مؤتمر (أهل السنة والجماعة) في غروزني

محاصرة الوهابية دينياً، ونظام آل سعود سياسياً

محمد قستي

تحوّل تاريخي حدث في مؤتمر الشيشان الذي عقد تحت عنوان: (من هم أهل السنّة والجماعة)، وحضرته مؤسسات دينية رسمية وشعبية من مختلف دول العالم الاسلامي السنّي. 

قد يؤدي التحول التاريخي الى محاصرة الوهابية دينياً، ومحاصرة آل سعود سياسياً، أكثر مما هم محاصرون الآن.

فقد اجتمع في غروزني عاصمة الشيشان، ممثلون عن أهل السنة والجماعة، لبحث موضوع بعنوان: (من هم أهل السنة والجماعة)؛ خلصوا فيه الى أن الأشاعرة والماتريدية والصوفية وأتباع المذاهب الفقهية الأربعة، هم أهل السنّة والجماعة، وحذروا من اختطاف اللقب النبيل هذا، من قبل البعض (ويقصدون الوهابيين).

وقد استثنى نحو مائتي مفتٍ من كافة دول العالم الإسلامي الوهابية من أهل السنّة والجماعة؛ وهم بهذا يؤكدون الحقيقة التاريخية بأن (أهل الحديث) في الماضي هم (السلفيون) في الحاضر، ولم يكن ينطبق عليهم لفظ (أهل السنة والجماعة) حين استقرّ في القرن الرابع الهجري.

وغرض المؤتمر، هو عدم تحمّل العالم السني مسؤولية ما يقوم به الوهابيون من أعمال تكفير وتطرف وعنف في طول بلدان العالم وعرضها. ومنع الانتماء اليها أول الخطوات، باعتبار ان الإنتماء الى الوهابية ومساعدتها في التمدد، يعني العنف والتدمير في كل بلد نزلت به.

لم يدع منظمو المؤتمر مشايخ الوهابية، في حين حضره شيخ الأزهر، ومفتي مصر، والمفتي السابق، وغيرهم؛ كما حضره شيوخ وعلماء ومفتون من كل البلدان الإسلامية ويمثلون كل الطيف الإسلامي السنّي، لأن المؤتمر هدفه وقف اختطاف الوهابية للعالم السنّي، وتأكيد حقيقة ان الوهابيين لا يمثلون سوى ثلاثة بالمائة من المسلمين في أكثر التقديرات.

والمعلوم ان الوهابية تكفر الماتريدية والأشاعرة والصوفية، فضلاً عن الشيعة وغيرهم، أي أنهم يكفرون ويخرجون من الملّة الأغلبية الساحقة من المسلمين؛ ومع هذا هم يتحدثون بالنيابة عن جميع المسلمين بأنهم الممثلين لهم، وانهم رغم اقليتهم وتكفيرهم للجميع، يعتبرون انفسهم المرجعية الصحيحة الإسلامية بإسم الأكثرية السنيّة التي تم تكفيرها.

السعودية تجاهلت المؤتمر ابتداءً، ولكن نتائجه كانت صاعقة على المؤسسة الدينية وآل سعود، الذين أمروا إعلامهم بأن يهاجم المؤتمرين والأزهر ومصر الدولة، وكل المؤسسات الإسلامية والمرجعيات الدينية السنيّة، ووصموها بشتى الأوصاف، بل ان بعضهم أعاد تكفير جميع من حضر المؤتمر بمن فيهم شيخ الأزهر والشيخ عبدالله بن بَيّهْ.

فمثلاً، وكرد على نتائج المؤتمر، أعاد الوهابيون قولهم ونشرهم لرأيهم القائل بأن الأشاعرة والماتريدية في الإعتقاد ليسوا من أهل السنّة؛ وهم غالبية اهل السنة اليوم؛ والشيخ حمود العمري قال بأنه لم يشارك أحد في مؤتمر الشيشان من أهل السنة، وان من شارك مجرد مجموعة من عبّاد القبور والمرتزقة والأوباش وعبّاد الأحياء والأموات. والشيخ عبدالعزيز الفوزان وصف المفتين والعلماء الممثلين لكافة اقطار العالم الإسلامي السنّي بأنهم (أئمة ضلالة) وان الله فضحهم. اما الشيخ سعد البريك فقال ان المؤتمرين لديهم عقدة من الوهابية؛ وهي عقدة حقيقية كون هذه الأيديولوجيا دموية تكفيرية، اختطفت الأكثرية لتحقيق مصالح آل سعود، فأنتجت داعش والقاعدة وبوكو حرام واضرابها.

