شكراً لصاحب السمو الملكي الأمير نايف!

هدية الإعتقالات لرموز الإصلاح

شكراً للأمير نايف وزير الداخلية، فقد أخرجنا من حيرتنا وأزمتنا، أزمة الدولة والنخب والمجتمع، حين أمر باعتقال رموز الحركة الإصلاحية، وخاصة الأستاذ محمد سعيد الطيب، والدكتور عبد الله الحامد، والدكتور متروك الفالح، والدكتور توفيق القصير، والأستاذ علي الدميني والأستاذ نجيب الخنيزي وغيرهم.

كنّا في طريق وسط لا نعلم اننا مقدمون على إصلاحات أم على ديكورات تجميل. لا نعلم خارطة الإصلاح ولم نستلم سوى الوعود التي تعودنا سماع امثالها منذ الستينيات الميلادية من القرن الماضي. كنا نتلمس مواضع أقدامنا ومواضع أقدام الأمراء. نتساءل: هل يفعلونها؟ هل يعقل ان يتقبلوا الإصلاحات بسهولة ويسر؟ هل ادركوا متأخرين الحاجة الى الإصلاح؟ وهل.. وهل؟

كنا نشعر بضغط تيارين عنيفين قويين داخل العائلة المالكة. احدهما ضعيف للغاية يرى بضرورة القيام ببعض الإصلاحات تضمن رضا الغرب وتعيد ترتيب الأوراق المحلية وتخفف من الإحتقان، على ان يكون الإصلاح محدوداً مسيطراً عليه. وهناك التيار الأقوى، تيار الماسكين بزمام السلطة (التيار السديري) الذي لم يسلم حتى بالإصلاحات البسيطة، وهو يرى انها تفتح بوابة الشرّ، لكنه أفسح المجال مؤقتاً لبعض القيل والقال في الصحافة، حتى يحتوي التيار السلفي المتطرف، ولكن بدت له الأمور ان اللعبة الإصلاحية غير قابلة للسيطرة، فكانت حملة الإعتقالات الأخيرة لرموز الإصلاح.

هدف الإعتقالات

على المدى القصير والبعيد فإن الهدف هو التالي:

1 ـ تخفيف حدة المطالبة بالإصلاحات السياسية وإيقاف سيل العرائض المطالبة بها، وتالياً منع أي مواطن من استخدام وسيلة العرائض للمطالبة بالحقوق السياسية.

2 ـ استباق قيام أحزاب وجماعات سياسية هي في الوقت الحالي تبلورت وشارفت على النضوج والإعلان. وكان الإعتقال حلّ استباقي لها.

3 ـ إعادة التوازن للتحالف بين آل سعود والتيار السلفي الذي تعرّض لضغوط شديدة خلال العامين الماضيين، وكأن الإعتقالات قد نفّست شيئاً من الإحتقان لدى التيار السلفي الذي شعر بأنه المستهدف من كل ما جرى.

4 ـ الإعتقالات جاءت من اجل استعادة هيبة الدولة لدى عموم المواطنين. الرسالة التي وجهتها تقول بأن العائلة المالكة لاتزال قوية ومتشبثة بالسلطة وأنها تستطيع ان تفعل ما تريد وتقرر متى وكيف يكون الإصلاح. حين تتعرض الدول الى المحاصرة المعنوية من قبل جمهورها، تندفع احياناً الى العنف لتأكيد وجودها وقوتها على الأرض.

تداعيات الإعتقالات ومدلولاتها

تشير الإعتقالات ان الوسيلة الوحيدة التي كانت متوفرة لإبداء الرأي، وهي العرائض، قد أغلقت. ولكن هذا لا يعني عدم ظهورها مجدداً. حسبنا ان نفهم ان هذه الوسيلة لا ترضي وزارة الداخلية والمتنفذين في السلطة.

معنى هذا أن هناك اختناقات سياسية اشد، ستنعكس على مستوى التعبير في الصحافة المحلية وفي القنوات الفضائية وستتدنى نسبة المشاركة بين النخب في الكتابات التنظيرية والتحليلية لموضوع الإصلاح.

