تحديات السعودية من وجهة نظر إسرائيلية لعام 2017

السعودية الضعيفة.. الأقرب الى اسرائيل

نشر معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي تقديراً استراتيجياً لعام 2016-2017،
وخصّص قسماً منه عن التحديّات التي تواجه السعودية من إعداد الباحث الاسرائيلي يوؤل جوزانسكي

محمد شمس

تقف السعودية عند واحدة من أكثر النقاط حساسية في تاريخها. المزيج من انخفاض حاد في أسعار النفط منذ 2014 وعملية التبدّل الحساسة في الانتقال الجيلي في مركز القيادة والتي بدأت في عام 2015 تشكّل مجموعة كبيرة من التحديات التي تواجه المملكة. يتظافر معهما التخريب في الأراضي السعودية من قبل الدولة الإسلامية (داعش)، والصراع مع ايران في العديد من الساحات (مع الصراع في اليمن على أعتابها)، وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة. كل هذه العوامل ترسم ترسم توقعات متشائمة لمستقبل المملكة. حتى لو كانت الرياض تبدو حالياً أنها تمتلك أدوات كافية للتعامل مع التحديات الماثلة أمامها، فمن الممكن جداً إن الاستقرار السياسي في المملكة سيكون مفاجأة في السنوات القادمة.

وفيما يلي تحليل لأهم التحديات التي تواجه الاستقرار في المملكة السعودية، وردود فعلها إزاء هذه التحديات، وتقييم آثارها وعواقبها على المنطقة بشكل عام وإسرائيل، على وجه الخصوص، في حال تراخت قبضة العائلة المالكة على السلطة.

الاعتماد على النفط

أخطر تهديد للاستقرار السعودي يكمن في مستوى منخفض لفترة طويلة من أسعار النفط. فالدخل من صادرات النفط يمثل أغلبية حاسمة لعائدات المملكة. ونتيجة لارتفاع أسعار النفط على مدى العقد الماضي، فقد راكمت السعودية احتياطيات ضخمة من العملة الأجنبية، وهو ما مكّنها توجيه مبالغ كبيرة من المال لمواطنيها في المراحل المبكرة من الإضطرابات الإقليمية. ولكن هذه الاحتياطيات تستنزف، وأن الأرصدة من العملة الأجنبية إنخفضت من 724 مليار دولار في نهاية 2014 الى 576 مليار دولار في إبريل 2016.

الاحتياطيات لا تزال كبيرة، ولكن وتيرة نضوبها وعدم اليقين فيما يتعلق بمدة انخفاض أسعار النفط يتطلب خفض الإنفاق، والتي تنطوي على مخاطر. يتم تمويل العجز الكبير عن طريق السحب من الرصيد وبيع الأصول، وحتى من خلال الاستدانة. صندول النقد الدولي حذّر في أكتوبر 2015 أن المستوى الحالي لأسعار النفط فإن احتياطيات السعودية سوف تستنفد بصورة كاملة بحلول العام 2020، في حال تواصل الاستنزاف بنفس الوتيرة.

في أبريل 2016، وبعد عقود من الحديث عن الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، كشفت المملكة السعودية عن خطتها الطموحة، «رؤية السعودية 2030»، من إعداد شركات استشارية أجنبية لحساب ولي ولي العهد، وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية محمد بن سلمان، ووضعت الخطة هدفاً مؤقتاً لعام 2020 لخلق موارد إضافية للميزانية مع النمو الهائل في عائدات خارج قطاع النفط من خلال خفض الانفاق والضرائب. والهدف من ذلك هو تمكين المملكة السعودية من الهروب من العجز الكبير الذي تشهد الآن، حتى في السنوات التي يكون فيها سوق النفط عند مستوى منخفض. وقد صمّمت الخطة أيضاً لتعزيز فرص العمل، وذلك لتحفيز النمو والحد من البطالة.

الرقم الرسمي للبطالة في المملكة السعودية ما يقرب من 12 في المئة، ولكن معدل البطالة الفعلي أعلى من ذلك بكثير، وخاصة بين فئة الشباب. وهناك بطالة خفيّة أيضاً. العديد من المواطنين الذين لايعملون يتمتعون رواتب ومزايا عالية للغاية، في حين أن البعض الآخر لا يرغب في العمل اليدوي، والتي تترك الى العمال الأجانب. تقليض الإنفاق بدأ في الميزانية بالفعل، بما في ذلك خفض الدعم للوقود (وقد تضاعفت أسعار الوقود في 31 ديسمبر 2015)، والكهرباء، والماء.

