عنفٌ سلطوي أعمى، وفقر متصاعد؛ وانبعاث داعشي!

(قتل) الدولة الريعية وارتداداتها الكارثية على النظام والشعب

محمد فلالي

حين يُنصح الأمير محمد بن سلمان (صاحب الرؤية العمياء 2030)، بأن التخلّي عن (الدولة الريعية) واعتماد نظام الضرائب على كاهل المواطنين، أمرٌ ليس بالهيّن، وأن له مخاطر على نظام الحكم السعودي نفسه، وبالتالي ينبغي التدرّج الحذر في فرض الضرائب، كما ينبغي البدء بإصلاحات سياسية كبيرة؛ واعتماد نظام شفافية عال؛ ومحاسبة حقيقية على أموال الدولة..

حين يقال هذا للملك غير المتوج محمد بن سلمان، فإن الردّ ـ حسب بعض المقربين ـ هو: هذا تهويل، وقد قامت الدولة بأمور كثيرة لم تعجب المواطنين، ومع ذلك لم يحدث ما توقعه المحللون. ويضيفيون: ثم إن ما تفعله الحكومة، يفعله الغرب نفسه، حيث الضرائب المتصاعدة، فلماذا تنجح الأمور هناك ولا تنجح هنا؟ زد على ذلك، يقول هؤلاء، فإن الدولة لازالت ممسكة بالأمن، وتستطيع ان تواجه أية انشقاقات او اعتراضات. هذا الجزء الأخير، قاله محمد بن سلمان لبلومبيرغ، وليس فقط تداوله الإعلام المحلي، ولو بشكل سطحي.

فشل تسويق رؤية ٢٠٣٠ شعبياً
 
 اجتماع الضرائب مع القمع مع الحرمان السياسي يشكل كتلة متفجرة بوجه النظام

 آلة الدعاية الحكومية لم تكن فاعلة في إقناع المواطنين بأن الضرائب مفيد له وللدولة ولمستقبله ومستقبل أبنائه. ثم إن القول بأن الأزمة (مؤقتة) غير صحيح بتاتاً، بالنظر الى مستقبل أسعار النفط؛ وبالنظر الى حقيقة ان الخطة العمياء مداها الى عام 2030؛ وأيضاً بالنظر الى حقيقة ان السلوك الحاكم لأمراء العائلة المالكة لم يتغير، فمن نهب موارد الدولة من اراض ونفط واستثمارات، الى نهب جيب المواطن وإرهاقه بالضرائب، والسلوك واحد: فساد وإثرة، ولعب بالأموال بشكل علني، وشراء جزر ويخوت وغيرها، ولا أدلك على ذلك تصرفات الملك سلمان في زيارته الآسيوية الأخيرة، حيث اصطحب معه اكثر من 1500 شخص كحاشية، فهل هذا سلوك مسؤول ـ أعلى مسؤول ـ في دولة تعيش أزمة اقتصادية؟

مقولة (نفعله ما يفعله الغرب) غير صحيحة أيضاً. ففي الغرب ضرائب لا شك؛ ولكن هناك خدمات مقابلها، للعاطلين عن العمل، والباحثين عن السكن، وهناك شفافية ومحاسبة، والأهم هناك نظام ديمقراطي ورأي للناس فيمن يدير سياسة الدولة. اما محمد بن سلمان ـ ٣١ عاماً ـ فلا يفقه في شيء رغم انه يسيطر على كل مفاصل الدولة تقريباً. فلا هو يفقه في العسكر، حتى يصبح وزير دفاع، ولا في الإقتصاد، وليست لديه تجربة ادارية سابقة، ولا هو يفهم آليات التحول الإجتماعي.

حين يطرح المواطنون الشعار المشهور: لا ضرائب بدون تمثيل سياسي، او حتى العكس، لا تمثيل سياسي بدون ضرائب (No Taxation No Representation).. فإن محمد بن سلمان كما بقية الأمراء، يرون بدائل أخرى، من قبيل: زيادة القمع واخماد الأنفاس، حيث تشهد البلاد قمعاً وإعدامات لم تحدث في تاريخها منذ اعلان تأسيسها 1932. ثم وضع الأمير محمد بن سلمان ملهاة للمواطنين، هي في واقع الأمر ملهاة للنظام نفسه، كونها تمثل حالة متقدمة من خداع الذات.

