علاقة تأسيسية: ابن سعود وروزفلت   الملك سعود مع ايزنهاور ونيكسون: استمرار العلاقة

العلاقات السعودية الاميركية.. من التحالف الى التماهي

(القسم الأول)

سعد الشريف

بين الحاجة وعدم الثقة يكمن المخبوء البراغماتي في تفسير مآل العلاقة المرتبكة بين الرياض وواشنطن..

أسئلة جمة تحوم حول المنعرجات الحادّة التي مرّت بها العلاقة بين المملكة السعودية والولايات المتحدة منذ نشأتها وحتى اليوم...فإلى أين تسير هذه العلاقة، وماهي متغيراتها وثوابتها. مالذي تغيّر في مكوّنات التحالف الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن..وهل حقاً بدأت الرياض تبحث عن شركاء جدّد.. وماذا أحدثت زيارة بن سلمان الى الولايات المتحدة في الفترة ما بين 13 ـ 26 يونيو 2016 من فارق على مستوى التحالف الاستراتيجي بين البلدين.

تعود جذور العلاقات السعودية الاميركية إلى ما قبل نشوب الحرب العالمية الثانية، أي بعد خروج الولايات المتحدة من عزلتها التي عاشتها في الفترة ما بين الف وتسعمائة وعشرين والف وتسعمائة واثنين وثلاثين، وما تخلّلها من حوادث كبرى على رأسها الكساد العظيم في عام الف وتسعمائة وتسعة وعشرين، فيما كان عبد العزيز منشغلاً في في حروبه الداخلية، خصوصاً الشمال والحجاز. وقد شكّل انتخاب فرانكلين روزفلت في العام ألف وتسعمائة واثني وثلاثين وإطلاقه وعداً بتشكيل حكومة فيدرالية وسياسة اقتصادية تقوم على التوازن في الموزانة تفضي الى معالجة آثار الكساد العظيم، فرصة مواتية له للانفتاح على الخارج بدأها بسياسة «الجيرة الطيبة» مع كوبا ودول أمريكا اللاتينية، كما استوعبت الاتحاد السوفيياتي فقرّر إقامة علاقات دبلوماسية معه، ثم انتقل الى أجزاء أخرى من العالم.

وبعد الإعلان عن قيام الدولة السعودية سنة 1932، وقّع عبد العزيز بعد أقل من عام امتيازاً لصالح شركة ستاندر أويل أوف كاليفورنيا (شيفرون حالياً)، للتنقيب عن النفط في الجزء الشرقي من البلاد. وكان ذلك عملاً استثنائياً يقوم به عبد العزيز رغم حساسية التعامل مع أجانب ومن ديانة أخرى غير الإسلام، وقد نجحت بعثات التبشير المسيحية المقيمة في البحرين في إقناع عبد العزيز بالتعامل مع الأمريكيين إذ قدّموا له ولجنوده العلاج الطبي، دون مزاولة مهمات تبشيرية من أي نوع.

بعد توقيع أول معاهدة نفطية بين الملك عبد العزيز وشركة (ستاندر أويل أوف كاليفورنيا) المتخصصة في مجال الصناعة النفطية في (مايو) 1933 مقابل قرض قدره خمسون ألف جنيه استرليني ذهب، وإيجار سنوي بقيمة (خمسة عشر ألف جنيه) تمّ اكتشاف النفط بكميات تجارية كبيرة خلال عام 1938.

وكانت السعودية أبرمت في السابع من نوفمبر سنة 1933 إتفاقية مؤقتة مع الولايات المتحدة تتعلق بالتمثيل السياسي والقنصلي، والصيانة القضائية، والتجارة، وقّعها من الجانب السعودي الشيخ حافظ وهبة وزير المملكة السعودية بلندن، وهو بمثابة سفير، والأونارابل روبرت ورث بنجهام السفير المفوّض فوق العادة للولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة البريطانية. وتتعلق مواد الاتفاقية بالحصانة والامتيازات المتعلقة بالممثلين السياسيين لكل من الدولتين، وخضوع رعايا البلدين للقانون الدولي وحماية وقوانين وسلطان الدولة، والضرائب على الواردات والصادرات(1).

وبعد شهرين من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وواشنطن اندلعت الحرب العالمية الثانية وازدهر إنتاج النفط السعودي حيث بدأت الشركات الأمريكية انتاجها بمعدل ثلاثين ألف برميل في اليوم إلا أن دخول إيطاليا الحرب الى جانب ألمانيا في يونيو سنة 1940 عرقل إنتاج النفط ما أدى الى توقفه في مصفاة رأس تنورة.

وفي عام 1942 وصلت أول بعثة حكومية أمريكية الى الرياض مع مجموعة من خبراء الزراعة الامريكيين للبحث والتنقيب عن مصادر المياه في نجد. في الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة قد حسمت قرار الحرب الى جانب الحلفاء، ما أضفى على إمدادات النفط السعودية أهمية بالغة لجهة تموين العمليات الحربية في الشرق الأقصى. ونجحت الولايات المتحدة في كسب المنافسة المحمومة مع بريطانيا على الامتيازات النفطية في الخليج وحصلت الشركات الأميركية على زيادة في احتياطياتها من النفط تقدر بـ إثني واربعين بالمئة في عام 1942.