على الرغم من أن الخطة تركز على إنقاذ المملكة السعودية من الاعتماد على النفط، يبدو أن تطوير قطاع النفط والغاز سيستمر بشكل مكثف من أجل تحقيق أقصى قدر من العائدات من ذلك على المدى الطويل. لن يكون هناك أي تغيير، على الأقل حتى الآن، في السياسة السعودية في سوق النفط العالمية.

المملكة لديها مصلحة كبيرة في استقرار أسعار النفط عند أعلى مستوى، ولكنها ليست في عجلة من أمرها للحد من أو خفض إنتاجها في إطار اتفاق بين الدول المنتجة للنفط، التي ليس لدى المملكة ثقة فيها.

أسوأ سيناريو للمملكة السعودية هو أن منتجي النفط الأخرى لن تتمسك بالتزاماتها (إذا تم التوصل إلى اتفاق)، والتي سوف تقتطع جزءاً من حصتها السوقية. وهي حالة قد تحدث إذا لم ترتفع أسعار النفط كما هو متوقع، وعائدات النفط السعودية تتقلص.

بالإضافة إلى ذلك، وكسياسة على المدى الطويل، فإن المملكة السعودية لا تدعم تحديات حادة للغاية تواجه إرتفاع الأسعار التي هي مرشحة بصورة مؤكدة بكونها مؤقتة، لأن المملكة تخشى بأن ذلك سوف يسرّع من تطوير بدائل للنفط والتنقيب المكلف عن النفط، وبالتالي زيادة المعروض من الطاقة ودفع أسعار النفط للأنخفاض أكثر فأكثر.

إن خطة الحد من الاعتماد على النفط هو السبيل الوحيد للمملكة السعودية للهروب من هذه المعضلات طويلة المدى المتعلقة بسوق النفط.

 
صراع المحمدين على الحكم أحد أهم تحديات بقاء العرش السعودي

على الورق، تعكس الخطة السعودية مجموعة من الأهداف واقتصادياً فإنها تعكس التدابير الأساسية اللازمة لبقاء المملكة على المدى الطويل. في الوقت نفسه، فمن السابق لأوانه تقييم جدوى تنفيذ الخطة بالإستناد على المعطيات المعلنة للرأي العام. ومن المشكوك فيه، لا سيما ما إذا كان الاعتماد على النفط يمكن أن يتقلص إلى حد كبير بحلول عام 2020. وإذا كان هناك زيادة جديدة في أسعار النفط، فمن المرجّح أن يتزايد الضغط الشعبي لناحية التخلي عن إجراءات التوسع وبالتالي فإن الدافع للإصلاح الهيكلي الاقتصادي يتلاشى.

دليل ذلك يمكن العثور عليه في خطة مماثلة وضعت في العام 2000، في أعقاب تراجع أسعار النفط في التسعينيات. فقد تمّ التخلي عن هذه الخطة في عام 2003 عندما عاودت أسعار النفط باتجاه تصاعدي. وعلاوة على ذلك، في حال استمرار انخفاض أسعار النفط، التي تعد واحدة من الافتراضات الأساسية للخطة، فإن المملكة سيكون لديها صعوبة في تمويل الاستثمارات اللازمة للتعجيل في تطوير القطاع غير المعتمد على النفط.

ومع ذلك، فإن التحديات الرئيسية التي تواجه تنفيذ الخطة تتعلق بالحاجة لتطوير اقتصاد محافظة ومغلق في المملكة السعودية، وتكييفه مع القواعد التي تحكم الاقتصادات الحديثة. ثقافة ريادة الأعمال، وهو أمر ضروري لتطوير القطاع الخاص، محدودة في السعودية حيث الدولة تدفع الرواتب وتوفر تقريباً جميع احتياجات السكان. وقد أدّى هذا الوضع بالكثير من السعوديين لتوطين أذهانهم على أن الحصول على الخدمات والدخل مكفول تقريباً. بعبارة أخرى، لم ينظر المواطنون الى أرباح النفط بأنها امتيازات مؤقتة من الحكام، بل ينظرون إليها على أنها حقوق لهم بوصفهم رعايا موالين للمملكة. وعليه، عندما تنخفض الرعاية فإن الولاء بين مجموعات من المواطنين هي أيضا تكون عرضة للانخفاض.