فقد أقدم محمد بن سلمان ـ لتمرير سياسته الضرائبية عالية التكاليف ـ على تخفيض نشاط وصلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي هيئة مكروهة شعبياً، وتمثل عصا اجتماعية يضرب بها النظام خصومه، والآن استخدم الخصوم السابقين لضرب رجال الهيئة بعد ان استنفذ أغراضه منهم ـ والى حين فقط. وعمد ـ ابن سلمان ـ بالمقابل الى تأسيس هيئة ترفيه لإلهاء المواطنين، فجلب المغنين والحفلات الموسيقية وغيرها، على أمل ان يشعر المواطنون بالتحوّل الاقتصادي العجيب. لكن أكثر المواطنين ليس لديهم وقت للترفيه، ولا حتى مال للترفيه، وزيادة على ذلك، فإن مشايخ النظام الذين طالما قمعوا المواطنين، وضيقوا دائرة الحلال، بحجة سد الذرائع، وجدوا فيما تقوم به هيئة الترفيه، ما يشبه الكفر البواح، فانتقدها بعضهم، لكن الأمراء وضعوهم في السجون، مثل امام الحرم النبوي الشيخ حسين آل الشيخ؛ والقاعدي الشيخ عصام العويد، صديق شرعي جبهة النصرة السعودي عبدالله المحيسني. هذا يعني، أن النظام بدأ بلعبة خطرة، حيث نقل المعركة الى دائرته الضيقة، ووضع شرعيته ـ حتى ضمن الحريم الوهابي النجدي الأقلوي ـ موضع التهديد، فهو جاء لحل مشكلة، فخلق أخرى بتوسعة دائرة العنف لتشمل محازيبه من الوهابيين وغيرهم.

إذن، لا توجد عوامل مساعدة لتسويق رؤية 2030، ولا يوجد قبول شعبي مطلقاً لقرارات السلطة، بفرض الضرائب المتنوعة والمتصاعدة، وتعميق الأزمات القائمة، كالإسكان والصحة والتعليم والبطالة وغيرها.

كل الحل الذي يتبناه الأمراء يتلخص في:

ـ لا إصلاح سياسي.

ـ توسعة فضاء القمع الأمني.

ـ هيئة ترفيه لشعب يعاني في حياته اليومية.

آثار انعكاس انهيار الدولة الريعية
 
النهب الملكي مستمر رغم الازمة، والآن تُنهب جيوب المواطنين

 الدولة السعودية تمرّ بأخطر مراحلها.

هذا كلام قلناه مراراً.. والسبب أن (القاع لا نهاية له)؛ فكلما توقعنا الوصول الى نهاية القاع، وجدنا تحت القاع قاعاً آخر!

يمكن اختصار المستقبل القريب للسعودية في العناوين التالية:

1/ انسداد سياسي متواصل، وقمع للحريات غير مسبوق ـ حتى البديهي منها ـ وتواصل الصمت حول موضوع الاصلاح بمختلف اشكاله السياسية والقضائية والتعليمية والفكرية والادارية الى أمدٍ غير محدود، وبلا أمل في حدوثه حتى.

2/ فقرٌ مدقعٌ يتوسع، وانكماش هائل في الطبقة الوسطى، مع ما يسببه ذلك من تصاعد في الجريمة بشتى أشكالها، وفرار المواطنين خارج البلاد بحثاً عن عمل او حياة أفضل (حتى الآن وحسب الاحصائيات الرسمية، هناك مليون مواطن يعيشون في الخارج). وسيتواصل الفقر والفرار بشكل متصاعد، لأن الأمير محمد بن سلمان لم يطبق سوى 15% من الضرائب التي ينوي تطبيقها.

3/ تذمر شعبي، وانفجارات عنف مناطقية، كانعكاس لتدهور شرعية النظام، حتى في دائرته الوهابية النجدية، بسبب الازمة الإقتصادية وتوابعها السياسية وتواصل القمع الأمني.

4/ انبعاث القاعدة وداعش على وقع الهزيمة السياسية لكليهما في سوريا والعراق وربما اليمن ايضاً، وأيضاً على وقع الأزمة الإقتصادية، والفشل السياسي السعودي المتواصل إقليمياً ودولياً. لقد قبلت القاعدة وداعش في مصنعهما المحلي النجدي، تخفيف الإصطدام مع ال سعود، طالما أن الأخيرين يخوضون معركة أهم بنظرهم: ضد الشيعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن فشل النظام في حروبه الخارجية، ثم انقلابه مؤخراً لدعم الحرب على داعش وعلى قاعدة اليمن، أدّى الى انهاء الهدنة المؤقتة، ولهذا شهدنا عنفاً متجدداً، حذّر منه بعض كتاب النظام في صحفه المحلية والخارجية.