 
فيصل وجونسون: تأكيد العلاقة الاستراتيجية

بريطانيا التي يعود لها فضل المساهمة الفاعلة في تأسيس الدولة السعودية خسرت الرهان على النفط السعودي، وكذا محاولة ربط السعودية بمنطقة الاسترليني من خلال تأسيس مصرف بريطاني في جدة، الأمر الذي وفّر فرصة نادرة للولايات المتحدة لإرساء مبدأ البترودولار. في النتائج، قرّر عبد العزيز نقل تحالفه الى القوة الدولية الصاعدة، أي الولايات المتحدة، والتخلي عن تحالفه مع بريطانيا التي بدأ يتوجّس خيفة من مؤامراتها على ملكه من خلال دعم المشروع الهاشمي في الأردن.

وفي عام 1945 شعر البريطانيون بالإحباط الشديد نتيجة دخول الولايات المتحدة على خط العلاقات مع الشرق الأوسط. وتكشف وثائق وزارة الخارجية البريطانية عن مواقف دبلوماسييها الغاضبين، وجاء في وثيقة ما نصّه:

«من الناحية التجارية الأميركيون في حال هجوم..وعلينا الدخول في فترة من التنافس التجاري، ولا يجب أن نقدّم تنازلات تساعد على الاختراق التجاري الأميركي في منطقة كانت على مدى أجيال سوقاً بريطانية.

لعدة سنوات أظهرت الولايات المتحدة اهتماماً متزايداً بمنطقة الشرق الأوسط. لقد أثاروا قلقنا لجهة سلوك العرقلة والاعتراض، على قاعدة وسبب بقيا غامضين..وعلى الجانب الأميركي هناك قناعة حية بأن الولايات المتحدة لديها الحق في الذهاب الى اي مكان ترغب، والتمدّد حيث تشاء..لكننا، من جانبنا، نرى أن الأميركيين، بصرف النظر عن أي شبهة من جانبهم فإننا نحاول استبعادهم، من خلال الوسائل التي تبدو لنا عدوانية وغير عادلة على حد سواء لبناء موقف لأنفسهم على حسابنا، أو الى أي حد دون النظر إلى مصالحنا المعمول بها»(2).

ونجحت الشركات الأميركية من خلال ضغوط واسعة على وزير الداخلية الأميركي والمشرق على إدارة وتسويق النفط خلال فترة الحرب هارولد إيكس، لإٌجهاض محاولات بريطانيا العظمى من خلال الاعلان عن ضم المملكة السعودية الى برنامج الاعارة والتأجير (Lendand Lease). ويسمح التشريع الأميركي بتأجير أو تسليف أو نقل أو مبادلة المعدات والتجهيزات التي تحتاجها أي دولة تعتبر ذات أهمية حيوية في ضمان أمن الولايات المتحدة والدفاع عنها. وقد تمّ اعتماد القانون في الحادي عشر من مارس سنة 1941، أي بعد مرور عام ونصف على اندلاع الحرب الكونية الثانية، وقبل تسعة شهور من دخول الولايات المتحدة الحرب. وبمقتضى التشريع تمّ تسليم كميات ضخمة من المعدات الحربية لبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيياتي وكان يضم حينذاك أربع جمهوريات سوفييتية اشتراكية، وجمهورية الصين والعديد من دول الحلفاء ما بين عامي 1941، 1945. وساعد قانون الإعارة والتأجير في تأهيل الصناعة الأميريكية للدخول في الحرب الكونية الثانية قبل أن تعلن الحكومة الاميركية قرار الحرب.

وفي العاشر من فبراير سنة 1943 أصدر الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت أمراً إدارياً معلنا عن القانون، كما صرّح بـ «إن الدفاع عن السعودية أمر حيوي للدفاع عن الولايات المتحدة»(3). وفي سياق تعزيز وجودها في المنطقة عبر صناعة النفط، قامت الولايات المتحدة بوضع خطط لمد شبكة أنابيب نفط استراتيجية من الظهران وعبر الصحراء الى موانىء سوريا عبر البحر الأبيض المتوسط وبناء مصفاة جديدة في رأس تنورة.

تواصل التجاذب البريطاني الأميركي على السعودية، وفيما كان رئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرشل يجري اتصالات مع الملك عبد العزيز سنة 1947، وحصوله على موافقته بتدريب الجيش السعودي، كان الرئيس الأميركي روزفلت قد سبقه في رسم استراتيجية دائمة في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية. ففي فبراير سنة الف وتسعمائة وخمسة واربعين اجتمع الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز على ظهر الباخرة كوينسي، في البحيرات المرّة في مصر، وهناك وضع حجر الأساس للتحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرياض.

وفي عام 1948 تمّ اكتشاف أكبر حقل نفطي في العالم وهو حقل الغوّار، والذي بدأ العمل فيه سنة 1951، ويصل طوله مائة وسبعون ميلاً، وعرضه عشرون ميلاً. ويحتوي على مائة وسبعين مليار برميل من النفط، ويضخّ ما معدله خمسة ملايين برميل يومياً، ولا يزال هناك سبعون مليار برميل في الحقل.

