ابن نايف من أنقرة: نحن مستهدفون!

محمد شمس

في المعلومات، أجرى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إتصالاً هاتفياً بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عشية الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا في منتصف يوليو الماضي وأبلغه بزهو المنتصر: صاحبك ـ أي أردوغان ـ سقط، ودبّر حالك.

كان المشهد التركي حينذاك غامضاً، باستثناء قلة من الأجهزة الاستخبارية الإقليمية والحلفاء المقرّبين، وعلى وجه الخصوص إيران التي قيل بأنها لعبت دوراً ما في إحباط الإنقلاب بتزويد أردوغان بمعلومات حول الانقلابيين وخططهم والأماكن التي يتواجدون فيها. لم يتمكن الاعلام السعودي من إخفاء مشاعر الفرحة بوقوع الانقلاب كما ظهر ذلك في قناة (العربية)، التي وضعت الانقلاب التركي في سياق المقارنة مع الانقلاب العسكري في مصر في 30 يونيو 2013، وأسهبت المذيعة في القناة باستشراف مستقبل تركيا بطريقة توحي بمباركة الانقلاب وتبشّر بفوضى مقبلة. من جهة ثانية، جاءت تغطية الصحف السعودية باردة وتنطوي على ترقّب بانتظار جلاء صورة المشهد التركي، فلم تواكب الحدث الانقلابي، واكتفت بالنقل عن وكالات الاخبار العالمية، برغم من الإشارات الملتبسة التي كانت صحيفتا (الشرق الأوسط) و(الحياة) تطلقها بطريقة صياغة الاخبار، وتميل الى الفرحة المبطّنة بالإنقلاب.

على المستوى السياسي، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبعث برسائل عتب شديدة اللهجة الى حلفائه في أوروبا والولايات المتحدة لكونهم لم يظهروا المساندة المطلوبة مع تركيا، عبر الاتصال الفوري بعد فشل الانقلاب أو حتى زيارة أنقرة، في وقت كانت المواقف الغربية عموماً مخيبّة بالنسبة لأردوغان. سعودياً، كان الوضع أسوأ منه غربياً، فالملك سلمان الذي كان يقضي رحلة استجمام في المغرب لم يكلّف نفسه عناء إجراء اتصال هاتفي بالرئيس التركي للإعلان عن تضامن الرياض مع أنقره إلا بعد مرور ثلاثة أيام على فشل الإنقلاب وكان اتصالاً فاتراً اكتفى فيه بالملك بالتهنئة بعودة الأمور الى نصابها.

 
الخروج من حصار محمد بن سلمان

اللافت، أن «العربية» قامت في 20 أغسطس الماضي ببث مقابلة مع فتح الله جولن، زعيم حركة حزمت التركي، الأمر الذي أثار غضباً عارماً وسط أنصار أردوغان، واضطرت القناة إلى حذف المقابلة من موقعها على الانترنت. من منظور أردوغان وأنصاره، فإن المقابلة بثاً وحذفاً كانت تخضع تحت أوامر القيادة السياسية في السعودية.

على أية حال، فإن مؤشرات كافية تفيد بأن ثمة إنقساماً داخلياً بين الطبقة السياسية السعودية والتيار السلفي القرّيب من الإخوان المسلمين حيال المسألة التركية، وخشي الملك سلمان من تبدّل مواقف أنقره في أكثر من ملف إقليمي بما يلحق ضرراً بمكانة السعودية ودورها. فقد عبّر أكثر من مسؤول تركي (رئيس الوزراء يلدرم، ووزير الخارجية مولود أوغلو) عن نيّة أنقره في التعاون مع روسيا وإيران من أجل حلحلة مشاكل المنطقة).

زيارة محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية، الى أنقره في 29 سبتمبر الماضي، والمتزامنة مع زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، تضع إيران على رأس أجندة زيارة بن نايف. وكان الأخير قد زار أنقره في إبريل من العام الماضي، 2015، وكان أردوغان يستعد حينذاك لزيارة إيران، وقد نقل عرضاً للقيادة الايرانية حول التسويات في المنطقة ولاسيما المتعلقة بالملفين السوري واليمني.

