في جولته الآسيوية..

محاولة اغتيال الملك سلمان في ماليزيا

عبد الوهاب فقي

زيارة الملك الآسيوية والتي شملت ماليزيا وأندونيسيا وبروناي واليابان ويفترض ان تشمل الصين، لتستقر طائرات الملك في النهاية في المالديف حيث يكمل بقية إجازته.. هذه الزيارة التي ستستغرق شهراً أو أكثر.. طرحت الكثير من الأسئلة، وهذه المقالة تحاول الإجابة عن بعضها.

لماذا الإتجاه شرقاً؟

سؤال طرحته الواشنطن بوست، وطرحه كثيرون. الفكرة الأساس، بالنسبة للصحيفة، هو ان السعودية تريد أن تقوّي علاقاتها مع الصين، التي زارها محمد بن سلمان العام الماضي، والأخير يريد اقتفاء أثر محمد بن زايد، في الموضوع الاقتصادي وغيره.

السعودية تريد دوراً سياسياً للصين، يعوّضها عن غياب الدور الأمريكي النسبي وتقلص اهتمامه بالمنطقة، او لنقل يعوضها ولو جزئياً عن الحماية الأمريكية؛ خاصة وأن ترامب، الرئيس الجديد، ما فتئ يهدد مطالباً بتدفيع ال سعود (الجزية) ثمناً للحماية الأمريكية.

واضح ان حماسة امريكا لحماية آل سعود قد انخفضت منذ اواخر عهد بوش. وهي نفس الفترة التي بدأ فيها نجم السعودية ينخفض بوتيرة عالية، بسبب انخراطها في نشر العنف الوهابي الأعمى الى كل أصقاع الكون، فضلاً عن ان مكانة السعودية الإستراتيجية قد تقلصت في عيون الغربيين، وبالتالي تقلّص حجم الإهتمام بحمايتها، دون ان يتخلوا بالطبع عن مبدأ الحماية، الذي صارت أكلافه عالية الثمن هذه الفترة.

 
الرئيس الأندونيسي يستقبل الملك سلمان

فلتكن الصين، جزئياً؛ والصين رغم أنها مهتمة بالجوانب الإقتصادية، إلا أن بعض التعاون العسكري قد تمت ملاحظته في العام الماضي، حيث دأبت السفن الحربية الصينية على التوقف في الموانئ الخليجية عامة، وبينها السعودية. كذلك فإن الصين أقامت مناورات عسكرية/ أمنية مشتركة مع القوات الخاصة السعودية استمرت لاسبوعين.

وكانت الرياض مهتمة بدور متميز للباكستان لحمايتها، وللمشاركة في حروبها في اليمن أو حتى ضد ايران. بيد أن الرياض تلقت لطمة برفض شعبي ورسمي باكستاني المشاركة في الحرب ضد اليمن.

وأيضاً كانت الرياض تؤمل ان توفر لها مصر بعض الاطمئنان، لكن السيسي لم يقدم على شيء ذي قيمة حتى الآن، رغم مشاركة البحرية المصرية في الحرب ضد اليمن.

الإتجاه شرقاً، له بعده الإقتصادي أيضاً، فالسعودية تبحث عن أسواق لنفطها، حيث المنافسة مشتدّة كثيراً بين مصدري النفط. والى حدّ ما تبحث الرياض عن استثمارات في تلك الدول، وهو ما ترحب به تلك الدول، مع ان رؤية محمد بن سلمان، يفترض ان تركز على جلب الإستثمارات الى داخل السعودية، وليس تصديرها خارجاً.

والإتجاه شرقاً له بعدٌ عقدي، فيما يتعلق بأندونيسيا وماليزيا، حيث نشر الوهابية، وحيث يعاني البلدان من تصاعد أعمال داعش في السنوات الأخيرة، وحيث ان دول الإتحاد الأوروبي، كما الهند، تحذّر مراراُ من حقيقة مواصلة الرياض نشر عقيدتها المتطرفة الى دول جنوب شرق آسيا، اضافة الى بنغلاديش، ما يجعل المنطقة ملتهبة بشكل كبير.

