صفعة جديدة للرياض

صنافير وتيران.. مصريتان، مرةً أخرى!

عبد الوهاب فقي

مرة أخرى، أعلنت المحكمة الإدارية العليا في مصر، أن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان الى الأبد.

لم يمهل المواطنون القاضي في المحكمة ليكمل حكمه، فضجّوا بالهتافات المعبرة عن سعادتهم. وانتقلت الى الشارع مشاعر البهجة في مسيرات شارك فيها آلاف المواطنين المصريين.

الحكومة السعودية أخطأت في ادعائها، اولاً، بان الجزيرتين سعوديتان، فهذا مخالف لحقائق التاريخ، فهما مصريتان حتى قبل قيام الدولة السعودية الحديثة.

وأخطأت الرياض حين ارادت ابتزاز مصر بالمال التي هي بحاجة ماسّة اليه، واعتقدت بأن مجرد اتفاق مع السلطة التنفيذية المصريّة سيفي بالغرض.

وأخطأت الرياض مرة أخرى، حين وجدت تلكؤاً مصرياً رسمياً، فأنذرت القاهرة بأن تحسم الأمر في ثلاثة أسابيع، وتوقع الإتفاق النهائي من قبل البرلمان والمحكمة العليا، وإلا… وهذا هو ما أدى الى النتيجة الأخيرة.

وقبلها أخطأت الرياض في تعريض علاقاتها الإستراتيجية مع مصر للخطر من أجل هاتين الجزيرتين، فقطعت امدادات النفط عن مصر (٧٠٠ ألف طن شهرياً) ولم تدرك حجم قوة المشاعر الوطنية المصرية في هذا الشأن المتعلق بالسيادة، كما لم تدرك أن هذا الإبتزاز المفضوح يهين كرامة الرئيس السيسي وحكومته، والأهم شعب مصر نفسه، ويدفعه للمقاومة. وعموماً، قد لا يكون السيسي وحكومته بعيدين عما جرى في أروقة المحكمة الإدارية العليا.

وأخطأت الرياض، حين لم تدرك أنها أكثر حاجة الى مصر، من أن تكون مصر بحاجة اليها. وقد ثبت هذا من خلال التلويح بالتوجه نحو إعادة العلاقة مع ايران، وهو الثمن الذي تدفعه مصر الى دول الخليج مقابل دعمها المالي. بل ان مصر استطاعت قبل اعلان المحكمة بأيام، وأثناء زيارة وزير النفط المصري للعراق، أن تحصل على مليوني طن من النفط من العراق شهرياً بشروط أكثر يسراً من تلك التي قدمتها السعودية، بل وتوقع اتفاقاً على تكرير النفط العراقي في مصر، من اجل سد احتياجات العراق من المنتجات النفطية.

 

كل ما قاله الإعلام السعودي عن ملكية الجزيرتين لا وثائق حقيقية تدعمه.

وكل ما زعمه محمد بن سلمان في رؤيته العمياء بشأن إقامة جسر بين السعودية وسيناء المصرية يمر عبر الجزيرتين، ليس صحيحاً، وإنما وضع للتشويق والتسريع بتسليمهما الى السيادة السعودية.

كان يهم الرياض وتل أبيب: تربيط العلاقة بينهما وتوثيقها من بوابة ممر تيران، ومثلما توثّقت العلاقة المخابراتية السعودية الإسرائيلية على قاعدة مواجهة ايران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي، فإن الجزيرتين تعتبران مبرراً لاستعلان العلاقة رسمياً بين البلدين.

الآن، وقد صعقت الرياض مما أعلنته المحكمة الادارية المصرية العليا، فإنها أمام خيارين أحلاهما مرّ:

الأول ـ مواصلة الضغط على السيسي وإيقاف كامل الدعم عنه حتى يركع هو والشعب المصري. وهذا، لن يغير من واقع الحال؛ فالسيسي قد لا يجازف ـ على الأرجح ـ في مصادمة الشعور الوطني لشعبه، لأنه سيفقد حتماً الشرعية، وسيكون ذلك وبالاً عليه وعلى العسكر الحاكمين. وحتى لو افترضنا ان السيسي والبرلمان وافقا على تسليم الجزيرتين الى السعودية، فستبقى قضية الجزيرتين عنصر توتر شديد في العلاقة بين البلدين الى عقود قادمة. وفوق هذا، فإن الرياض اذا ما قررت مواصلة الضغط، إن لم يخضع السيسي، فهي ستدفع بالحكم المصري أن يستقلّ عنها، ويمارس دوره الطبيعي والقيادي في العالمين العربي والإسلامي، وسيكون ذلك على حساب السعودية ودورها. والأهم، فإن مواصلة الابتزاز السعودي، يعني تلقائياً انفراجاً في العلاقات السعودية الإيرانية، وستجد الرياض نفسها معزولة في المحيط الإقليمي بشكل شبه كامل.

الثاني ـ أن تتراجع السعودية عن مطالبها بالجزيرتين، وأن يبحث البلدان وسيلة ما للإستفادة معاً منهما، دون ان تستحوذ الرياض ويكون لها السيادة عليهما. وهذا ممكن، وهو حل وسطي يخرج البلدين من مأزق التصادم، ويبعدهما عن سياسة كسر العظم. وإذا ما كان محمد بن سلمان صادقاً في مزاعم الجسر الذي يربط مصر بالسعودية، وبجدواه الإقتصادية، فبإمكانه فعل ذلك، وهو لا يتطلّب سيادة سعودية على الجزيرتين، بل يتطلب اتفاقاً اقتصادياً مع مصر، مع أفضلية تكون للسعودية، باعتبارها صاحبة المشروع وممولته.

وفي كل الأحوال، فإن العلاقات المصرية السعودية ليست في أحسن أحوالها. ومع أن الرياض لم تشأ التعليق رسمياً على موقف المحكمة المصرية، وبدا وكأنها تحاول ان لا توسّع من دائرة اشعال النار، إلا أن هذا قد لا يستمر، اذا ما وجدت ان حكومة السيسي تتجاهل انذاراتها السابقة.

قطع المساعدات هو كل ما تملكه الرياض؛ وهي تحاول أيضاً ان تؤثر على الامارات والكويت، بأن تحذو حذوها، وتحاصر النظام في مصر مالياً، في حال لم تستعد الجزيرتين. ونظن ان الامارات والكويت ليستا بصدد الخصومة مع مصر، مهما وصل التردّي في العلاقات المصرية السعودية.

الخطأ قد يجرّ الى خطأ آخر.

والرياض اليوم ليست في أفضل أحوالها، وهي لا تزال تنزف سياسياً وتخسر عسكرياً، وتفقد شرعيتها محلياً، وتتناوشها المخاطر من كل الإتجاهات.

فهل هي بحاجة الى معركة أخرى مع مصر لتضاف الى معاركها الفاشلة الأخرى في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها؟

الصفحة السابقة