ذاكرة سعودية مثقوبة

إتفاق مسقط كلام على الورق!

محمد الأنصاري

لا حديث كثير عن حرب اليمن؛ لا في الصحافة السعودية، ولا في مواقع التواصل الاجتماعي. هاشتاقات كبيرة مثل (# عاصفة الحزم) و(# إعادة الأمل) ماتت منذ زمن. كل ما يوجد هو حديث مناسبات: مثلاً ارسال صاروخ على مدينة سعودية؛ او كاجتماع كيري الاخير في سلطنة عمان ولقائه بأنصار الله ووفد صنعاء، وابرام تفاهم او اتفاق لإيقاف الحرب.

المثقفون السعوديون لا يتحدثون عن اليمن، وفي هذا قرار رسمي، ورغبة ذاتية ايضاً.

لا أحد يريد ان يُذكّر آل سعود والمواطنين بأن هنالك حرب على الحدود الجنوبية.

انه تذكير للمواطن بفشل الحرب، وبالهزيمة النكراء للقوات السعودية، ولأطماع وأهداف العدوان السعودي.. لا أحد يريد ان يتحدث عن هذه الهزيمة او حتى يذكّره بها. كلٌّ يريد أن يهيل التراب على ذاكرة الهزيمة، الحاضرة رغماً عن الجميع.

حتى اتفاق مسقط الأخير، لم يُكتب مقال واحد عنه في الصحف السعودية، وكخبر لم يكد يظهر في صحيفة من الصحف، الا من زاوية رفضه من قبل عبدربه هادي ووزيره المخلافي.

ما يجري هو إسقاط تام لكل ما يتعلق باليمن من الذاكرة السعودية، الملأى بالهزائم. وأنّى لهذه الذاكرة ان تنسى حرباً قائمة، وخسائر فادحة، ألقت بظلالها على المواطن كما على النظام؟

كيري أبرم اتفاقا في مسقط مع وفد صنعاء، وفي غياب وفود عن السعودية راعية العدوان ومنفذته، وأيضاً في غياب أي ممثل عن حكومة الدنبوع هادي. ولكن ما أُبرم جاء باسم الرياض، وبإسم حكومة اليمن في فنادق الرياض، وأيضاً بإسم التحالف وفي مقدمه دولة الإمارات التي يقال انها احد مهندسي الاتفاق.

فأيّ فضيحة هذه، أن تعلن الرياض حربها على اليمن من واشنطن، كما نتذكر، وأن يعلن اتفاق بانهائها في مسقط بدون حضور الجبير هذه المرّة؟

أما أنصار الله بالتحديد، والذين تقول الرياض انهم مجرد (عصابة حوثية) فكانوا حاضرين على طاولة المفاوضات، واثبتوا هم والمؤتمر أنهم الرقم الصحيح في المعادلة، وأن الباقي مجرد أدوات وكسور عشرية في اعلى الاحتمالات؛ وأن الحرب امريكية بمخلب سعودي، وبغطاء من فاقد الشرعية عبدربه هادي.

كان الإتفاق مفاجأة، حتى لو لم يتم تنفيذه، ومن هنا كان غضب الدنبوع، وقد اوعزت الرياض لأصنامها الإعلاميين بالصمت، واستمرت في خوض الحرب شأنها شأن وفد صنعاء. حيث لم تتوقف الحرب، ولم تكن الإلتفافة السعودية على اتفاق مسقط، بإعلان هدنة يومين تعني شيئاً، لأنها كانت تحضر لهجوم الأكبر من نوعه على منطقة ميدي اليمنية، وهو ما حدث.

الاتفاق كان بحدّ ذاته نكسة سياسية للسعودية، وقد أخذت السلطنة ـ عُمان ـ الألق والسمعة الحسنة.

وبقي جيش آل سعود الالكتروني يشتم كيري وأوباما وترامب ايضاً!

وللحق فإن كيري كان يحاول ان يستبق قرارات ترامب، وان يحافظ على الحليف السعودي قدر الامكان من قرارات ترامبية قد تكون متهورة.

اما آل سعود، فقد تمنوا فوز كلينتون، وذلك بغية تمديد غطاء الحرب، والدعم السياسي الامريكي لحروبهم الاقليمية وفي مقدمتها اليمن، ولكن خاب الرهان.