القصر والنزاع الداخلي

على الرغم من تركيز وسائل الإعلام على العلاقات الخارجية للمملكة، وخاصة الصراع مع ايران في مختلف المسارح فإن التهديدات الداخلية، بما في ذلك الصراع على السلطة داخل العائلة المالكة، تشكل تهديدا أخطر بكثير على استقرار المملكة . منذ عام 2015، وجيل من أحفاد ابن سعود، من سلالة المؤسس، أي الملك عبد العزيز، يشرع في استلام مقاليد الحكم. وكما هو متوقع، فإن هذه العملية يرافقها صراع على السلطة، وغالباً ما يكون ذلك وراء الكواليس. ويتركز الخلاف على القوة المتنامية لمحمد بن سلمان إبن الملك المفضل وعديم الخبرة، على حساب ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف وغيره من فروع العائلة المالكة. بن نايف الذي قيل في عام 2016 أنه مريض، يخشى أن الملك يفضل نجله محمد بن سلمان عليه، على الرغم من كونه، أي بن نايف، ولي العهد. إن حقيقة كون بن نايف لديه المزيد من الخبرة وليس له أبناء أكسبه تأييداً كبيراً داخل العائلة المالكة.

تم تعيين بن سلمان لله لتولي العديد من المناصب (ولي ولي العهد، وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية) في عام 2015 من قبل والده، في الوقت نفسه، أبعد المقربين من الملك السابق عبد الله بعيداً عن معظم مراكز السلطة، باستثناء الأمير متعب، الذي بقي وزيراً للحرس الوطني. هذه التعيينات، وسياسة الحزم المعتمدة من قبل بن سلمان في الشؤون الداخلية والخارجية قدّمت للمملكة صورة أكثر نشاطاً وحيوية مما كانت عليه في الماضي، وأضافت بعداً من عدم اليقين لاستقرارها الناجم عن معارضة داخلية. وقد تم التعبير عن ذلك علناً في خطوة استثنائية للسياسة في المملكة السعودية، وفي تشريع غير مكتوب، في 2015 يتطلب التوافق وحل النزاعات داخل الأسرة وراء الأبواب المغلقة. في رسالتين وزعتا بين الأمراء، ونشرتا في صحيفة الجارديان البريطانية من قبل أحد الأمراء الذي لم يكشف عن هويته، ويدعى بأنه من أحفاد إبن سعود دعا للوحدة من أجل خلع الملك سلمان.

الرسالتان - اللتان انتقدتا ضعف سلمان (و يبدو أنه يعاني من الخرف) - زعمتا أن عدداً من كبار الأمراء كانوا مشاركين في كتابتهما وأن مشاعرهم تحظى بتأييد كثير من الجمهور وكبار من زعماء القبائل. في الوقت نفسه، وعلى النقيض من الماضي، يبدو أن تركيز سلطة الحكم هو في أيدي مجموعة محدودة من الأمراء يقودها بن سلمان. بدعم من والده، فإنه عزّز موقعه منذ توليه منصبه وراكم خبرة حاسمة. وبينما هناك معارضة له، فانه يتمتع (إلى الحد الذي يمكن قياس الدعم في ملكية مطلقة) بدعم في أوساط الشباب في المملكة ومن الادارة الاميركية الحالية (التي فضلت في البداية إبن عمه، محمد بن نايف). ومن المرجح، أنه إذا كان بن نايف يعاني في الواقع من مرض خطير، فإن الطريق أمام بن سلمان في أن يرث تاج والده ستكون مفتوحة.

الإرهاب في الداخل

وهناك تحد آخر يواجه المملكة السعودية يأتي من الدولة الإسلامية (داعش)، التي تنفي الشرعية السياسية والدينية للمملكة. في العقد السابق، كانت المملكة السعودية ناجحة نسبياً في صراعها ضد القاعدة.