هيئة كبار العلماء الوهابية التزمت الصمت عن المؤتمر ابتداءً، لأن أعضاءها في الأساس لا يؤمنون بحوار ولا تعايش ولا تفاهم مع من يعتبرونهم كفرة او مشركين، سواء كانوا مواطنين او مسلمين آخرين غير سعوديين، وسواء كان الحوار على المستوى المذهبي او المستوى السني او المستوى الطائفي المسيحي الاسلامي. وحتى الحوار الوطني في السعودية لم يشاركوا فيه. فهم لا يؤمنون بالحوار، اي حوار.

لكن هيئة كبار العلماء ردّت بعد ان جاءتها الإشارة من الحكومة فور ظهور نتائج المؤتمر، وحاولت في بيان لها ان تتكلم بصورة هادئة حتى لا تستفز الأكثرية السنيّة المسلمة وممثليهم أكثر فأكثر. وظهرت عبارات استخدمها البيان غير مألوفة في الخطاب الوهابي.

فقد حذر البيان من الدعوات التي تهدف الى إثارة النعرات وإذكاء العصبية بين الفرق الإسلامية، في إشارة اتهامية للمؤتمر. مع ان لا أحد يثير الفتن في كل بقعة إسلامية، أو وُجدت فيها جالية اسلامية غير الوهابيين انفسهم. 

واتهم البيان المؤتمرين بتوظيف المآسي والأزمات لخدمة توجهات سياسية معيّنة، وهو أمرٌ تُتهم فيه الوهابية الجالسة في أحضان آل سعود، والخادمة لمشاريعهم السياسية. 

واتهم البيان المؤتمرين بتوظيف المآسي والأزمات لخدمة توجهات سياسية معيّنة، وهو أمرٌ تُتهم فيه الوهابية الجالسة في أحضان آل سعود، والخادمة لمشاريعهم السياسية. 

كما وحذر البيان مما يمزّق الأمّة، وكأن الوهابية كانت يوماً ما أداة توحيد ووحدة، وكأن مشايخها لم يكونوا يوماً في طليعة التكفيريين لمعظم أبناء هذه الأمة وبالجملة، وكأنهم لم يؤمنوا يوماً بأن من خالفهم في رأي صار كافراً او مشركاً بنظرهم.

 كان واضحاً، كما يقول الصحفي عبدالباري عطوان، بأن مؤتمر غروزني خطوة لسحب المرجعية السنيّة من السعودية، وتثبيت الإرهاب بالوهابية، وقال ان مشاركة الأزهر تؤكد خلافه مع الرياض.

ويعتقد المفكر السعودي النجدي المتخصص في الوهابية، محمد علي المحمود، بأن السلفيين الوهابيين يمثلون أقل من خمسة بالمائة من السنّة، ومع هذا هم يقولون أن الأشاعرة والماتريدية ـ الذين يمثلون خمسة وتسعين بالمائة من السنّة ـ ليسوا من اهل السنّة. واضاف بأن مؤتمر الشيشان قلب الطاولة على السلفيين؛ وأنه حتى لو اعترف الأشاعرة بأن السلفيين من السنّة، وهذا ممكن بنظره، فإن من المستحيل أن يعترف السلفيون/ الوهابيون بأن الأشاعرة من السنّة.

ولنا هنا ان نلاحظ أن العالم السنّي بعلمائه ومفتيه ومؤسساته، أخرج الوهابية والسلفية من دائرة أهل السنّة والجماعة؛ في حين أن الوهابيين قد سبق لهم أن أخرجوا الأكثرية من أهل السنّة والجماعة من دائرة الإسلام أصلاً، ولهم في هذا كتبٌ وفتاوى كثيرة تجد الكثير منها على الإنترنت ومواقع الوهابية المتعددة.

الشيخ حسن فرحان المالكي يقول: (لقد لبث الغلاة ـ ويقصد الوهابيين ـ ست سنوات عجاف وهم يفتكون في المسلمين قتلاً وتكفيراً وشتماً وتحريضاً، فلم يوقفهم أحد؛ فكان من الطبيعي حصول مؤتمر الشيشان). وأوضح ان الوهابيين الغلاة كانوا ضد مؤتمر الملك عبدالله لحوار المذاهب الثمانية، وضد الحوار الوطني المحلي، وضد أي تفاهم او حوار، (فما بالهم الآن يغضبون من مؤتمر الشيشان؟).

اما عضو مجلس الشورى السابق، الدكتور علي سعد الموسى، فكان عنوان مقالته سؤالاً: (مؤتمر الشيشان، لماذا لم يدعونا؟) وأوضح بأن خطاب المؤسسة الوهابية، هو الذي جعل السعودية في ذيل مقياس القبول والترحيب والشعبوية في الشيشان والبوسنة وابخازيا وافغانستان وغيرها؛ وأنحى باللائمة على أجنحة التشدد (الوهابي طبعاً) التي شوهت سمعة المملكة.

