الفشل السعودي باليمن

معركة الحديدة.. الإختبار السعودي الأخير

سعدالدين منصوري

قد يشتعل الساحل الغربي من اليمن في أي لحظة، وعلى وجه التحديد في مدينة الحديدة وميناءها الذي يمثل المنفذ البحري الوحيد الذي تصل منه المساعدات الغذائية والدوائية لنحو 17 مليون نسمة.

تجاذب على مستوى رسمي وشعبي..استعجال سعودي لدفع الأميركي على الانخراط المباشر في العدوان على اليمن، تقابلة عاصفة من الانتقادات والتحذيرات داخل الولايات المتحدة من منظمات المجتمع المدني وجمعيات إنسانية ووسائل إعلام، فيما يتحدّث كتّاب أميركيون عن فشل الدور الاميركي في هذه الحرب.

مايكل هورتون، الباحث في معهد (جيمستون) كتب في 21 مارس الماضي مقالة في مجلة (The American Conservative) أشار فيها الى أن الحرب التي تقودها السعودية على اليمن فشلت في تحقيق أي من أهدافها مع دخول عامها الثالث. ولفت الى أن انصار الله وحلفائه لا زالوا يسيطرون على شمال غرب اليمن بينما أدّت الحرب الى إفقار الملايين وتقوية تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (و مقرها اليمن) التي قال أنها باتت تهدد المنطقة.

وأضاف الكاتب بأن اليمن يواجه اليوم مجاعة، وأن القصف الذي شنته السعودية ودولة الإمارات على هذا البلد أدّى الى تدمير البنية التحتية في اليمن. وأن عدم قدرة السعودية على تحقيق غاياتها في اليمن يفيد بأن الجيش السعودي هوعبارة عن «نمر من ورق»، وبأن الحرب كشفت ان السلاح المتطور لا يمكنه ان يحقق الكثير امام عدو «عازم».

ورجّح الكاتب بأن يكون ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد نجح في تأمين المزيد من الدعم الاميركي للحرب على اليمن خلال الزيارة التي قام بها مؤخراً الى واشنطن، وذلك بسبب عداء إدارة ترامب حيال ايران.

إلا أن الكاتب استبعد بأن تنتصر السعودية في الحرب على اليمن حتى مع حصولها على أسلحة إضافية، مشيراً إلى أن القوات البرية والحرس الوطني تبين أنهم غير قادرين على الدفاع عن الحدود الجنوبية السعودية ضد هجمات المقاومة اليمنية. ولفت إلى أن الرياض وبرغم من إنفاقها مبلغ 87 مليار دولار على جيشها في عام 2016، إلا أنها طلبت من باكستان إرسال وحدات عسكرية لحماية حدودها ضد «الحوثيين الذين ليس لديهم أي غطاء جوي والذين غالباً ما يقاتلون بالأسلحة الخفيفة» حسب الكاتب.

 
بروس ريدل

الرياض، كما يقول الكاتب، وحتى مع مساعدة المرتزقة، فإنها على الارجح لن تستطيع تحقيق غاياتها في اليمن. وشبّه اليمن بأفغانستان من الناحية الجغرافية والعشائرية، وعليه فإن مستقبل السعوديين في اليمن سيكون شبيهاً للتجربة الاميركية في أفغانستان، حيث تخوض أميركا أطول حرب في تاريخها. ونبّه الى أن الولايات المتحدة وبرغم من انفاقها ترليونات الدولارات واستخدام أحدث الأسلحة فإنها فشلت في إنزال هزيمة في طالبان. وعليه، أكّد على استحالة أن تحقق السعودية نصراً في اليمن، مجدّداً القول أن تنظيم القاعدة استفاد بشكل كبير من الحرب ومن استعداد السعودية لناحية «غض الطرف» عنه بينما يقاتل نفس الخصم، أي الحوثيين. كما حذّر من أن القاعدة ستستطيع التجنيد من «جيل كامل من اليمنيين» الذين سيكونون أكثر فقراً وأقل تعليماً من أهاليهم، حسب الكاتب.