ولكن، منذ عام 2014، فإن المعضلات المطروحة من قبل الدولة الإسلامية، التي نشأت من داخل تنظيم القاعدة، أصبحت أكثر خطورة. تنافس الدولة الاسلامية مع الطيف البروتستانتي للإسلام السني ممثلا في العائلة المالكة في السعودية - الوهابية. وكما هو حال دعوة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن لإطاحة المملكة، فإن زعيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو بكر البغدادي يدعو أيضاً إلى «تحرير» الأراضي السعودية، موطن الأماكن المقدّسة للإسلام من سيطرة آل سعود. وقد هدّدت المنظمة أولاً بمهاجمة المملكة السعودية في تسجيل صوتي انتشر في نوفمبر عام 2014، والذي دعا البغدادي فيه لشن هجمات ضد الشيعة، والأجانب، والبيت الملكي نفسه، وأعلن عن تمدّد الدولة الإسلامية نحو شبه الجزيرة العربية (منطقة نجد). وفي الشهر نفسه، بدأت المنظمة شن هجمات انتحارية في المنطقة الشرقية من المملكة السعودية، حيث يتركز معظم السكان الشيعة. وحتى وقت كتابة هذه السطور، فإن آخر عملية تفجير جرت في شوارع المملكة، شملت المدينة المنورة، كان في 4 يوليو 2016.

إنجازات الدولة الإسلامية وعقيدتها مثيرة بالنسبة لكثير من الشباب في المملكة، الذين هم عرضة لتوجيه غضبهم ضد السكان الشيعة أو ضد العائلة المالكة نفسها - بالتأكيد إذا كان يبدو ذلك استرضاءً للشيعة. لاحظ أن الشيعة، الذين ينظر إليهم أيضاً في المملكة السعودية على أنهم طابور خامس لإيران، لم يشكلوا تهديداً أبدا لاستقرار المملكة، أولئك الذين فعلوا ذلك هم المتطرفون السنة. وعلاوة على ذلك، فإن العائلة المالكة نفسها تتحمل بعضاً من المسؤولية إزاء هذا التوتر، لأنها تستخدم خطاباً معادياً للشيعة من أجل حشد التأييد للنظام وأهدافه في الصراع ضد إيران.

 
خسارة الحامي والحليف الأمريكي يمثل تحدياً وجوديا للعرش السعودي

ومن المتوقع أن يستمر تهديد السلفية الجهادية للمملكة السعودية في السنوات القادمة. حتى الآن، كانت الدولة الإسلامية (داعش) تركز في المقام الأول على مهاجمة الشيعة، بناء على فرضية بأن هذا سيزيد في التوتر الديني وزعزعة الاستقرار في دول الخليج، وخاصة المملكة السعودية. في الوقت نفسه، فإن الدولة الإسلامية (داعش) سبق أن أعلنت عن نيتها مهاجمة الأنظمة نفسها. وسوف تشمل أهداف الهجوم مؤسسات حكومية، ومنشآت استراتيجية، وكبار أفراد العائلة المالكة.

وتركز الحملة ضد الدولة الإسلامية على محاولة تقويض مواردها الاقتصادية داخل السعودية، ومحاولة وقف تدفق الشباب السعودي الذين يغادرون المملكة نحو مسارح صراع الدولة إسلامية الأخرى والعودة في وقت لاحق، ونشاط موجه من خلال المؤسسة الدينية ووسائل الإعلام، وإنفاذ القانون ونظام العقوبات ضد توزيع رسائل السلفية الجهادية ودعايتها.

وثمة عامل آخر يجعل من الصعب على الأسرة المالكة التعامل مع التوتر المتصاعد بين السنة في المملكة السعودية والشيعة هو التحريض ضد الشيعة من قبل المؤسسة الدينية الوهابية: أي محاولة لاتخاذ إجراء قوي ضد هذه المؤسسة من شأنه أن يقوض الأسس التي يقوم عليها النظام الملكي.

عدم الاستقرار الداخلي المحتمل في المملكة السعودية لا يقتصر على التوتر بين السنة والشيعة. العديد من الأسباب التي أدت إلى احتجاجات في «جمهوريات» في العالم العربي، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية، والبطالة بين الشباب، والرغبة في التوزيع العادل للموارد، والتطلع نحو الحرية الشخصية هي أيضا حاضرة اليوم في المملكة السعودية. هذا التراكم من التحديات الداخلية في وقت الاضطرابات الإقليمية مسؤول عن تسريع الأوضاع التي من شأنها في نهاية المطاف أن تهز بشدة استقرار المملكة وتغيير وجهها.