5/ هذا كلّه يعني ـ وكما هي واضحة المؤشرات اليوم من سخط متعاظم، وتصاعد جريمة وقمع متواصل ـ أن البلاد دخلت مرحلة أخرى متصاعدة من عدم الإستقرار الأمني والسياسي، وأن آل سعود كحكام، سرعان ما سيكتشفون بأن الولاء لهم حتى من قبل النجديين والوهابيين (وهم أقلية سكانية)، كان مؤسساً على العطايا، التي تقدمها الدولة الريعية، ولم يكن حبّاً وولاءً لآل سعود بأشخاصهم وتاريخهم، ومزاعمهم بتطبيق الشريعة وغيره. حتى مشايخ الوهابية، وبينهم من هدد المواطنين بتكسير الجماجم اذا ما عارضوا آل سعود (سعد البريك مثالاً)؛ هؤلاء الذين يروجون لطاعة السلطان، وأنها من طاعة الرحمن، حتى وإن سرق السلطان مالك، وجلد ظهرك.. هؤلاء هم أنفسهم ـ وحين تتقلّص العطايا، سيزداد تعبيرهم عن السخط، وسيشرعنون العنف ضد آل سعود، بأكثر مما فعلوا من قبل.

 
أمير أعمى يقدّم رؤية عمياء قد تفضي الى زوال الحكم السعودي

وعموماً، فإن الربط بين تدهور الأوضاع الإقتصادية وتدهور الأوضاع الأمنية، من جهة تزايد معدلات الجريمة أمرٌ مألوف في الأبحاث السياسية والإجتماعية. كذلك فإن الربط بين تدهور الأوضاع الإقتصادية من جهة ومجريات الأحداث السياسية وأيضاً تطور النظم السياسية أو انهيارها.. صار من البديهيات السياسية، ولا نأتِ هنا بجديد في هذا الأمر. لا نستطيع أن نفصل الموضوع الإقتصادي وآثاره السلبية أو الإيجابية على الحالة الأمنية وحدها دون النواحي السياسية.

ومن سوء حظ مملكة آل سعود، أن تراجع الأوضاع الإقتصادية جاء بشكل سريع في وقت، ما سبب إرباكات نفسية وسياسية واجتماعية لاتزال تحفر جذورها عميقاً في المجتمع. يقال بأن عدداً من الثورات، وبينها الثورة الفرنسية والأميركية، جاءت بعد فترة زمنية طويلة من الرخاء والإستقرار الإقتصادي، وقد أدّى الإنكسار الإقتصادي المفاجئ الى إشعال ثورات أطاحت بالنظم القائمة. وتعود كثير من التحولات السياسية في العالم الثالث من انشقاقات وحركات انفصال ومظاهرات خبز، الى عوامل مختلفة ولكن العامل الإقتصادي هو الطاغي بينها.

بيد أن المسألة قد تكون أعقد من ذلك في بلدٍ كالمملكة، فالقاعدة، ولكل قاعدة شواذ، أن التطور الإقتصادي الإيجابي يقود الى إصلاح سياسي وتطوير في المؤسسات السياسية وزيادة المشاركة الشعبية. فللإزدهار الإقتصادي علاقة وثيقة بالتطور السياسي الإيجابي، ولذا نرى أن أغلب الدول الديمقراطية هي أيضاً دول غنية. فهل قاد غناها الى تطور في بنائها السياسي؟ أم كان تطور بنائها السياسي قادها الى الإزدهار الإقتصادي؟.

هناك نظرية تقول بأن الغنى صنو الديمقراطية، صنو التعددية الثقافية والسلم الإجتماعي. فغنى الدولة والأفراد يعني تطوراً في التعليم والثقافة والفكر، وهذا يقود بنحو أو آخر الى توسع الطبقة الوسطى ـ حاضنة التغيير ـ ومن ثم الى المطالبة بالإصلاح السياسي، والضغط باتجاه التغيير، حتى الراديكالي منه. كما أن الرخاء الإقتصادي يجعل المواطنين أقلّ ميلاً لاستخدام العنف، ويجعل السلطات بالمقابل أقلّ عدوانيّة.