ومعلوم ان السعودية تروج لعقيدتها المتطرفة كجزء أساس من سياستها الخارجية. وحسب الصحف المحلية الاندونيسية، فإن لدى آل سعود استثمار آخر غير الإقتصاد، وهو في الثقافة والمعتقد الأندونيسي الصوفي المعتدل. واشارت الصحف الى أن الرياض ومنذ ١٩٨٠ صرفت مئات الملايين من الدولارات، لتصدير نسختها من الوهابية، فبنت نحو ١١٠ مركزاً ومسجداً، كما أسست جامعة دينية لنشر المعتقدات الوهابية، وزودت مئات المدارس بالكتب الدينية لمشايخ الوهابية، وهي لاتزال مداومة على إرسال البعثات الدينية، وأساتذه العلوم الدينية الوهابية. وهذا ما يجعل النخبة الأندونيسية قلقة من انتشار الوهابية العقدي، وأن يكون مصيرها يشابه مصير الباكستان التي ضربها طاعون العنف الوهابي، ولا يُرجى لها الاستفاقة او الشفاء منه عمّا قريب.

وأخيراً، فإن الإتجاه شرقاً، له بعدٌ سياحي؛ ففي العام الماضي، كانت وجهة الملك سلمان الى كان بفرنسا، واختار شاطئ العراة، وقامت الضجة ضده في فرنسا كما في السعودية نفسها، ما جعله يختصر رحلته السياحية ويغادر الى طنجة بالمغرب. وقد كان التوجه شرقاً للسياحة، محاولة للإبتعاد عن الفضائح، فالشرقيون كتومون ولا ينشرون فضائح الأمراء. وقد سبق للأمير محمد بن سلمان، ان قضى اجازة في المالديف، وجاء بالفنانين الغربيين ـ بمن فيهم المغنية شاكيرا ـ وصرف ملايين الدولارات في بضع ليال فقط.

الملك سلمان، وبعد أن أنهى زيارته الرسمية الى جاكرتا، قرر أن يمضي نحو تسعة أيام للسياحة في منطقة بالي (٤ الى ١٢ مارس)، وهي أشهر منطقة سياحية اندونيسية، وسبق ان فجرت فيها القاعدة وقتلت العشرات. في بالي، جندت الحكومة له ما يربو عن ألف حارس أمني؛ كما استقبله السكان المسيحيون في المطار بالورود، وأدوا الرقصات فرحاً بقدومه الى مطار بالي، بل ان قسيساً كان يتكلم العربية، أعجب به الملك حين رآه في الإستقبال.

 
الملك الجاهل يحصل على دكتوراة فخرية في الآداب!

عشرات الطائرات الملكية جاءت الى مطار بالي، وبينها طائرات تحمل عائلة الملكة وحاشيتها، هذا غير الطائرات التي رافقت الملك في زيارته، والمحملة بخمسمائة طن من الحقائب والعفش. وقد وجد المسؤولون الاندونيسيون صعوبة في الحصول على شواطى وفنادق وشاليهات مناسبة للمقام الملكي وحاشيته الكبيرة.

وينتظر ان يختم الملك سلمان جولته في آسيا، بالذهاب الى المالديف، حيث يقضي بقية عطلته. والغريب ان توتراً داخلياً حدث في المالديف نفسها، على خلفية بيع إحدى الجزر (Faafu Atoll) للسعودية كي تقيم عليها مطاراً وميناءً وتبني مساكن وفنادق ومنتجعات وشاليهات، وتحول الجزيرة غير المسكونة، الى مدينة حية سياحية، على شاكلة دبي حسب زعمهم.

عبدالله يامين رئيس المالديف ـ وحين حوصر باتهامات الفساد مع آل سعود ـ كذب على شعبه حين قال بأنه لم يبع الجزيرة، وقال ان القضية مجرد استثمار سعودي. والهند غضبت من بيع الجزيرة لما له من تداعيات امنية حين يقدم السعوديون ومعهم عقائدهم العنفية.