وفي العام نفسه، سمح الملك عبد العزيز للولايات المتحدة ببناء مطار عسكري في الظهران حيث تتواجد شركة أرامكو، وللقيام بتدريب القوات الجوية السعودية. وفي عام 1951 حلّت البعثة العسكرية الأمريكية محل البعثة البريطانية في إعداد وتدريب الجيش السعودي(4).

ويعود قرار عبد العزيز بالتعامل مع الأمريكيين الى مذكرة أعدّها مساعد وزير الخارجية الأمريكي جورج ماجي، الذي التقى الملك عبد العزيز سنة 1950. ولم يكن الأخير حينذاك قلقاً على سلامة العرش السعودي، ولكن كان يخشى من هجوم وشيك لقوات العوائل الهاشمية الحاكمة في الأردن والعراق في ذلك الوقت.

 
فهد وريغان: الإنبطاح لأمريكا أكثر

من وجهة نظره، كانت العوائل الهاشمية تبيّت ضغينة بعد إبعادها من المدينتين المقدّستين مكة والمدينة من قبل آل سعود في العشرينيات من القرن الماضي. الصفقة التي كان عبد العزيز يريدها للتعامل مع تهديد الهاشميين هو الدخول في تحالف عسكري رسمي مع الولايات المتحدة والحصول على أسلحة عاجلة تحت عنوان هبة. البريطانيون عرضوا هذا النوع من التحالف ولكن عبد العزيز لم يكن يثق بهم كونهم الداعمين الرئيسيين لخصومه الهاشميين. ولهذا السبب حصل ماجي على امتياز نفطي استثنائي في المملكة للشركات الأميركية ولم يسمح لشركائهم البريطانيين بأن يقاسموهم الهدية. وسمح عبد العزيز للولايات المتحدة ببناء واستخدام قاعدة جوية في الظهران «لإظهار أن أمن السعودية يجب أن يكون ذات أهمية حيوية لكلا البلدين»(5).

يجدر الالتفات هنا الى ميل العائلة المالكة السعودية الى إضفاء الطابع الشخصي على العلاقات مع الدول، ويعود ذلك الى طبيعة الروابط والتقاليد القبلية التي حكمت مسيرة الدولة السعودية قبل وبعد قيامها..وقد تنبّه حلفاء السعودية البريطانيين أولاً وتالياً الأميركيين الى ميل ورغبة الملوك السعوديين لهذا النوع من العلاقات، وتعاملوا معه بقدر كبير من التقدير كمدخل لتعزيز العلاقة مع الدولة السعودية.

وفي برقية سرية تعود الى فبراير سنة 1950 وموجودة الآن ضمن ملفات الأرشيف الوطني الأمريكي، وكشف النقاب عن تفاصيلها مؤخراً، وتشتمل على معلومات دقيقة حول رحلة سرية قام بها العميد والاس اتش غراهام، الطبيب الشخصي للرئيس الأميركي هاري ترومان، مع فريق طبي لعلاج الملك عبد العزيز وكان لهذه المبادرة دور كبير في تقريب الجانبين مع بعضهما البعض، في وقت تعرّضت فيه العلاقة المحكومة للأمن الإقليمي والنفط للإضطراب. وكانت الولايات المتحدة تستأجر قاعدة الظهران الجوية لاقلاع وهبوط طائراتها الحربية، وأثار ذلك حفيظة مواطنين في المملكة السعودية، الى جانب الخلاف بين عبد العزيز والأميركيين حول المحاصصة في شركة أرامكو لصناعة النفط التي كانت معروفة بإسم (شركة الزيت العربية الأميركية).

وكان السفير الأميركي لدى السعودية حينذاك جيمس ريفز تشايلدز، أرسل في فبراير سنة 1950 طلباً غير متوقع وغير معتاد الى وزارة الخارجية الأميركية، جاء فيه: «جلالته يطلب مساعدتنا في الحصول على خدمات فورية لأخصائي بارز يمكنه أن يتوجّه برفقة أحد المساعدين إلى السعودية لفحصه وعلاجه من التهاب المفاصل المزمن الذي يعاني من آلامه على نحو متزايد وأصابه بالوهن».

وزير الخارجية الأمريكي السابق دين اتشيسون أبلغ السفارة الأمريكية في جدة بأن الرئيس الأمريكي يريد من الجنرال غراهام «رعاية صديقه العظيم والرائع (ملك السعودية)» وأن يرأس الفريق الطبي لوزارة الدفاع. السفير تشايلدز شعر بأن الملك عبد العزيز «سيتأثر بشدة» بعرض الرئيس ترومان، وأشار إلى أن ذلك سيسهم بشكل كبير «في إقناعه بصدق مشاعرنا الودية». وبالفعل انطلق الفريق من واشنطن في رحلة قصيرة وسرية في الخامس عشر من أبريل عام 1950. وأرسلت الحكومة السعودية برقية طارئة إلى سفيرها في واشنطن لمطالبة ترومان «بعدم السماح بإبلاغ نبأ سفر الفريق الطبي إلى هنا سواء عبر الصحافة أو الإذاعة»، خشية شائعات حول مرض الملك وتداعياتها.