ولكن.. وكما قلنا، لكل قاعدة شواذ! فالصين الديكتاتورية تشهد ولسنوات عديدة نمواً اقتصادياً هو الأعلى بين دول العالم قاطبة. قد يفرض الفقر والتراجع الإقتصادي تحولاً نحو التغيير السياسي، وقد يكون الغنى ـ كما كان في المملكة ـ أداة لتعويق التطور السياسي، شأنها في ذلك شأن عدد من الدول الريعية التي تعتمد في دخلها الأساسي على مصادر غير مملوكة لأشخاص أو شركات، وتستخدمها الدولة في برامجها الإجتماعية والإقتصادية. فالمال كما أثبت في المملكة، قد يكون بديلاً، ولو مؤقتاً، عن التغيير السياسي والمشاركة السياسية، او على الأقل يمكن القول بأن الدولة الريعية في السعودية أخّرت المطالبة بالإصلاح السياسي وغيره. ذلك أن سنوات الوفرة المالية كانت قادرة على امتصاص بعض التشنّجات لدى الأفراد والجماعات والمناطق (مع ملاحظة أن التحديث السريع كانت له آثاره السلبية أيضاً). وكان المال قادراً الى وقت قريب، وربما لازال نسبياً، على (تجبين) النخب كما الأفراد العاديين، من خلال الإستيعاب المتواصل في الجهاز البيروقراطي الحكومي (التوظيف) ومن خلال تلبية الطموحات المادية لدى الأفراد.

أيضاً أدّت الوفرة في المملكة الى أمرين مهمين: ١/ توسيع سلطان مؤسسات الدولة وانتشارها، وتقوية جهازها الأمني والعسكري.. ٢/ وتوفير قاعدة أخرى لشرعية النظام السياسي على قاعدة (شرعية الإنجاز المادي). كل هذه الأمور أصابها الإهتزاز بفعل تقلّص إيرادات الدولة، الى أن جاء الملك سلمان وإبنه فحفرا للدولة الريعية قبراً ودفناها فيه واستخرجا لها شهادة وفاة.

لن تعود الدولة الريعية كما كانت حتى مع الزيادة النسبية القليلة لمداخيل النفطية خلال السنوات القادمة، بل لن تعود الدولة الريعية الى الحياة مجدداً. وأيضاً، لن تكون الدولة قادرة على توفير التعليم الجامعي بشكل كاف، ولا على بناء مدارس كافية، كما لن تستطيع توفير الوظائف ضمن القطاع الحكومي، فعملية الإستيعاب في الجهاز الوظيفي الحكومي لها حدود لا يمكن تجاوزها، وإن كان ذلك لا يعفي مؤسسات الدولة من مسؤوليتها في توفير وظائف لمواطنيها. أيضاً، فإن النتائج المترتبة على هذا كلّه، بما في ذلك تقلص الخدمات الصحية وتراجع مستواها، الى الخدمات الإسكانية، والمواصلات، وزيادة الرسوم (الضرائب)، وما أشبه، لا بد وأن تترك آثاراً حادة على معدلات الجريمة والعنف، الأمر الذي يشكّل تحدياً لشرعية النظام السياسي حتى بين قواعده التقليدية.

الإصلاحات: عملية جراحية مرفوضة ملكياً
 
وزير المالية الجدعان: لأول مرة..  ميزانية الدولة من جيوب المواطنين 

 وبالرغم من حقيقة وجود خيارات عديدة لتقليص آثار الأزمة الإقتصادية، إلاّ أنها خيارات تستدعي إجراء عمليات جراحية في هيكل الدولة البيروقراطي، ليس لدى القائمين عليها الآن الشجاعة الكافية، وربما القدرة، على طرقها. فمداخيل الدولة لا تزال معقولة رغم انخفاضها عن معدلاتها القديمة بنسبة تصل الى ستين بالمائة، وهي كافية لتجميد المشكلة الإقتصادية إن لم نقل البدء بحلها. ولكن مشاكل الفساد الإداري، وهدر الأموال العامة، والحروب المفتعلة الاجرامية خاصة في اليمن، وشراء ولاءات الدول، كل ذلك لازال يجري على قدم وساق رغم الأزمة الاقتصادية. ولم تؤدّ الأزمة الى إعادة النظر في الأولويات من جهة المصاريف، فلا زال الجهاز الأمني والعسكري يستقطعان أكثر من نصف دخل البلاد.. وإذا كان هناك من تبرير للصرف على الجهاز الأمني الداخلي المتضخم أصلاً، فليس هناك من مبرر مقنع للإستمرار في الصرف على شراء الأسلحة، وعلى جيش لا يتجاوز عدده المائة وخمسين ألف شخص.

