إنقاذ آل سعود: اليمن وطبخة كيري

محمد شمس

اعتقدت واشنطن ومن تحتها الرياض وحلفائها بأن التهديد بوقف المفاوضات في الكويت سوف يرغم الوفد اليمني على رفع الأيدي استسلاماً. زادت وتيرة القصف الجوي على محافظات اليمن ولا سيما صعدة وصنعاء والجوف وتعز وعمران..ولكن الراية البيضاء لم تُشهر..ولكن تطوّراً مفاجئاً حصل بأن تضاعفت وتيرة الزحف على المناطق السعودية مرات عدّة، وكشفت تقاير الاعلام الحربي اليمني عن فضائح مكعّبة..هروب الدبابات وتصادمها مع العربات، وتساقط المواقع العسكرية، وتزايد أعداد القتلى من الجنود السعوديين وهروب آخرين، مشاهد لم تر من قبل ولكن حضرت بكثافة في على الشاشة..وزاد على ذلك دخول صاروخ بركان 1 في المعادلة العسكرية والتي أربكت حسابات الرياض وواشنطن معاً ودفعت لوردات الحرب الى استخدام اقصى ما لديهم من صواريخ وافراغها على العاصمة صنعاء وصعدة ومحافظات أخرى للرد على اطلاق صاروخ بركان على قاعدة الملك فهد في الطائف..

جون كيري، وزير الخارجية الأميركي جاء بخطة طوارىء لإنقاذ السعودية من ورطتها في اليمن، فما هي هذه الخطّة؟

 

الخطة تقوم على النحو التالي:

ـ تشكيل حكومة وحدة وطنية

ـ انسحاب الجماعات المسلّحة من المدن وتسليم السلاح الثقيل لطرف ثالث

ـ التخلي عن هادي تماماً كرئيس شرعي

في المقابل، تقدّمت واشنطن بضمانات للسعودية في مقابل تنفيذ بنود الخطة، وفي الواقع من أجل ضمان نجاحها، والضمانات هي على النحو التالي:

ـ عدم السماح لوصول سلاح ثقيل وكاسر للتوازن الى أنصار الله من إيران من خلال فرض مراقبة شاملة على الحدود البحرية

ـ تعزيز أجراءات حماية أراضي المملكة السعودية وأمنها عبر نصب أنظمة الباتريوت في كل أرجائها، بما يتطلب دفع فاتورة باهظة.

ـ تصعيد العمل الاستخباري في المنطقة بما يضمن الرقابة على نشاطات إيران في المنطقة ولا سيما في اليمن بما يحول دون استعادة حركة أنصار الله لقوتها وتطوير سلاح يهدد الأمن السعودي..

وكان المفترض أن يقوم المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ بتسليم الخطة الى الجانب العماني، والى وزير الخارجية يوسف بن علوي على وجه الخصوص ليقوم هو بدوره بتسليمها الى الوفد اليمني، على أساس رفض الأخير لأي لقاء مع المبعوث الدولي خارج اليمن، وفي رد فعل على عدم ممارسة المنظمة الدولية أي ضغط على الجانب السعودي لوقف حصارها للأجواء اليمنية وبما يسمح بعودة الوفد الوطني اليمني الى صنعاء. على أية حال، الوساطة العمانية غلبت العهد اليمني، وحق السلطنة محفوظ لدى الوفد الوطني الذي لم يجد بدّاً سوى الإستجابة للطلب العماني بلقاء المبعوث الدولي. وبرغم من تعهده بالحياد والنأي عن السعودية حتى لا يتهم بالانحياز لها، فإن أول رسالة نقلها للوفد الوطني هو الانسحاب من الحدود.

لم يرق للرياض خطة كيري في تسلسلها، إذ أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية يسبق تسليم السلاح الثقيل، وهذا ما يتطابق مع رؤية حركة أنصار الله، والقائمة على مبدأ أولوية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على أي أمر آخر، ولا سيما تسليم السلاح الثقيل والانسحاب من المدن. وهذه تشكّل نقطة خلاف رئيسية بين الرياض وواشنطن، الأمر الذي دفع بها الى استصدار نسختها الخاصة في الخطة.