على أية حال، ليس من المتوقع إجراء إصلاحات سياسية كبرى بصورة طوعية في المملكة السعودية، كما لا يميل الحكام الشموليون عموماً نحو التخلى عن النفوذ. علاوة على ذلك، منذ بداية الاضطرابات في الشرق الأوسط ، فإن حكام المنطقة مذعورون من الثورة، بما في ذلك حكام السعودية ولذلك تبنوا سياسة قمع قاسية. صدرت قوانين صارمة في المملكة ضد الإرهاب والجرائم الإلكترونية، لتوفير أرضية مناسبة لحبس المتظاهرين السلميين، وفرض قيود على حرية الإعلام وحرية التجمع. الجهود لمشاركة المواطنين في صنع القرار كانت ضئيلة، ومحدودة، وتترافق مع تدابير قمعية، وبالتالي القضاء على الأهمية العملانية المباشرة لهذه الجهود، ولكن ليس الإمكانيات الثورية الكامنة في نفاد صبر سكّان المملكة.

التحديات الخارجية

التهديد الخارجي المباشر الذي يواجه المملكة السعودية، على الرغم من كونه ليس تهديداً وجودياً، هو الحرب الدائرة في اليمن. وعلى الرغم من الإنجازات الأولية للتحالف الإقليمي (العربي) بقيادة السعودية، فإن الحملة لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة، والتي تشمل نزع سلاح الحوثيين الشيعة. يبقى الحوثيون راسخو الأقدام في معظم أراضي «اليمن الأساسية» - المناطق الخاضعة تحت سيطرتهم، والتي تضم أكثر سكان البلاد، الحدود السعودية، وتحتوي على الموارد الحيوية - رغم الهجمات الجوية والبرية المتكررة من قبل قوات التحالف ضد أهداف تابعة للحوثيين وحلفائهم.

حتى لو كانت المحادثات جارية في الكويت بين الأطراف المتنافسة تنتهي إلى الاتفاق، فإن اليمن سوف يكون بعيداً كل البعد عن الاستقرار على المدى الطويل. بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية التي قسّمت النسيج السياسي الهش في البلاد، من الصعب أن نتصور أي قوة سياسية أو عسكرية الحفاظ على السيادة وحكومة فعالة في أراضي البلاد، أن الحوثيين أنفسهم ومن المتوقع أن يشكلوا في المستقبل تهديداً كبيراً لجنوب السعودية. لهذا السبب، من المرجّح أن تستمر السعودية في لعب دور رئيسي في اليمن، والتي سوف تبقى ساحة للصراع والتنافس بين مختلف القوى الإقليمية والمحلية.

السعودية تواجه أيضا تحديات كبيرة خارج المسرح اليمني. الإتفاق النووي الذي وقعته القوى الكبرى مع ايران في صيف عام 2015، ورفع العقوبات ضد إيران أثارت القلق في الرياض وباقي دول الخليج من أن ايران سوف يكون لديها موارد تمكّنها من توسيع نشاطها التخريبي في المنطقة. لم يكن هناك أي تطور دراماتيكي في هذا الإتجاه، ولكن يخشى أن سياسة إيران الإقليمية سوف تصبح أكثر عدوانية. إذا كان الأمر كذلك، فإن المواجهة بين المملكة السعودية وإيران تفترض طابعاً أكثر مباشرة بما يعرض المملكة للخطر. في أي حال، ما دامت قواعد وحدود اللعبة الحالية موضع احترام الطرفين، فإن المملكة تفضل مواصلة شن الحروب ضد إيران بالنيابة ومحاولة تشكيل جبهة سنية واسعة ضد التهديد الإيراني، حتى لو كان هذا الصعيد حالياً يبدو هشاً نوعاً ما، وبعيدا عن الرؤية السعودية إزاء جبهة سنيّة عربية موحدّة.

في الوقت نفسه، مما أثار استياء القيادة السعودية أن الولايات المتحدة لا تزال تظهر إشارات على الرغبة في تقليص التزاماتها في الدفاع عن حكومات المنطقة. على مر السنين، كانت الأسرة المالكة تنظر الى الولايات المتحدة كدعامة ثابتة للدفاع عنها، على الرغم من الاختلافات في المصالح والأهداف السياسية.