في خلفليات الخبر والعلاقة بين الدولتين، ثمة إشارات لافتة منها أن السعودية لم تكن حليفاً محتملاً لأمريكا، لكنها في الوقت ذاته شريكاً مهماً بسبب شركة أرامكو النفطية التي يتقاسم الجانبان ملكيتها وبسبب موقف الحكومة السعودية المناوئ للشيوعيين بشدة. عبارة مهمة وردت في البرقية تفيد بأن «مثل هذا التحالف لم يكن يحظى بشعبية في الولايات المتحدة». على كل حال، فإن مهمة الفريق الطبي، بحسب رسالة السفير تشايلدز لوزير الخارجية اتشيسون، نجحت في إيجاد «قدر كبير من المشاعر الطيبة»، ووطّدت العلاقة بين الدولتين، بل عدّها السفير بأنها عامل أساسي فذ مهد الطريق أمام توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين وأصبحت أساس التعاون العسكري بين البلدين وهي ممتدة حتى اليوم(6).

لا بد من إلفات النظر الى أن السعودية حتى عام 1953 كانت تدار بصورة شخصية من قبل عبد العزيز، رمز الدولة السعودية وحاكمها المطلق. كان يشرف على شؤون الدولة كافة، فيما كان هناك ما يشبه وزيري مالية وخارجية يخضعان مباشرة لإدارته، وهما مسؤولان أمامه ويتابعان معه تفاصيل الشؤون المالية والخارجية بصورة شبه يومية. فالطابع الشخصي للدولة السعودية بما في ذلك إسم العائلة الذي اكتسبته الدولة نفسها يفسّر الى حد كبير اهتمام الحكومات الغربية بتعزيز العلاقة مع شخصيات مفتاحية في المملكة السعودية وعلى رأسها الملك، بهدف بناء علاقة وطيدة ومستقرة..من المفيد ذكر أن مأسسة الدولة السعودية بعد رحيل المؤسس لم يضعف دور الملك، بل بقي مرجع السلطات جميعاً حتى اليوم، وجاء النظام الأساسي الصادر في الثاني عشر من مارس سنة 1992 ليضفي شكلاً قانونياً على السلطات المطلقة للملك.

أسس تطوّر العلاقة

 
بوش وعبدالله: محاصرة تداعيات 9/11

في العام 1971 قرّرت بريطانيا الانسحاب من الخليج بفعل الأثمان الباهظة التي تتكبدها نتيجة وجود قواتها في عدد من الدول، وتسبب ذلك في فراغ سياسي وأمني في المنطقة فأصبحت أمريكا مسؤولة عن حماية دول الخليج إزاء محاولات الاتحاد السوفييتي الوصول الى المنطقة. الولايات المتحدة التي ربطت نفسها بدول الخليج بمصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية هامة جداً، بحسب وصف جوزيف سيسكو مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط في يونيو سنة 1973، عملت على إرساء شراكة متينة مع حكّام الخليج.

وبحسب وثيقة أمريكية سرية تشتمل على خلاصة حديث بين الملك فيصل بن عبد العزيز ال سعود، والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في البيت الأبيض في السابع والعشرين من مايو سنة 1971، جاء أن الرئيس نيكسون قال لضيفه السعودي: «إننا مهتمون بالعمل لضمان أن تستمر العلاقات الأمريكية السعودية كما كانت دائماً، علاقات صداقة تنمو وتُـصبح أكثر قوة في المستقبل». وردّ الملك فيصل قائلاً، «إننا نشاطركم ذلك الأمل، ليس فقط باعتبار أن تقوية الصداقة بيننا تصب في مصلحتنا المشتركة، وإنما لأن ذلك يخدم مصالح دول وشعوب أخرى أيضاً”.

وقد سلكت العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة نهجاً هادئاً تقوم على الثقة والرغبة المتبادلة في الارتقاء بالعلاقة الى مستوى الشراكة الاستراتيجية. ولعب التاريخ دوراً حاسماً في تمتين الروابط، إذ كانت الحرب الكونية الثانية والتحوّلات الكبرى التي شهدها النظام العالمي بأفول قوى الاستعمار القديم وصعود أخرى بديلة قد أنجبت معها فرصاً تاريخية لا تتكرر بالنسبة للدول التي ترغب في بناء شبكة تحالفات تقوم على المصالح المتبادلة ودفع المخاطر المشتركة.

وكانت السياسة الخارجية السعودية منذ خمسينيات القرن الماضي وصولاً الى نهاية الألفية الثانية متطابقة الى حد كبير مع الرؤية السياسية العامة للولايات المتحدة، وأن غياب المواقف السياسية المستقلة للمملكة يعود في جزء جوهري منه ليس الى مجرد كونها تعبّر عن النزعة المحافظة للدولة السعودية، وإنما لكون الولايات المتحدة تقود السياسة الخارجية لحلف دولي كبير وأن السعودية عضو فيه.

فكان التطابق في المواقف إزاء القضايا الاقليمية والدولية هو السائد باستثناء حالات نادرة.

ولذلك، لا عجب أن نجد أن المملكة أماطت اللثام عن حقيقة النزعة المحافظة في اللحظة التي تعرّض فيها نسيج العلاقة مع الولايات المتحدة للتمزّق، حين بدأت تتبنى مبادرات مستقلة وتقوم بتنفيذ جدول أعمال مستقل عن الولايات المتحدة، كما ظهر بوضوح منذ بدء الربيع العربي.