المعارضة المالديفية التي يمثلها الحزب الديمقراطي، عارضت المشروع السعودي، ووصفته بالنص بأنه (مشروع استعماري يزحف على المالديف)، وقالت بأن المالديف زاد فيها التطرف بسبب نشر الوهابية، وان هناك ما يزيد على مائتي شخص مالديفي غادروا البلاد وانضموا الى داعش في سوريا.

ورد الحزب المالديفي المعارض بأن من الأجدر (ان يقيم السعوديون مشاريعهم السياحية في بلدهم، ونحن لا نريد ان نكون مثل دبي، يكون فيها مواطنونا مجرد أقلية تمثل أقل من ثلث عدد السكان). وبسبب هذه التصريحات، هاجمت السلطات المالديفية مقر الحزب المعارض، واعتقلت عدداً من أعضائه، وعدداً آخر من الصحفيين، واتهمتهم بخرق الدستور وعدم احترام الملك سلمان. تجدر الاشارة ان السعودية فتحت ولأول مرة لها سفارة في المالديف في أغسطس الماضي.

هل جرت محاولة اغتيال للملك في ماليزيا؟

قبل أيام من وصول الملك سلمان الى كوالالمبور، المحطة الأولى في جولته الآسيوية، أعلنت السلطات الأمنية على لسان الجنرال خالد ابو بكر، بأن قسم مكافحة الإرهاب الماليزي، اعتقل سبعة أشخاص كانوا يعدّون سيارة مفخخة لقتل الملك سلمان: أربعة منهم يمنيون، وماليزيان، وأندونيسي. واضافت المصادر الأمنية الى أن هؤلاء كان يعدون العدة لمغادرة ماليزيا بعد القيام بالعملية، ومن ثم الإنضمام الى داعش في سوريا.

ينبغي التنبية الى ان الوفد الملكي يضم عشرة وزراء سعوديين، وخمسة وعشرين أميراً، ومجموع الحاشية يفوق ١٥٠٠ شخصاً، وقد جاء الوفد في تسع طائرات ضخمة، وكانت تحمل عفشاً زنته خمسمائة ألف كيلو غرام. كما أن ٢٣ طائرة اخرى التحقت بالملك، هذا غير تلك التي التحقت به بعدئذ الى اندونيسيا والتي حملت عائلته.

وبشأن محاولة الإغتيال، يبدو أنها صحيحة. لكن هذا لم يمنع آل سعود من تحويلها الى جزء من حملتهم الإعلامية ضد خصومهم .. ولكن يا للغرابة في اليمن.

 
رئيس وزراء ماليزيا المرتشي، يستقبل الرّاشي!

كل العالم يعرف ان داعش كانت وراء المحاولة، والصحف الغربية كما صحف جنوب شرق آسيا، واستراليا، كلها قالت أن المحاولة وراءها داعش. صحيفة وول ستريت جورنال، ومجلة نيوزويك، قالتا ان داعش وراءها اعتماداً على تصريحات القيادات العسكرية والأمنية الماليزية.

لكن المفاجئ ان الصحف السعودية، والإعلام السعودي، ومواقع التواصل السعودية التابعة لجهاز المباحث في وزارة الداخلية، كلها قالت ان وراء المحاولة هم (الحوثيون)، وزادوا بعد ان انفضح كذبهم ان قالوا بأن الحوثيين نسقوا مع داعش في المحاولة.

لماذا تقوم صحيفة مثل عرب نيوز السعودية لتبرئ داعش وتلصق التهمة باليمن الذي يعاني من العدوان السعودي، والمحاصر براً وبحراً وجوا، والمجوّع والذي يقصف يومياً بقنابل عنقودية غربية؟

لماذا والرياض متهمة بدعم الدواعش وعقيدتهم لم يستفيدوا من الحدث ليظهروا أنفسهم كمعارضين لداعش وأنهم ضحايا لها كما كانوا يفعلون؟

لا يوجد الا تفسير واحد، وهو ان الرياض يهمها الحرب في اليمن قبل أي حرب أخرى. وان اتهام اليمنيين بمحاولة اغتيال الملك وتبرئة داعش، غرضه اعطاء مبررات اضافية لاستمرار العدوان السعودي على اليمنيين، وتحشيد العالم الذي تنبه متأخراً على مآسيه ومجاعته بسبب الحصار السعودي.