في هذا الإطار يمكن أيضاً ذكر مصاريف العائلة المالكة التي لا يعلم حجمها، ولكن المواطنين يشيرون إليها كسبب رئيسي وربما (الرئيسي) وراء المشكلة. إن عدم القدرة أو عدم الرغبة في ضبط مثل هذا النوع من المصاريف، لا يفضي فقط الى اتهام الجمهور للقائمين على الدولة بالفشل في الإدارة، بل يميل الى اتهامهم (بخيانة) الأمانة أيضاً، ومثل هذا المنحى في التفكير لا بدّ وأن يترك آثاره على شرعية الحكم. وكلما اشتدّت الأزمة أُلقي باللوم على المسؤولين، فالذي حصد وحده المديح على قاعدة تحقيق الإنجاز، يحصد وحده مسؤولية الإخفاق بنظر العامة.

في سنوات الرخاء الإقتصادي النسبي، كانت أعين الجمهور مغمضة عن كل الأخطاء، وعن الحقوق السياسية.. ولكن في حال التراجع والإنتكاس، كما هو اليوم، لا تبق الأعين مغلقة، والعقول تبحث عن جهة تعلّق عليها أسباب الفشل، خاصة بالنسبة للأجيال الشابة التي خسرت وتخسر مستقبلها التعليمي والوظيفي والخدمي. وإذا كانت النافذة السياسية مغلقة أمام الجمهور في سنوات الطفرة، فإنه من الصعب ـ ولكنه ليس مستحيلاً ـ أن تبقى مغلقة جنباً الى جنب الأبواب الإقتصادية دون حدوث أزمة كبيرة. أي لا يمكن ضبط المواطنين في جو المعاناة الإقتصادية بمنع التنفيس السياسي.

وحتى الآن لا تظهر أية مؤشرات على أن هناك نيّة في توسيع القنوات السياسية لتلافي بعض مشاكل الإحباط الإقتصادي. وهذا يعني فيما يعنيه: الإعتماد على الحل الأمني لمواجهة المشاكل القادمة، طالما أن لا أُفق في المدى المنظور لحلّ مشاكل التوظيف والتعليم والصحة والإسكان غيرها. ولغياب الحلول، ورعونة الأمراء بعدم تقديم تنازلات سياسية، وجد الجهاز الأمني/ وزارة الداخلية، التي يسيطر عليها ولي العهد، وجد نفسه مدفوعاً للتوسّع في استخدام القوة حتى لا تذهب الدولة السعودية بقضها وقضيضها (وليس هيبة الدولة فحسب) أدراج الرياح.

لقد تمّت خلال السنوات الماضية عمليّة (تسييس) السخط الإجتماعي بصورة تدريجية، رغم عدم وجود أحزاب أو منظمات سياسية تستثمرها، ونظنّ أن الأمير محمد بن سلمان وأباه الملك وولي العهد محمد بن نايف، ما كانوا ليفعلوا ما فعلوه حتى الآن، من مظالم اقتصادية لولا انهم قد مهدوا الطريق باعتقال معظم إن لم يكن كل الناشطين السياسيين والحقوقيين، وأقاموا الإعدامات للخصوم، بحيث لم يبق أحد يستثمر سياسياً اخطاء النظام ويحولها الى مطالب سياسية، ويشحن الشارع بها. ولعل حملة الإعتقالات والقمع القائمة هدفها الأساس ـ من وجهة نظر العائلة المالكة ـ منع تسييس السخط الشعبي، وتحويله الى حركة سياسية قد تؤدي في أقل التقادير الى كسر عظم حكم ال سعود، واجبارهم على تقديم تنازلات سياسية.

وبالنظر الى أزمات سابقة، كان البعض يفترض إحتمال قيام المسؤولين وبمبادرة منهم التقاط نبض الشارع، والتناغم معه بقدر ما، والسير باتجاه الإصلاحات مهما كانت قاسية ومؤلمة، وافساح المجال لحرية التعبير ولو من أجل التنفيس عن المواطنين حتى لا ينفجروا عنفاً بوجه آل سعود.

لكن أياً من هذا غير متوقع الآن بتاتاً، ولا يوجد شيء يقدمه النظام، لا حياة كريمة اقتصادياً، ولا حياة كريمة سياسياً، ولا حياة كريمة بعيداً عن سجون المباحث.

العنف والفقر والإنفجار، هي عناوين الوضع السعودي القائم، وستترسخ هذه العناوين أكثر فأكثر في الأشهر القادمة.

فقط تابعوا اعلام النظام، وجرائده المحلية، لتتعرفوا على آخر التطورات!

الصفحة السابقة