وعلى مدى نحو سبعة عقود كانت متانة العلاقة بين الدولتين ترتكز على ثابتين أساسيين: النفط وأمن الخليج، وعلى وجه الخصوص أمن العائلة المالكة. ماعدا ذلك، فإن الطرفين لديهما القليل من المشتركات. ونجح الطرفان في إحباط مفاعيل التناقضات الشديدة في منظومتي البلدين السياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية من خلال ترسيخ أسس الشراكة بين الدولتين وفق قاعدة النفط مقابل الحماية. إذاً، وليس في ذلك جديد، فإنها علاقة مندكّة في المصالح المتبادلة وليس القيم والأيديولوجيات أو حتى النظم السياسية والاجتماعية المشتركة، الأمر الذي يثير على الدوام أسئلة حول الآثار السلبية على الولايات المتحدة في توفير الحماية لنظام تعتنق نخبته الحاكمة قيماً متناقضة مع الحريات الفردية، وحكم القانون، وحقوق المرأة، والانتخابات.

1 - النفط والتجارة البينية

تعد السعودية أكبر حليف تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ يصل حجم الصادرات من السعودية للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من إثني وخمسين مليار دولار في العام ألفين وثلاثة عشر، بينما بلغ حجمها في سبتمبر 2014 أكثر من تسعة وثلاثين مليار دولار، وبلغ حجم الصادرات الأمريكية للسعودية أكثر من تسعة عشر مليار دولار، وفي سبتمبر سنة 2014 بلغ ما يقارب أربعة عشر مليار دولارا .

الترجمة العملية لحيوية التحالف بين الرياض وواشنطن برزت في المستويات المتنامية للتعاون الاقتصادي كأحد الركائز الأساسية في العلاقة بين الدولتين، إذ قدّرت قيمة التجارة البينية في العام 2012 نحو أربعة وسبعين مليار دولار ، وارتفع في عام 2013 75.3 مليار دولار. كما حافظت الولايات المتحدة على المرتبة الأولى من حيث حجم التبادل التجاري مع المملكة خلال الفترة الواقعة بين عامي 2003، 2013.

 
سلمان واوباما.. انقلاب الحامي والحليف الأمريكي

وفي بلد يعتمد دخله القومي على النفط بنسبة تزيد عن تسعين في المائة تمثّل هذه السلعة الطبيعية المادة الأساسية في العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض. وإن مبدأ النفط مقابل الحماية يصبح بالغ الأهمية، حين يندرج في سياق منظومة عمليات تجارية ومالية متشابكة وبالغة التعقيد. فالاقتصاد السعودي في كل مقوماته الانتاجية والاستهلاكية يعتمد على اقتصاديات الدولة الأخرى، حيث تستورد السعودية كل ماتحتاج إليه من مواد وخدمات وخبرات من العالم وتدفع أثمانها من عائدات النفط . في المقابل، فإن الولايات المتحدة اختارت حليفاً له قيمة استثنائية، إذ تمتلك السعودية ثمانية عشر بالمئة من مجموع الاحتياطي العالمي للنفط . كما اختارت منطقة الشرق الأوسط التي تسيطر على خمسين بالمئة من أجمالي النفط وأربعين بالمئة من إجمالي الغاز على المستوى العالمي .

الأهمية التجارية والاستراتيجية للسعودية ولمنطقة الخليج وللشرق الأوسط عموماً دفعت الولايات المتحدة وحلفائها الأروبيين لتحقيق هدفين مركزيين:

الأول: ضمان تدفق مستمر وثابت لإمدادات النفط الى الأسواق العالمية، والأميركية على وجه الخصوص.

الثاني: ضبط آلية تسعير البترول بما لا يؤدي الى إحداث إضطرابات مفاجئة في الاسواق العالمية، وبما يترك آثاراً مدمّرة على اقتصاديات العالم..

وفق هذا التصوّر، والأهداف المرسومة تأسست منظمة أوبك عام 1960.

وحتى عام 1972، لم يكن للسعودية سوى تأثير طفيف في السياسة النفطية بعد التوقيع على اتفاقيات التسعير والمشاركة..

وبعد قرار الحظر النفطي في عام 1973 صدرت تصريحات من مسؤولين كبار في الادارة الاميركية تشتمل على تهديدات واضحة باستخدام القوة العسكرية في حال جرى استخدام النفط كسلاح سياسي. وبالرغم من استراتيجية عدم التدخل التي اتبعها الرئيس نيكسون فإن هنري كينسجر، وزير الخارجية حينذاك، هددّ في مقابلة مع مجلة (بزنس ويك) في يناير سنة 1975 قائلاً: «لا توجد ظروف لن نقدم فيها على استعمال القوة» كما أشار الى «ضرورة التدخل العسكري في الشرق الأوسط إذا ما تعرض الاقتصاد الأميركي إلى الاختناق».

