مملكة تنهار تحت وطأة الأزمات

تتجمّع الأزمات على كاهل مهلكة آل سعود، بحيث أن كل ما فعلوه في الماضي، ظهر اليوم واضحاً للعيان، وبانت نتائجه السيئة والمدمرة، وكل ما أخفوه، انكشف حتى للعميان.

تجمع المشاكل جعل حكم آل سعود ولأول مرة في تاريخهم، في صراع وجودي حقيقي، ما جعل المقربين والمستفيدين يشعرون بأن السفينة لاتزال تتجه نحو الغرق، ففر الكثير منهم بأموالهم الى الخارج.

كل مشكلة او أزمة بحاجة الى حل سريع، ولكن كيف يكون ذلك، والبلاد في وضع لا تحسد عليه سياسيا واقتصاديا وماليا وتعليمياً وعسكرياً وغيرها؟

كيف يمكن حل هذه الأزمات دفعة واحدة وهي تتفجر في وجه آل سعود كالألغام، الواحدة تلو الأخرى؟

لنوضح الصورة بوضع مختصر لعناوين الأزمات والمشاكل.

نبدأها بأزمات الداخل:

في النظام، هناك أزمة الشرعية، فاليوم لا شرعية قوية له، بسبب فشله التنموي، ولا شرعية قوية له بسبب الإنسداد السياسي والقمع الشديد. وتتقلص شرعيته الدينية حتى في الوسط الوهابي النجدي، لأن جزءً غير قليل من الجمهور لا يرون النظام اسلامياً بل هو أقرب الى النفاق الديني، ولهذا تحوّل بعضهم الى داعش والقاعدة كنموذج ديني وفق الوهابية أرقى من النموذج السعودي نفسه.

وفي النظام أيضاً، لاتزال هناك أزمة الخلافة للحكم. لم يحلها تعيين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان كرجل ثان وثالث في سلّم الحكم. اكثرية العائلة المالكة غاضبة، وهي تنتظر فشل محمد بن سلمان لكي تنتقم منه وتطيح به؛ ولكن الملك سلمان يريد قبل ان يرحل الإطاحة بمحمد بن نايف ليصبح محمد بن سلمان الملك القادم.

لا توجد آلية لتداول السلطة بين امراء العائلة المالكة. فالحكم لمن غلب، ولمن يحصل على الدعم الامريكي المباشر ليحكم. ثم ان هيئة البيعة ماتت ولم تعد قادرة على تنظيم وراثة السلطة، والأمراء الذين أُقصوا ينتظرون الفرصة لمعركة أخرى. العائلة المالكة مفككة، وصمت كثير من أعضائها جاء عن غير رضا، بل هو الخوف من الملك وابنه، اللذين خطفا مؤخراً امراء معارضين من فرنسا وغيرها.

وعلى صعيد الداخل، هناك الأزمة الاقتصادية التي جعلت المواطنين يشتمون ال سعود وحكمهم.

هناك الضرائب المتصاعدة والتي لن تتوقف حيث الوعود بالمزيد؛ وهناك البطالة المتزايدة بلا حل منذ عقود؛ وهناك أزمة التعليم لم يتم حلّها، وهناك تبعات إيقاف الإبتعاث، وهناك الفساد والنهب، وهناك أزمة السكن، وكل هذا يضعف شرعية النظام، ويضعف قدرته على تعويضها من مصادر أخرى.

الأزمة المالية بسبب اغراق آل سعود لأسواق النفط، وانخفاض سعره، عمّقت أزمتين: داخلية وخارجية. الخارجية انها وترت العلاقات مع الدول المنتجة للنفط والتي تعتمد عليه بشكل كبير سواء في محيط دول اوبك او غيرها، كروسيا مثلاً. وفي الداخل، سببت عجزاً مالياً غير مسبوق في تاريخ السعودية، فلجأت الى الإقتراض ليس فقط من الداخل كما فعلت في الثمانينات الميلادية الماضية، بل من البنوك والمؤسسات المالية الخارجية. وقد اكتشف العالم ان أصول السعودية المالية في الخارج هي أقل بكثير مما تزعمه.

الأزمة المالية التي يراد تعويضها بالضرائب من جيوب المواطنين وانهاء وظيفة الدولة الريعية، خلقت تباعداً كبيراً بين الحكم والمواطنين، وأضعفت قدرته على شراء الذمم، خاصة وان الإنفاق لم ينخفض، والفساد لم يتوقف، وهناك حرب لا بد من الصرف عليها في اليمن، وحروب أخرى بالوكالة يتم تمويلها في العراق وسوريا، وهناك دول لاتزال تقف مع آل سعود ماداموا يدفعون ثمن المواقف السياسية، والرياض لم تعد قادرة على الدفع كثيراً، بل هي غير قادرة في الإستمرار على ابقاء سوق الأسهم في موقع قبل الإنهيار، فالتدخل المباشر بضخ المال، لم يعد ممكنا الاستمرار فيه.

رؤية محمد بن سلمان الحالمة، قد جرى انتقادها ولا يمكنها ان تقدم حلاً سحرياً لمملكة اصابها العطب، لا الآن ولا في المستقبل. وحتى الزمن لم يعد متوفراً لآل سعود، حيث الوقت يضيق، والحلول الإعجازية لا يستطيع القيام بها نظام هرم وفاسد.

عسكرياً، الحرب من الناحية العملية حُسمت عسكرياً في غير صالح النظام، الذي لايزال يكابر ويحقق انتصارات على تويتر والقنوات الفضائية فحسب، فيما القوات اليمنية تطل ـ حرفياً ـ على نجران، بعد أن تم تدمير المواقع العسكرية السعودية المحيطة. جيزان وعسير تحت الضغط العسكري، وسقطت كثير من بلداتهما ومواقعما العسكرية. صواريخ بالستية وصلت الى الطائف في عملية ردع وتوازن عسكري. كل هذا يدل على الهزيمة العسكرية التي بدأ المواطن يدركها، بعد 19 شهراً من الحرب، ومن الدعاية المضللة.

وللهزيمة العسكرية انعكاسات ضخمة على الداخل: مزيد من نمو العنف، مزيد من انهيار شرعية النظام، مزيد من المطالب بالاصلاح السياسي او رحيل النظام. كما للحرب انعكاس على الخارج، حيث سينهار النفوذ السياسي السعودي في كل المنطقة العربية والإسلامية، حيث لا مال لديها، ولا مكانة دينية حتى، خاصة بعد تجريم الوهابية وإخراجها من فضاء (أهل السنة والجماعة) في مؤتمر غروزني، ولذا ستنكفئ الرياض على نفسها، وتخسر نفوذها حتى بين دول الخليج. فالهزيمة ستكون ساحقة حقاً.

على الصعيد الخارجي: الرياض في توتر علاقات مع حلفائها في امريكا واوروبا بسبب دعمها للإرهاب، وبسبب نضوب أموالها، وبسبب فقدان مكانتها الاستراتيجية بعين الغرب نفسه.

والرياض خسرت وهُزمت في سوريا بنسبة كبيرة، وكذلك في العراق الذي طرد سفيرها مؤخراً. وخسرت في لبنان حيث يبحث حليفها الحريري عمن يدعمه. وخسرت الرياض معركتها مع ايران على مستوى الإقليم عامة؛ كما وخسرت قيادتها للعالم السني، وللعالم العربي ايضا.

باختصار.. نظام الحكم في السعودية الى انهيار.

زمن المعجزات ولّى.

والأعمى عليه ان يرتدي نظارة مختلفة ليرى الحقائق.

الصفحة السابقة