اعوام (بين عامي 1996 و1999) دون أن تتلقى أي رد». وتأكيداً على كلامه إستشهد الكاتب مرة أخرى بما سبق وقاله “Scheuer” خلال إحدى المقابلات من انه وفي عام 1999 «تلقينا رسالة من مدير الوحدة في السعودية (آنذاك) جون برينان»، حيث قال فيها الاخير «ان علينا الوقف عن ارسال هذه الطلبات لأنها تغضب السعوديين». للإشارة فحسب فإن برينان هو نفسه الذي أعطى مقابلة لقناة (العربية) قبل شهر من نشر القسم المحجوب من تقرير 9/11 ليبشر آل سعود بالبراءة من الهجمات.

ما يلفت في هذه المعمعة الاستخبارية الهابطة، ما كانت تخطط له السعودية لجهة صرف الأنظار عن دور الأمراء وتحميل خصمها، إيران، مسؤولية الهجمات. وقد تنبّه موقع «ذا إنترسبت» الأمريكي لمحاولة الجهاز الدعائي السعودي توجيه اللوم إلى إيران بخصوص هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

https://theintercept.com/2016/07/21/saudi-arabias-pr-machine-uses-the-28-pages-to-blame-iran-for-911-attacks/

الموقع ذكر في تقريره الذي يأتي بعدما أفرجت الحكومة الأمريكية عن 28 صفحةً من التقرير الذي كان قد أصدره الكونجرس عام 2002: إن الوثيقة تسرد مختلف أشكال المساعدة المقدمة من قبل العملاء السعوديين إلى الخاطفين، بما في ذلك المساعدة في إيجاد مدرسة لتعليم الطيران، وأشكال مختلفة من الدعم المالي عندما وصل الخاطفون إلى الولايات المتحدة.

وبحسب التقرير، فإن العديد من النتائج الواردة في التقرير لم يتم التحقّق منها بالكامل، حيث إن العديد من العملاء السعوديين الذين وردت أسماؤهم، رفضوا التعاون.

وأشار التقرير إلى أنه ومع ذلك، فإن جماعات الضغط الممولة سعودياً، ووسائل إعلام ترتبط بالمملكة، زعموا بأن الكشف عن الـ28 صفحةً ينهي كل التكهنات حول دور السعودية في هجمات 11/9. عدة جهات تابعة لقسم لعلاقات العامة في المملكة السعودية، قالت بأن الوثيقة تغلق الباب أمام أي تكهنات تشير إلى ضلوع الحكومة السعودية مع إرهابيي 11/9.

تقرير الموقع الأمريكي نقل ما ذكره فران تونسند، مسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، في شريط فيديو تمّ بثه على مواقع التواصل الاجتماعي، من أن «مسألة التدخل السعودي في هجمات 11/9 يجب أن يتم التخلي عنها تماماً».

تمّ إنتاج الفيديو ضمن سلسلة من المقابلات أجرتها Qorvis MSL، وهي شركة ضغط تابعة للحكومة السعودية للتأثير في صنّاع السياسة الأمريكية، وفق تقرير «ذا إنترسبت”.

 
الدخيل: تحويل تهمة دعم القاعدة و9/11 الى إيران!

وقد استخدمت وسائل إعلام أخرى ذات صلة بالحكومة السعودية الـ28 صفحةً لرفض المخاوف بشأن التدخل السعودي في هجمات 11/9. أندرو بوين، كاتب لقناة (العربية) المموّلة سعودياً، قال إن الوثيقة تنهي «مؤامرة تقديم الحكومة السعودية الدعم للخاطفين”.

وذكر التقرير أيضاً أن تركي الدخيل، مدير قناة (العربية) قد ذهب خطوة أبعد من ذلك، في مقالة بعنوان: الطريق إلى 11 سبتمبر (ايلول) بدأ من طهران، يحاول الدخيل ـ وفقًا للتقرير- الإدّعاء بأن الوثيقة التي رفعت عنها السرية ينبغي أن تثير تساؤلات حول إيران.

