حرب اليمن.. صعب نسيانها

هزيمة العدوان السعودي تلوح في الأفق

توفيق العباد

تكاد تكون الحرب على اليمن منسيّة في السعودية.

المقالات قليلة، اللهم إلا في مناسبات، مثل فشل مفاوضات الكويت، وشنّ هجمات جديدة تتطلب معنويات لدى الأتباع.

على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يوجد الا القليل من التغريدات، وما يكتبه اليمنيون بمختلف توجهاتهم اكبر بكثير مما يكتبه السعوديون عن الحرب.

الحديث او الكتابة عن اليمن بشكل عام صار في الدرجة العاشرة من الإهتمام لدى النخب السعودية. ولولا توصيات وزارة الداخلية لرؤساء ومدراء تحرير الصحف وحضهم على الطلب من الكتاب والصحفيين كتابة مقالات، وإفراد تغطيات، لأصبحت الحرب نسياً منسيّاً.

الحرب على الحدود، بعيدة عن المركز النجدي الحاكم.

 

وأغلب الضحايا هم من ذوي الجذور اليمنية في مناطق: جيزان وعسير ونجران. وهؤلاء يأتون في أدنى السلّم التراتبي الوطني بالمقاييس النجدية الحاكمة.

فليموتوا ماداموا يشكلون أكثرية الجند، وليس الطبقة القيادية في الجيش.

وليهجّروا عن مدنهم وقراهم.

المهم ان تبقى الحرب بعيدة عن الذهن، خاصة وأنها حرب خاسرة، حربٌ بلا أمل، حربٌ عاصفةٌ وهمية.

من يريد ان يتذكر او يذكره أحدٌ بالهزيمة؟

لكن الحرب على اليمن، بما تتضمنه من خسائر تتضاعف سياسياً واقتصاديا، لا يمكنها ان تغيب عن ذهن النخبة النجدية، التي شجعت على الحرب، وحرّضت عليها ولاتزال في اكثرها، وإن كانت قد بدأت تشعر بتداعياتها السلبية، الى حدّ الخوف من الهزيمة الماحقة، وتخلخل النظام السياسي، ان لم يكن سقوطه.

لهذا هم مضطرون للمتابعة ولو عن بعد التحولات في الحرب العدوانية.

في الأسابيع الماضية حدثت تطورات عديدة، أعقبت فشل مؤتمر الكويت للقوى اليمنية المتصارعة، وهذه التطورات خطيرة ولها دلالات سياسية واستراتيجية:

أولها، فشل الهجوم الكبير الذي أعدته السعودية لتحرير صنعاء بزعمها ومعها تحرير تعز، واختراق الشمال اليمني من جهة الطوال ـ ميدي، ومن جهة الجوف أيضاً. هذا الفشل بعد التهليل الكثير في الصحف لحتمية نجاحه، أضاف الى خيبات الأمل خيبة أخرى ولكنها كبيرة هذه المرّة، لأنها ترافقت مع اعلان الولايات المتحدة سحب مستشاريها، عدا قلة منهم، وفي هذا دلالة سياسية، مع ان باتاريوس، الجنرال الأمريكي ورئيس السي آي ايه السابق، لازال يعمل مع فريق مستشارين وآل سعود في غرفة العمليات منذ بدء الحرب.

التحول الثاني له علاقة باليمنيين: حث تلقت الرياض صفعة كبيرة غير متوقعة سياسية وعسكرية. السياسية جاءت إثر تشكيل مجلس سياسي أعلى ينتخب حكومة في صنعاء، ما سحب الشرعية من فنادق الرياض حيث عبدربه هادي وحكومته، الى صنعاء، والتي توّجت اعلانها وتوافق انصار الله مع حزب المؤتمر، بمظاهرات مليونية غير مسبوقة.

اما التحوّل العسكري، فكان صاعقاً للغاية، وهو سقوط عشرات البلدات والمواقع العسكرية السعودية في يد القوات اليمنية (جيشاً ولجاناً) ووصول تلك القوات الى مدينة نجران، بحيث تعتبر المدينة التي تحوي اكثر من نصف مليون انسان ساقطة عسكرياً.

والأكثر خطورة: وصول الصواريخ الباليستية للمدن السعودية، بما فيها الطائف.

وهذا عنصر ردع كبير للغاية، يقلب موازين القوى العسكرية.

هذه التحولات فرضت اجتماعاً في جدة حضره كيري، ومحمد بن سلمان ومحمد بن نايف ووزراء خارجية خليجيون، وممثل عن بريطانيا وممثل الامم المتحدة لبحث الأزمة اليمنية وحلها سلمياً، وقد خرج كيري بخطة لم ترق للسعوديين ووجدوها اقرب الى مطالبات الحوثيين منها الى مطالب حكومة الدنبوع عبدربه هادي.

هذا ولاتزال الأصوات الغبية التي تدعو للأستمرار في الحرب مسيطرة، مع ان مقالات ظهرت ولأول مرة في تاريخ الحرب تدعو لإيقافها، كتبها بدعم من من محمد بن نايف الدكتور علي سعد الموسى في صحيفة الوطن.

لكن البعض لازال يصر على مواصلة الحرب، ظناً منه ان النصر يمكن ان يتحقق ولو بعد حين، ولو بعد وصول السيدة كلينتون الى سدة الرئاسة الأمريكية.

الشيخ الإخواني عوض القرني يتهم كل من يدعو لعدم الاستمرار في الحرب مثقفاً أجيراً؛ ودعا الى انهاء الحرب بالنصر عاجلاً، لأن (المؤامرات تحيط بنا، وكل يوم نتأخره سيغري الأعداء). ويظن القرني ان هناك قراراً رسمياً بعدم الإنتصار في الحرب، وليس عدم استطاعة. ومثلها دعا الشيخ سليمان العجلان بسرعة حسم الحرب، وكأن القضية مجرد قرار ويتحقق!

الأديب الجنوبي أحمد أبو دهمان الذي كتب أشهر تغريدة عن عاصفة الحزم في اليوم التالي للحرب وقال: (ليس أعظم أن تصحو على وطن شجاع)، عبّر عن اشمئزازه وخيبة أمله فقال: (نريد أن نستيقظ على وطن لا على عَفَن. نريد أن نستيقظ على وحدة لا على طائفة)، في اشارة الى التعليقات التكفيرية الوهابية ضد نجران، وعدم اعتبار ضحايا نجران الإسماعيليين شهداء.

الملك العائد من سياحته في طنجة أعطى اوامره بدفع راتب اضافي لـ (الفاعلين) في الجيش، اي الذين يحاربون مباشرة، واعتبر ذلك رشوة وتغطية على الهزائم.

المهم ان الأمريكيين اليوم يبحثون عن مخرج لآل سعود، وكان كيري قلقاً مما اسماه هجمات المليشيات على الحدود السعودية، وقال ان وقفها يمثل أولوية في مقاربته الجديدة. ولم يكن عبثاً تأكيده بالقول: (ملتزمون بالدفاع عن أمن السعودية وحل الأزمة اليمنية)، فهو يلحظ ان ان تلك الأزمة ستسبب كارثة لحكم آل سعود يحتاجون معها الى حماية امريكية.

الصفحة السابقة