هذا صحيح، لكن حتى لو دُعي مشايخ الوهابية الكبار لحضور المؤتمر، فإنهم لن يحضروه ما لم يكونوا قد وضعوا هم أجندته بما يحقق اهدافهم هم. وعموماً هم لا يهتمون بموضوعات الحوار، والحوار ليس من ثقافتهم.

ومن جانبه حذر زياد الدريس في مقالة له في الحياة، من أن تتحول الوهابية الى طائفة ثالثة بين المسلمين؛ وقال ان السلفيين هم الذين بدأوا العدوان؛ فقد وصموا في خطابهم التعميمي الإقصائي فصائل أهل السنّة والجماعة، وكل من خالفهم، بأنهم مبتدعة أو زنادقة او خوارج، واحتكروا لقب (الفرقة الناجية).

لكن وزير الشؤون الإسلامية صالح آل الشيخ لا يعترف بهذا، ويقول بأن مؤتمر الشيشان زرع فتنة جديدة، وليست الوهابية من زرعها، وان المؤتمر كان مؤتمر فتنة. وفي حين ردد الكتاب النجديون الوهابيون خاصة ما ورد في بيان هيئة كبار العلماء بأنهم ضد الإقصاء الذي حدث لهم، وصف الأمير خالد آل سعود المؤتمر بأنه مشبوه يستهدف (وطننا وعقيدته السلفية)؛ وأما الشيخ عادل الكلباني، إمام الحرم السابق، فقد أصابه الرعب، وقال بأن المؤتمر (منبّهُ لنا بأن العالم يجمع الحطب لإحراقنا).

ان صح ذلك، لمَ يريد العالم إحراق الوهابيين؟

أليست هذه الرغبة ناتجة عن رد فعل على ما فعله ويفعله الوهابيون التكفيريون العنفيون في طول العالم وعرضه من قتل وذبح وتخريب وتدمير، بمعاونة سعودية رسمية مالية وفكرية ودعم بالرجال والمقاتلين؟

من المضحك حقاً ان يتحدث الوهابيون عن الإقصاء؛ وهم أقلية صغيرة تقصي الجميع عن الاسلام، وتحتكره لنفسها.

ومضحك أن نرى الاعتداد بالنفس طافحاً حين يكتب احدهم مقالة متسائلاً: (مَن أقصى مَنْ؟)؛ ويقصد ان الوهابية التي لا تمثل شيئاً عددياً ذا بال، هي التي أقصت الأغلبية الساحقة من أهل السنّة والجماعة، وليس العكس.

ومضحك أيضاً ان تشتم الصحافة السعودية الرئيس الشيشاني قاديروف لأنه صوفي كافر متآمر مع بوتين؛ في حين أنه كان العام الماضي يستقبله الأمراء لأداء العمرة؛ ويتناسى الوهابيون المحليون أن والد الرئيس الحالي احمد قاديروف قد قتله وهابيون مع اكثر من ثلاثين شخصاً في تفجير عام ٢٠٠٤؛ كما وتتناسى الصحافة السعودية بأن زعماء تدمير الشيشان هم سعوديون. هل نسينا خطاب، أو ثامر السويلم؟ أم تناسى الوهابيون من كان خليفة خطاب وهو أبو الوليد عبدالعزيز الغامدي؟

والمفجع ان يكتب أحدهم وهو حمد الماجد في جريدة الشرق الأوسط:  (مؤتمر الشيشان.. لا تحسبوه شراً لكم). فهذا يعني الإمعان في الخطيئة والخطأ. وهو يعني ان الصلف الوهابي النجدي لا حدود له، بحيث لا يمكن لهؤلاء ان يتعلموا اية درس من تجاربهم المريرة.

ختاماً، فإن الوهابية وآل سعود قد فتحوا النار على جميع المسلمين، فكلهم في دائرة الإستهداف، وكل بلدانهم تمثل مرتعاً لغزواتهم وجهادهم العجيب. ولذا لا نعجب ولا نستغرب ان تُعزل الوهابية وربما تجرّم علناً، ويجرّم من ينتمي اليها في المستقبل خاصة في اوروبا. ولربما استدعت تصرفات آل سعود ومشايخهم وحرقهم للبشر والدول والمدن، غزوا خارجياً شبيهاً بغزوة محمد علي باشا، تطيح بحكمهم من جديد.

فمن لا يتعلم الدرس بالنصح والعقل، يتعلمه بالطريقة الصعبة رغماً عنه.

الصفحة السابقة