ثمة تطوّر لافت في العلاقة بين البلدين تمثّل في زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون، وهو أول رئيس أميركي يزور المملكة، وذلك في 14 يونيو سنة 1974 واجتمع خلالها بالملك فيصل، وأسّست الزيارة لشراكة استراتيجية حقيقية. فقد تمّ تشكيل اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي، وهي المسؤولة عن ربط الاقتصاد السعودي بسياسة البترودولار الاميركية، ووصفت بأنها: «نقلة نوعية في علاقات التعاون بين البلدين في المجالات الصناعية والتجارية والقوى البشرية والزراعية والعلمية والتقنية» كما لعبت دوراً كبير في تطوير العلاقات بين البلدين .

على أية حال، هناك من يرى بأن النفط وحده لا يقدّم إجابة حاسمة على طبيعة العلاقة الحميمية والاستراتيجية بين واشنطن والرياض، بل ثمة مصالح أخرى أشد تعقيداً تجعل من هذه العلاقة على هذا النحو من الأهمية البالغة..

بروس ريدل، ضابط المخابرات الأمريكية السابق، يضيء على بعض مفاصل تلك العلاقة المعقّدة بقوله أن «المملكة السعودية حاربت مع أمريكا ضد السوفيات وصدام وخميني وبن لادن وتقدّم دعماً مهماً لعملية السلام بين العرب واسرائيل».

راشيل برونسون، نائبة الرئيس لشؤون البرامج والدراسات في مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية، ترى بأن العلاقات بين واشنطن والرياض تتجاوز المسألة النفطية وتستوعب ملفات أشد تعقيداً، بما في ذلك الملف النووي الايراني ومكافحة الارهاب وغيرها.. .

وترى راشيل روبنسون، مؤلفة كتاب (Thicker Than Oil.. America’s Uneasy Partnership with Saudi Arabia) أن علاقات أمريكا بباقي الدول الرئيسية المصدرة للنفط شهدت تقلّبات حادة، فخلال الحرب الباردة خاضت الولايات المتحدة صراعاً مع الاتحاد السوفيياتي وهو دولة رئيسية مصدرة للنفط، وعلى مدى الفترة الواقعة ما بين 1967 و2003، لم تقم الولايات المتحدة علاقات سياسية رسمية مع العراق الذي يحتوي، بحسب بعض التقديرات، على مائة وخمسة عشر مليار برميل من النفط كاحتياطي مؤكد، محتلاً بذلك المرتبة الثانية بعد السعودية، أما إيران التي تستحوذ على عشرة في المئة من النفط في العالم، فقد خضعت تحت عبء العقوبات الأمريكية لأكثر من ثلاثة عقود، كما اختبرت ليبيا نحو عقدين من العقوبات بقيادة الأمريكيين، وفي عام ألفين وإثنين قامت الولايات المتحدة من وراء الكواليس بجهود فاشلة وخارجة عن القانون رمت إلى الإطاحة برئيس فنزويلا هوجو تشافيز، وفي خريف عام 2004 شجّعت الولايات المتحدة بشدة على فرض عقوبات دولية على صادرات السودان النفطية..ولكن بقيت العلاقات الأمريكية السعودية على هذا النحو من القوة بشكل متفرد .

 
صفقات السلاح: استعادة البترودولار

مع ذلك، ثمة ما يدعو للتأمل بصورة أعمق في الاسباب الجذرية وراء تفضيل الولايات المتحدة لدولة نفطية مثل السعودية رغم كونها تفتقر الى ما يمكن وصفه بـ «البنى الفوقية» المشتركة. مهما يكن، يمنح عاملا الموقع الحيوي للدولة السعودية في المنطقة، والاستعداد الدائم، لتقديم تسهيلات عسكرية واقتصادية (ونفطية بدرجة أساسية) واستخبارية للولايات المتحدة، أفضلية خاصة، بل أولوية في استراتيجية الحماية، وهو ما لاتوفّره الدول النفطية الأخرى. ولا عجب أن يقول رئيس الاستخبارات العامة السابق والسفير في واشنطن سابقاً الامير بندر بن سلطان للصحافي والمؤلف إدوارد ج. ابستين «لو علمتَ ما كنا نعمل حقاً من أجل أميركا فلن تمنحنا الأواكس فقط، بل سوف تعطينا أسلحة نووية».

ويعد عهد الملك فهد، التجسيد الأمثل لنوع العلاقات التي تتطلع الولايات المتحدة الى إقامتها مع الدول النفطية، إذ أحدث الملك فهد نقلة نوعية في العلاقة مع الولايات المتحدة، من خلال الانخراط في خصومات القطبين (الرأسمالي والاشتراكي). وقدّمت السعودية وبسخاء بالغ كل ما تحتاجه الولايات المتحدة في حربها ضد الاتحاد السوفيياتي، كما ضمنت تدفّق النفط بأسعار مقبولة، وساعدها ذلك على استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد الدول التي تشكّل تهديداً لمصالحها في المنطقة.