يضيف الكاتب، إن الاسلحة التي أدخلتها السعودية والامارات الى اليمن يتم تهريبها الى أماكن مثل الصومال، وقال أن حركة الشباب التابعة للقاعدة في الصومال ستستفيد من ذلك كونها تعاني منذ زمن طويل من نقص في السلاح. وأن سياسة إعطاء الحرية المطلقة للسعودية في اليمن كما فعلت ادارة اوباما السابقة لن تخدم مصالح الامن القومي الاميركي ولا تساهم إيجابياً في الاستقرار الاقليمي، «بل العكس». في الوقت نفسه، استبعد الكاتب أن تمارس واشنطن ضغوطاً على الرياض بهدف انهاء الحرب.

عاد هورتون وكتب مقالة أخرى في 5 إبريل الجاري يجدّد فيه تحذيره من تكثيف ترامب دعمه للعدوان السعودي على اليمن والذي يعدّه توسيع لنطاق السياسة الفاشلة التي اتبعها سلفه أوباما في الحرب على اليمن.

كتب هرتون: «ألمحت إدارة ترامب بأنها سوف تزيد من دعمها لحرب السعودية ضد المتمرّدين الحوثيين في اليمن. الحرب بقيادة السعودية، والتي بدأت قبل عامين، قد حققت القليل خارج إطار قتل الآلاف وتدمير الكثير من البنية التحتيّة في اليمن، وتقوية القاعدة في الجزيرة العربية، ودفع الملايين الى حافة المجاعة. إن الحرب تشّن مع قليل من الضوابط الأخلاقية: فقد استهدفت السعودية الجنائز، المدارس، المعامل، والمزارع. ومؤخراً، تمّت مهاجمة قارب مليء باللاجئين الهاربين من اليمن من قبل طائرة أباتشي. وقد قتل الهجوم 42 شخصاً.

ويضيف: «كشفت الحرب عن قوة مسلّحة سعودية مموّلة بسخاء لتكون نمراً من ورق وهذا هو غير قادر على الدفاع حتى عن الحدود الجنوبية للبلاد مع اليمن. الآن فإن السعوديين وحليفهم الرئيسي، الإمارات، فشلوا في هزيمة الحوثيين، المتحالفين مع الكثير من الجيش اليمني، ويريدون ـ أي السعوديين ـ مزيدا من الدعم من واشنطن».

وفي مقابلة مع السفيرة لأميركية لدى اليمن باربارا بودين أجراها مجلس العلاقات الخارجية في 13 مارس الماضي وصفت إسلوب استخدام الطائرات من دون طيار لضرب تنظيم القاعدة في اليمن بأنها عبارة عن أداة وليس استراتيجية. وأشارت بودين الى أن عدد عناصر تنظيم القاعدة قد تزايد رغم استخدام الطائرات الاميركية من دون طيار، وإلى أن الاراضي التي يسيطر عليها التنظيم قد توسعت كذلك.

 
السفيرة الأمريكية السابقة في اليمن باربرا بودين

وحول الحرب السعودية على اليمن قالت بودين: «ليس لدى السعوديين خطة واضحة أبعد من إعادة عبد ربه منصور هادي الى الحكم». كما وصفت السلوك السعودي بشن الحرب بأنه عبارة عن «غطرسة»، إذ اعتقد السعوديون أنهم سيحقّقون نصراً سريعاً، وهو ما لم يحصل.

واضافت السفيرة السابقة أن ما يقوّي أنصار الله هو أنهم يقاتلون في أرضهم ضد حملة قصف جوي تشنها قوّة خارجية، لافتة إلى أن ذلك يعطي أنصار الله المزيد من الدعم في الداخل كونهم يدافعون ضد معتدٍ خارجي»، بحسب تعبيرها.

الكثير من القتال الذي دار حصل في المناطق الشمالية مروراً بالمناطق والمدن الواقعة على الحدود مع السعودية مثل عدن، بينما المناطق الشرقية لا تشهد الكثير من القتال، وهو ما يعني أن «لا أحد يطلق النيران على تنظيم القاعدة». وشدّدت على أن على واشنطن «أقلّه» محاولة تخفيف حدة الكارثة في اليمن، وأن على المجتمع الدولي أن ينظر بكيفية القيام «بتدخل إنساني» من أجل «إحباط الكارثة». وشدّدت على ضرورة أن تتعاون السعودية مع مثل هذه المساعي وعلى أن «لا حل عسكري للنزاع»، وأعربت عن رغبتها بأن تجدّد الولايات المتحدة مساعيها من أجل التوصل إلى حل سلمي.