في 30 أغسطس الماضي وزّعت السفارة السعودية المقترح الأميركي في 4 بنود، وتمّت سعودة المقترح الأميركي، والذي ينص على انسحاب القوى من صنعاء ومن المدن الحيوية، وعلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في اليمن واحترام أمن وسلامة وحرمة الحدود الدولية، وحظر نشر أي أسلحة تهدد السعودية، كما ينص المقترح السعودي ـ الأميركي الأصل على نقل الاسلحة الثقيلة والصواريخ من أنصار الله وحلفائها إلى طرف ثالث.

من وجهة نظر أنصار الله، فإن خطة كيري رغم سوئها الا أنها أخذت بثمانين بالمئة من ملاحظات حركة أنصار الله. ولكن ما هو أهم من ذلك كله هي الخلفية وراء الخطة، ومالهدف من ورائها.

في واقع الأمر، تشعر السعودية بمأزق حقيقي، وكل يوم يمر على الحرب تتصعّب المهمة، في ظل تساقط الأراضي السعودية تحت سيطرة مقاتلي الجيش واللجان الشعبية..فلأول مرة يمكن أن يلحظ المراقب إرتفاع الأصوات المطالبة بوقف الحرب وانقاذ الأطفال الذين يتساقطون في الحد الجنوبي بل هناك من طالب بالتمرّد ومغادرة الجبهات..الاثمان الباهظة التي تفرضها الحرب شهرياً، الأفق المسدود لهذه الحرب..كل ما يعيق ال سعود للخروج من الحرب هو تلك الهيبة التي تمرّغت في المستنقع اليمني.

الاميركي الذي يدير الحرب السعودية على اليمن، لا يريد أن يخرج حليفه منها خاسراً، ولكن في الوقت نفسه لا يريده رابحاً أيضاً، والا فسوف تصبح الضمانات التي وعد بتقديمها بلا جدوى ولا مبرر..

الصحافي ثوماس ليبمان كتب في 15 أغسطس الماضي مقالة في موقع «ناشيونال انترست» قال فيها أنه لا هدف عسكري واقعي للسعوديين في اليمن وكذلك لا وجود لأي تعريف للنصر القابل للتحقيق.

ونبّه الكاتب الى أن الحرب تكلّف السعودية مليارات الدولارات في الوقت الذي يشهد فيه العالم هبوطاً في أسعار النفط. وأشار أيضاً الى عدم وجود أي مؤشرات تدل على ان السعودية تعيد النظر باستراتيجيتها في اليمن والى أن الاهداف المعلنة مثل إعادة عبد ربه منصور هادي الى الحكم و تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 2216 هي أهداف لا يمكن تحقيقها عبر القصف الجوي وعلى الأرجح لا يمكن تحقيقها بالمطلق.

ولفت ثوماس الى أن حركة أنصار الله تقوم بإطلاق الصواريخ على المناطق الحدودية السعودية، وأن القصف من قبل التحالف الذي تقوده السعودية لا يساعد في المعركة ضد القاعدة، إذ أن هذا القصف أدّى الى إضعاف الجيش اليمني، بحسب ما قال الكاتب. وتابع بأنه وبحسب تقرير صدر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن الانفاق العسكري السعودي السنوي وصل الى 82 مليار دولار، وهو ثالث أعلى رقم بعد الولايات المتحدة والصين. وعليه، فإن الحرب على اليمن تلقي بثقلها على السعودية وخاصة في ظل انخفاض أسعار النفط، لافتاً الى أن العديد من العمال الاجانب في السعودية أجبروا على العودة إلى أوطانهم بسبب المشاكل الاقتصادية في السعودية.

الصفحة السابقة