ومنذ انتصار الثورة الايرانية سنة 1979 مروراً بالحرب العراقية الايرانية في الفترة ما بين 1980ـ 1988، وتالياً أزمة الخليج الثانية بين عامي 1990/91 والحرب على العراق في العام 2003 وصولاً الى الإضطرابات التي شهدها الشرق الأوسط منذ اندلاع الربيع العربي، بات من مهمات وزير البترول السعودي طمأنة الولايات المتحدة والدول الكبرى المستهلكة للنفط بأن السعودية سوف تقوم بتغطية النقوصات التي قد تتعرض لها الأسواق النفطية. ففي أعقاب قرار العراق بوقف تصدير النفط لمدّة شهر، أطلق وزير البترول السعودي علي النعيمي في تصريح له في 22 إبريل سنة 2002، وعداً بأن المملكة وباقي بلدان منظمة أوبك سيعملون على تغطية النقص في إمدادات النفط، وقال: «إن هدف السعودية هو تجنبّ تذبذب يضر بالمستهلكين والمنتجين على حد سواء»، مشيراً الى أن المملكة قامت أوقات الأزمات «بالتقدم لضمان إمدادات كافية من النفط في الأسواق العالمية» ضارباً مثالاً بما حدث عام 1979 عند اندلاع الثورة الايرانية التي أدّت الى توقف امدادات النفط الايراني، وتابع قوله «ومرة أخرى زادت المملكة عام 1990 إنتاجها لتعويض انتاج كل من العراق والكويت النفطي والذي ضاع بسبب الغزو العراقي» لدولة الكويت.

لابد أن يبعث مثل هذا الإلتزام السؤال مجدّداً حول الحظر النفطي الذي قادته السعودية في حرب أكتوبر سنة 1973، وتوقّف إمدادات النفط للولايات المتحدة، وقاد الى ارتفاع أسعار النفط بمعدل ثلاثة أضعاف (من ثلاثة الى إثني عشر دولاراً للبرميل)، وتضاعفت مداخيل السعودية من 8.5 مليار دولار عام 1973 لتصل الى 35 مليار دولار في سنة 1974، ما جعلها قادرة على البناء، وشراء الدبابات، والطائرات، وتأسيس البنية التحتية. إن المشاهد الفولكولورية لمواطنين أميركيين يقودون دراجات هوائية نتيجة النقص الحاد في مادة البنزين بسبب الحظر النفطي أريد لها أن تبعث رسالة مضلّلة حول المسار التجاري التصاعدي بين الدولتين، حيث بدأت الشركات الأميركية ترسي البنية العسكرية والمدنية التحتية للسعودية، وخلال عقدين من الزمن أنفقت السعودية بين 85 و86 مليار دولار على الأسلحة الأميركية.

في عام 1980 قررت السعودية تأميم أرامكو، وعليه تمّلك الشركة بالكامل، ولكّن بعد أن تمّ الاتفاق على معاملة الشركاء الاميركيين بطريقة تفضيلية، حيث منحت الشركات التي كانت تعمل مع أرامكو مثل شيفرون وموبيل إكسون وتكساكو أولوية الحصول على أسعار تفضيلية من أجل إرضاء كل من الحكومة والشركات الأميركية.

في النتائج، أثبتت السعودية لحليفها الاستراتيجي على مدى عقود التزامها بتأمين حاجاته من النفط بأسعار مقبولة، وهذا يجعلها في موقع تفضيلي بالمقارنة مع دول أخرى ليست في وارد توفير ذات الالتزامات للولايات المتحدة، النفطية والسياسية والاستراتيجية والاستخبارية.

2 - الأمن الاقليمي ومتطلباته

منذ الانسحاب البريطاني من الخليج بدأت مشيخاته تواجه أخطاراً جديدة من بينها التهديد المصري المباشر إبان الحرب الأهلية في اليمن (1962/1963) ثم الحرب السعودية المصرية هناك ولاحقاً حرب يونيو سنة 1967 والحرب العراقية الايرانية (1980 -1988) وسباق التسلح في الشرق الأوسط والصراع في دول القرن الافريقي وحروب أمريكا اللاتينية التي وجدت السعودية نفسها منخرطة بصورة وأخرى في أتون الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي..وقد فرضت هذه التحدّيات نفسها على الموازنة السنوية للسعودية، حيث بلغت نسبة المخصصات المالية للدفاع وشراء الأسلحة ثلث الموازنة العامة.

وإذا كان النفط يمثّل مصدراً حيوياً للاقتصاد الأميركي، ولإقتصاديات العالم عموماً، فإن بيع السلاح يعد أحد أهم مرتكزات سياسة استثمار عائدات النفط في مجال الصناعة العسكرية، عن طريق توظيف جزء جوهري من العائدات في صفقات شراء الأسلحة والتعاون في مجال مكافحة الارهاب في العقدين الأخيرين، واستغلال فوبيا إيران في زيادة وتيرة التسلّح في المنطقة.

وقد بدأت علاقة النفط بالتسلّح في مرحلة مبكرة. ففي العام الذي بدأ فيه السعوديون يحصدون عوائد بيع النفط، أي 1950، بدأت سياسة مقايضة النفط بالسلاح. وكان مساعد وزير الخارجية جورك ماجي يتفاوض بشأن الاتفاقية الأمنية السعودية الأميركية. فقد أصبح النفط القوة المحرّكة في الطفرة الاقتصادية في الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما أصبحت أرامكو الرابط الاقتصادي الحيوي بين الخام السعودي والناتج المحلي الاجمالي المتزايد في الولايات المتحدة .