وتعني الإعتقالات فيما تعنيه ان مشوار الإنفتاح والحوار قد وصل الى نهايته، وسيعاد ضبطه ضمن الإيقاع القديم.

ويعني ما حدث، انتصار الجناح السديري المتطرف وسيطرته على الأوضاع، وهذا الجناح قد يجازف بمواجهة محدودة مع الأميركيين لكي يكسب الدعم الشعبي، كما قال الأمير سلطان وزير الدفاع قبل نحو عام.

ومن التداعيات ان الأمير عبد الله فقد ما تبقى له من رصيد بين الجمهور او بين الإصلاحيين. فالرهان عليه صار ضعيفاً في موضوع التغيير. ولا شك ان تسلّق الجناح السديري سيزيده ضعفاً الى ضعف.

ومن التداعيات أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي اعلن عنها مؤخراً قد ماتت وهي في المهد، وقد جاءت الإعتقالات لتثبت انها حكومية مائة بالمائة وبشكل مكشوف، وهذا ما سيضعف مكانتها امام العالم، وبالتالي لن تكون واحدة من المؤشرات على عزم السلطات السعودية القيام بالإصلاح المتدرج كما تقول.

ومن تداعيات الإعتقالات زيادة التوتر في العلاقات بين السعودية واميركا. والتوتر قد يفضي الى فرض خيار اليمين الأميركي الذي يرى ان السعودية يجب ان تتغير بالقوة حتى لو تم تقسيمها والإطاحة بالعائلة المالكة. ان السعودية دولة لا تستطيع تحمّل عبء الضغط الأميركي، فهي لم تجربه سابقاً، كما انها ستواجه اميركا بشعب منقسم على نفسه أيديولوجيا ومناطقياً، وأكثر المواطنين لن يتحملوا اعباء التحدّي الكاذب إن جرى محاسبة السعودية على غرار محاسبة سوريا، او جرى محاصرة السعودية اقتصادياً ومالياً.

المستقبل

ستطلق وزارة الداخلية رموز الإصلاح بعد ان تتأكد من إخضاعهم، أو الوصول لهم الى حل مشترك ـ ان كانت هناك عقلية سياسية بهذا الإتجاه ـ وقد تقوم الحكومة بالإعلان عن الإصلاحات المنتظرة فيما يتعلق بانتخابات الشورى والمناطق لامتصاص فيض من الغضب والعنف المتوقع من الشارع والناتج عن انسداد ابواب التغيير. سيبقى الإصلاحيون على الأرجح في السجن وخاصة (الحامد والدميني والطيب والمتروك) لأنهم لن يوقعوا على الأرجح تعهدات بعدم التعاطي مع الشأن العام.

إذا ما طال أمد الإعتقال، فإن الحركة الإصلاحية ستتعثر على الصعيد الشعبي، ولن يكون في صالح السلطة اساساً غياب الصوت الإصلاحي، فهو ضرورة محلية قبل ان يكون ضرورة خارجية. ولعلنا نتوقع أصواتاً تقول بأن لا تعايش مع النظام القائم، وأنه لا بد من إسقاطه بكافة السبل. وقد تزداد النزعة الإنفصالية كحل تبقي آل سعود في نجدهم، وتجعل الآخرين في حلّ من الدولة الرافضة للتغيير.

بالطبع لن تستطيع السلطة ان تحارب على جبهات متعددة: جبهة الخارج والداخل؛ جبهة مكافحة الإرهاب وجبهة مكافحة الإصلاح!؛ جبهة إصلاح الوضع الداخلي اقتصاديا وسياسياً وامنياً عبر التشدّد او الإنفتاح، وجبهة إصلاح وجه السعودية الخارجي.

ما قامت به وزارة الداخلية من اعتقالات لأركان الحركة الإصلاحية، تهور وخطأ في التوقيت وفي الحسابات وفي المستهدفات.

سيثبت خطأ ذلك، عاجلاً ام آجلاً.

وقد دخلت السعودية مرحلة جديدة رغم أنفها بعد احداث سبتمبر، ولن تعود كما كانت، كما هو شعبها الذي اصابه التغيير في العمق.

شكراً لوزير الداخلية، الذي حرّك الآسن من السياسة المحلية!



الصفحة السابقة