مع ذلك، وخلال سنوات عهد أوباما، تمّ تقويض هذه القناعة. فالخلافات بين الطرفين تطوّر بصورة حادة بخصوص السياسة الأميركية إزاء نظام الأسد والتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، وبلغت ذروتها في الانتقادات العلنية.

وفي الوقت نفسه، فإن مجموعة من التحديات التي تواجه الأسرة المالكة تسلط الضوء على مصلحة الولايات المتحدة في الحفاظ على الاستقرار في المملكة.

وعلى الرغم من الخلافات، يبدو أن واشنطن تفضل استقرار العائلة المالكة، ولو من باب معرفة العواقب المحتملة لسقوطه وظهور الفوضى في المملكة، المترافق مع تدعيات إقليمية. مثل غيرها من الأنظمة في الشرق الأوسط، فإن النظام الملكي السعودي يولي اهتماماً بمستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وعما إذا كان يشكل بداية القطيعة و «الاتجاه نحو الشرق الأقصى»، أو ما إذا كان سيتم تصحيح انحراف إدارة أوباما تحت الإدارة المقبلة.

في حال استمرت الولايات المتحدة في تحويل نظرها من المنطقة، فإن التحدي الأشد أهمية بالنسبة للمملكة السعودية هو التعامل مع النتائج المترتبة على ما بعد أمريكا في الشرق الأوسط. ويبدو أن العائلة المالكة بدأت تستعد لمثل هذا الاحتمال، كما هو مبيّن في تبنيها لسياسة أكثر حزما واستقلالاً مما كانت عليه في الماضي، وفي بعض الأحيان متعارضة مع المصالح الأمريكية، في حين تحاول تحسين علاقاتها مع روسيا والصين.

استنتاج

على مر السنين كان النظام الملكي السعودي قادراً على التعامل مع التحديات الداخلية إلى حد كبير نظراً لقدرته على تحقيق توافق في الآراء بين صناع قرارها، وتخفيف حدة التوترات الداخلية، وشراء الدعم الخارجي من أرباح النفط. أما اليوم، فإن عجزها يتنامى، وبات من الصعب على نحو متزايد تحقيق توافق في الآراء بين الأمراء. وأصبح لديها وإلى حد كبير عرض برجل واحد هو محمد بن سلمان. بالإضافة إلى ذلك، ليس بمقدور المملكة أن تعزل نفسها عن الحروب المحيطة، كما فعلت في الماضي. فهي اليوم منغمسة، وبصورة متعمدة في كثير من الأحيان، في الصراعات الإقليمية التي تؤثر أيضا على الساحة الداخلية.

إن المضي قدماً في رؤية السعودية 2030 يشكل تحدياً وطنياً من الدرجة الأولى، وكذلك تحدٍ شخصي لمحمد بن سلمان. المنافسون من داخل الأسرة المالكة غير راضين عن سلطته المتعاظمة وهم مرشحون لأن يقفوا في طريقه، وكذلك أطراف في التيار الديني المحافظ الخائفين من الانفتاح المفرط، لا سيما في المجالات الاجتماعية من الخطة. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الأمير يكسب دعم الشباب في المملكة الحريصين على التغيير. عبء الإثبات يقع على عاتقه - فضلا عن الجمود الدموي في اليمن. فشل الخطة الاقتصادية سيضر ليس فقط سمعته الشخصية وفرصه في وراثة العرش، وإنما أيضا سوف يدفع المملكة إلى الهاوية - وزعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

على كل حال، لا يمكن التنبؤ متى تحصل نقطة التحول. صنّاع القرار في إسرائيل وفي أماكن أخرى عليهم فهم التغيرات التي تحصل في المملكة، والتي قد يكون لها عواقب على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وما وراءه. فإلى جانب الفرص التي تتيحها العديد من المصالح المشتركة مع المملكة السعودية والتغير الملحوظ في موقفها تجاه إسرائيل، فإن المخاطر ومدى التوقعات المجدية حول التعاون يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. على سبيل المثال، كلما كانت المملكة السعودية ضعيفة داخلياً، وبالتأكيد كلما بقي انسداد الساحة الاسرائيلية الفلسطينية قائماً، فإن النظام السعودي سوف يكون أقل قلقاً حول الرأي العام في الداخل، وبالتالي سوف يكون قادراً على التعاون مع إسرائيل.

الصفحة السابقة