غير أن التقرير ذكر أن الـ28 صفحةً، ومن الملاحظ، لا تتضمن أي معلومات حول إيران، وعلى النقيض من مزاعم الدخيل، فإن حزب الله المدعوم من إيران في حالة حرب مع القاعدة.

في رد حاسم، كتبت الصحافية جينيفر ريزو في 5 أغسطس الجاري مقالة بعنوان «أمير الصفحات الـ28: الكشف عن رابط غير مباشر بين أحداث 11/9 والعائلة المالكة السعودية”، تتحدث فيها عن دور الامير بندر بن سلطان في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

http://edition.cnn.com/2016/08/05/politics/28-pages-saudi-prince-bandar-9-11/index.html

ووجّهت الشبكة الإتهامات للأمير بندر بن سلطان بالتورّط في الهجمات الإرهابية التي تعرّضت لها مدينة نيويورك في أيلول/ سبتمبر من العام 2001، موضحةً بأنّ الصفحات الـ28 التي تم إماطة اللثام عنها حول أحداث سبتمبر مؤخراً، تظهر علاقة غير مباشرة بين السفير السعودي السابق لدى واشنطن، الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز مع الإرهابيين الذين فجّروا برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001.

وبيّنت الشبكة أن تلك الوثائق تكشف عن علاقة بين أعضاء في تنظيم القاعدة وشركة يتملكها الأمير بندر، مشيرةً في هذا الصدد الى اعتقال الباكستان لعضو في تنظيم القاعدة يدعى «أبو زبيده»، والذي عُثر على أرقام هواتف مرتبطة بالأمير بندر في دليل هاتفه.

وأوضحت الشبكة العالمية: أحد تلك الأرقام الهاتفية كان يعود الى شركة للعقارات تعود ملكيتها الى بندر، فيما يعود رقم آخر إلى أحد رجال الأمن في السفارة السعودية في واشنطن. وقالت الشبكة الإخبارية إن «هذا التورط غير المباشر لبندر مع تنظيم القاعدة، هو واحد من عدة حقائق جديدة تم الكشف عنها مؤخراً في تلك الصفحات الـ28”.

لم تكتف الشبكة الأمريكية بذلك، وجديد الحقائق التي كشفتها تلك الوثائق هي العلاقة التي ربطت بندر بن سلطان بأحد الموظّفين السابقين في السفارة السعودية، ويدعى أسامة بسنان والذي كان يعيش في أمريكا وقت وقوع هجمات سبتمبر، وكانت له علاقة بإثنين من الإرهابيين اللذين شاركا في تلك الهجمات الإرهابية وهم كل من نواف الحازمي وخالد المحضار.

وتظهر الوثائق أن بسنان استلم أموالاً من بندر في مناسبات عدّة، وعن طريق زوجة بندر وعبر زوجته. وأظهرت الوثائق تحويل ما مجموعه مبلغ 74 ألف دولار بين الأعوام 1999 و2002. وكانت إحدى الحوالات وقدرها 15 الف دولار، جرى تحويلها من حساب بندر بشكل مباشر.

وكشفت الوثائق عن تحويل زوجة بسنان لأموال الى زوجة سعودي آخر يعيش في أمريكا، وهو عمر البيومي الذي ساعد المهاجمين على الإستقرار في سان دييغو عند قدومهم لأمريكا في العام 2000. الشبكة أشارت أيضاً الى الإعترافات التي أدلى بها الإرهابي زكريا الموسوي خلال محاكمته في العام 2014 وادّعى فيها بأن الأمير بندر بن سلطان كان أحد المتبرعين في قاعدة بيانات تنظيم القاعدة.

ومن جانبه دعا السناتور بيل غراهام، الذي دفع باتجاه الكشف عن تلك الصفحات، الى إجراء تحقيق شامل في تورّط بندر بن سلطان في هجمات سبتمبر وتساءل عمّا ستكون عليه نتيجة التحقيق.

الصفحة السابقة