حتى لا تقول الرياض ان الشأن اليمني لا يعنيها، وأن الحرب هي بين يمنيين، وأنها مجرد منفّذ لأوامر الحكومة الشرعية، حكومة عبدربه هادي.. قال كيري بأنه توصل الى اتفاق مع الحوثيين والتحالف والسعودية والإمارات، لحل الأزمة. والرياض بالقطع لم تنف ذلك، وأنّى لها النفي؟! واضاف بأن الغرض وقف النار، والعمل على انشاء حكومة موحدة نهاية العام الميلادي الحالي.

بمعنى آخر، انهى كيري الحرب على الورق، لأن سياسة الرياض تقول: (قل نعم، وافعل: لا)!

كان بديهياً ان يرفض وزير خارجية هادي الاتفاق، لأن احداً لم يستشر هادي ولا وزيره. وقال المخلافي ان لاعلم له بالاتفاق ولا يعنيه! وكأن أحداً يهتم بما يقوله هادي، فهو مجرد دمية بيد السعودية. والصحفي جمال خاشقجي، الذي له في كلّ عُرْسٍ قُرْص، اختلطت عليه الأمور، وتساءل: (مالذي يجري؟ كيري يصرح باتفاق؛ الشرعية ترفض؛ وصمت الأطراف المعنية)؛ والمقصود بالأطراف المعنية الصامتة، هي حكومته المسعودة!

المعارض حمزة الحسن قال ان احتمالات نجاح كيري لا تتعدى الخمسين بالمائة، لكن خسارة آل سعود ليست احتمالاً بل حتمية مائة بالمائة. ولاحظ الحسن بأن امريكا تفاوضت مع الوفد اليمني نيابة عن آل سعود، ما يثبت انهم مجرد أدوات؛ مؤكداً ان وصول ترامب للرئاسة قد ضيّق هامش المناورة السعودية للخروج بانتصار او تعادل في حرب اليمن.

فور بث خبر اتفاق سلطنة عمان، ظهر هاشتاق بعنوان: (مبادرة كيري مرفوضة)؛ مع دعوات لمواصلة الحرب. وشارك فيه يمنيون وسعوديون وغيرهم.

الصمت السعودي الرسمي عن اتفاق مسقط، فسره البعض بأنه وسيلة تضليل سعودية، وكأنها ليست معنية بالسلم او الحرب، وهو ما دعا الإعلامي اليمني عبدالوهاب الشرفي، ليتساءل: (السعودية وسيط؟ وأمريكا وسيط؟ إذن من الغريم؟). في حين قال الإعلامي اليمني الموالي فيصل المجيدي، بأن قبول خطة كيري إجهاضٌ للمشروع العربي في مواجهة ايران، ومحاولة لإفشال نجاحات عاصفة الحزم، وما تم رفضه بالسلاح، لا يمكن القبول به عبر خطة كيري.

وانبرى العسكري الكويتي المزوّر فهد الشليمي، والمقرب من السلطات السعودية، فقال ان الانتصارات التي حققها التحالف والمقاومة ضد من أسماهم بأفراخ إيران هو الذي جعل كيري يهرول لانقاذهم. وعدد أسباب رفض مبادرة كيري بأنها توفر مناخ استمرار تهديد السعودية والجنوب، وانها تتجاهل قرارات الامم المتحدة والدماء والتضحيات.

اما الإخواني المسعود والمقيم في قطر، محمد مختار الشنقيطي، فرأى ان (اصرار كيري على وقف حرب اليمن، وإبقائه بيد الحوثي، دليل آخر بعد جاستا على ان امريكا اتخذت قرارا استراتيجياً بحصار السعودية وتصفيتها). وفي المقابل يرى الشيخ حسن فرحان المالكي بأن (كلام كيري ككلام ولد الشيخ، مجرد كلام. حرب اليمن ستستمر بين ست الى ثمان سنوات… والله أعلم).

الحرب متواصلة في اليمن، وطبخة الحل السلمي لم تنضج سعودياً، ولكن الهزيمة لآل سعود حتمية.

الصفحة السابقة