دولة النحس

في تغريدة انتحابية لحساب مصنّف على الإخوان الصحويين، وفي الوقت نفسه هو ليس على خصومة مع حكّام الخليج جاء: «المال الخليجي منحوس ذهب للمخلوع فتحالف مع الحوثي، وذهب للسيسي فانقلب علينا، وذهب للحريري فصوّت لعون، وذهب لهيلاري ففاز ترامب..».

في الواقع إن «النحس» الذي أصاب مملكة آل سعود لا يعادله أي نحس في العالم، وكما يقول المثل الشعبي «وين ما طقها عوجة». وأكثر شخص يمكن أن يحصد «غلال النحس» هو سلمان ونجله المبجّل، حمودي، الذي أصبح كلاًّ على مولاه «أينما يوجهه لا يأت بخير» كما تقول الآية (76) من سورة النحل.

منذ توليه العرش في 23 يناير 2015، أحدث سلمان انقلاباً في المملكة السعودية، إذ ألغى التركيبة البيروقراطية القائمة، وأعاد تشكيل السلطة، ونصّب إبنه الرجل الثالث في التراتبية الإدارية، والأول من الناحية الفعلية.

بعد شهرين من اعتلائه سدّة الحكم، شنّ سلمان حرباً على اليمن، وسلّم إدارة ملفها إلى ابنه محمد بن سلمان، وزير الدفاع الجديد.

جاء اعلان الحرب من واشنطن عشيّة السادس والعشرين من مارس 2015 لافتاً، ويمثّل أول إشارة نحس، إذ لأول مرة يعلن من دولة أجنبية في أقاصي الأرض عن حرب دولة عربية على دولة عربية أخرى.

كانت الرسالة واضحة، أن أمريكا ليست مجرد شريك في الحرب، بل والراعي الرسمي لها. ليس ذلك مهماً، فإن العقل الاستراتيجي المصاب بالنحس قدّرها حرباً خاطفة، وأن خيول نجد ستقف على أبواب صنعاء في غضون إسبوع.

مضى شهر ولم يكن هناك سوى طائرات تجوب الأجواء اليمنية وترمي بحممها عشوائياً على كل شيء يأتي في طريقها.. ودخلت الحرب شهرها العشرين ولا أفق لنصر عسكري من أي نوع، رغم اتّكال ابن سلمان على حلفين عربي وإسلامي ومساندة أممّية وأميركية.

هل يمكن نعت ذلك بغير الفشل الاستراتيجي الذي يعبّر عنه شعبياً بالنحس؟.

صورة أخرى لهذا النحس المستوطن شخصية سلمان ونجله المبغّل (من البغل)، وهي إمساكه بالملف النفطي. فقد وضع يده على أرامكو، البقرة الحلوب أو البطة التي تبيض ذهباً، كما وصفها وزير النفط الأسبق الشيخ أحمد زكي يماني، وإذا بالذهب يصبح رماداً بطعم النحس.

وليتخيل المرء كيف أن شركة أرامكو، التي واصلت دون انقطاع برنامج الإقراض السكني لأكثر من نصف قرن، قرّرت فجأة إيقاف الاقراض لموظفيها.. تقول حتى نهاية العام، ولكن الحقيقة أن القرار يمتد الى أجل غير معلوم، وذلك كله بفضل النابغة السلماني.

ثم تمدّد صبيّ سلمان ليضع اليد على الملف الاقتصادي للبلاد، وأوكل لمجموعة ماكينزي الأميركية مهمة نسج رؤية مستقبلية تستمر الى سنة 2030. فأعدّت المجموعة برنامجاً في التحوّل الوطني يقوم على سبر كل فرص الإستثمار في هذا البلد، والتأسيس لمرحلة لا يكون فيها الإعتماد على النفط مبدأ، ولا عليه مصدراً رئيساً للدخل.

وفي غفلة من الزمن، عمل فريق التطبيل على الترويج لنبوءة المنقذ من الضياع، والقادم على فرس مطهّم بالبشارة للخروج من الأزمة المستفحلة المتمثلة في الارتهان الى النفط، واستغلال بصورة أمثل كل المقدّرات الطبيعية والبشرية، في عملية استثمارية واسعة النطاق، تؤول الى نقل المملكة السعودية الى مصاف الاقتصاديات الكونية الكبرى.

والنتيجة؟

كانت نذر النحس تترى تباعاً، بدأت بموازنة منحوسة عجزاً فلكياً بلغ 87 مليار دولار، وتلاها انهمار الرسوم المرتفعة على الكهرباء والهاتف وحتى الزبالة لم تسلم من الرسوم، وتزامن ذلك مع أنباء عن تآكل الرصيد النقدي المتراكم لأكثر من عشر من سنوات، ونزيف الثروة في حروب عبثية في اليمن وسوريا وفتن في العراق وباكستان ونيجيريا.

أوصل المنحوس المواطنين الى حافة الإفلاس، فأغار على جيوبهم، لتعويض خسائره المالية، ثم ضيّق الخناق عليهم، فألغى خمسين بدلاً (بدل السكن، بدل المواصلات، بدل الخطر، بدل العلاج...الخ)، فقضم ما يربو عن نصف مرتبات المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وهم الغالبية الساحقة.

انقشع سحر الرؤية، وتبخّر الأمل في وقوع المعجزة الاقتصادية المنتظرة على يد المنحوس المدلّل. وبدأت تتكشف فضائح التحوّل الوطني، الذي لم يكن سوى عنوان آخر لما يمكن وصفه بـ»سرقة القرن».

فقد أورد الخبير الاقتصادي الدكتور حمزة السالم معطيات مرعبة عن حجم الاموال المفقودة من خزينة الدولة، إلى جانب الهدر المتعمّد لمكتسبات ثابتة من بيع النفط.

يكفي أن ما دخل على الحكومة من أموال في عام 2015 وتسعة أشهر من عام 2016 «هو أعظم مقدار دخل على البلاد في تاريخها» حسب السالم. وبلغة الأرقام، فقد بلغ الدخل قرابة 1.9 ترليون ريال. ولو طرحنا منها الانفاق في ثمانية عشر شهراً، بمعدل الانفاق الذي كان سائداً في السنوات الذهبية، لبقي ترليون ومائة مليار ريال فائضاً بعد خصم كلفة الحرب على اليمن. إجمالي ما يتبقى هو تريليون ومائة مليار، فأين ذهبت؟.

فإذا كان هذا هو حال أموال الدولة قبل الدخول في مرحلة الاستثمار الشامل، وقبل بيع حصة من أرامكو، ولا زيادة حجم الاستثمارات في الأسواق الدولية، والاميركية على وجه الخصوص.. أليس هذا ما كان يحذّر منه الخبراء الاقتصاديون، والرموز الاصلاحية في هذا البلد، حين ربطوا التحوّل الاقتصادي بإصلاحات سياسية، إذ لا يمكن أن تقيم بنياناً على جرف هار، فكيف وأن على رأسه شخص أحيط به النحس من كل جوانبه، وأينما توجّهه لا يأتي بخير.

الصفحة السابقة