أكثر من هذا، فإن قنوات سعودية، وجهت تهمة محاولة اغتيال الملك، الى إيران، في حين زعم معارضون سعوديون بأن أصل خبر اغتيال الملك كان مفبركاً وغير صحيح. فيما نسب آخرون فبركة الخبر الى تواطؤ سعودي مع رئيس وزراء ماليزيا نجيب رزّاق الذي سبق ان رشاه السعوديون بـ ٦٨١ مليون دولار، في فضيحة شهيرة قبل عام ونصف، ولا تزال تداعياتها قائمة الى اليوم، ولم يجد رزاق الا القول بأن ما جاءه على حسابه البنكي الشخصي، مجرد هدية سعودية!

ما هي الأبعاد الإقتصادية للزيارة؟

في ماليزيا، حصل الملك على شهادة دكتوراة فخرية في الآداب من احدى جامعاتها، وهو الذي لم ينهي السنة الثالثة الإبتدائية من دراسته!

وفي ماليزيا، عرضت الحكومة السعودية على الماليزيين ان يشتروا حصة من شركة أرامكو، التي يزمع بيع خمسة بالمائة من اصولها قريباً (ما سيتم بيعه كلياً هو ٤٩٪)، وتفاوضت مع شركة النفط الماليزية (بتروناس) بشأن ذلك.

لا يبدو ان الماليزيين قد اهتموا بالعروض الاقتصادية السعودية. فالرياض ليس لديها سوى تصدير: النفط والإرهاب الوهابي!

وقد تدنّى مستوى مطالبتهم الى حد ان كل ما أرادوه من الملك، هو تحسين معاملة حجاجهم ومعتمريهم في الأراضي المقدسة، ومنحهم موقعاً خاصاً بهم، يشترونه بأموالهم!

وعموما انتهى الأمر في ماليزيا الى توقيع مذكرات تفاهم اقتصادية ليس أكثر.

في أندونيسيا لم يكن الأمر سيّان.

فهي دولة كانت الى وقت قريب عضواً في أوبك، ثم انسحبت بعد أن أصبح انتاجها النفطي لا يغطي سوى استهلاكها المحلي، ولم يعد لديها فائض من الانتاج للبيع.

ومع ان اندونيسيا تبدو كبلد ناهض اقتصادياً وبسرعة، فإن كل ما أملوه هو زيادة التبادل التجاري بين البلدين، وهناك اوهام برفع التبادل من مليار الى ٢٥ مليار سنوياً!

الشيء المؤكد هو ان اندونيسيا ناقشت الملك السعودي بشأن العمالة الأندونيسية التي تم منعها رسمياً من قبل الحكومة الأندونيسية نفسها، خاصة عاملات المنازل، وذلك بعد الاعتداءات الجسدية والجنسية على الكثيرات، بل وقتل الكثير منهن، واعدامهن بالسيف، الأمر الذي أدى الى قيام تظاهرات احتجاجية عديدة في جاكرتا امام السفارة السعودية.

الرياض كانت تعتقد انها ستأتي ببدائل، من الهند او الحبشة او اذربيحان او غيرها.

ولكن معاملة السعوديين لعاملات المنازل لم تتغير رغم تعديل الإتفاقيات مع الدول المصدرة كالفلبين، التي سُرقت حقوق عاملاتها، وهرب الكثير منهن الى سفارة بلادهن في الرياض، والى القنصلية في جدة.

لا يبدو ان رحلة الملك الآسيوية ستسفر عن تبادل تجاري واقتصادي وعن تحول في العلاقات، بقدر ما هي محاولة لإلفات نظر الغربيين بأن لدى الرياض بدائل للحماية والاستثمار.

نحن بانتظار ما ستسفر عنه زيارة الملك لليابان التي بدأت، ومن ثمّ الصين. فإذا كانت هناك مشروعات اقتصادية حقيقية فستظهر بين هذين البلدين تحديداً.

الصفحة السابقة