وكتب بروس رايدل مقالة في 12 مارس الماضي في موقع (Al-Monitor) أشار فيها إلى ان الحرب على اليمن والتي يمضي عليها أكثر من سنتين أصبح أفق النهائية فيها بعيداً. وقال بأن الشعب اليمني وهو الأكثر فقراُ في العالم يدفع ثمن مروع نتيجة هذه الحرب.

وقال الكاتب أنه «سرعان ما اتضح» أن وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان لم تكن لديه أي خطة لجهة كيفية تحقيق النصر أو انهاء الحرب على اليمن. ولفت الى ان المناطق الحدودية السعودية تعرّضت لقصف من قبل قوات انصار الله اليمنية. وأضاف: بينما يتحدّث ناطقون بإسم عبد ربه منصور هادي عن قرب الانتصار وعن استعادة وشيكة للعاصمة صنعاء، إلا أن ذلك يبدو غير مرجّح.

وقال الكاتب أنه حتى ولو «سيطر السعوديون» على صنعاء، فان الرياض ستواجه معركة طويلة قد تكون مفتوحة الأمد ضد «الحوثيين». وشدّد أيضاً على أن تنظيم القاعدة هو «من المستفيدين» من الحرب، وهو ما يفسّر قيام الإدارة الاميركية الجديدة بشن ضربات جوية ضد اهداف تابعة للقاعدة باليمن بشكل عنيف، حيث أن عدد هذه الغارات منذ شهر يناير مطلع العام الحالي يفوق عدد الغارات التي شنتها إدارة أوباما طوال عام 2016. ونبّه رايدل الى أن تنظيم القاعدة سيجد مساحة «للنمو» كما سيجد الكثير من المجنّدين طالما إستمرت الحرب.

وفيما يخص خطوات مجلس الأمن لإنهاء الحرب على اليمن، عدّ رايدل هذه الخطوات بكونها جاءات منحازة بشكل كبير للموقف السعودي، وأن أي من أطراف النزاع في اليمن لم يبدِ استعداداً للمرونة وأن السعوديين غير مستعدين «لإرغام هادي على التنحي». وعليه، خلص رايدل إلى أن العملية الدبلوماسية حول اليمن «مشلولة كم الحرب».

بروس رايدل تابع بأن أميركا وبريطانيا قدّمتا الطائرات الحربية والسلاح للقوات الجوية السعودية كي تقوم الأخيرة «بقصف البنى التحتية اليمنية على مدار عامين». وبينما أشار إلى أن بعض الأصوات في الكونغرس حاولت منع مبيعات السلاح الى السعودية، إستبعد أن تنجح هذه المساعي. غير أنه شدّد في الوقت نفسه على تزايد الإنتقادات العالمية للحرب التي تشنّها السعودية.

وأكد رايدل على أن الحرب على اليمن مكلفة للسعودية، خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط، ثم عاد وتطرّق الى المأساة الانسانية نتيجة هذه الحرب كما تكشف أرقام منظمة «اليونيسف» والتي تفيد بأن طفلاً يمنياً يموت كل عشر دقائق بسبب سوء التغذية ومشاكل أخرى متعلّقة في الحرب والحصار الذي تفرضه السعودية على شمال اليمن. ووصف التكاليف الإنسانية للحرب بأنها «مدهشة» وأن أثرها السياسي سيقى لفترة طويلة.

الكاتب أشار إلى أن العديد من الشخصيات في الإدارة الإميركية الجديدة لديهم خبرة بالتعاطي مع اليمن، بمن فيهم وزيرا الخارجية و الحرب. وعليه قال أن الوقت قد حان لمراجعة السياسة الأميركية حيال اليمن، منبّهاً إلى أن الأهمية الاستراتيجية لهذا البلد كونه يقع على مضيق باب المندب حيث تمرّ غالب واردات النفط الى الغرب. وأضاف بأن المصلحة الأميركية الأساسية تتمثّل في مساعدة السعودية على إيجاد مخرج «من نزاع لا تسير وفقاً لمصالحها». كما شدّد على أن من المصالح الملحّة الأخرى بالنسبة لواشنطن وقف «المذابح» التي ترتكب بحق الشعب اليمني، وقال أن الحل هو دبلوماسي و»بقيادة أميركية»، وشدّد على أن هذه «القيادة الاميركية يجب أن تترافق مع «قناعة وعواقب»، بحسب رايدل.

الصفحة السابقة