سوف تبقى الأسئلة حول الأسباب التي تجعل دولة مثل السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم، رغم كونها لم تخض حرباً مباشرة لأكثر من نصف قرن، باستثناء الحرب الأخيرة على اليمن في مارس سنة 2015. وبحسب تقرير وضعه مكتب خبراء «آي إتش إس جينس» في لندن، مؤكداً فيه ازدياد مبيعات الأسلحة للعام السادس على التوالي للسعودية في عام 2014، حيث وصلت إلى 64.4 مليار دولار مقابل 56 ملياراً في عام 2013، أي بزيادة 13.4 بالمئة. وفق حساب آخر، تنفق السعودية واحداً من كل سبعة دولارات عالميّاً على شراء الأسلحة .

في المقابل، تعد الولايات المتحدة الاميركية المورّد الرئيسي للسلاح السعودي، إذ بلغ مجموع مشتريات السعودية من السلاح ما يقارب 40 مليار دولار للسنوات ما بين 1971 ـ1981، وبسبب الضغوط السياسية داخل الكونغرس الامريكي فقد تحولت السعودية مضطرة الى بريطانيا وفرنسا من أجل التسلح.

وفي عام 2010 قامت إدارة أوباما بالإبلاغ عن خطط لبيع السعودية طائرات متطوّرة وأسلحة تصل قيمتها الى 60 مليار دولار، وهي صفقة السلاح الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، في سياق استراتيجية تطمين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج لمواجهة ما تفترضه تهديداً عسكرياً من ايران، الى جانب صفقة أخرى بقيمة ثلاثين مليار دولار لتطوير القوات البحرية السعودية .

وبحسب تقرير من إعداد فريق بحثي في الكونجرس، يعمل في مكتبة الكونجرس أن صفقات التسلح في عام 2012 مع السعودية شملت شراء 84 طائرة إف ـ 15 المطوّرة، وأنواع من الأسلحة، والصواريخ والدعم اللوجستي، وتطوير لـسبعين طائرة من نوع إف ـ 15 ضمن الاسطول الحالي. وضمّت المبيعات عشرات من طائرات الاباتشي وبلاك هوك، ويصل اجمالي الصفقة الى 33.4 مليار دولار .

وفي ظل تفاقم الوضع الأمني في المنطقة، يؤكّد مسؤولون في إدارة أوباما على أن الحكومة السعودية شريك إقليمي مهم في السنوات الأخيرة، وتواصلت مبيعات السلاح الأميركية وبرامج التعاون الأمني ذات الصلة تحت نظر الكونغرس. ومنذ أكتوبر سنة ألفين وعشرة، تمّ إبلاغ الكونغرس بصفقات الى السعودية تشمل طائرات حربية وأنظمة صاروخية، وصواريخ وقنابل، ومدرّعات، ومعدّات أخرى ذات صلة بأكثر من تسعين مليار دولار. وفي شهري مارس وإبريل 2015 درّبت الولايات المتحدة الجيش السعودي على الاسلحة الأميركية المستخدمة، وقدّمت مساعدة لوجستية، وتبادل معلومات استخبارية للقيام بهجمات جوية على اليمن. وقد شكّك أعضاء في الكونغرس في التزام السعودية بمكافحة التطرف وتقاسم أولويات السياسة الاميركية .

أهم ما تلفت إليه الاحجام الكبيرة في صفقات التسلّح هو الابعاد الاخرى غير العسكرية التي تمليها ضرورات العلاقة بين البلدين. وسواء كانت المخاوف المحرّضة على زيادة وتيرة التسلّح حقيقية أم متخيّلة أو حتى مفتعلة، فإن ثمة أهدافاً بعيدة لنوع العلاقة التي يريد الطرفان استمرارها طالما أن لدى كل منهما ما يقدّمه للآخر من مصالح. يعلو كل ذلك أهمية مقتضيات الدورة الرأسمالية التي تحافظ على استمرارها وزخمها من خلال فائض الاموال التي تعود الى الأسواق الأميركية بعد عمليات بيع وشراء النفط وتغطية الحاجات المحلية في الدولة المنتجة.


الهوامش

(1) موقع مقاتل من الصحراء، الخاص بنائب وزير الدفاع الأسبق الأمير خالد بن سلطان، قسم المعاهدات الاجنبية: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/Saudia3/mol84.doc_cvt.htm

(2) Amikam Nachmani, “‘It’s a Matter of Getting the Mixture Right’: Britain’s Post-War Relations with America in the Middle East,” Journal of Contemporary History, Vol. 18, No. 1, January 1983, pp. 120-121.

(3) Saudi Arabia, SAUDI-U.S RELATIONS: Seven Decades of Friendship, Summer 2002, Vol.19, No.2

(4) وليد حمدي الأعظي، العلاقات السعودية الأميركية وأمن الخليج ص 48

(5) David Ottaway, The U.S. and Saudi Arabia Since the 1930s; Foreign Policy Research Unit FPRI, August 2009; see: http://www.fpri.org/articles/2009/08/us-and-saudi-arabia-1930s

(6) تايلور كيت براون، مهمة أمريكية سرية لعلاج الملك عبد العزيز آل سعود وطدت علاقات البلدين، بي بي سي عربي، 9 حزيران (يونيو) 2015

الصفحة السابقة