زيارة بن نايف الأخيرة ولعب أنقره وساط بين الرياض وطهران لامتصاص التوترات السياسية والمذهبية لا يمكن فصلها عن دعوة أمير قطر تميم بن حمد دول الخليج وإيران الى تسوية خلافاتها عبر الحوار، كما جاء في مكالمة هاتفية أجراها أمير قطر مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في 13 سبتمبر الماضي. وأكّد الأمير تميم على «أهمية أن ترتكز العلاقات الخليجية الإيرانية على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل»..وأن يتم تسوية أية خلافات خليجية إيرانية عن طريق التفاوض والحوار»، بحسب وكالة الأنباء القطرية.

إن تأخر زيارة بن نايف الى أنقره والأداء الفاتر الذي كانت عليه الدبلوماسية السعودية منذ لحظة الانقلاب يشيان بعدم الاستقرار في علاقة البلدين، سيما حين المقارنة بين أنقره وطهران إذ أبديا تعاوناً وثيقاً منذ لحظة وقع الإنقلاب وما بعدها ولاتزالا على الحال نفسه. في المقابل، لاشك أن من أبرز أهداف زيارة بن نايف هو احتواء أزمة كادت تستفحل نتيجة ضلوع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في الانقلاب الفاشل.

في مقابل التيارات المناهضة للتقارب مع القيادة الإخوانية في أنقره، يصرّ بن نايف ومن منطلق الواقعية السياسية على تطوير العلاقات السعودية التركية، لاسيما في ظل تصاعد التوتّر المذهبي والحروب المشتعلة في المنطقة، وقرار الولايات المتحدة التخفيف من وجودها الطاغي في المنطقة والتفرّغ للمارد الصيني القادم، إلى جانب بطبيعة الحال تهديد الجماعات المسلّحة التي عملت في لحظة ما لحساب أجندة سعودية وأخرى تركية وثالثة أميركية ولكنّها في مرحلة ما تنفصل عن رعاتها وتعمل لحساب أجندتها الخاصة.

محمد بن نايف، الخارج من عزلته القهرية بفعل الطوق الذي فرضه عليه إبن عمه ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، عبّر بلهجة إردوغانية فصيحة، بأن بلاده، كما تركيا، مستهدفة، بحسب كلمته في رئاسة مجلس الوزراء التركي في 29 سبتمبر الماضي. الأهم في كلمته هو طلب المعونة من تركيا في الاصطفاف معاً لمواجهة الاستحقاق القادم «لأننا بالفعل بحاجة الى بعضنا البعض» على حد قوله.

الاستهداف الذي يتحدّث عنه بن نايف قد يأخذ أشكالاً عدّة. فقد أطلق تصريحه في وقت كان الكونغرس قد صوّت بأغلبية ساحقة على قانون جاستا بما يسمح بمقاضاة السعودية في المحاكم الأميركية على خلفية ضلوعها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وعليه، قد تخسر السعودية كل أرصدتها في البنوك والخزانة والأسواق الأميركية، وفي حال تتبّع باقي العقوبات المالية التي سوف تلحق بها فقد تصل الى 30 تريليون دولار. صورة أخرى للاستهداف تتمثل في تحوّل السعودية الى دولة راعية للإرهاب على مستوى العالم، هكذا ينظر اليها في أوروبا والولايات المتحدة فضلاً عن المحور الذي يضم روسيا وإيران. وصورة ثالثة للإستهداف تتمثل في الارهاب الذي قد يضرب في أي وقت داخل المملكة وفي أي مكان. وصورة رابعة للإستهداف تتمثل في مؤتمر غروزني الذي أحدث صدمة لا تزال آثارها قائمة لدى الوسط الرسمي السياسي والديني والاعلامي، كونه أعاد تعريف مسمى «أهل السنة والجماعة» وأخرج منه الوهابية، وبمشاركة وفد أزهري على أعلى المستويات.

وخلاصة الأمر: أن زيارة محمد بن نايف الى أنقره تهدف الى:

ـ ترميم التصدّعات في العلاقات السعودية التركية بعد الانقلاب الفاشل.

ـ إحياء دور الوساطة التركية بين الرياض وطهران في ظل تصاعد لغة الحرب بين البلدين.

الصفحة السابقة